کتابخانه روایات شیعه
ذكر أدب العبد في قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
. اعلم أنه ينبغي أن يكون العبد صادقا في قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ و معنى قولي أن يكون صادقا لأنه إذا قال إِيَّاكَ نَعْبُدُ و كان إنما يعبد الله جل جلاله لما يرجوه منه سبحانه من نفع عاجل أو ثواب آجل أو دفع محذور في الدنيا أو في يوم النشور فإنما يكون على الحقيقة كأنك تعبد نفسك و تكون عبادتك لأجلها و لأجل شهواتك و لذاتك و لا تكون عابدا لله جل جلاله لأنه أهل للعبادة فيكون قولك إِيَّاكَ نَعْبُدُ كذبا و بهتانا و مانعا لك من الظفر بالسلامة و السعادة و يثبت اسمك في ديوان الكذابين و يكون قد جعلت نفسك من الهالكين أ ما تسمع كلام المقدس الميمون إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ . أقول و كذا ينبغي أن تكون صادقا في قولك وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فلا يكون في قلبك عند ذلك القول مستعان لك سواه جل جلاله على التحقيق و اليقين فإنك إن كنت مستعينا عند تلك الحال بحولك و قوتك و دنياك أو مالك أو رجالك أو غيره من آمالك و أحوالك فأنت في قولك إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ إذا قصدت به أنه لا مستعان لك سواه كاذب مخاطر مستخف مباهت مستحق لما يستحقه العبد المستخف بمولاه.
ذكر أدبه في الدعوات في الصلاة عند قوله اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ و في كل موضع يراد منه أن يدعو فيه في الصلاة بقلب سليم.
قد قدمنا طرفا مما يحتاج إليه أهل الضراعات مما شرحناه بالمعقول و المنقول من الروايات فإياك أن تهمل تهذيب نفسك و قلبك خاصة عند مخاطبة مولاك و ربك فإنك إذا دعوت الله جل جلاله و قلبك في تلك الحال فارغ منه أو مشغول بالغفلة عنه أو بقصور احترام و تهوين
منك بجلالة ذلك المقام كنت كأنك تخاطب ملكا من ملوك الدنيا في حاجة إليه و ظهرك إليه أ ما تعلم أنك إذا خاطبت الملوك و ظهرك إليهم أو أنت مشغول عنهم بالغفلة و التهوين بهم عن الإقبال عليهم فإنك تعلم أنك تستحق أن يكون جوابك منهم أن يخرجوك من حضرتهم مطرودا و عن رحمتهم مصدودا و ربما لو حملوك إلى الحبوس و زيادة البؤس اعتقدت أن الذنب لك فيما يجري عليك منهم من النكال. و رأيت مع أن الذنب منك أنك مستحق للمؤاخذة على ما وقع منك من الإهمال فلا يكون عندك حرمة مالك الدنيا و الآخرة أقل من حرمة الملوك الذين هم مماليكه في هذه الدنيا الحقيرة الداثرة و إذا تأخرت عنك إجابة الدعوات و أنت على ما ذكرناه من الغفلات فالذنب لك و قد أحسن الله جل جلاله إليك كيف عفى لك عن عقاب تلك الجنايات. و إياك أن يخطر بقلبك أو تقول بلسانك كما تسمع من بعض الغافلين الذين ما دخل في قلبهم حقيقة الإيمان و الدين فيقولون قد دعونا الله و ما نرى الإجابة كما ذكر في القرآن. و يقولون هذا على سبيل الاستزادة و كان الله جل جلاله عندهم قد أخلف وعده بإجابة الدعاء و هذا كالكفر عند أهل الإيمان فإنهم لو كانوا عارفين بالله جل جلاله على اليقين ما أقدموا على أن يقولوا بحضرته المذهلة للألباب إنك وعدتنا بإجابة الدعاء و أخلفتنا في الجواب و إنما هذا قولهم بذلك على أنهم ما كانوا عند الدعاء عارفين أو ما كانوا ذاكرين عند المواقفة منهم لله جل جلاله أنهم بحضرة مالك الدنيا و الدين و هؤلاء أهل
أن يعرض الله جل جلاله عن دعواتهم و إجاباتهم و حسبهم عفو الله جل جلاله عن مؤاخذتهم على غفلاتهم و جهلاتهم.
وَ قَدْ رُوِيَ عَنْ مَوْلَانَا الصَّادِقِ ص أَنَّهُ قِيلَ لَهُ مَا بَالُنَا نَدْعُو اللَّهَ جَلَّ جَلَالُهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَنَا فَقَالَ لِأَنَّكُمْ تَدْعُونَ مَنْ لَا تَعْرِفُونَ.
