کتابخانه روایات شیعه
تمهيد:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين محمد و على أهل بيته الطاهرين.
شكرا لك يا رب أن هديتنا إلى الدين المبين، و جعلتنا من المتمسكين بالثقلين، و من المساهمين في إحياء تراث الأئمة الهداة المهديين.
أما بعد: فكتاب المقنع يعد من الكتب الفقهية الأصيلة، و من أهم المصادر للفقهاء منذ جميع العصور، و ذلك لأن عباراته كلها ألفاظ للأحاديث المسندة، بيد أن المصنف حذف أسنادها روما للاختصار، و ثقة بوجودها في أمهات الأصول و كتب الأحاديث.
و هو في الواقع رسالة فتوائية للشيخ الصدوق، دون ألفاظه من متون الأحاديث.
و من هنا قال- رحمه الله-: إني صنفت كتابي هذا و سميته كتاب المقنع، لقنوع من يقرأه بما فيه، و حذفت الأسانيد منه لئلا يثقل حمله و لا يصعب حفظه و لا يمل قارئه، إذ كان ما أبينه فيه في الكتب الأصولية موجودا مبينا على المشايخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم الله.
و ذكر المحدث النوري بعد بيان كلام الصدوق- قدس سره-: بأن هذه العبارة كما ترى متضمنة لمطالب:
الأول: أن ما في الكتاب خبر كله إلا ما يشير إليه.
الثاني: أن ما فيه من الأخبار مسند كله، و عدم ذكر السند فيه للاختصار، لا لكونها من المراسيل.
الثالث: أن ما فيه من الأخبار مأخوذ من أصول الأصحاب، التي هي مرجعهم، و عليها معولهم، و إليها مستندهم، و فيها مباني فتاويهم.
الرابع: أن أرباب تلك الأصول و رجال طرقه إليها من ثقات العلماء، و بذلك فاق قدره عن كتاب الفقيه.
و أضاف- قدس سره-: و الحق أن ما فيه عين متون الأخبار الصحيحة بالمعنى الأخص، الذي عليه المتأخرون 1 و قال المجلسي في بحاره: ينزل أكثر أصحابنا كلامه- الصدوق- و كلام أبيه منزلة النص المنقول و الخبر المأثور 2 فلأهمية هذا الكتاب رأينا من الأفضل إخراج كتاب المقنع بحلة جديدة، بالتحقيق المشتمل على تصحيح متنه، و تخريج مصادره، و التعليق عليه في موارده الغامضة، لكي يرجع إليه العلماء بكل ثقة، و يطمئنوا بصحة متنه.
و لإنجاز هذا المشروع قامت مؤسسة الإمام الهادي- عليه السلام- في مبتدء نشاطها العلمي بتحقيق و إخراج هذا الكتاب الشريف بشكل رائق، رجاء أن تكون خطوة لإحياء تراث السلف الصالح، و خدمة للحوازات العلمية، تحريا لمرضاة الرب، و تقربا إلى الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة- عليهم السلام.
حياة المؤلف
1- اسمه و نسبه:
هو الشيخ الأجل و الأقدم، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه المشتهر بالصدوق.
والده: هو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، أبو الحسن شيخ القميين في عصره، و متقدمهم و فقيههم و ثقتهم.
و أمه جارية ديلمية، كما سنذكر.
2- ولادته و نشأته:
ولد المصنف- رحمه الله- بدعاء القائم- عليه السلام- بقم، بعد سنة 305 ه-، و ترعرع و نشأ بين يدي أبيه- العالم الكامل الفقيه الثقة- نحو عشرين سنة، فقرأ عليه و أخذ عنه.
روى الشيخ بإسناده، عن علي بن الحسن بن يوسف الصائغ القمي، و محمد بن أحمد بن محمد الصيرفي- المعروف بابن الدلال- و غيرهما من مشايخ أهل قم: أن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمه، محمد بن موسى بن بابويه فلم يرزق منها ولدا، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح- رضي الله عنه- أن يسأل الحضرة أن يدعو الله، أن يرزقه أولادا فقهاء، فجاء الجواب:
«إنك لا ترزق من هذه، و ستملك جارية ديلمية، و ترزق منها ولدين فقيهين». 3 .
3- الثناء عليه: