کتابخانه روایات شیعه
20 قَالَ الْإِمَامُ ع [قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ] (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أَيْ 212 :
أَدِمِ لَنَا تَوْفِيقَكَ الَّذِي بِهِ أَطَعْنَاكَ فِي مَاضِي أَيَّامِنَا- حَتَّى نُطِيعَكَ كَذَلِكَ فِي مُسْتَقْبَلِ أَعْمَارِنَا 213 وَ (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) هُوَ صِرَاطَانِ: صِرَاطٌ فِي الدُّنْيَا، وَ صِرَاطٌ فِي الْآخِرَةِ.
فَأَمَّا الطَّرِيقُ 214 الْمُسْتَقِيمُ فِي الدُّنْيَا- فَهُوَ مَا قَصُرَ عَنِ الْعُلُوِّ، وَ ارْتَفَعَ عَنِ التَّقْصِيرِ- وَ اسْتَقَامَ فَلَمْ يَعْدِلْ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْبَاطِلِ.
وَ الطَّرِيقُ الْآخَرُ: طَرِيقُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجَنَّةِ الَّذِي هُوَ مُسْتَقِيمٌ، لَا يَعْدِلُونَ عَنِ الْجَنَّةِ إِلَى النَّارِ، وَ لَا إِلَى غَيْرِ النَّارِ سِوَى الْجَنَّةِ.
[قَالَ: وَ] 215 قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ ع: قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) يَقُولُ: أَرْشِدْنَا لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، أَرْشِدْنَا لِلُزُومِ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَى مَحَبَّتِكَ، وَ الْمُبَلِّغِ إِلَى جَنَّتِكَ 216 وَ الْمَانِعِ مِنْ أَنْ نَتَّبِعَ أَهْوَاءَنَا فَنَعْطَبَ، أَوْ أَنْ نَأْخُذَ بِآرَائِنَا فَنَهْلِكَ.
ثُمَّ قَالَ 217 ع: فَإِنَّ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ، وَ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ- كَانَ كَرَجُلٍ سَمِعْتُ غُثَاءَ 218 الْعَامَّةِ تُعَظِّمُهُ وَ تَصِفُهُ 219 ، فَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْرِفُنِي- لِأَنْظُرَ مِقْدَارَهُ وَ مَحَلَّهُ فَرَأَيْتُهُ فِي مَوْضِعٍ قَدْ أَحْدَقَ بِهِ خَلْقٌ مِنْ غُثَاءِ الْعَامَّةِ، فَوَقَفْتُ مُنْتَبِذاً 220 عَنْهُمْ، مُتَغَشِّياً بِلِثَامٍ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَ إِلَيْهِمْ، فَمَا زَالَ يُرَاوِغُهُمْ 221 حَتَّى خَالَفَ طَرِيقَهُمْ فَفَارَقَهُمْ، وَ لَمْ يَعُدْ 222
فَتَفَرَّقَتِ الْعَامَّةُ عَنْهُ لِحَوَائِجِهِمْ. وَ تَبِعْتُهُ أَقْتَفِي أَثَرَهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَرَّ بِخَبَّازٍ فَتَغَفَّلَهُ، فَأَخَذَ مِنْ دُكَّانِهِ رَغِيفَيْنِ مُسَارَقَةً 223 ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّهُ مُعَامَلَةٌ.
ثُمَّ مَرَّ بَعْدَهُ بِصَاحِبِ رُمَّانٍ، فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى تَغَفَّلَهُ فَأَخَذَ مِنْ عِنْدِهِ رُمَّانَتَيْنِ مُسَارَقَةً فَتَعَجَّبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قُلْتُ [فِي نَفْسِي]: لَعَلَّهُ مُعَامَلَةٌ، ثُمَّ أَقُولُ: وَ مَا حَاجَتُهُ [إِذاً] 224 إِلَى الْمُسَارَقَةِ! ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَتْبَعُهُ حَتَّى مَرَّ بِمَرِيضٍ، فَوَضَعَ الرَّغِيفَيْنِ وَ الرُّمَّانَتَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ مَضَى، وَ تَبِعْتُهُ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي بُقْعَةٍ مِنْ صَحْرَاءَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ بِكَ [خَيْراً] وَ أَحْبَبْتُ لِقَاءَكَ، فَلَقِيتُكَ، لَكِنِّي رَأَيْتُ مِنْكَ مَا شَغَلَ قَلْبِي، وَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْهُ، لِيَزُولَ بِهِ شُغُلُ قَلْبِي. قَالَ: مَا هُوَ قُلْتُ: رَأَيْتُكَ مَرَرْتَ بِخَبَّازٍ فَسَرَقْتَ مِنْهُ رَغِيفَيْنِ، ثُمَّ مَرَرْتَ بِصَاحِبِ الرُّمَّانِ فَسَرَقْتَ مِنْهُ رُمَّانَتَيْنِ! قَالَ: فَقَالَ لِي: قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ حَدِّثْنِي مَنْ أَنْتَ قُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ آدَمَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص. قَالَ: حَدِّثْنِي 225 مِمَّنْ أَنْتَ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ص.
قَالَ: أَيْنَ بَلَدُكَ قُلْتُ: الْمَدِينَةُ.
قَالَ: لَعَلَّكَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ لِي: فَمَا يَنْفَعُكَ شَرَفُ [أَهْلِكَ وَ] 226 أَصْلُكَ- مَعَ جَهْلِكَ بِمَا شُرِّفْتَ بِهِ، وَ تَرْكِكَ عِلْمَ جَدِّكَ وَ أَبِيكَ- لِئَلَّا تُنْكِرَ مَا يَجِبُ أَنْ تَحْمَدَ وَ تَمْدَحَ فَاعِلَهُ! قُلْتُ: وَ مَا هُوَ قَالَ: الْقُرْآنُ كِتَابُ اللَّهِ.
قُلْتُ: وَ مَا الَّذِي جَهِلْتُ مِنْهُ قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ:
« مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها- وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها » 227 وَ إِنِّي لَمَّا سَرَقْتُ الرَّغِيفَيْنِ كَانَتْ سَيِّئَتَيْنِ، وَ لَمَّا سَرَقْتُ الرُّمَّانَتَيْنِ كَانَتْ سَيِّئَتَيْنِ
فَهَذِهِ أَرْبَعُ سَيِّئَاتٍ، فَلَمَّا تَصَدَّقْتُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ حَسَنَةً، فَانْتَقَصَ مِنْ أَرْبَعِينَ حَسَنَةً أَرْبَعُ (حَسَنَاتٍ بِأَرْبَعِ سَيِّئَاتٍ) 228 بَقِيَ لِي سِتٌّ وَ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً.
قُلْتُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَنْتَ الْجَاهِلُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:
«إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» 229 إِنَّكَ لَمَّا سَرَقْتَ الرَّغِيفَيْنِ كَانَتْ سَيِّئَتَيْنِ وَ لَمَّا سَرَقْتَ الرُّمَّانَتَيْنِ كَانَتْ سَيِّئَتَيْنِ، وَ لَمَّا دَفَعْتَهُمَا إِلَى غَيْرِ صَاحِبِهِمَا، بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِمَا، كُنْتَ إِنَّمَا أَضَفْتَ أَرْبَعَ سَيِّئَاتٍ إِلَى أَرْبَعِ سَيِّئَاتٍ، وَ لَمْ تُضِفْ أَرْبَعِينَ حَسَنَةً إِلَى أَرْبَعِ سَيِّئَاتٍ.
فَجَعَلَ يُلَاحِظُنِي 230 ، فَتَرَكْتُهُ وَ انْصَرَفْتُ.
قَالَ الصَّادِقُ ع: بِمِثْلِ هَذَا التَّأْوِيلِ الْقَبِيحِ الْمُسْتَنْكَرِ 231 يَضِلُّونَ وَ يُضِلُّونَ.
وَ هَذَا [نَحْوُ] تَأْوِيلِ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِ مَا يَسْتَحِقُّ- لَمَّا قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ (ره) فَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ خَلْقٍ كَثِيرٍ، وَ قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: عَمَّارٌ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ.
فَدَخَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ هَاجَ النَّاسُ وَ اضْطَرَبُوا. قَالَ: لِمَا ذَا قَالَ: لِقَتْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: عَمَّارٌ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ.
فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: دُحِضْتَ 232 فِي قَوْلِكَ، أَ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِمَا أَلْقَاهُ بَيْنَ رِمَاحِنَا. فَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِعَلِيٍّ ع، فَقَالَ ع:
إِذًا رَسُولُ اللَّهِ ص هُوَ الَّذِي قَتَلَ حَمْزَةَ (ره) لِمَا أَلْقَاهُ بَيْنَ رِمَاحِ الْمُشْرِكِينَ.
21 [ثُمَ] قَالَ الصَّادِقُ ع طُوبَى لِلَّذِينَ هُمْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص:
يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَ انْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ 233 وَ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ 234 .
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي عَاجِزٌ بِبَدَنِي عَنْ نُصْرَتِكُمْ، وَ لَسْتُ أَمْلِكُ إِلَّا الْبَرَاءَةَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ، وَ اللَّعْنَ عَلَيْهِمْ، فَكَيْفَ حَالِي فَقَالَ لَهُ الصَّادِقُ ع: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ع، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص [أَنَّهُ] 235 قَالَ: مَنْ ضَعُفَ عَنْ نُصْرَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَلَعَنَ فِي خَلَوَاتِهِ أَعْدَاءَنَا، بَلَّغَ اللَّهُ صَوْتَهُ جَمِيعَ الْأَمْلَاكِ مِنَ الثَّرَى إِلَى الْعَرْشِ، فَكُلَّمَا لَعَنَ هَذَا الرَّجُلُ أَعْدَاءَنَا لَعْناً سَاعَدُوهُ فَلَعَنُوا مَنْ يَلْعَنُهُ، ثُمَّ ثَنَّوْا- فَقَالُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ هَذَا، الَّذِي قَدْ بَذَلَ مَا فِي وُسْعِهِ، وَ لَوْ قَدَرَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ لَفَعَلَ.
فَإِذَا النِّدَاءُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى: قَدْ أَجَبْتُ دُعَاءَكُمْ، وَ سَمِعْتُ نِدَاءَكُمْ، وَ صَلَّيْتُ عَلَى رُوحِهِ فِي الْأَرْوَاحِ، وَ جَعَلْتُهُ عِنْدِي مِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ 236 .
قوله عز و جل صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
22 قَالَ الْإِمَامُ ع صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أَيْ قُولُوا: اهْدِنَا صِرَاطَ
الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ- بِالتَّوْفِيقِ لِدِينِكَ وَ طَاعَتِكَ.
وَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ- وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» 237 وَ حُكِيَ هَذَا بِعَيْنِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ: ثُمَّ قَالَ:
لَيْسَ هَؤُلَاءِ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالْمَالِ وَ صِحَّةِ الْبَدَنِ، وَ إِنْ كَانَ كُلُّ هَذَا نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ ظَاهِرَةً أَ لَا تَرَوْنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ يَكُونُونَ كُفَّاراً، أَوْ فُسَّاقاً فَمَا نُدِبْتُمْ [إِلَى] أَنْ تَدْعُوا بِأَنْ تُرْشَدُوا إِلَى صِرَاطِهِمْ، وَ إِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالدُّعَاءِ- لِأَنْ تُرْشَدُوا إِلَى صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ [اللَّهُ] عَلَيْهِمْ: بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَ التَّصْدِيقِ بِرَسُولِهِ 238 وَ بِالْوَلَايَةِ لِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ- وَ أَصْحَابِهِ الْخَيِّرِينَ الْمُنْتَجَبِينَ وَ بِالتَّقِيَّةِ الْحَسَنَةِ الَّتِي يُسْلَمُ بِهَا: مِنْ شَرِّ عِبَادِ اللَّهِ، (وَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي أَيَّامِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَ كُفْرِهِمْ) 239 بِأَنْ تُدَارِيَهُمْ فَلَا تُغْرِيَهُمْ بِأَذَاكَ وَ أَذَى الْمُؤْمِنِينَ وَ بِالْمَعْرِفَةِ بِحُقُوقِ الْإِخْوَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ مَا مِنْ عَبْدٍ وَ لَا أَمَةٍ وَالَى مُحَمَّداً وَ آلَ مُحَمَّدِ 240 وَ عَادَى مَنْ عَادَاهُمْ إِلَّا كَانَ قَدِ اتَّخَذَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ حِصْناً مَنِيعاً، وَ جُنَّةً حَصِينَةً.
