کتابخانه روایات شیعه
الشّام قد رفعت لك.
فالتفت رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه و آله- فإذا هو بالشّام بأبوابها و أسواقها و تجّارها.
قال: أين السّائل عن الشّام؟
فقالوا له: فلان و فلان.
فأجابهم رسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه و آله- في كلّ ما سألوه عنه، فلم يؤمن منهم إلّا قليل. و هو قول اللَّه- تبارك و تعالى-: وَ ما تُغْنِي الْآياتُ وَ النُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ .
ثمّ قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: نعوذ باللّه أن لا نؤمن باللّه و رسوله، آمنا باللّه و رسوله.
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ، مثل وقائعهم، و نزول بأس اللَّه بهم إذ لا يستحقّون غيره. من قولهم: أيّام العرب لوقائعها.
قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102): لذلك. أو فانتظروا هلاكي إنّي معكم من المنتظرين هلاككم.
و في تفسير العيّاشي 16826 : عن محمّد بن الفضل 16827 ، عن أبي الحسن، الرّضا- عليه السّلام- قال : سألته عن شيء في الفرج.
فقال: أو ليس تعلم أنّ انتظار الفرج من الفرج؟ إنّ اللَّه- عزّ و جلّ- يقول:
فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ .
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا : عطف على محذوف دلّ عليه إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا ، كأنّه قيل: نهلك الأمم ثمّ ننجّي رسلنا و من آمن بهم. على حكاية الحال الماضية.
كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103): كذلك الإنجاء. أو إنجاء كذلك ننجّي محمّدا و صحبه حين نهلك المشركين.
و حَقًّا عَلَيْنا قيل: اعتراض. و نصبه بفعل مقدّر، أي: حقّ ذلك علينا حقّا.
و قيل 16828 : بدل من «كذلك».
و في تفسير العيّاشي 16829 : عن مصقلة الطحّال، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- قال :
ما يمنعكم أن تشهدوا على من مات منكم على هذا الأمر أنّه من أهل الجنّة؟ إنّ اللَّه يقول: كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ .
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قيل 16830 : خطاب لأهل مكّة.
إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي : و صحّته.
فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ : فهذا خلاصة ديني اعتقادا و عملا. فاعرضوها على العقل الصّرف و انظروا فيها بعين الإنصاف، لتعلموا صحّتها. و هو أنّي لا أعبد ما تخلقونه و تعبدونه، و لكن أعبد خالقكم الّذي هو يوجدكم و يتوفّاكم.
و إنّما خصّ التّوفّي بالذّكر، للتّهديد.
وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104): بما دلّ عليه العقل و نطق به الوحي.
و حذف الجار من «أن» يجوز أن يكون من المطّرد مع «أن». و أن يكون من غيره، كقوله:
أمرتك بالخير فافعل ما أمرت به
وَ أَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ : عطف على «أن أكون»، غير أنّ صلة «أن» محكيّة بصيغة الأمر. و لا فرق بينهما في الغرض، لأنّ المقصود وصلها بما يتضمّن معنى المصدر لتدلّ معه عليه. و صيغ الأفعال كلّها كذلك، سواء الخبر منها و الطّلب.
و المعنى: و أمرت بالاستقامة في الدّين و الاشتداد فيها بأداء الفرائض و الانتهاء عن القبائح، أو في الصّلاة باستقبال القبلة.
حَنِيفاً : حال من «الدّين» أو «الوجه».
وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ : بنفسه إن دعوته أو خذلته.
فَإِنْ فَعَلْتَ : فإن دعوته.
فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (106): جزاء للشّرط، و جواب لسؤال مقدّر عن تبعة
الدّعاء.
وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ : و إن يصبك به.
فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ : إلّا اللَّه.
وَ إِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ : فلا دافع.
لِفَضْلِهِ : الّذي أرادك به.
و لعلّه ذكر الإرادة مع الخير و المسّ مع الضّرّ، مع تلازم الأمرين، للتّنبيه على أنّ الخير مراد بالذّات و أنّ الضّرّ إنّما مسّهم لا بالقصد الأوّل.
