کتابخانه روایات شیعه
[مقدمة المصنف]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد- الذي لا من شيء خلق 29 ما كون بل بقدرته، بان بها من الأشياء و بانت الأشياء منه- فليست له صفة تنال و لا حد يضرب فيه الأمثال- كل دون صفاته تحبير 30 اللغات، و ضل هنالك تصاريف الصفات و حار في أداني ملكوته عميقات مذاهب التفكير، و انقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير، و حال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب- و تاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول، فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم- و لا يناله غوص الفطن- و تعالى الذي ليس لنعته حد محدود، و لا وقت ممدود و لا أجل معدود، فسبحان الذي ليس له أول مبتدإ و لا غاية منتهى، سبحانه كما هو وصف نفسه و الواصفون لا يبلغون نعته، حد الأشياء كلها بعلمه عند خلقه- و أبانها إبانة لها من شبهها بما لم يحلل فيها- فيقال هو فيها كائن و لم ينأ عنها فيقال هو منها بائن، و لم يخل منها فيقال له أين، لكنه سبحانه أحاط بها علمه و أتقنها صنعه و أحصاها حفظه- فلم يعزب عنه خفيات هبوب الهواء و لا غامض سرائر مكنون ظلم الدجى، و لا ما في السماوات العلى إلى الأرضين السفلى و على كل شيء منها حافظ و رقيب- و بكل شيء منها محيط هو الله الواحد الأحد رب العالمين- و الحمد لله الذي جعل العمل في الدنيا و الجزاء في الآخرة- و جعل لكل شيء قدرا و لكل قدر أجلا- و لكل أجل كتابا يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ- وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ و الحمد لله الذي جعل الحمد شكرا و الشكر طاعة- و التكبير جلالة و تعظيما
فلا إله إلا هو إخلاصا نشهد به فإنه قال عز و جل « سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَ يُسْئَلُونَ » و قال « إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ » تشهد به بلجة 31 صدورنا و عارفة قلوبنا- قد شيط به 32 لحومنا و دماؤنا- و أشعارنا و أبشارنا و أسماعنا و أبصارنا- و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ص- أرسله بكتاب قد فصله و أحكمه و أعزه و حفظه بعلمه و أوضحه بنوره و أيده بسلطانه- و أحكمه من أن يميل سهوا و يأتيه الباطل من بين يديه- و من خلفه تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ، لا تفنى عجائبه من قال به صدق و من عمل به أحيز- و من خاصم به فلج و من قال به نصر- و من قام به هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و من تركه من الجبابرة قصمه الله- و من ابتغى العلم من غيره أضله الله و هو حبل الله المتين- فيه بيان ما كان قبلكم و الحكم فيما بينكم و خبر معادكم- أنزله الله بعلمه و أشهد الملائكة بتصديقه فقال « لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ- وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً » فجعله نورا يهدي التي هي أقوم فقال « اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ- وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ » ففي اتباع ما جاء من الله عز و جل الفوز العظيم- و في تركه الخطأ المبين- فجعل في اتباعه كل خير يرجى في الدنيا و الآخرة، و القرآن آمر و زاجر حد فيه الحدود- و سن فيه السنن و ضرب فيه الأمثال- و شرع فيه الدين و غدا من سببه حجة على خلقه- أخذ عليهم ميثاقهم و ارتهن لهم أنفسهم- لينبئ لهم ما يأتون و ما يبتغون لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ- وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ إِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَيُّهَا النَّاسُ- إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بَعَثَ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً ص بِالْهُدَى وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَ أَنْتُمْ أُمِّيُّونَ عَنِ الْكِتَابِ- وَ مَنْ أَنْزَلَهُ وَ عَنِ الرَّسُولِ وَ مَنْ أَرْسَلَهُ، أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَ طُولِ هَجْعَةٍ 33 مِنَ الْأُمَمِ- وَ انْبِسَاطٍ مِنَ
الْجَهْلِ وَ اعْتِرَاضٍ مِنَ الْفِتْنَةِ- وَ انْتِقَاصٍ مِنَ الْبَرَمِ وَ عَمًى عَنِ الْحَقِّ- وَ انْتِشَارٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ اعْتِسَافٍ مِنَ الْجَوْرِ- وَ امْتِحَاقٍ مِنَ الدِّينِ وَ تلظي [تَلَظٍّ] مِنَ الْحُرُوبِ- وَ عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ رِيَاضِ جَنَّاتِ الدُّنْيَا- وَ يُبُوسٍ مِنْ أَغْصَانِهَا وَ انْتِشَارٍ مِنْ وَرَقِهَا- وَ يَأْسٍ مِنْ ثَمَرَتِهَا وَ اغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا، فَقَدْ دَرَسَتْ أَعْلَامُ الْهُدَى وَ ظَهَرَتْ أَعْلَامُ الرَّدَى وَ الدُّنْيَا مُتَهَجِّمَةٌ 34 فِي وُجُوهِ أَهْلِهَا- متكفهرة [مُكْفَهِرَّةٌ] مُدْبِرَةٌ غَيْرُ مُقْبِلَةٍ ثَمَرَتُهَا الْفِتْنَةُ وَ طَعَامُهَا الْجِيفَةُ وَ شِعَارُهَا الْخَوْفُ- وَ دِثَارُهَا السَّيْفُ قَدْ مَزَّقَهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ- فَقَدْ أَعْمَتْ عُيُونُ أَهْلِهَا وَ أَظْلَمَتْ عَلَيْهِمْ أَيَّامُهَا- قَدْ قَطَعُوا أَرْحَامَهُمْ وَ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ- وَ دَفَنُوا فِي التُّرَابِ الْمَوْءُودَةَ بَيْنَهُمْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ- يَجْتَازُ دُونَهُمْ طِيبُ الْعَيْشِ وَ رَفَاهَتُهُ، خُوطٌ 35 لَا يَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ثَوَاباً وَ لَا يَخَافُونَ اللَّهَ عِقَاباً- حَيُّهُمْ أَعْمَى نَجَسٌ مَيِّتُهُمْ فِي النَّارِ مُبْلِسٌ- فَجَاءَهُمُ النَّبِيُّ ص بِنُسْخَةِ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى- وَ تَصْدِيقِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلِ الْحَلَالِ وَ بَيَانِ الْحَرَامِ- وَ ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ فَلَنْ يَنْطِقَ لَكُمْ، أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أَنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا مَضَى وَ عِلْمَ مَا يَأْتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ حُكْمَ مَا بَيْنَكُمْ وَ بَيَانَ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مختلفون [تَخْتَلِفُونَ] فَلَوْ سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ لَأَخْبَرْتُكُمْ عَنْهُ لِأَنِّي أَعْلَمُكُمْ
». وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ «إِنِّي فَرَطُكُمْ 36 وَ إِنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ، حَوْضٌ عَرْضُهُ مَا بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَ صَنْعَاءَ، فِيهِ قُدْحَانٌ مِنْ فِضَّةٍ عَدَدَ النُّجُومِ أَلَا وَ إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنِ الثَّقَلَيْنِ- قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا الثَّقَلَانِ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ الثَّقَلُ الْأَكْبَرُ طَرَفٌ بِيَدِ اللَّهِ وَ طَرَفٌ بِأَيْدِيكُمْ- فَتَمَسَّكُوا بِهِ لَنْ تَضِلُّوا وَ لَنْ تَزِلُّوا- وَ الثَّقَلُ الْأَصْغَرُ عِتْرَتِي وَ أَهْلُ بَيْتِي فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَنِي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ- أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا
حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَإِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ- وَ لَا أَقُولُ كَهَاتَيْنِ- وَ جَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتِهِ وَ الْوُسْطَى- فَتَفْضُلَ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ»
فالقرآن عظيم قدره جليل خطره بين ذكره- من تمسك به هدي و من تولى عنه ضل و زل- فأفضل ما عمل به القرآن لقول الله عز و جل لنبيه ص « وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ- وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ » و قال « وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ » ففرض الله عز و جل على نبيه ص أن يبين للناس ما في القرآن من الأحكام و القوانين- و الفرائض و السنن- و فرض على الناس التفقه و التعليم- و العمل بما فيه حتى لا يسع أحدا جهله و لا يعذر في تركه- و نحن ذاكرون و مخبرون بما ينتهي إلينا و رواه مشايخنا و ثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم- و أوجب ولايتهم و لا يقبل عمل إلا بهم- و هم الذين وصفهم الله تبارك و تعالى- و فرض سؤالهم و الأخذ منهم فقال « فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ » فعلمهم عن رسول الله و هم الذين قال في كتابه و خاطبهم في قوله تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ- وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ- وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ- وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ- مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا ( القرآن) لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ- وَ تَكُونُوا أنتم يا معشر الأئمة شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ » فرسول الله ص شهيد عليهم و هم شهداء على الناس فالعلم عندهم و القرآن معهم- و دين الله عز و جل الذي ارتضاه لأنبيائه- و ملائكته و رسله منهم يقتبس
وَ هُوَ قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع «أَلَا إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هَبَطَ بِهِ آدَمُ ع مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ- وَ جَمِيعَ مَا فُضِّلَتْ بِهِ النَّبِيُّونَ إِلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ عِنْدِي- وَ عِنْدَ عِتْرَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ بَلْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