کتابخانه روایات شیعه
المقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله كما هو أهله و مستحقه و صلى الله على خيرته من خلقه على عباده محمد و آله الأبرار الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا سألت أحسن الله توفيقك إملاء كتاب في تنزيه الأنبياء و الأئمة ع- عن الذنوب و القبائح كلها ما سمي منها كبيرا أو صغيرا و الرد على من خالف في ذلك على اختلافهم و ضروب مذاهبهم و أنا أجيب إلى ما سألت على ضيق الوقت و تشعب الفكر و أبتدئ بذكر الخلاف في هذا الباب ثم بالدلالة على المذهب الصحيح من جملة ما أذكره من المذاهب ثم بتأويل ما تعلق به المخالف من الآيات و الأخبار التي اشتبه عليه وجهها و ظن أنها تقتضي وقوع كبيرة أو صغيرة من الأنبياء و الأئمة ع و من الله تعالى أستمد المعونة و التوفيق و إياه أسأل التأييد و التسديد اختلف الناس في الأنبياء ع فقالت الشيعة الإمامية لا يجوز عليهم شيء من المعاصي و الذنوب كبيرا كان أو صغيرا لا قبل النبوة و لا بعدها و يقولون في الأئمة مثل ذلك و جوز أصحاب الحديث و الحشوية على الأنبياء الكبائر قبل
النبوة و منهم من جوزها في حال النبوة سوى الكذب فيما يتعلق بأداء الشريعة و منهم من جوزها كذلك في حال النبوة بشرط الاستسرار دون الإعلان و منهم من جوزها على الأحوال كلها و منعت المعتزلة من وقوع الكبائر و الصغائر المستخفة من الأنبياء ع قبل النبوة و في حالها و جوزت في الحالين وقوع ما لا يستخف من الصغائر ثم اختلفوا فمنهم من جوز على النبي ص الإقدام على المعصية الصغيرة على سبيل العمد و منهم من منع ذلك و قال إنهم لا يقدمون على الذنوب التي يعلمونها ذنوبا بل على سبيل التأويل و حكي عن النظام و جعفر بن مبشر و جماعة ممن تبعهما أن ذنوبهم لا تكون إلا على سبيل السهو و الغفلة و أنهم مؤاخذون بذلك و إن كان موضوعا عن أممهم بقوة معرفتهم و علو مرتبتهم و جوزوا كلهم و من قدمنا ذكره من الحشوية و أصحاب الحديث على الأئمة الكبائر و الصغائر إلا أنهم يقولون إن بوقوع الكبيرة من الإمام تفسد إمامته و يجب عزله و الاستبدال به و اعلم أن الخلاف بيننا و بين المعتزلة في تجويزهم الصغائر على الأنبياء ص يكاد يسقط عند التحقيق لأنهم إنما يجوزون من الذنوب ما لا يستقر له استحقاق عقاب و إنما يكون حظه تنقيص الثواب على اختلافهم أيضا في ذلك لأن أبا علي الجبائي يقول إن الصغير يسقط عقابه بغير موازنة فكأنهم معترفون بأنه لا يقع منهم ما يستحقون به الذم و العقاب و هذه موافقة للشيعة في المعنى لأن الشيعة إنما تنفي عن الأنبياء ع جميع المعاصي من حيث كان كل شيء منها يستحق به فاعله الذم و العقاب لأن الإحباط باطل عندهم و إذا بطل الإحباط فلا معصية إلا و يستحق فاعلها الذم و العقاب فإذا كان استحقاق الذم و العقاب منفيا عن الأنبياء ع وجب أن ينفي عنهم سائر الذنوب و يصير الخلاف بين الشيعة و المعتزلة متعلقا بالإحباط فإذا بطل الإحباط فلا بد من الاتفاق على أن شيئا
من المعاصي لا يقع من الأنبياء ع من حيث يلزمهم استحقاق الذم و العقاب لكنه يجوز أن نتكلم في هذه المسألة على سبيل التقدير و نفرض أن الأمر في الصغائر و الكبائر على ما تقوله المعتزلة و متى فرضنا ذلك لم نجوز أيضا عليهم الصغائر لما سنذكره و نبينه إن شاء الله تعالى. و اعلم أن جميع ما ننزه الأنبياء ع عنه و نمنع من وقوعه منهم يستند إلى دلالة العلم المعجز إما بنفسه أو بواسطة و تفسير هذه الجملة أن العلم المعجز إذا كان واقعا موقع التصديق لمدعي النبوة و الرسالة و جاريا مجرى قوله تعالى له صدقت في أنك رسولي و مؤد عني فلا بد من أن يكون هذا المعجز مانعا من كذبه على الله سبحانه في ما يؤديه عنه لأنه تعالى لا يجوز أن يصدق الكذاب لأن تصديق الكذاب قبيح كما أن الكذب قبيح فأما الكذب في غير ما يؤديه عن الله و سائر الكبائر فإنما دل المعجز على نفيها من حيث كان دالا على وجوب اتباع الرسول و تصديقه فيما يؤديه و قبوله منه لأن الغرض في بعثة الأنبياء ع و تصديقهم بالإعلام المعجز هو أن يمتثل ما يأتون به فما قدح في الامتثال و القبول و أثر فيهما يجب أن يمنع المعجز منه فلهذا قلنا إنه يدل على نفي الكذب و الكبائر عنهم في غير ما يؤدونه بواسطة و في الأول يدل بنفسه فإن قيل لم يبق إلا أن تدلوا على أن تجويز الكبائر يقدح فيما هو الغرض بالبعثة من القبول و الامتثال قلنا لا شبهة في أن من نجوز عليه كبائر المعاصي و لا نأمن منه الإقدام على الذنوب لا تكون أنفسنا ساكنة إلى قبول قوله أو استماع وعظه كسكونها إلى من لا نجوز عليه شيئا من ذلك و هذا هو معنى قولنا إن وقوع الكبائر ينفر عن القبول و المرجع فيما ينفر و ما لا ينفر إلى العادات و اعتبار ما تقتضيه و ليس ذلك مما يستخرج بالأدلة و المقاييس و من رجع إلى العادة علم ما ذكرناه و أنه من أقوى ما ينفر عن قبول القول فإن حظ الكبائر في هذا الباب لم يزد على حظ السخف و المجون و الخلاعة و لم ينقص منه فإن قيل أ فليس