کتابخانه روایات شیعه
[النص]
مقدّمة التحقيق
الأحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السّلام لها منزلة خاصّة في الفكر الإسلامي، و لذا كان جمعها و عرضها لطلّاب المعارف الحقّة و المتلهّفين لإطفاء جمر غليلهم بهذا العذب الصافي موضعا لاهتمام العلماء و المفكّرين على مدى القرون السالفة، فألّفوا الرسائل و الكتب بتبويب متنوّع و مناهج متفاوتة. نعم المنهج الغالب عند الشيعة هو التأليف الموضوعيّ للأحاديث، لكن لنضدها على ترتيب المعصومين عليهم السّلام أو منهج «المسانيد» محلّ خاصّ أيضا.
و إذا وسّعنا مفهوم «المسند» يمكن عدّ الكتاب الذي بين أيدينا و كتاب «تحف العقول» و كتاب «نزهة الناظر و تنبيه الخاطر» من جملة المسانيد.
هذا، و قد انتخب المؤلف بذوقه الرائق هذه الدرر الباهرة من الأصداف الطاهرة و نظمها في هذا الكتاب ذي الفوائد الجمّة على صغر حجمه، و هذا ما يشهد لمؤلّفه بالفضل، و يدخله- أيّا كان- في عداد العلماء و أهل الحديث.
- مؤلّف الكتاب:
أوّل من نسب الكتاب إلى الشهيد الأوّل هو العلّامة المجلسيّ في بحار الأنوار،
فقد نسبه إلى الشهيد بترديد في موضعين؛ أوّلهما قوله- بعد عدّ كثير من كتب الشهيد من مصادر بحار الأنوار-: «و كتاب الدرّة الباهرة من الأصداف الطاهرة له قدّس سرّه أيضا كما أظنّ، و الأخير عندي منقولا عن خطّه رحمه اللّه» 1 .
و الثاني ضمن توثيقه للمصادر، حيث قال رحمه اللّه: «و مؤلّفات الشهيد مشهورة- كمؤلّفها العلّامة- إلّا كتاب الاستدراك؛ فإنّي لم أظفر بأصل الكتاب، و وجدت أخبارا مأخوذة منه بخطّ الشيخ الفاضل محمّد بن عليّ الجبعي، و ذكر أنّه نقلها من خطّ الشهيد رفع اللّه درجته، و الدرّة الباهرة، فإنّه لم يشتهر اشتهار ساير كتبه، و هو مقصور على إيراد كلمات وجيزة مأثورة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كلّ من الأئمّة» 2 .
و مراد العلّامة المجلسي بخطّ الجبعي هو مجموعة الجباعي التي هي نظيرة بالكشكول، جمع فيها أحاديث و أشعارا و حكما و أمثالا كتبها شمس الدين محمّد ابن عليّ بن حسن الجبعي- جدّ الشيخ البهائي- المتوفّى سنة (886 ه. ق) و غالب ما في هذه المجموعة منقول عمّا كتبه الشهيد الأوّل بخطّه، نعم بعضها عن غيره 3 . و قد وصلت هذه المجموعة إلى العلّامة المجلسي، و نقل عنها في بحار الأنوار 4 .
ثم قوّى الميرزا عبد اللّه الأفندي صاحب كتاب «رياض العلماء» المتوفّى (1130 ه. ق) ترديد استاذه العلّامة المجلسي فقال: «بالبال أنّ هذين الكتابين من مؤلّفات غيره» 5 .
و لا يرتفع هذا الترديد بمراجعة النسخ القديمة للكتاب، حيث نقرأ في أقدم نسخة- و هي نسخة العلّامة المجلسي الواردة في الورقات (129- 133) و في الصفحات (258- 266) من مجموعة الجباعي- هذه العبارة: «و كتب محمّد بن مكّي بالمدينة المشرّفة مدينة سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سنة خمسين و سبعمائة، حامدا و مصلّيا»، و الكتابة أعمّ من التأليف؛ فإنّها تشمل التأليف و غيره، بل يمكن حملها على الاستنساخ.
أضف إلى ذلك أنّ العبارة السالفة ذكرت في آخر فصل اختصّ بذكر وصيّة آدم عليه السّلام لولده شيث، و هو لا يلائم فصول الدرّة الباهرة المختصّة بذكر أحاديث نبيّنا و أهل بيته عليهم السّلام. مع وروده بعد ختم الدرّة الباهرة بالعبارة التالية: «هذا آخر الدرّة، نفع اللّه به طالبي الحقّ».
و من جانب آخر فقد نسب الكتاب إلى الكيذري في آخر النسخة المحفوظة في مكتبة الروضة الرضويّة المقدّسة- ضمن المجموعة المرقّمة (6763)-: «تمّت الدرّة الباهرة من مؤلّفات العالم النّحرير الكيذري رحمة اللّه تعالى عليه، و صلّى اللّه على محمّد و آله أجمعين».
لكن لم نعثر في مؤلّفات الكيذري على كتاب أو مجموعة يمكن انطباقها على الدرّة الباهرة، و إن استظهر البعض 6 هذه النسبة بالشبه بين الرواية (16) من الدرّة الباهرة و بين ما ذكره الجباعي في مجموعته- في الورقة (62) و في الصفحة (121)- نقلا عن خطّ الشهيد عن قطب الدين الكيذري، بيد أنّ هذا ليس دليلا و شاهدا.
نظرنا:
توصّلنا خلال استخراجنا لأحاديث الدرّة الباهرة أنّها باقة زهور منتقاة
و مصطفاة من رياض آثار أهل البيت عليهم السّلام، اقتطف غالبها من كتاب «نزهة الناظر» تأليف الحسين بن محمّد بن حسن بن نصر الحلواني، و اجتني الباقي من كتب اخرى كالكافي و نثر الدرّ و تحف العقول؛ حيث عثرنا على ثلاثة أرباع أحاديث الكتاب تقريبا في كتاب نزهة الناظر. و يؤيّد ما ذكرناه أنّ بعض أحاديث الكتاب نسبت إلى معصوم خاصّ تبعا لما في نزهة الناظر، مع نسبتها إلى غيره في الكتب المعتبرة برمّتها 7 .
إذا ضممنا ذلك إلى أنّه نسب إلى الشهيد تلخيص أصل علاء بن رزين و كتاب الجعفريّات 8 يمكن أن نقول: إنّ الشهيد انتقى بعض أحاديث نزهة الناظر و استنسخها لتكون معه؛ ينتفع بها، و قد نقلها الجباعي في مجموعته.
و على أيّ حال فإنّ أحاديث الكتاب مدعومة بالعقل و النقل. مع أنّنا وجدناها جميعا في كتبنا الشيعيّة، فجهلنا بمؤلّفه لا يضرّ باعتبار أحاديثه؛ فهو مجرّد سبيل لمعرفة نقلها بوجه صحيح، و هذا ما قد علم بتعاضد سائر الأحاديث، نظير ما ذكر في شأن كتاب تحف العقول.
و ختاما نذكر شيئا مقتضبا عن حياة الشهيد الأوّل بناء على الاحتمال المذكور من أنّه مؤلّف أو ملخّص الكتاب.
الشهيد الأوّل 9