کتابخانه روایات شیعه
[مقدمة المؤلف]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي طهر ألسنة أولياءه عن اللغو و الغيبة و النميمة و زكى نفوسهم عن الأخلاق الدنية و الشيم الذميمة و الصلاة على نبيه المصطفى المبعوث بالشريعة الحنيفة و الملة القويمة و على عترته الطاهرة التي هي على منهاجه مقيمة و بسنته عليمة و عن رذائل الأخلاق معصومة و بمكارمها موسومة و بعد فلما رأيت أكثر أهل هذا العصر ممن يتسم بالعلم و يتصف بالفضل و ينسب إلى العدالة و يترشح للرئاسة يحافظون على أداء الصلوات و الدءوب في الصيام و كثير من العبادات و القربات و يجتنبون جملة من المحرمات كالزناء و
شرب الخمر و نحوهما من القبائح الظاهرات ثم هم مع ذلك يصرفون كثيرا من أوقاتهم و يتفكهون في مجالسهم و محاوراتهم و يغذون نفوسهم بتناول أعراض إخوانهم من المؤمنين و نظرائهم من المسلمين و لا يعدونه من السيئات و لا يحذرون معه من مؤاخذة جبار السماوات في سبب إقدام الناس على الغيبة و السبب المقدم لهم على ذلك دون غيره من المعاصي الواضحة إما الغفلة عن تحريمه و ما ورد فيه من الوعيد و المناقشة في الآيات و الروايات و هذا هو السبب الأقل لأهل الغفلات و إما لأن مثل ذلك في المعاصي لا يخل عرفا بمراتبهم و منازلهم من الرئاسات لخفاء هذا النوع من المنكر على من يرومون المنزلة عنده من أهل الجهالات و لو وسوس إليهم الشيطان أن اشربوا الخمر أو ازنوا بالمحصنات ما أطاعوه لظهور فحشه عند العامة و سقوط محلهم به لديهم بل عند متعاطي الرذائل الواضحات و لو راجعوا عقولهم و استضاءوا بأنوار بصائرهم لوجدوا بين المعصيتين
فرقا بعيدا و تفاوتا شديدا بل لا نسبة بين المعاصي المستلزمة للإخلال بحق الله سبحانه على الخصوص و بين ما يتعلق مع ذلك بحق العبيد خصوصا أعراضهم فإنها أجل من أموالهم و أشرف و متى شرف الشيء عظم الذنب في انتهاكه مع ما يستلزمه من الفساد الكلي كما ستقف عليه إنشاء الله أحببت أن أصنع في هذه الرسالة جملة من الكلام على الغيبة و بما ورد فيها من النهي في الكتاب و السنة و الأثر و دلالة العقل عليه و سميتها كشف الريبة عن أحكام الغيبة و أتبعتها بما يليق بها من النميمة و بعض أحكام الحسد و ختمتها بالحث على التواصل و التحابب و المراحمة و رتبتها على مقدمة و فصول و خاتمة أما
[تعريف الغيبة لغة و اصطلاحا]
المقدمة ففي تعريفها و جملة من الترهيب منها فنقول الغيبة بكسر الغين المعجمة و سكون الياء المثناة التحتانية و فتح الباء الموحدة اسم لقولك اغتاب فلان فلانا إذا وقع في غيبته و المصدر الاغتياب يقال اغتابه اغتيابا و الاسم الغيبة هذا بحسب المعنى اللغوي و أما بحسب الاصطلاح فلها تعريفان أحدها المشهور و هو ذكر
الإنسان حال غيبته بما يكره نسبته إليه مما يعد نقصانا في العرف بقصد الانتقاص و الذم [و] فاحترز بالقيد الأخير و هو قصد الانتقاص عن ذكر العيب للطبيب مثلا أو لاستدعاء الرحمة من السلطان في حق الزمن و الأعمى بذكر نقصانهما و يمكن الغناء عنه بقيد كراهته نسبته إليه و الثاني التنبيه على ما يكره نسبته إلى آخره و هو أعم من الأول لشمول مورده اللسان و الإشارة و الحكاية و غيرها و هو أولى لما سيأتي من عدم قصر الغيبة على اللسان و قد جاء على المشهور
قَوْلُ النَّبِيِّ ص هَلْ تَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ [فَقَالُوا] قَالُوا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَ رَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ.
وَ ذُكِرَ عِنْدَهُ ص رَجُلٌ فَقَالُوا مَا أَعْجَزَهُ فَقَالَ ص اغْتَبْتُمْ صَاحِبَكُمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْنَا مَا فِيهِ قَالَ ص إِنْ قُلْتُمْ مَا لَيْسَ فِيهِ فَقَدْ بَهَتُّمُوهُ.
و
[حرمة الغيبة في القرآن]