کتابخانه روایات شیعه
جعفر عليه السّلام، و روي انه ضرب اسواطا بلغت منه مائة فكاد ان يقر لعظيم الالم فسمع محمّد بن يونس بن عبد الرحمن و هو يقول اتق اللّه يا محمّد بن أبي عمير ففرج اللّه عنه، و روي انه حبسه المأمون حتّى ولاه قضاء بعض البلاد (انتهى).
و عن الفهرست- محمّد بن أبي عمير يكنى أبا محمّد من مولى الازد و اسم ابى عمير زياد رحمه اللّه، و كان من أوثق الناس عند الخاصّة و العامّة و انسكهم نسكا و اعبدهم و أورعهم و قد ذكره الجاحظ في كتابه في فخر قحطان علي عدنان بهذه الصفة التي وصفناه و ذكر انه كان اوحد أهل زمانه في الأشياء كلها ادرك من الأئمة عليهم السلام ثلاثة ابا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السّلام و لم يرو عنه، و روى عن ابي الحسن الرضا و الجواد عليهما السلام، و روي عنه أحمد بن محمّد عيسى انه كتب مائة رجل من رجال ابي عبد اللّه الصادق عليه السّلام و له مصنّفات كثيرة ذكر ابن بطة ان له أربعة و تسعين كتابا (انتهى) و عن الكشّيّ في عنوان تسمية الفقهاء من أصحاب ابي إبراهيم و ابي الحسن الرضا عليهما السلام: اجتمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء و تصديقهم و اقروا لهم بالفقه و العلم و هم ستة نفر آخر دون الستة النفر الذين ذكرناهم في أصحاب ابي عبد اللّه عليه السّلام منهم يونس بن عبد الرحمن و صفوان بن يحيى بياع السابري و محمّد بن أبي عمير و عبد اللّه بن المغيرة و الحسن بن المحبوب و أحمد بن محمّد ابى نصر.
و كان من خصائص ابن أبي عمير انه لم يرو عن العامّة ابدا مع رواياتهم عنه فلذا كانت مروياته خالصة محضة غير مشوبة برواياتهم كما يظهر من سؤال شاذان بن الخليل النيسابوريّ إيّاه فقال له انك قد لقيت مشائخ العامّة فكيف لم تسمع منهم؟ فقال قد سمعت منهم غير أنّي رأيت كثيرا من أصحابنا قد سمعوا علم العامّة و علم الخاصّة فاختلط عليهم حتّى كانوا يروون حديث العامّة عن الخاصّة
و حديث الخاصّة عن العامّة فكرهت ان يختلط علي فتركت ذلك و اقبلت على هذا 3 .
عبادته:
(قال الفضل بن شاذان) دخلت العراق فرأيت واحدا يعاتب صاحبه و يقول له انت رجل عليك عيال و تحتاج ان تكسب عليهم و ما آمن من ان تذهب عيناك لطول سجودك (قال) فلما أكثر عليه قال أكثرت علي ويحك لو ذهبت عين أحد من السجود لذهبت عين ابن أبي عمير ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما يرفع رأسه إلّا عند الزوال (و سمعته يقول) اخذ يوما شيخي بيدي و ذهب بي الي ابن أبي عمير فصعدنا إليه في غرفة و حوله مشائخ له يعظمونه و يبجلونه فقلت لابي من هذا؟ فقال هذا ابن أبي عمير قلت الرجل الصالح العابد؟ قال: نعم 4 .
سخاؤه:
اما سخاؤه فقد بلغ الى مرتبة لم يكن في ذلك العصر من يفضل عليه في هذه المنقبة العليا غير مواليه الكرام عليهم السلام الذين اقتدى بقدوتهم و اقتبس من جذوتهم فانه يذكر في جوده و كرمه و ايثاره على نفسه ما يجمد في قباله بحر متلاطم و ينسى دونه جود حاتم.
روى الشيخ و الصدوق رضوان اللّه عليهما ان محمّد بن أبي عمير كان رجلا بزازا فذهب ماله و افتقر و كان له على رجل عشرة آلاف درهم فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم و حمل المال الى بابه فخرج إليه محمّد بن أبي عمير فقال ما هذا؟ قال هذا مالك الذي علي، قال ورثته؟ قال لا، قال وهب
لك؟ قال لا بل هو من ثمن ضيعة بعتها، قال ما هو؟ فقال بعت داري التي اسكنها لاقضي ديني فقال محمّد بن أبي عمير حدّثني ذريح المحاربى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين) ارفعها فلا حاجة لي فيها و انى و اللّه لمحتاج في وقتي هذا الى درهم و لا يدخل في ملكي من هذا درهم واحد 5 .
جهاده:
اما جهاده في سبيل الحق و احتمال الشدائد له فهو حسب ما روي عن الكشّيّ انه قال وجدت بخط أبي عبد اللّه الشاذاني سمعت أبا محمّد الفضل بن شاذان يقول سعي بمحمّد بن أبي عمير (و اسم ابي عمير زياد) الى السلطان انه يعرف اسامي الشيعة بالعراق فامره السلطان ان يسميهم فامتنع فجرد و علق بين القفازين فضرب مائة سوط (قال الفضل سمعت ابن أبي عمير) لما ضربت فبلغ الضرب مائة سوط ابلغ الضرب الالم إلي فكدت ان اسمي فسمعت نداء محمّد بن يونس يقول يا محمّد بن أبي عمير اذكر موقفك بين يدي اللّه تعالى فتقويت بقوله و صبرت و لم اخبر و الحمد للّه 6 .
و روي انه تولى ضربه السندي بن شاهك امام هارون الرشيد فادى مائة و واحدا و عشرين الف درهم حتّى خلى عنه و كان ربّ خمسمائة الف درهم 7 .
و يظهر من سير التاريخ و الحديث انه رحمه اللّه قاسى من الجهد و البلاء في عصري الهارون و المأمون فان المأمون حبسه في سجنه أربع سنين و كان ذلك بعد وفاة الرضا عليه السّلام و اختلفت الأقوال في ذهاب كتبه فقيل ان أخته دفنتها حال
استتاره في السجن خوفا عليه كما ذكره جدي الامجد السيّد الجزائريّ رحمه اللّه في شرحه على التهذيب 8 و قيل تركها في غرفة فسال عليها المطر فلما اطلق من حبسه حدثهم من حفظه و كان يحفظ ما يبلغ من أربعين جلدا فسماه نوادر فلذلك توجد أحاديثه منقطعة الأسانيد الا ان الاصحاب سكنوا إليها و عاملوها معاملة الصحاح ثقة به.
مؤلّفاته:
انه صنف كتبا كثيرة ذكر ابن بطة ان له أربعة و تسعين كتابا منها كتاب النوادر، كتاب الاستطاعة و الافعال و الرد على أهل القدر و الجبر، كتاب المبدأ، كتاب الإمامة، كتاب المنعة، كتاب المغازي، كتاب الكفر و الايمان، كتاب البداء، كتاب الإحتجاج في الإمامة، كتاب الحجّ، كتاب فضائل الحجّ، كتاب الملاحم، كتاب يوم و ليلة، كتاب الصلاة، كتاب مناسك الحجّ، كتاب الصيام، كتاب اختلاف الحديث، كتاب المعارف، كتاب التوحيد، كتاب النكاح، كتاب الرضاع.
توفي رحمه اللّه سنة 217 9 .
الثناء على التفسير:
لا ريب في ان هذا التفسير الذي بين ايدينا من اقدم التفاسير التي وصلت الينا و لو لا هذا لما كان متنا متينا في هذا الفن و لما سكن إليه جهابذة الزمن، فكم من تفسير قيم مقتبس من اخباره و لم تره إلّا منورا بانواره كالصافي و المجمع و البرهان، إلّا ان هذا الأصل لم يكن متيسرا في زماننا هذا لانه لم يطبع منه في الأخير إلّا نسختان، طبعتا في ايران احديهما طبعت سنة 1313 و ثانيتهما التي
عندي طبعت سنة 1315 مع تفسير الإمام العسكريّ على هامشه و كلتا النسختين مع كثرة الخطأ و الاشتباهات فيهما كانتا نادرتين جدا حتّى لم نجدهما في أكثر مكتبات النجف الأشرف حتّى مكتبة أمير المؤمنين عليه السّلام التي اسسها العلامة المجاهد الأميني مد ظله مع اتساعها و طول باعها في حيازة الكتب القيمة كانت فاقدة لها فاحتيج الى طباعته لئلا يندرس هذا الاثر الاثري و التأليف الزهري فشمرت الباع لرفع القناع عن هذه المؤلّفة المألوفة ليرى محياها كل من احبها و حياها فانها تحفة عصرية و نخبة اثرية لأنّها مشتملة على خصائص شتّى قلما تجدها في غيرها فمنها:
(1) ان هذا التفسير أصل أصول للتفاسير الكثيرة كما تقدم.
(2) ان رواياته مروية عن الصادقين عليهما السلام مع قلة الوسائط و الاسناد و لهذا قال في الذريعة: انه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام.
(3) مؤلّفه كان في زمن الامام العسكريّ عليه السّلام.
(4) ابوه الذي روى هذه الأخبار لابنه كان صحابيا للامام الرضا عليه السلام.
(5) ان فيه علما جما من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي سعى اعداؤهم لاخراجها من القرآن الكريم.
(6) انه متكفل لبيان كثير من الآيات القرآنية التي لم يفهم مرادها تماما إلّا بمعونة ارشاد أهل البيت عليهم السلام التالين للقرآن.
بقي شيء:
و هو ان الراوي الأول الذي املا عليه عليّ بن إبراهيم القمّيّ هذا التفسير على ما يتضمنه بعض نسخ هذا التفسير (كما في نسختي) هو أبو الفضل العباس ابن محمّد بن قاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر عليه السّلام، تلميذ عليّ بن إبراهيم،
و هذا الشخص و ان لم يوجد له ذكر في الأصول الرجالية كما ذكره صاحب الذريعة إلّا ان ما يدلّ على علو شأنه و سمو مكانه كونه من أولاد الامام موسى ابن جعفر عليه السّلام و منتهيا إليه بثلاث وسائط فقط، و قد ذكره غير واحد من كتب الأنساب كبحر الأنساب و المجدي و عمدة الطالب، و ممّا يرفع غبار الريب عن اعتبار الراوي ركون الاصحاب الى هذا الكتاب و عملهم به بلا ارتياب فلو كان فيه ضعف لما ركنوا إليه، و لذا قال الحرّ العامليّ رحمه اللّه في الوسائل. و هو من الذين اخذوا من هذا الكتاب ما لفظه.
«و لم اقتصر فيه على كتب الحديث الأربعة و ان كانت أشهر ممّا سواها بين العلماء، لوجود كتب كثيرة معتمدة من مؤلّفات الثقات الاجلاء، و كلها متواترة النسبة الى مؤلّفيها، لا يختلف العلماء و لا يشك الفضلاء فيها» (الوسائل 1/ 5)
و قد عرضت هذا الكتاب قبل نشره على الشيخ الكبير و المجاهد الشهير سماحة العلامة آقا بزرك الطهرانيّ (صاحب الذريعة) دام ظله فابدى سروره على طبعه و دعا لي على هذا المجهود و كتب التقريظ عليه مع ضعف حاله و ارتعاش يده الشريفة، حيث عبر عن هذا الكتاب ب «الاثر النفيس و السفر الخالد المأثور عن الامامين عليهما السلام».
و لا ريب في انه عريف هذا الفن و غطريف من غطارفة الزمن فقليله في مقام الاطراء كثير.
و بالجملة انه تفسير رباني، و تنوير شعشعاني، عميق المعاني، قوي المبانى عجيب في طوره، بعيد في غوره، لا يخرج مثله إلّا من العالم عليه السّلام و لا يعقله إلّا العالمون، و لم آل جهدا في تصحيحه و تنظيفة من الأغلاط المشحونة فيه فاعتمدت في تصحيحه على أربع نسخ منه:
(الأولى) نسخة مطبوعة 1315 هج على هامشها تفسير الإمام العسكريّ عليه السّلام، و هي التي كانت عندي.
(الثانية) نسخة مطبوعة 1313 هج و جعلت رمزها في هذا الكتاب (ط).
(الثالثة) نسخة خطية من مكتبة آية اللّه الحكيم مد ظله و جعلت رمزها (م).
(الرابعة) نسخة خطية نادرة من مكتبة الشيخ كاشف الغطاء طلب ثراه، و جعلت رمزها (ك) و اسأل اللّه ان يوفقنا لذلك فان بلغت فيه مناي فهو شفائى، و ان بقي شيء منها فانى معتذر الى مولاي فانه ذو الصفح الجسيم و المن القديم و ما توفيقي إلّا باللّه العلي العظيم.
تنبيه يتعلق بهذا التفسير
لا بدّ لقارئ هذا التفسير من الالتفات الى امر بدونه يصعب فهم المراد بل ربما ينفتح للعنود و المستضعف باب اللجاج و العناد، فيورد على هذا التفسير و ما شاكله بان كثيرا من مطالبه بعيد عن ظاهر اللفظ و قريب الى التأويلات التي يستنكف العقل منها- مثلا- اي ربط للآيات النازلة في اقوام بائدة كقوم عاد و ثمود باعداء أهل البيت عليهم السّلام حيث فسرت بانها نزلت فيهم و نحو ذلك.
و جوابه يتوقف على بيان امور: