کتابخانه روایات شیعه
قلت أنا و كيف لا يشكو لسان الحال إذا لم يقع الشكوى من بيان المقال و نحن على ما شرحنا بعضه من سوء الأعمال و لقد بلغ جهل مماليكه و عبيده إلى أنه خلقهم وحده جل جلاله و ما شركه أحد في خلقهم و تقديرهم فقال جل جلاله منبها لهم على انفراده جل جلاله بإنشائهم و تدبيرهم نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ و قال جل جلاله ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ و ما خلقهم حتى هيأ لهم الأرضين مهادا و السماء سقفا و لم يجعل لها عمادا و الجبال للأرض أوتادا و أجرى لهم الأنهار و غرس لهم الأشجار و رتب لهم الليل و النهار و بالغ في عمارة هذا المسكن و الدار و كلما يحتاجون إليه مدة الأعمار وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ثم رباهم بالرفق و الإكرام ثم صاحبهم بعد البلوغ بالجميل و الاحترام و قال جل جلاله وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ و لما أساءوا لعبودية عاملهم بالعفو و التستر فلا حق الإنشاء عرفوا و لا بحقوق التربية اعترفوا و لا عند حقوق الصحبة الجميلة وقفوا و لا من ستره و حلمه استحيوا أو أنصفوا و لا بحق الملكة و السيادة قاموا لجلاله و لا بحق العبودية نهضوا لإقباله و لا لأجل جوده و وعوده و لا لأجل تهديده و وعيده و بلغ الأمر إلى أن تصرفوا في أنفسهم تصرف الأحرار فلا ترى على الوجوه و الحركات و السكنات أنهم في حضرة مولاهم الذي يراهم فيكون عليهم ذل العبودية و الانكسار و كان هذا من أصعب الأخطار. ثم أعارهم دارا إلى وقت معلوم و عرفهم أنه يخرجها منهم إلى غيرهم بتقدم و رسول و مرسوم فتصرفوا فيها تصرف المالكين و لما جاء
رسوله ملك الموت بتقدم خرجوا منها خروج المنازعين له و الكارهين و أعارهم مالا لينفقوه في رضاه فتصرفوا فيه تصرف من ليس على يده يد أخرى و لا مولاه يراه و تملكوه عليه حتى بلغ سوء أدبهم بين يديه إلى أنه إذا كتب إليهم كتابا و بعث محمدا رسولا يطلب من أمواله كثيرا أو قليلا ليصرفها في عمارة دار أخرى كرهوا إخراجها عن أيديهم و كأنه يخرجها إلى سواهم و صاروا كأنهم هم المالكون لها و كان الله جل جلاله هو المستعير فكان هذا من الهلاك العظيم الكبير و بلغ سوء العبودية بهم إلى أن صاروا في مقام شركاء لمالك حياتهم و مماتهم ينازعون إراداته و كراهاته جل جلاله بإراداتهم و كراهاتهم و زاد سوء العبودية إلى أنهم عزلوا مولاهم عن مقام الإلهية و صاروا لا يرضون من تدبيره إلا ما وافق رضاهم و كأنهم يريدون أن يكون التدبير لهم و إليهم في دنياهم و آخرتهم فمن يكون على هذا السبيل أو دونه بقليل أما يكون وجهه أسود عند المطلع على أسراره و صحيفته سوداء عند الله و عند الملائكة الحفظة له في ليله و نهاره. أقول
وَ لَقَدْ رُوِّيتُ وَ رَأَيْتُ مِنْ كِتَابِ رِوَايَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَنِ الْآبَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ع تَأْلِيفِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ وَ قَدْ ذَكَرَ النَّجَاشِيُّ أَنَّهُ ثِقَةٌ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ مَوْلَانَا علي [عَلِيّاً] ع قَالَ: مَا رَأَيْتُ إِيمَاناً مَعَ يَقِينٍ أَشْبَهَ مِنْهُ بِشَكٍّ عَلَى هَذَا لِإِنْسَانٍ أَنَّهُ كُلَّ يَوْمٍ يُوَدِّعُ إِلَى الْقُبُورِ وَ يُشَيِّعُ وَ إِلَى غُرُورِ الدُّنْيَا يَرْجِعُ وَ عَنِ الشَّهْوَةِ وَ الذُّنُوبِ لَا يَقْطَعُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِابْنِ آدَمَ الْمِسْكِينِ ذَنْبٌ يَتَوَكَّفُهُ وَ لَا حِسَابٌ يُوقَفُ عَلَيْهِ إِلَّا الْمَوْتُ يُبَدِّدُ شَمْلَهُ وَ يُفَرِّقُ جَمْعَهُ وَ يُؤْتِمُ وُلْدَهُ لَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحَاذِرَ مَا هُوَ فِيهِ بِأَشَدِّ النَّصَبِ وَ التَّعَبِ
