کتابخانه روایات شیعه
نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ. وَ عِنْدَهَا يَظْهَرُ الرِّبَا وَ يَتَعَامَلُونَ بِالْعِينَةِ 504 وَ الرُّشَى- وَ يُوضَعُ الدِّينُ وَ تُرْفَعُ الدُّنْيَا، قَالَ سَلْمَانُ: وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ! وَ عِنْدَهَا يَكْثُرُ الطَّلَاقُ، فَلَا يُقَامُ لِلَّهِ حَدٌّ- وَ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً- قَالَ سَلْمَانُ: وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ! وَ عِنْدَهَا تَظْهَرُ الْقَيْنَاتُ وَ الْمَعَازِفُ 505 وَ يَلِيهِمْ أَشْرَارُ أُمَّتِي، قَالَ سَلْمَانُ وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ص: إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ! وَ عِنْدَهَا تَحُجُّ أَغْنِيَاءُ أُمَّتِي لِلنُّزْهَةِ- وَ تَحُجُّ أَوْسَاطُهَا لِلتِّجَارَةِ- وَ تَحُجُّ فُقَرَاؤُهُمْ لِلرِّيَاءِ وَ السُّمْعَةِ- فَعِنْدَهَا يَكُونُ أَقْوَامٌ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ لِغَيْرِ اللَّهِ- وَ يَتَّخِذُونَهُ مَزَامِيرَ، وَ يَكُونُ أَقْوَامٌ يَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ- وَ تَكْثُرُ أَوْلَادُ الزِّنَا، وَ يَتَغَنَّوْنَ بِالْقُرْآنِ، وَ يَتَهَافَتُونَ
بِالدُّنْيَا- قَالَ سَلْمَانُ: وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ص: إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
يَا سَلْمَانُ ذَاكَ إِذَا انْتُهِكَتِ الْمَحَارِمُ، وَ اكْتَسَبَتِ الْمَآثِمُ، وَ تَسَلَّطَ الْأَشْرَارُ عَلَى الْأَخْيَارِ، وَ يَفْشُو الْكَذِبُ وَ تَظْهَرُ اللَّجَاجَةُ، وَ تَغْشُو الْفَاقَةُ وَ يَتَبَاهَوْنَ فِي اللِّبَاسِ وَ يُمْطَرُونَ فِي غَيْرِ أَوَانِ الْمَطَرِ، وَ يَسْتَحْسِنُونَ الْكُوبَةَ 506 وَ الْمَعَازِفَ- وَ يُنْكِرُونَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ- حَتَّى يَكُونُ الْمُؤْمِنُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَذَلَّ مِنَ الْأَمَةِ- وَ يُظْهِرُ قُرَّاؤُهُمْ وَ عُبَّادُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمُ التَّلَاوُمَ، فَأُولَئِكَ يُدْعَوْنَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ الْأَرْجَاسَ وَ الْأَنْجَاسَ، قَالَ سَلْمَانُ: وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، يَا سَلْمَانُ! فَعِنْدَهَا لَا يَحُضُّ الْغَنِيُّ عَلَى الْفَقِيرِ- حَتَّى إِنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ فِيمَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ- لَا يُصِيبُ أَحَداً يَضَعُ فِي كَفِّهِ شَيْئاً قَالَ سَلْمَانُ: وَ إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ص: إِي وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ يَا سَلْمَانُ! عِنْدَهَا يَتَكَلَّمُ الرُّوَيْبِضَةُ، فَقَالَ: وَ مَا الرُّوَيْبِضَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِدَاكَ أَبِي وَ أُمِّي قَالَ ص: يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّمُ- فَلَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى تَخُورَ 507 الْأَرْضُ خَوْرَةً- فَلَا يَظُنُّ كُلُّ قَوْمٍ إِلَّا أَنَّهَا خَارَتْ فِي نَاحِيَتِهِمْ فَيَمْكُثُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَنْكُتُونَ فِي مَكْثِهِمْ- فَتُلْقِي لَهُمُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا ذَهَباً وَ فِضَّةً- ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَسَاطِينِ- فَقَالَ مِثْلَ هَذَا فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ ذَهَبٌ وَ لَا فِضَّةٌ،
فهذا معنى قوله فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها
. و قوله وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ إلى قوله فَأَوْلى لَهُمْ
فهم المنافقون- ثم قال فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ يعني الحرب فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ- فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ- وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ نزلت في بني أمية،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْخَزَّازِ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَكِّيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع يَقُولُ إِنَّ عُمَرَ لَقِيَ عَلِيّاً ع فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ « بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ » تَعَرَّضُ بِي وَ بِصَاحِبِي قَالَ: أَ فَلَا أُخْبِرُكَ بِآيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ إِلَى قَوْلِهِ- « وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ » فَقَالَ عُمَرُ بَنُو أُمَيَّةَ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ مِنْكَ- وَ لَكِنَّكَ أَثْبَتَّ الْعَدَاوَةَ لِبَنِي أُمَيَّةَ وَ بَنِي عَدِيٍّ وَ بَنِي تَيْمٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْفَارِسِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِهِ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِتَرْكِهِمْ وَلَايَةَ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع
