کتابخانه روایات شیعه
العبد المحسن مجبولة و تكون عند إحسان الله جل جلاله عن حبه معزولة هذا لا تقبله إلا عقول سقيمة معلولة. و قد عرفت أن حبك لله جل جلاله من عمل القلوب و طاعتك له تكون من عمل القلب فحسب و من عمل القلب و من عمل الجوارح الظاهرة و كيف صارت الطاعة التي تكون تارة بالقلب و تارة بالقلب و الجوارح الظاهرة و هما قسمان قسما واحدا هذا كالمكابرة للعيان و كيف صار العمل بالجوارح الظاهرة هو العمل بالقلوب هذا مستحيل عند من عقله غير محجوب
فصل
ثم و قد يعمل الإنسان الطاعات و هي تشق عليه و يكون قلبه كارها لها أو للتكليف بها فلو كان حب العبد طاعته جل جلاله كان في هذه الحال كارها لحب الله بل كارها لله جل جلاله بل باغضا لله جل جلاله لأن ضد الحب البغض فإذا بغض العبد طاعة الله جل جلاله فقد بغض حب الله جل جلاله و صار باغضا لله جل جلاله فيكون على هذا كل من كره طاعة الله جل جلاله باغضا لله جل جلاله و يكون كافرا فهل تجد لك على هذا القول من المسلمين العارفين عاذرا أو ناصرا و هل يقبل عقلك أن معنى قوله جل جلاله الذي قدمناه قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ أو عقل عاقل أن قوله أحب إليكم من هذه الأشياء التي عددها سبحانه أن المراد به الطاعة و هبك جوزت هذا في آبائهم و أبنائهم
و إخوانهم و أزواجهم و عشيرتهم فهل تجوز في قوله جل جلاله وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أن الحب لهذه الأشياء بمعنى الطاعة فإياك أن تحمل على العقول ما لا يدخل تحت الاستطاعة و دع عنك تقليد من قال إن حب العبد لله جل جلاله طاعته و اقبل الحق ممن قاله فقد انكشف لك براهينه و حجته فهذا بيان أن حب العبد لله جل جلاله بالقلوب و هو مما يثمره قوة معرفة بالله جل جلاله و قوة المعرفة بإحسانه الذين يسوقان عقل العبد و قلبه إلى حب مولاه قبل أن يعرف العبد هل هو مكلف بحب الله جل جلاله أم لا فكيف إذا عرف أنه مأمور أيضا بحبه عقلا و نقلا لأن الكامل في ذاته محبوب لكماله و المحسن محبوب لإحسانه و إفضاله قبل معرفة التكليف بهذا الحب المذكور و الله جل جلاله أعظم شأنا و أعم إحسانا من أن يحيط بجلاله وصفنا لكماله و وصفنا لإحسانه و لإفضاله بل هو جل جلاله أعظم كمالا و أبلغ إحسانا و إفضالا فوجب أن يكون محبوبا بالقلوب إلى من عرفه على اليقين و عرف إحسانه في أمور الدنيا و الدين
فصل
و أما حب الله جل جلاله لعبده إذا أطاعه و غضبه عليه إذا عصاه فلعلك تجد في الروايات و المقالات أن حب الله جل جلاله للعبد أو رضاه عنه هو ثوابه له و أن غضب الله جل جلاله على عبده العاصي هو عذابه له فأما المقالات لذلك فلا يجوز تقليدهم في المعقول و أما حديث الرواية و المنقول فإن سلمت من الطعن عليها و كانت عن معصوم فلعل ذلك قالوه على سبيل التقية فإنهم ع كانوا في تقية هائلة و قد كشفنا تقيتهم فيما ذكرنا في الاعتذار لمضمون كتاب الكشي فإن هذا القول كثير في مذهب المخالفين لهم أو لعل ذلك قالوه للتقريب على السائلين
و السامعين فإن كثيرا من المستمعين تقصر أفهامهم عن أسرار صفات سلطان العالمين فلعلهم خافوا عليهم أنهم إذا قالوا لهم إن الله جل جلاله يحب و يرضى و يغضب و يسخط أن يسبق إلى خواطر من يسمع ذلك أنه جل جلاله يحب و يرضى مثل الحب و الرضا من الطباع البشرية أو يغضب و يسخط مثل الغضب و السخط من القلوب الترابية فحدثوا ع بما تبلغ إليه عقول السائلين و السامعين و إذا اعتبرت بعض الروايات في ذلك وجدتها شاهدة بأنهم نفوا عن الله جل جلاله الحب و الرضا و الغضب و السخط الذين تتغير الأمزجة بهما و لا يصحان إلا على الأجسام القابلة لهما حتى قربوا على بعض السائلين و قالوا لهم ما معناه أن غضب الله جل جلاله و رضاه إشارة إلى غضب أوليائه و خاصته و رضاهم و هذا صحيح عند العارفين و أن خواصه جل جلاله ما يغضبون و ما يرضون إلا بعد غضبه سبحانه و رضاه لأنهم ع له جل جلاله تابعون لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ .
فصل
و إلا فالعقول الصحيحة شاهدة وجدانا و عيانا أن معنى لفظ الحب و الرضا غير معنى لفظ الثواب و كذلك معنى الغضب غير معنى العقاب سواء كان ذلك في العباد أو رب الأرباب. و قد عرفنا ذلك قوله جل جلاله إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ و قوله جل جلاله إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ و قوله جل جلاله يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ عن قوم كانوا حقا و يقينا يعرفونه و قال جل جلاله في الغضب فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ . و ذكر جماعة من أهل اللغة و من المفسرين أن معنى قوله جل جلاله
أي أغضبونا فقال الجوهري في كتاب الصحاح ما هذا لفظه و أسف عليه أسفا أي غضب و آسفه أغضبه. و قال الطبرسي في تفسير القرآن فَلَمَّا آسَفُونا أي أغضبونا و غضبه سبحانه إرادة عقابهم و ما قال الطبرسي إن غضبه عقابهم فجعل الله جل جلاله في هذه الآية الأسف الذي هو الغضب منه جل جلاله عليهم قبل عقابه لهم الذي هو الانتقام. و هذا واضح كيف يخفى مثله على ذوي الأفهام و قال جل جلاله وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً أ فلا ترى أنه جل جلاله قدم الغضب على العذاب بل قبل إعداد عذابه بجهنم في صريح الكتاب على مقتضى مفهوم الألباب.
فصل
و يزيدك بيانا أنك ترى الأحاديث و الأدعية متظاهرة بما معناه أو لفظه اللهم إن لم ترض عني فاعف عني فقد يعفو المولى عن عبده و هو غير راض عنه. ثم أ و ما تعلم أن الكفار الذين علم الله جل جلاله منهم أنهم يموتون على كفرهم كانوا يستحقون في حكم العقل عقوبتهم في حال حياتهم. ثم تعلم أن الله جل جلاله غضبان عليهم في حال كفرهم قطعا إن كنت مسلما فعفى الله جل جلاله عن تعجيل عقوبتهم و أخر عقابهم إلى بعد وفاتهم مع كونهم مذ كفروا و علم استمرارهم على كفرهم كان قد غضب عليهم. فهذا يكشف لك أن الغضب من الله جل جلاله قبل العقاب لأنه
إذا كان الله جل جلاله يعفو عن عقاب العبد و هو غير راض عن العبد كما تضمنته الأدعية في عفوه عن المؤمن و هو غير راض عنه و حال الكفار الذين يموتون على كفرهم و تأخير عقوبتهم و هو غضبان عليهم كما قلناه لأنه إذا كان غير راض كان غضبان و لا يخلو عن مقام الرضا و الغضب في وقت واحد على وجه واحد فلو كان الغضب هو العقاب استحال أن يعفو عن عبد و يكون في حال عفوه عنه غضبان عليه و كان متى عفى عن العبد المسلم أو الكافر قبل وفاته زال غضبه عنهم و هذا خلاف المعلوم من دين أهل الحق و الصدق.
فصل
و لكن حبه جل جلاله أو رضاه حيث قد نطق القرآن الصريح و النقل الصحيح بهما و بغضبه و سخطه جل جلاله و ثبوت هاتين الصفتين له جل جلاله فإنه يكون لحبه سبحانه أو رضاه و غضبه أو سخطه وجه معلوم غير ما نعرفه من رضا الأجسام و حبها و غضبها و سخطها و غير ما فسروه بأن حبه و رضاه ثوابه و غضبه عقابه كما كان تفسير سائر صفاته جل جلاله غير صفات الأجسام فإن كون أحدنا قادرا يقتضي قوة زائدة و حالا متجددة غير كونه عاجزا و كذا كون أحدنا عالما و حيا و سائر صفاتنا يقتضي تجدد حالات و تغيرات علينا و هذه المعاني مستحيلة على الله جل جلاله و لكن هذه الصفات في الله كما يليق بذاته المقدسة التي لا مثل لها و كما يليق بصفاته المنزهة التي لا شبه لها و كذا يكون تفسير الحب منه جل جلاله و الرضا و الغضب و السخط و هذا يكشف ما قلناه لأهل الريب و يزيل العجب. أقول و وجدت بعد تصنيف هذا الكتاب بسنتين في الجزء الأول من تفسير القرآن للطبري عن قوم من المفسرين أنهم ذكروا في غضب
الله كما ذكرناه و اخترناه
فصل
أقول و من أدب العبد في السجود أنه لا يستعجل في رفع رأسه من ذلك الخضوع و الخشوع للمعبود فقد قلنا لك معنى ما ذكره الله جل جلاله في كتابه أن السجود من مقامات القرب إلى مولاك فعلى أي شيء تستعجل أ و تكره قربه و هو يراك و كما أنك لا تكره قربك من محبوبك في دنياك و لا تستعجل بالتباعد عنه فكذا كن مع ربك جل جلاله الذي لا بد لك منه
كَمَا رَوَيْنَاهُ بِإِسْنَادِنَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيِّ فِيمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ وَ هُوَ مِنْ أَعْيَانِ الْأَخْيَارِ وَ خَوَاصِّ الْأَطْهَارِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ فَإِذَا سَجَدَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى يَرْفَضَّ عَرَقاً.
ذكر الشهادة لله جل جلاله بالوحدانية في الصلاة
أقول المهم أن يكون تلفظك بالشهادة معاملة لله جل جلاله و عبادة و لا يكون قصدك أنه جل جلاله في نفس الأمر واحد فحسب و إنما يراد منك أنك تعتقد أنه جل جلاله واحد في نفس الأمر و أنه لا إله لك تعبده سواه و لا لك شيء تؤثره على رضاه فإنك إن أثرت شيئا عليه جل جلاله كان ذلك الذي تؤثره أرجح منه جل جلاله عندك و معبودا لك من دونه فيما تؤثره فيه عليه و ما تكون كامل الصدق في الشهادة بأنك لا إله لك سواه أ فلا ترى قوله جل جلاله فيمن رجح عليه هواه فقال سبحانه اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ .
وَ رُوِيَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ جَلَّ جَلَالُهُ اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنَّهُمْ مَا صَامُوا وَ لَا صَلَّوْا لَهُمْ وَ لَكِنْ أَطَاعُوهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَصَارَ حُكْمُهُمْ بِذَلِكَ حُكْمَ مَنِ اتَّخَذَهُمْ آلِهَةً.
فإياك أن تشرك به
جل جلاله أو تكفر به بإيثارك عليه هواك أو دنياك أو غيره سبحانه فيحصل فيك استحقاق الهلاك.
فَقَدْ رَوَيْنَا فِي بَعْضِ أَسَانِيدِنَا لَمَّا سُئِلَ الصَّادِقُ ع عَنِ الصِّدْقِ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ هُوَ أَنْ لَا تَخْتَارَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ هُوَ اجْتَباكُمْ فَإِذَا كَانَ اجْتَبَاكَ فَاجْتَبِهِ أَنْتَ وَ لَا تَخْتَرْ عَلَيْهِ هَوَاكَ وَ لَا دُنْيَاكَ.
وَ قَالَ الشَّيْخُ السَّعِيدُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ بَابَوَيْهِ رِضْوَانُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ عَلَيْهِ حَدَّثَنَا أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصاً دَخَلَ الْجَنَّةَ وَ إِخْلَاصُهُ أَنْ يَحْجُزَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ.
هذا لفظ الحديث و معناه
ذكر الشهادة لمحمد بن عبد الله رسول الله ص بالرسالة و النيابة عن صاحب العظمة و الجلالة