وَ لَقَدْ غَفَلْنَا عَنِ الْمَوْتِ غَفْلَةَ أَقْوَامٍ غَيْرِ نَازِلٍ بِهِمْ وَ رَكَنَّا إِلَى الدُّنْيَا وَ شَهَوَاتِهَا رُكُونَ أَقْوَامٍ قَدْ أَيْقَنُوا بِالْمَقَامِ وَ غَفَلْنَا عَنِ الْمَعَاصِي وَ الذُّنُوبِ غَفْلَةَ أَقْوَامٍ لَا يَرْجُونَ حِسَاباً وَ لَا يَخَافُونَ عِقَاباً.
أقول و هذا حالنا قد أشار إليها بهذه الإشارة و واضح العبارة على نحو قولهم إياك أعني و اسمعي يا جاره. و لما عرف الأئمة ع ما بلغت إليه الحال و كان حديث العباد إليهم أشاروا بما أطلعهم الله جل جلاله و رسوله عليه بأن يكون ابتداء الصحيفة و آخرها خيرا ليغفر ما بين ذلك من حديث الغفران إليه جل جلاله و تقدس كماله. أقول فممّا
رَوَيْتُهُ بِعِدَّةِ طُرُقٍ إِلَى الشَّيْخِ الْمُفِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ أَمَالِيهِ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَنٍ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ع عَنْ أَبِيهِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ ع قَالَ: إِنَّ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالْعَبْدِ يَكْتُبُ فِي صَحِيفَةِ أَعْمَالِهِ فَامْلَئُوا أَوَّلَهَا وَ آخِرَهَا خَيْراً يُغْفَرْ لَكُمْ مَا بَيْنَ ذَلِكَ.
و مِمَّا
أَرْوِيهِ بِإِسْنَادِي إِلَى جَدِّي أَبِي جَعْفَرٍ الطُّوسِيِّ مِمَّا يَرْوِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ وَ نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ السِّنْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ يَأْتِي عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلَّا قَالَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَنَا يَوْمٌ جَدِيدٌ وَ أَنَا عَلَيْكَ شَهِيدٌ فَافْعَلْ فِيَّ خَيْراً أَشْهَدْ لَكَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّكَ لَنْ تَرَانِي بَعْدَهُ أَبَداً.
فأقول فإذا صار أواخر نهار هذا العبد الكثير العثار و هو على ما ذكرناه من سوء العبودية و الإصرار فليقبل بقلبه إلى باب رحمة ربه و يتذكر ما جناه في سائر يومه في السرائر و الظواهر و يتوب منه توبة عبد ذليل حاضر بين يدي مالك قادر قاهر و إن لم يذكر ما أسلفه في نهاره فيدل على قلة اكتراثه بالمطلع على أسراره فيتوب على سبيل الجملة من سائر ذنوبه باطنها و ظاهرها أولها و آخرها فإن لم توافقه نفسه على مقام التوبة بإخلاص الطوية و صدق النية فيكون على صفة أهل الإصرار إذا خافوا من القصاص أن يهلكوا بالبوار و الدمار و خراب الديار و يقف بين يدي الله جل جلاله و يسأله الصفح و العفو عنه فقد يعفوا المولى عن عبده و هو غير راض منه. و إن لم تصدق سريرته و لم يكمل إرادته في خلاص طلب العفو بذل المصرين من الجناة و خوف المتمردين من العصاة فليمد رقبته على صفة من قد استسلم لمولاه و حمل نفسه إلى موضع القود مما جناه و ليكن على صفات المستسلم الذليل للمالك الأعظم الجليل و ليدع على ما كنا وصفناه من آداب أهل المناجاة. أقول و إن كنت مع قوم غافلين فإياك أن تشتغل بهم عن مولاك مالك سعادتك في الدنيا و الدين