الشَّيْطانُ يعني فلانا سَوَّلَ لَهُمْ يعني بني فلان و بني فلان و بني أمية قوله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ هو ما افترض الله على خلقه من ولاية أمير المؤمنين ع سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ قال دعوا بني أمية إلى ميثاقهم- ألا يصيرون لنا الأمر بعد النبي ص و لا يعطونا من الخمس شيئا- و قالوا إن أعطيناهم الخمس استغنوا به- فقال سنطيعكم في بعض الأمر- أي لا تعطوهم من الخمس شيئا- فأنزل الله على نبيه « أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ- أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ- بَلى وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ » و قال علي بن إبراهيم في قوله إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ- مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى نزلت في الذين نقضوا عهد الله في أمير المؤمنين الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ أي هون لهم و هو فلان وَ أَمْلى لَهُمْ أي بسط لهم أن لا يكون مما قال محمد شيئا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ في أمير المؤمنين سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ يعني في الخمس أن لا يردوه في بني هاشم وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ قال الله فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ- يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ
بنكثهم و بغيهم- و إمساكهم الأمر من بعد أن أبرم عليهم إبراما يقول- إذا ماتوا ساقتهم الملائكة إلى النار فيضربونهم من خلفهم و من قدامهم ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ يعني موالاة فلان و فلان ظالمي أمير المؤمنين فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ يعني التي عملوها من الخيرات إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال عن أمير المؤمنين ع وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ أي قاطعوه في أهل بيته بعد أخذه الميثاق عليهم له فَلا تَهِنُوا وَ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ- وَ اللَّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ أي لم ينقصكم وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا أي يجدكم تبخلوا وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ قال: العداوة التي في صدوركم- ثم قال ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ معناه أنتم يا هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلى قوله وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا عن ولاية أمير المؤمنين ع يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ قال: يدخلهم في هذا الأمر ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ في معاداتكم و خلافكم و ظلمكم لآل محمد ص،
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ قَيْسٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا ابْنَ قَيْسٍ وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ- ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ عَنَى أَبْنَاءَ الْمَوَالِي الْمُعْتَقِينَ
48 سورة الفتح مدنية آياتها تسع و عشرون 29
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً
قَالَ فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ [سياد] عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ وَ هَذَا الْفَتْحِ الْعَظِيمِ- أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ ص فِي النَّوْمِ- أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَ يَطُوفَ وَ يَحْلِقَ مَعَ الْمُحَلِّقِينَ، فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ وَ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ
فَخَرَجُوا- فَلَمَّا نَزَلَ ذَا الْحُلَيْفَةِ أَحْرَمُوا بِالْعُمْرَةِ وَ سَاقُوا الْبُدْنَ- وَ سَاقَ رَسُولُ اللَّهِ ص سِتّاً وَ سِتِّينَ بَدَنَةً وَ أَشْعَرَهَا عِنْدَ إِحْرَامِهِ، وَ أَحْرَمُوا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ مُلَبِّينَ بِالْعُمْرَةِ- قَدْ سَاقَ مَنْ سَاقَ مِنْهُمُ الْهَدْيَ مُشْعَرَاتٍ مُجَلَّلَاتٍ، فَلَمَّا بَلَغَ قُرَيْشاً ذَلِكَ بَعَثُوا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ كَمِيناً- لِيَسْتَقْبِلَ رَسُولَ اللَّهِ ص، فَكَانَ يُعَارِضُهُ عَلَى الْجِبَالِ- فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ حَضَرَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ- فَأَذَّنَ بِلَالٌ وَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ص بِالنَّاسِ- فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: لَوْ كُنَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَ هُمْ فِي الصَّلَاةِ لَأَصَبْنَاهُمْ- فَإِنَّهُمْ لَا يَقْطَعُونَ صَلَاتَهُمْ- وَ لَكِنْ تَجِيءُ لَهُمُ الْآنَ صَلَاةٌ أُخْرَى أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ ضِيَاءِ أَبْصَارِهِمْ- فَإِذَا دَخَلُوا فِي الصَّلَاةِ أَغَرْنَا عَلَيْهِمْ، فَنَزَلَ جَبْرَئِيلُ ع عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص بِصَلَاةِ الْخَوْفِ بِقَوْلِهِ: « وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ » الْآيَةَ، وَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَ قَدْ مَضَى ذِكْرُ خَبَرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِيهَا.
فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْحُدَيْبِيَةَ وَ هِيَ عَلَى طَرَفِ الْحَرَمِ وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَسْتَنْفِرُ بِالْأَعْرَابِ فِي طَرِيقِهِ مَعَهُ- فَلَمْ يَتْبَعْهُ أَحَدٌ وَ يَقُولُونَ: أَ يَطْمَعُ مُحَمَّدٌ وَ أَصْحَابُهُ أَنْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ وَ قَدْ غَزَتْهُمْ قُرَيْشٌ فِي عُقْرِ دِيَارِهِمْ- فَقَتَلُوهُمْ إِنَّهُ لَا يَرْجِعُ مُحَمَّدٌ وَ أَصْحَابُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ أَبَداً- فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْحُدَيْبِيَةَ خَرَجَتْ قُرَيْشٌ يَحْلِفُونَ بِاللَّاتِ وَ الْعُزَّى لَا يَدَعُونَ مُحَمَّداً يَدْخُلُ مَكَّةَ وَ فِيهِمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنِّي لَمْ آتِ لِحَرْبٍ- وَ إِنَّمَا جِئْتُ لِأَقْضِيَ نُسُكِي وَ أَنْحَرَ بُدْنِي- وَ أُخَلِّيَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ لَحَمَاتِهَا، فَبَعَثُوا عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ وَ كَانَ عَاقِلًا لَبِيباً- وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ « وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ » فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص عَظَّمَ ذَلِكَ وَ قَالَ:
يَا مُحَمَّدُ تَرَكْتَ قَوْمَكَ وَ قَدْ ضَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ- وَ أَخْرَجُوا الْعَوْدَ الْمَطَافِيلَ 508 يَحْلِفُونَ بِاللَّاتِ وَ الْعُزَّى لَا يَدَعُوكَ تَدْخُلُ مَكَّةَ فَإِنَّ مَكَّةَ حَرَمُهُمْ وَ فِيهِمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ- أَ فَتُرِيدُ أَنْ تُبِيدَ أَهْلَكَ وَ قَوْمَكَ يَا مُحَمَّدُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: مَا جِئْتُ لِحَرْبٍ وَ إِنَّمَا جِئْتُ لِأَقْضِيَ نُسُكِي- فَأَنْحَرَ بُدْنِي وَ أُخَلِّيَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ لَحَمَاتِهَا، فَقَالَ عُرْوَةُ: بِاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ أَحَداً صُدَّ كَمَا صُدِدْتَ، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ وَ أَخْبَرَهُمْ- فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَ اللَّهِ لَئِنْ دَخَلَ مُحَمَّدٌ مَكَّةَ وَ تَسَامَعَتْ بِهِ الْعَرَبُ لَنَذِلَّنَّ وَ لَتَجْتَرِيَنَّ عَلَيْنَا الْعَرَبُ.
فَبَعَثُوا حَفْصَ بْنَ الْأَحْنَفِ وَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ: وَيْحَ قُرَيْشٍ قَدْ نَهَكَتْهُمُ الْحَرْبُ- أَ لَا خَلَّوْا بَيْنِي وَ بَيْنَ الْعَرَبِ فَإِنْ أَكُ صَادِقاً فَإِنَّمَا أَجْرُ الْمُلْكِ إِلَيْهِمْ مَعَ النُّبُوَّةِ- وَ إِنْ أَكُ كَاذِباً كَفَتْهُمْ ذُؤْبَانُ الْعَرَبِ لَا يَسْأَلُنِي الْيَوْمَ امْرُؤٌ مِنْ قُرَيْشٍ خُطَّةً- لَيْسَ لِلَّهِ فِيهَا سَخَطٌ إِلَّا أَجَبْتُهُمْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَوَافَوْا رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَ لَا تَرْجِعُ عَنَّا عَامَكَ هَذَا- إِلَى أَنْ نَنْظُرَ إِلَى مَا ذَا يَصِيرُ أَمْرُكَ وَ أَمْرُ الْعَرَبِ فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَسَامَعَتْ بِمَسِيرِكَ- فَإِنْ دَخَلْتَ بِلَادَنَا وَ حَرَمَنَا اسْتَذَلَّتْنَا الْعَرَبُ وَ اجْتَرَأَتْ عَلَيْنَا- وَ نُخَلِّي لَكَ الْبَيْتَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى تَقْضِيَ نُسُكَكَ وَ تَنْصَرِفَ عَنَّا- فَأَجَابَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى ذَلِكَ وَ قَالُوا لَهُ وَ تَرُدُّ إِلَيْنَا كُلَّ مَنْ جَاءَكَ مِنْ رِجَالِنَا- وَ نَرُدُّ إِلَيْكَ كُلَّ مَنْ جَاءَنَا مِنْ رِجَالِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: مَنْ جَاءَكُمْ مِنْ رِجَالِنَا فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ- وَ لَكِنْ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ لَا يُؤْذَوْنَ فِي إِظْهَارِهِمُ الْإِسْلَامَ وَ لَا يُكْرَهُونَ- وَ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ يَفْعَلُونَهُ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، فَقَبِلُوا ذَلِكَ فَلَمَّا أَجَابَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى الصُّلْحِ أَنْكَرَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَ أَشَدُّ مَا كَانَ إِنْكَاراً فُلَانٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَ عَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَنُعْطَى الذِّلَّةَ [الدَّنِيَّةَ] فِي دِينِنَا!
قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي وَ لَنْ يُخْلِفَنِي- قَالَ: لَوْ أَنَّ مَعِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا لَخَالَفْتُهُ-.
وَ رَجَعَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَ حَفْصُ بْنُ الْأَحْنَفِ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ بِالصُّلْحِ- فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لَمْ تَقُلْ لَنَا أَنْ نَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَ نَحْلِقَ مَعَ الْمُحَلِّقِينَ فَقَالَ أَ مِنْ عَامِنَا هَذَا وَعَدْتُكَ وَ قُلْتُ لَكَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ وَعَدَنِي أَنْ أَفْتَحَ مَكَّةَ وَ أَطُوفَ وَ أَسْعَى مَعَ الْمُحَلِّقِينَ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ ص قَالَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا الصُّلْحَ فَحَارِبُوهُمْ، فَمَرُّوا نَحْوَ قُرَيْشٍ وَ هُمْ مُسْتَعِدُّونَ لِلْحَرْبِ- وَ حَمَلُوا عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص هَزِيمَةً قَبِيحَةً- وَ مَرُّوا بِرَسُولِ اللَّهِ ص فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ص ثُمَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ! خُذِ السَّيْفَ وَ اسْتَقْبِلْ قُرَيْشاً. فَأَخَذَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع سَيْفَهُ وَ حَمَلَ عَلَى قُرَيْشٍ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع تَرَاجَعُوا وَ قَالُوا: يَا عَلِيُّ بَدَا لِمُحَمَّدٍ فِيمَا أَعْطَانَا فَقَالَ: لَا وَ تَرَاجَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ص مُسْتَحْيِينَ وَ أَقْبَلُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ص: أَ لَسْتُمْ أَصْحَابِي يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكُمْ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ- أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ، أَ لَسْتُمْ أَصْحَابِي يَوْمَ أُحُدٍ إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ- وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ ، أَ لَسْتُمْ أَصْحَابِي يَوْمَ كَذَا أَ لَسْتُمْ أَصْحَابِي يَوْمَ كَذَا- فَاعْتَذَرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ نَدَمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ وَ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ وَ رَسُولُهُ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ-.
وَ رَجَعَ حَفْصُ بْنُ الْأَحْنَفِ وَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَالا:
يَا مُحَمَّدُ قَدْ أَجَابَتْ قُرَيْشٌ إِلَى مَا اشْتَرَطْتَ عَلَيْهِمْ- مِنْ إِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَ أَنْ لَا يُكْرَهَ أَحَدٌ عَلَى دِينِهِ- فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ص بِالْمَكْتَبِ- وَ دَعَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ قَالَ لَهُ اكْتُبْ، فَكَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع: