کتابخانه روایات شیعه
[مقدمة المحقق]
بسم اللّه الرحمن الرحيم
اهتم أئمة أهل البيت عليهم السلام بمعالجة الجسد كاهتمامهم بمداواة الروح، فكانت عنايتهم في صحة الأبدان كعنايتهم في تهذيب النفوس.
فهم أطبّاء الروح و الجسد، و قد رجع اليهم جماعة المسلمين يستوصفونهم لأمراضهم البدنية، كما كانوا يرجعون اليهم في شفاء أمراضهم الروحية. و هذه جوامع الحديث مملوة بشواهد ذلك، فلم يكونوا عليهم السلام مبلغي احكام و أئمة تشريع فحسب، بل كانوا قادة أولو عنايتهم المسلمين، يهمهم صحة أبدانهم و أديانهم- ان صح التعبير- على السواء حتّى حثوا على تعلم الطبّ و قرنه أمير المؤمنين عليه السّلام بعلم الفقه في كلمته الجامعة في تقسيم العلم قال «ع» العلوم أربعة الفقه للأديان، و الطبّ للابدان، و النحو للسان، و النجوم لمعرفة الأزمان.
و لقد ورد عنهم عليهم السلام في جوامع الطبّ و حفظ الصحة كثير، كما ورد عنهم وصف العلاج بانواعه أكثر، و للتيمن بذكرهم عليهم السلام نقدم للقارئ نبذة يسيرة من أقوالهم التي تعتبر قواعد عامة في حفظ الصحة و اعتدال المزاج.
قال أمير المؤمنين «ع» لولده الحسن «ع»: ألا أعلمك أربع كلمات تستغني بها عن الطبّ؟ فقال: بلى يا أمير المؤمنين، قال «ع»: لا تجلس على الطعام إلا و أنت جائع، و لا تقم عن الطعام إلّا و أنت تشتهيه، وجود المضغ، و إذا نمت فأعرض نفسك على الخلاء، فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطبّ.
و قال «ع» ايضا: ان في القرآن لآية تجمع الطبّ كله: (كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا)
و قال زر بن حبيش: قال أمير المؤمنين علي «ع»: أربع كلمات في الطبّ لو قالها بقراط و جالينوس لقدم أمامها مائة ورقة ثمّ زينها بهذه الكلمات و هي قوله:
توقوا البرد في أوله، و تلقوه في آخره، فانه يفعل في الأبدان كفعله بالاشجار أوله يحرق. و آخره يورق.
و قال «ع»: لا صحة مع النهم.
و قال الباقر «ع»: طب العرب في سبعة: شرطة الحجامة، و الحقنة، و الحمام و السعوط، و القيء، و شربة عسل، و آخر الدواء الكي. و ربما يزاد فيه النورة.
و قال الصادق «ع»: لو اقتصد الناس في المطعم لاستقامت أبدانهم.
و قال «ع» ايضا: ثلاث يسمن و ثلاث يهزلن، فاما التي يسمن فادمان الحمام و شم الرائحة الطيبة، و لبس الثياب اللينة، و اما التي يهزلن فإدمان أكل البيض و السمك و الضلع، اي امتلاء البطن من الطعام.
و حدث أبو هفان- و يوحنا بن ماسويه الطبيب النصرانى الشهير حاضر- ان جعفر بن محمّد «ع» قال: الطبائع أربع: الدم و هو عبد و ربما قتل العبد سيده، و الريح و هو عدو إذا سددت له بابا أتاك من آخر، و البلغم و هو ملك يدارى، و المرة و هي الأرض إذا رجفت رجفت بمن عليها، فقال ابن ماسويه: أعد علي فو اللّه ما يحسن جالينوس ان يصف هذا الوصف.
و قال الصادق «ع»: ان المشي للمريض نكس، ان أبي كان إذا اعتل جعل في ثوب فحمل لحاجته- يعني الوضوء- و ذاك انه كان يقول: ان المشي للمريض نكس.
و قال الكاظم «ع»: ادفعوا معالجة الأطباء، ما اندفع الداء عنكم، فانه بمنزلة البناء قليله يجر الى كثيره.
و قال ايضا: الحمية رأس الدواء و المعدة بيت الداء و عوّد بدنا ما تعوّد.
و قال أبو الحسن «ع»: ليس من دواء إلّا و يهيج داء، و ليس شيء في البدن أنفع من امساك البدن إلّا عما يحتاج إليه.
و قال الرضا «ع»: ... و لو غمز الميت فعاش لما أنكرت ذلك.
و قالوا عليهم السلام: اجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء.
فهذه اضمامة من بعض ما ورد عنهم عليهم السلام فيما يتعلق بالطب، و انها لتجمع الأصول العامّة و الاسس التي يقوم عليها حفظ الصحة.
فالتحذير من النهمة التي هي اساس الداء، و الاقتصاد في المطعم بحدود استقامة البدن و احتياجه، و الالتزام بالراحة و الهدوء بعد الابتلاء بالمرض، و الحمية و اعطاء البدن عادته، و التحذير من استعمال الدواء بدون حاجة، و عندها باكثر من الواجب و بيان طبائع البدن و عناصره المقومة، بل و حتّى الإشارة الى الطبّ الرياضي أو فقل التنفس الصناعي و غير ذلك هي نصائح طبية عامة يمكن الجزم بانها لا تخص فردا دون آخر، أو بلدا دون بلد، أو عصرا دون عصر آخر.
و هناك مستحضرات طبية و وصفات علاجية بنسب معينة و كيفيات خاصّة اشتمل عليها الطبّ المروي عنهم «ع» في كتابنا هذا و غيره يمكن القول بانها ربما كانت مختصة باحوال خاصّة و ملاحظة حال المريض و طفس بلده و التربة التي يعيش فيها اذ يمكن أن تكون الإجابة صدرت من أحدهم «ع» على سؤال المريض و علاجه بملاحظة ما قلناه. و هو أمر حري بالاعتبار، فان اختلاف الطقوس باختلاف البلدان و الفصول يستدعي اختصاص العلاج ببعض المرضى دون بعض، فالدواء المستحضر للبلاد الحارة مثلا لا يصحّ استعماله بنفس النسبة و الكيفية في البلاد الباردة، و بالعكس.
إذن فما يرى من تفاوت بعض الوصفات العلاجية أو التي لا يعرف وجهها يمكن ان تكون من هذا القبيل، و قد نص الأعلام من مشايخنا القدماء و المتأخرين على ذلك، و الى القارئ بعض بيانهم في المقام.
قال الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه (ره) المتوفّى سنة 381 ه
اعتقادنا في الاخبار الواردة في الطبّ انها على وجوه:
منها ما قيل على هواء مكّة و المدينة و لا يجوز استعماله على سائر الأهوية.
و منها ما اخبر به العالم- الامام- على ما عرف من طبع السائل و لم يعتبر بوصفه اذا كان اعرف بطبعه منه.
و منها ما دلسه المخالفون في الكتب لتقبيح صورة المذهب عند الناس.
و منها ما وقع فيه سهو من ناقليه.
و منها ما حفظ بعضه و نسي بعضه.
و ما روي في العسل انه شفاء من كل داء فهو صحيح و معناه شفاء من كل داء بارد.
و ما ورد في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير، فان ذلك إذا كان بواسيره من الحرارة إلخ 1 .
و قال الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان (ره) المتوفّى سنة 413: الطب صحيح و العلم به ثابت و طريقة الوحي، و انما أخذه العلماء عن الأنبياء، و ذلك لا طريق الى علم حقيقة الداء إلّا بالسمع و لا سبيل الى معرفة الدواء إلّا بالتوفيق، فثبت ان طريق ذلك هو السمع عن العالم بالخفيات.
و الاخبار عن الصادقين «ع» مفسرة بقول أمير المؤمنين «ع»: المعدة بيت الداء و الحمية رأس الدواء، و عود كل بدن ما اعتاد، و قد ينجع في بعض أهل البلاد من مرض يعرض لهم ما يهلك من استعمله لذلك المرض من غير أهل تلك البلاد و يصلح لقوم ذوي عادة ما لا يصلح لمن خالفهم في العادة إلخ 2 .
و قال الشيخ المجلسي محمّد باقر بن محمّد تقيّ (ره) المتوفّى سنة 1111 ه 3