وَ مَا مِنْ عَبْدٍ وَ لَا أَمَةٍ دَارَى عِبَادَ اللَّهِ بَأَحْسَنِ الْمُدَارَاةِ، وَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي بَاطِلٍ، وَ لَمْ يَخْرُجْ بِهَا مِنْ حَقٍّ- إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى نَفَسَهُ تَسْبِيحاً، وَ زَكَّى عَمَلَهُ، وَ أَعْطَاهُ بَصِيرَةً عَلَى كِتْمَانِ سِرِّنَا، وَ احْتِمَالَ الْغَيْظِ لِمَا يَسْمَعُهُ مِنْ أَعْدَائِنَا [وَ] ثَوَابَ الْمُتَشَحِّطِ بِدَمِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَ مَا مِنْ عَبْدٍ أَخَذَ نَفْسَهُ بِحُقُوقِ إِخْوَانِهِ- فَوَفَّاهُمْ حُقُوقَهُمْ جَهْدَهُ، وَ أَعْطَاهُمْ مُمْكِنَهُ
وَ رَضِيَ مِنْهُمْ بِعَفْوِهِمْ، وَ تَرَكَ الِاسْتِقْصَاءَ عَلَيْهِمْ، فِيمَا يَكُونُ مِنْ زَلَلِهِمْ، وَ غَفَرَهَا لَهُمْ إِلَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ 241 :
يَا عَبْدِي قَضَيْتَ حُقُوقَ إِخْوَانِكَ، وَ لَمْ تَسْتَقْصِ عَلَيْهِمْ فِيمَا لَكَ عَلَيْهِمْ، فَأَنَا أَجْوَدُ وَ أَكْرَمُ وَ أَوْلَى- بِمِثْلِ مَا فَعَلْتَهُ مِنَ الْمُسَامَحَةِ وَ التَّكَرُّمِ، فَأَنَا أَقْضِيكَ الْيَوْمَ عَلَى حَقِّ [مَا] وَعَدْتُكَ بِهِ، وَ أَزِيدُكَ مِنْ فَضْلِيَ الْوَاسِعِ، وَ لَا أَسْتَقْصِي عَلَيْكَ فِي تَقْصِيرِكَ فِي بَعْضِ حُقُوقِي.
قَالَ: فَيُلْحِقُهُ بِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ أَصْحَابِهِ، وَ يَجْعَلُهُ مِنْ خِيَارِ شِيعَتِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَحِبَّ فِي اللَّهِ وَ أَبْغِضْ فِي اللَّهِ، وَ وَالِ فِي اللَّهِ، وَ عَادِ فِي اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا تُنَالُ وَلَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بِذَلِكَ وَ لَا يَجِدُ الرَّجُلُ طَعْمَ الْإِيمَانِ- وَ [إِنْ] كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَ صِيَامُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ، وَ قَدْ صَارَتْ مُؤَاخَاةُ النَّاسِ يَوْمَكُمْ هَذَا أَكْثَرُهَا فِي الدُّنْيَا، عَلَيْهَا يَتَوَادُّونَ، وَ عَلَيْهَا يَتَبَاغَضُونَ، وَ ذَلِكَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً.
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ كَيْفَ لِي- أَنْ أَعْلَمَ أَنِّي قَدْ وَالَيْتُ وَ عَادَيْتُ فِي اللَّهِ وَ مَنْ وَلِيُّ اللَّهِ حَتَّى أُوَالِيَهُ وَ مَنْ عَدُوُّ اللَّهِ 242 حَتَّى أُعَادِيَهُ فَأَشَارَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع، فَقَالَ: أَ تَرَى هَذَا قَالَ:
بَلَى. قَالَ: [فَإِنَ] وَلِيَّ هَذَا وَلِيُّ اللَّهِ فَوَالِهِ، وَ عَدُوَّ هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ فَعَادِهِ، وَ وَالِ وَلِيَّ هَذَا، وَ لَوْ أَنَّهُ قَاتِلُ أَبِيكَ وَ وَلَدِكَ، وَ عَادِ عَدُوَّ هَذَا وَ لَوْ أَنَّهُ أَبُوكَ وَ وَلَدُكَ 243 .
قوله عز و جل غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ
23 قَالَ الْإِمَامُ ع: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع : أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عِبَادَهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ طَرِيقَ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ، وَ هُمُ: النَّبِيُّونَ وَ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَدَاءُ وَ الصَّالِحُونَ وَ أَنْ يَسْتَعِيذُوا [بِهِ] مِنْ طَرِيقِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ هُمُ الْيَهُودُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ:
«قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ- مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ» 244 وَ أَنْ يَسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ طَرِيقِ الضَّالِّينَ ، وَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ:
«قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ- وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ- وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ» 245 وَ هُمُ النَّصَارَى.
ثُمَّ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع: كُلُّ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ فَهُوَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ، وَ ضَالٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.
وَ قَالَ الرِّضَا ع كَذَلِكَ، وَ زَادَ فِيهِ، فَقَالَ:
وَ مَنْ تَجَاوَزَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع الْعُبُودِيَّةَ- فَهُوَ مِنَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ مِنَ الضَّالِّينَ . 246 .
24 وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع : «لَا تَتَجَاوَزُوا بِنَا الْعُبُودِيَّةَ، ثُمَّ قُولُوا مَا شِئْتُمْ وَ لَنْ تَبْلُغُوا 247 وَ إِيَّاكُمْ وَ الْغُلُوَّ كَغُلُوِّ النَّصَارَى، فَإِنِّي بَرِيءٌ مِنَ الْغَالِينَ».