فصل
أقول ثم احضر بعقلك و قلبك وقت المحاسبة لعالم الغيب جل جلاله و للملكين الحافظين و كن كما يحاسب العبد أو الساعي في بضاعة لصاحبها أو الشريك لشريكه إذا كان لمن يصاحبه اطلاع على كل ما جرت
الحال عليه و تكون عالما و ذاكرا أن الجحود و التغافل لا ينفعك بل يقتضي غضب من تحاسبه و يستقصي عليك. ثم تستحضر بعقلك أن جوارحك قد كتبت قصصا إلى الله تعالى تشكو من تصريفك لها في غير ما خلقت له و كذلك يشكو منك كل من كلفت القيام له بحق و ما قمت له به. فإذا برزت إليك من باب العدل أكتب معها قصة منك بلسان تشكو إلى الله تعالى منك و تشكو لمن شكا منك و أعرضها جميعها من باب الفضل فتقول ما معناه اللهم إني قد حضرت للمحاسبة و ما كان عندي قوة مني على حضوري بين يديك لمحاسبتك و لا جرأة على كشف سوء أعمالي فأنا ذاكر لحضرتك لكن أمرت فأقدمت ممتثلا لأمرك و تعظيما لقدرتك و أول ما أقول ما معي من عمل أرضاه لك لأنني وجدت نفسي أنشط لحوائج كثيرة لي و لمن يعز علي أكثر من نشاطي لطاعتك و وجدت أكثر الحوائج التي أنشط لها أكثر منك نفعها لغيري كله أو أكثره فأنا وقت اشتغالي بها متلف لذلك الوقت من عمري و مضيع ما كنت قادرا أن أعمله لك و يكون نفعه لي فقد ساءني تدبيري في معاملتك فما بقي عمل أرضاه لجلالتك و نعمتك. و أنا يا سيدي معسر أيضا عن القوة على عقابك و عتابك و على تغير إحسانك أو هوانك و قد قلت وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ و ليس لعسري يسار و كرمك و حلمك و عفوك أحق بقبول عذر أهل الأعذار و كيف أحبس في حبس غضبك أو عقابك و أنت غريمي و شاهدي بالإعسار. و وجدت في عقلي الذي أنعمت علي بنوره أن العبد إذا هرب
من مولاه إليه أو استسلم بين يديه أو استجار بعفوه من غضبه أو غضب على نفسه لغضب سيده عليه إذا توسل إليه بمن يعز عليه أو دخل من باب قد رحم سيده الداخلين منه إليه فإنه جدير بالظفر برحمة مولاه أو عفوه أو رضاه. و أنا قد سلكت إلى حلمك جميع هذه المسالك لأجل ما قد أحاط بي من المهالك و دخلت من الباب الذي دخل منه قوم إدريس و قوم يونس ع فرحمتهم و لم تقف مع غضب نبيك عليهم. و دخلت من الباب الذي سألك إبليس منه الإنظار مع علمك بما هو عليه من دوام الإصرار فأجبت سؤاله. و وقفت على الباب الذي ابتدأت منه سحرة فرعون بالهداية و العناية حتى صاروا من أوليائك و قد كانوا من أعدائك. و على الباب الذي ابتدأت منها أمم الأنبياء الذين كانوا عاكفين على عبادة الأصنام فبعث إليهم مجلس الغضب عليهم من دلهم حتى صار فيهم خلق كثير أولياءك و عزيزين عليك. و وقفت على باب رحمة رسولك محمد ص أستنجد برحمته أن لا أكون أعظم ذنوبا من أمة موسى و قد عبدوا العجل و قالوا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا و قالوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً و إن موسى ع شفع فيهم مع هذه الذنوب حتى رأيت في التوراة أن قال جل جلالك إن لم تقبل شفاعتي فيهم فامحني من الرسالة فقبلت يا الله شفاعته و أحييتهم له بعد الموت و أثنيت لهم ثناء من عصاك. فنحن نتوجه إلى رسولك محمد ص بك أن يشفع لنا إليك به