ذكر أدب العبد في قراءة القرآن في الصلوات على سبيل الجملة في سائر الآيات
اعلم أن من أدب العبد في تلاوته كلام مولاه الذي يعلم أنه يراه أن يكون ذاكرا لجلالته و أنه في حضرته و يكون متشرفا و متلذذا باستماع محادثته و متأدبا مع عظمته فيتلو كلامه المقدس بنية أنه نائب عن الله جل جلاله في قراءة كلامه و أن الله جل جلاله مقبل عليه يستمع كلامه المقدس منه فلا يكن حالك عند تلك التلاوات دون حالك لو قرأت بعض الكتب المصنفات على من صنفها ممن تريد التقرب إليه في قراءة تصنيفه عليه و أنت محتاج في كل أمورك إليه فإنك تعلم أنك كنت تبذل جهدك في إحضار قلبك بغاية إمكانك و تبالغ في تهذيب لسانك و تقبل عليه و على قراءة تصنيفه بجميع جنانك و بحفظ نفسك في الحركات و السكنات فلا يكن الله جل جلاله عندك في قراءة كلامه دون صاحب المصنفات فإنك إن جعلت الله جل جلاله دون هذه الحال كنت أقرب إلى الهلاك و استحقاق النكال و اقتد بمن تذكر أنت و تدعى أنك مهتد بأنواره و مقتد بآثاره
فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَوْلَانَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ ع كَانَ يَتْلُو الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِ فَغُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ سُئِلَ مَا الَّذِي أَوْجَبَ مَا انْتَهَتْ حَالُكَ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ مَا زِلْتُ أُكَرِّرُ آيَاتِ الْقُرْآنِ حَتَّى بَلَغْتُ إِلَى حَالٍ
كَأَنَّنِي سَمِعْتُ مُشَافَهَةً مِمَّنْ أَنْزَلَهَا عَلَى الْمُكَاشَفَةِ وَ الْعِيَانِ.
فلم تقم القوة البشرية بمكاشفة الجلالة الإلهية و إياك يا من لا تعرف حقيقة ذلك أن تستبعده أو يجعل الشيطان في تجويز الذي رويناه عندك شكا بل كن به مصدقا أ ما سمعت الله جل جلاله يقول فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً
وَ قَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُ أَنَّ الصَّادِقَ ع سُئِلَ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ ص يُصَلِّي بِهِمْ وَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَ لَا تَخْشَعُ لَهُ قُلُوبُ أَهْلِ الْإِيمَانِ فَقَالَ ع إِنَّ النَّبِيَّ ص كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يَحْتَمِلُهُ حَالُهُمْ.
و الحديث مختصر و سيأتي من صفات حال الأبرار في التلاوات في مواضع من هذا الكتاب ما فيه تعريف كاف لذوي الألباب
ذكر أدبه في الركوع و الخضوع
ينبغي للعبد إذا كبر تكبيرة الركوع أن يركع بذل و استكانة و خضوع و يكون مستحضرا بقلبه و نيته أنه معامل في عبادته و ركوعه لله مالك دنياه و آخرته فيقابل في حال ركوعه كمال تلك الجلالة الإلهية بذل العبودية و لله در القائل.
إذا كان من تهوى عزيزا و لم تكن
ذليلا له فاقرأ السلام على الوصل .
أ فلا ترى أن من أدب العبد مع الملوك في دار الزوال أنهم إذا تلقوهم و أقبلوا عليهم يركعون لهم على سبيل التعظيم و الإجلال و يكونون في تلك الحال مستحضرين أنهم بين أيديهم و أنهم يقصدونهم بذلك التعظيم فكيف تركع أنت و تخضع للعالم بالأسرار و هو أعظم من كل عظيم و قلبك خال من حضورك بين يديه و من ذلك له و من إقبالك عليه. أقول و من أدب الراكع في الصلاة إذا كان ممن يقول في ركوعه
لَكَ خَشَعْتُ وَ بِكَ آمَنْتُ وَ لَكَ أَسْلَمْتُ وَ عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَ أَنْتَ رَبِّي خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ مُخِّي وَ عَصَبِي وَ عِظَامِي وَ مَا أَقَلَّتْهُ قَدَمَايَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
أن يكون العبد ذاكرا أنه قد ادعى في هذا القول صفات المقبلين على مالك يوم الدين بجميع جوارحه على الحقيقة و اليقين و صفة المستسلمين و المتوكلين فإياك أن يكون شيء منك غير خاضع و لا خاشع أو غير مستسلم لله جل جلاله أو غير متوكل على الله في شيء من أمور الدنيا و الدين فتكون في قولك من الكاذبين فأي صلاة تبقى لك إذ صليتها بالكذب و البهت لمالك الأولين و الآخرين. أقول و من أدب الراكع في الصلاة أنه لا يستعجل برفع رأسه من الركوع قبل استيفاء أقسام ذل العبودية لمولاه كما رويناه عمن يقتدى به
وَ كَمَا رَوَيْنَاهُ بِإِسْنَادِنَا إِلَى أَبِي جَعْفَرِ بْنِ بَابَوَيْهِ فِيمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ كِتَابِ زُهْدِ مَوْلَانَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ص عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ ع يَرْكَعُ فَيَسِيلُ عَرَقُهُ حَتَّى يَطَأَ فِي عَرَقِهِ مِنْ طُولِ قِيَامِهِ.
أقول أنا لك فيا أيها المشفق على روحه و قلبه و جسده و كبده أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ . و من أدب الراكع أنه إذا رفع رأسه بعد ما ذكرناه فليكن رفع رأسه بوقار و سكينة فإن مولاه يراه فإذا قال سمع الله لمن حمده أهل الكبرياء و العظمة و الجود و الجبروت أنه يمد يديه عند ذكر الكبرياء و العظمة و الجبروت بالذل للمعبود و يبسطهما بالرجاء عند ذكر الجود
ذكر أدبه في السجود
اعلم أنه من أدب العبد في سجوده أن يكون
على زيادة عما ذكرناه في الركوع من الذل لمعبوده فإياه أن يكون قلبه خاليا من أذكار نفسه أنه حاضر بين يدي الله جل جلاله و أنه جل جلاله على ما هو عليه من العظمة و الجلالة التي لا يحيط بها مقال كل ذي مقالة و أن هذا العبد على صفة من الضعف و الفقر و المسكنة و الذنوب التي قد أوقعته في الرذالة فيهوي إلى السجود على أبلغ ما ذكرناه في الركوع من الذل و الخضوع و الخشوع فإنه إن سجد و قلبه خال من الذكر لهذه الحال و إنما يسجد على العادة و مراعاة صورة السجود من غير استحضار لمعاملة مولاه بالإقبال عليه و بين يديه فهو كالذي يلعب في سجوده أو كالمعرض أو كالمستهزئ بمالكه و معبوده و قد عرف أهل العلم أن ذلك الركوع و هذا السجود من أركان الصلوات و أنهما متى تركهما العبد في صلاته عامدا أو ناسيا بطلت صلاته بمقتضى الفتوى و الروايات و صاحب الشريعة ص ما بعث إلى العباد بمعاملة و عبودية لغير معبود فإذا خلا خاطرك من المقصود بهذه الذلة و العبودية عند الركوع و السجود فما الفرق بينك و بين أهل الجحود و ما الفرق بينك و بين الساهي و اللاهي و إنما جاء محمد ص يدعو إلى المعبود قبل العادة فإياك أن تكون ممن خلا قلبه من ذل العبودية له و صار يقوم و يركع و يسجد فارغ القلب منه جل جلاله بحسب العرف و العادة. أقول و إن كنت ممن يقول في سجوده
اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَ بِكَ آمَنْتُ وَ لَكَ أَسْلَمْتُ وَ عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَ أَنْتَ رَبِّي سَجَدَ لَكَ سَمْعِي وَ بَصَرِي وَ شَعْرِي وَ عَصَبِي وَ مُخِّي وَ عِظَامِي سَجَدَ وَجْهِيَ الْبَالِي الْفَانِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَ صَوَّرَهُ وَ شَقَّ سَمْعَهُ وَ بَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ .
فإنك إن قلت هذا و أعضاؤك غير ساجدة جميعا على معنى الذل و الاستسلام و التوكل و الخضوع و الخشوع للمعبود فكأنك غائب عن معنى السجود و يكون قولك و دعواك كذبا و بهتا لمولاك فكيف تصح صلاتك يا مسكين إذا كان عبادتك بالكذب و البهت و التهوين. ثم أقول لك إن كنت تجد في سجودك ما يجده المحب من الروح و السرور إذا قرب من أهل الحب و إلا فسجودك ذميم مدخول و قلبك سقيم معلول لأنك قد عرفت أن صريح القرآن تضمن وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ فجعل السجود من علامات القرب إلى علام الغيوب فطالب نفسك بأنها تجد عند السجود ما يجد المحب بقرب المحبوب فإن حبك لله جل جلاله من ثمرة قوة معرفتك بجلاله و عظيم نواله و إفضاله قال الله جل جلاله في قوم يثني عليهم ممن كانوا يعرفونه يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ و قال جل جلاله في وصفه لأهل النجاة وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ و لا يغرنك قول من يقول إن حبك لله جل جلاله طاعته فإن ذلك إن كان قاله من قول قدوة فلعله لتقية أو لضعف السامع عن معرفة الأسرار الربانية لأن حبك لله جل جلاله إن كنت عارفا به كان قبل طاعتك له لأنك عرفته منعما فأحببته ثم وجدته يستحق الطاعة فأطعته و إلا فكيف عقلت معنى
الرِّوَايَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا جُبِلَتِ الْقُلُوبُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا.