کتابخانه روایات شیعه
و قوله ع أكبر من أن يوصف لأنه جل جلاله لا تحيط الصفات به على التحقيق و إنما لما ضاقت العبارات على أهل التوفيق و التصديق علمهم الله جل جلاله و رسوله ع ألفاظا في وصف جلال الله على قدر قصور علوم العباد. أقول و معنى قولي أن يكون هذا قولك عبادة و معاملة أي أن يكون الله جل جلاله في قلبك و عند عقلك عظيما على قدر ما وهبك من معرفة ذاته و صفاته الكاملة فتقصد بهذا الاعتقاد في عظمته و بهذا اللفظ في قولك الله أكبر مجرد عبادته لأنه أهل للعبادة. أقول و أما قولي أن يكون صادقا فأريد بذلك أن يكون فعلك لقولك موافقا بحيث إذا قلت الله أكبر تكون سريرتك موافقة لعلانيتك في أنه لا شيء أعظم منه جل جلاله في قلبك و عقلك و نفسك و نيتك و لا يكون شيء أعز عليك منه و لا يشغلك في تلك الحال شيء عنه كما قال جل جلاله في تهديده لمن يؤثر عليه بصريح القرآن المبين قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ . أقول فإذا وجدت عقلك و قلبك و نفسك تؤثر على الله جل جلاله غيره فاعلم أنك داخل تحت تهديد سلطان العالمين و لعلك تكون من قد غضب الله جل جلاله عليك فلا يهديك لفسقك و سماك من الفاسقين. أقول و قد روي نحو ذلك في النقل بزيادة كشف لما في القرآن و العقل
كَمَا رَوَى الْحُسَيْنُ بْنُ سَيْفٍ صَاحِبُ الصَّادِقِ ع فِي كِتَابِ أَصْلِهِ
الَّذِي أَسْنَدَهُ إِلَيْهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لَا يُمْحِضُ رَجُلٌ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَ أَبِيهِ وَ أُمِّهِ وَ وُلْدِهِ وَ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ.
أقول و قد روي أبلغ من ذلك في أن الناس لا يحصل لهم الإيمان حتى لا يؤثروا على رسوله ص ما تضمنه الحديث الذي نرويه
بِإِسْنَادِنَا إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ بَابَوَيْهِ فِيمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابِ أَمَالِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ: لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَ أَهْلِي إِلَيْهِ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِهِ وَ عِتْرَتِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ عِتْرَتِهِ وَ ذَاتِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ ذَاتِهِ.
أقول فإذا كان رسوله ص لا يصح الإيمان مع هذا الإيثار عليه فكيف يحصل الإيمان مع الإيثار على الله جل جلاله و ترجيح غيره عليه
ذكر التوجه
أما التوجه
فَقَدْ رَوَى أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَابَوَيْهِ فِي كِتَابِ زُهْدِ مَوْلَانَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع كَانَ عَلِيٌّ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ حَتَّى يُعْرَفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ.
أَقُولُ وَ رَوَى صَاحِبُ كِتَابِ زَهْرَةِ الْمُهَجِ وَ تَوَارِيخِ الْحُجَجِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ قَالَ مَوْلَانَا الصَّادِقُ ع كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ اقْشَعَرَّ جِلْدُهُ وَ اصْفَرَّ لَوْنُهُ وَ ارْتَعَدَ كَالسَّعَفَةِ.
و روي عنه ع عند قوله في الصلاة وَجَّهْتُ وَجْهِيَ مثل الذي رويناه عن مولانا علي ص و كانا إذا دخلا في التوجه
اصفر لونهما و ظهر الخوف من الله جل جلاله عليهما لأنهما ع عرفا و علما هيبة الملك الذي يقومان بين يديه. و سيأتي في هذا الكتاب من خوف النبي ص في الصلوات و خوف عترته المعصومين ما تعلم يقينا أنك لست تابعا لهم و أنك على خلاف ما كانوا عليه من معاملة سلطان العالمين. أقول و قد كان فرضنا جميعا أن نخاف الله جل جلاله للهيبة و الحرمة التي يستحقها لذاته فبلغت الغفلة بنا إلى أننا لا نخاف لذلك و لا نخاف لأجل خوف المعصومين الذين نقتدي بهم في عباداته و لا نخاف لأجل ما تجدد منا من مخالفاته في إراداته و تهويننا بجلالة أمره و نهيه و بمقدس حبه و قربه و مناجاته و هذا جهل عظيم منا بالمعبود كاد أن يقرب من جهل أهل الجحود فإذا قال العبد وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ ينبغي أن يتحقق أنه في مقام العرض و أنه ما مراد الله جل جلاله منه و مراد رسوله ع بقوله وَجَّهْتُ وَجْهِيَ أي وجهت صورة وجهي إلى القبلة فحسب لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ و لكن المراد منه أن يكون قد وجه قلبه و عقله عن الالتفات إلى سواه جل جلاله من سائر المرادات و المكروهات.
وَ لَقَدْ قِيلَ لِبَعْضِ الْعَارِفِينَ مَا أَحْسَنَ مَا تُقْبِلُ بِوَجْهِكَ عَلَى الصَّلَوَاتِ فَقَالَ إِنْ كَانَ وَجْهِي لَا يَلْتَفِتُ فَإِنَّ وَجْهَ قَلْبِي كَثِيرُ الِالْتِفَاتِ.
أقول فإذا كان وجه القلب مقبلا و متوجها إلى الله جل جلاله بالكلية كانت الجوارح مقبلة على الله جل جلاله فيما خلقت له لأنها مع القلب كالرعية و عند هذه الحال يكون دخوله في هذه الصلاة دخول أهل الإقبال فإن استمر على ذلك إلى حين الفراغ من الصلاة
فقد ظفر ببلوغ الآمال و إن تعثر في أذيال الالتفات عن مولاه و هو يراه فحاله حال أهل التعثير الذين يقع أحدهم تارة و يقوم تارة في خطاه و ربما أفسد تعثيره عليه دنياه و أخراه و فاته إقبال ربه جل جلاله و رضاه و إن قال وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ و هو في تلك الحال غافل أو متغافل عن هيبة العرض و حرمة الفرض فيكون في قوله وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كاذبا قد افتتح صلاته بالجنايات بالكذب و البهتان و كيف حال من أول صلاته تصريح بالكذب و الزور و العدوان أ ما يكون مستحقا للهوان و إن كان في حال قيامه إلى الصلاة و دخوله فيها على صفة المتكاسل و المتثاقل فلينظر حال الذين يقومون إلى الصلاة كسالى في صريح القرآن و يفكر أنه لو دخل عليه قبل أن يدخل في تلك الصلاة صديق أو بعض من يحبه من أعوان السلطان كيف كان يقوم إليه و يقبل عليه بغير تكاسل و لا تثاقل و ليتحقق من نفسه أن الله جل جلاله أهون عنده من عبد من عبيده و يا له من خطر هائل
ذكر أدبه في التحميد و التمجيد
قد مضى في خطبة كتابنا أن التحميد و التمجيد من وظائف من خلص فيما بينه و بين الله جل جلاله من الجنايات فأما من كان عليه فرض مضيق من المهمات فالبدأة لازمة له بالأهم فالأهم و الأهم عليه التوبة و أداء الفروض المتعينة قبل الدخول في الصلاة و التحميدات و التمجيدات سواء كانت الفروض على قلبه أو بدنه أو ماله أو في شيء من أعماله. أقول و من أدب الإنسان عند تحميده و تمجيده أن يكون تلذذه و تعلق خواطره بحمده لله جل جلاله و تمجيده و مدح الله جل جلاله على ذلك و شكره له سبحانه ألذ عنده و أحب إليه من مدحة لكل من
يعز عليه من العباد و من مدح أهل الدنيا و ثنائهم عليه في الإصدار و الإيراد و يكون ترجيح حبه لمدحه لله جل جلاله و شكر الله جل جلاله بقدر ما بين الله جل جلاله و بين عباده من تفاوت جلالته و حق إنعامه و إرفاده فإن عجز العبد عن هذا المقام فلا أقل من أن يكون حبه لمدحه الله جل جلاله و لشكر الله جل جلاله أرجح في قلبه من مدحه لأهل الإنعام من الأنام أو لشكر من يشكره من ملوك الإسلام. فأما إن نقص حال العبد عن هذا المقام و كان في مدح الله جل جلاله و شكره سبحانه أهون من مماليكه و عبيده فقد استخف استخفافا عظيما بتحميده و تمجيده و كان مستحقا لما تضمنه هوله و وعيده و تهديده.
ذكر أدبه عند قوله مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ .
اعلم أن يوم الدين يوم الحساب و العرض على سلطان العالمين و إظهار السرائر بمحضر من كان يسترها من الخلائق أجمعين فينبغي أن يكون عند هذه الحال خائفا لما يخافه على نفسه يوم الحساب و السؤال.
فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَوْلَانَا زَيْنَ الْعَابِدِينَ وَ هُوَ صَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَكِينِ كَانَ إِذَا قَالَ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ يُكَرِّرُهَا فِي قِرَاءَتِهِ حَتَّى يَظُنَّ مَنْ يَرَاهُ أَنَّهُ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى مَمَاتِهِ.
و ما لخوف منه يحذرون و لا الخنى
عليهم و لكن هيبة هي ماهيا .
و قد عرفت أن مولانا زين العابدين قدوة لك في أمور الدنيا و الدين فسر في آثاره بهداية الله جل جلاله و بأنواره على مطايا اليقين فإن الله جل جلاله قادر أن يبلغك ما هو سبحانه أهله من مقامات العارفين.
ذكر أدب العبد في قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
. اعلم أنه ينبغي أن يكون العبد صادقا في قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ و معنى قولي أن يكون صادقا لأنه إذا قال إِيَّاكَ نَعْبُدُ و كان إنما يعبد الله جل جلاله لما يرجوه منه سبحانه من نفع عاجل أو ثواب آجل أو دفع محذور في الدنيا أو في يوم النشور فإنما يكون على الحقيقة كأنك تعبد نفسك و تكون عبادتك لأجلها و لأجل شهواتك و لذاتك و لا تكون عابدا لله جل جلاله لأنه أهل للعبادة فيكون قولك إِيَّاكَ نَعْبُدُ كذبا و بهتانا و مانعا لك من الظفر بالسلامة و السعادة و يثبت اسمك في ديوان الكذابين و يكون قد جعلت نفسك من الهالكين أ ما تسمع كلام المقدس الميمون إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ . أقول و كذا ينبغي أن تكون صادقا في قولك وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فلا يكون في قلبك عند ذلك القول مستعان لك سواه جل جلاله على التحقيق و اليقين فإنك إن كنت مستعينا عند تلك الحال بحولك و قوتك و دنياك أو مالك أو رجالك أو غيره من آمالك و أحوالك فأنت في قولك إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ إذا قصدت به أنه لا مستعان لك سواه كاذب مخاطر مستخف مباهت مستحق لما يستحقه العبد المستخف بمولاه.
ذكر أدبه في الدعوات في الصلاة عند قوله اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ و في كل موضع يراد منه أن يدعو فيه في الصلاة بقلب سليم.
قد قدمنا طرفا مما يحتاج إليه أهل الضراعات مما شرحناه بالمعقول و المنقول من الروايات فإياك أن تهمل تهذيب نفسك و قلبك خاصة عند مخاطبة مولاك و ربك فإنك إذا دعوت الله جل جلاله و قلبك في تلك الحال فارغ منه أو مشغول بالغفلة عنه أو بقصور احترام و تهوين