و وضع الفضل موضع الضّمير، للدّلالة على أنّه متفضّل بما يريد بهم من الخير لا استحقاق لهم عليه. و لم يستثن، لأنّ مراد اللَّه لا يمكن ردّه.
يُصِيبُ بِهِ : بالخير.
مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107): فتعرّضوا لرحمة بالطّاعة، و لا تيأسوا من غفرانه بالمعصية.
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ : رسوله أو القرآن، و لم يبق لكم عذر.
فَمَنِ اهْتَدى : بالإيمان و المتابعة.
فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ : لانّ نفعه لها.
وَ مَنْ ضَلَ : بالكفر بهما.
فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها : لأنّ وبال الضّلال عليها.
وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108): بحفيظ موكول إليّ أمركم، و إنّما أنا بشير و نذير.
وَ اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ : بالامتثال و التّبليغ.
وَ اصْبِرْ : على دعوتهم و تحمّل أذيّتهم.
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ : بالنّصرة، أو بالأمر بالقتال.
وَ هُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (109): إذ لا يمكن الخطأ في حكمه، لاطّلاعه على السّرائر اطّلاعه على الظّواهر.
تفسير سورة هود
سورة هود مكّيّة. و هي مائة و ثلاث و عشرون آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
في كتاب ثواب الأعمال 16831 ، بإسناده إلى أبي محمّد، الحسن بن عليّ 16832 - عليهما السّلام- قال : من قرأ سورة هود في كلّ جمعة، بعثه اللَّه- عزّ و جلّ- يوم القيامة في زمرة النّبيّين، و لم يعرف له خطيئة عملها يوم القيامة.
و في مجمع البيان 16833 : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللَّه عليه و آله- : من قرأها، أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدّق بنوح- عليه السّلام- و كذّب به، و هود و صالح و شعيب و لوط و إبراهيم و موسى. و كان يوم القيامة من السّعداء.
و روى الثّعلبيّ 16834 ، بإسناده: عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة قال : قيل:
يا رسول اللَّه، قد أسرع إليك الشّيب.
قال: شيّبتني هود و أخواتها.
و في كتاب الخصال 16835 : عن عكرمة، عن ابن عبّاس قال : قال أبو بكر:
يا رسول اللَّه، أسرع إليك الشّيب.
قال: شيّبتني هود، و الواقعة، و المرسلات، و عمّ يتساءلون.
الر كِتابٌ : مبتدأ و خبر. أو «كتاب» خبر مبتدأ محذوف. و سبق تأويل «الر» في أوّل سورة يونس.
أُحْكِمَتْ آياتُهُ : نظّمت نظما محكما، لا يعتريه إخلال من جهة اللّفظ و المعنى.
قيل 16836 : أو منعت من الفساد و النّسخ، فإنّ المراد آيات السّورة و ليس فيها منسوخ.
أو أحكمت بالحجج و الدّلائل. أو جعلت حكيمة، منقول 16837 من حكم بالضّمّ: إذا صار حكيما. لأنّها مشتملة على أمّهات الحكم النّظريّة و العمليّة.
ثُمَّ فُصِّلَتْ : بالفوائد، من العقائد و الأحكام و المواعظ و الأخبار. أو بجعلها سورا. أو بالإنزال نجما نجما. أو فصّل فيها و لخّص ما يحتاج إليه.
و قرئ 16838 : «ثمّ فصلت»، أي: فرقت بين الحقّ و الباطل. و أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ على البناء للمتكلّم. و «ثمّ» للتّفاوت في الحكم أو للتّراخي في الأخبار.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم 16839 : و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال : هو القرآن.
مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1): صفة أخرى للكتاب. أو خبر بعد خبر. أو صلة ل «أحكمت» أو «فصّلت». و هو تقرير لإحكامها و تفصيلها على أكمل ما ينبغي، باعتبار ما ظهر أمره و ما خفي.
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ : لأن لا تعبدوا.
و قيل 16840 : «أن» مفسّرة، لأنّ في تفصيل الآيات معنى القول.
و قيل 16841 : يجوز أن يكون كلاما مبتدأ، للإغراء على التّوحيد. أو الأمر بالتّبرؤ من عبادة الغير، كأنّه قيل: ترك عبادة غير اللَّه، بمعنى: ألزموه 16842 ، أو اتركوها 16843 تركا.