کتابخانه روایات شیعه
فلما وضع للصلاة عليه قال هبة اللّه عليه السّلام: تقدم يا روح اللّه فصل عليه.
قال جبرئيل: بل تقدم أنت فصلّ عليه فانك قد قمت مقام من امر اللّه له بالسجود.
فلما سمع هبة اللّه ذلك تقدم فصلى عليه.
و أوحى إليه أن كبّر خمسا و سبعين تكبيرة، بعدد صفوف الملائكة الذين صلوا عليه.
و دفن بمكة في جبل ابي قبيس.
ثم ان نوحا عليه السّلام حمل بعد الطوفان عظامه في تابوت فدفنه في ظاهر الكوفة. فقبره هناك مع قبر نوح في الغري، و تابوت أمير المؤمنين عليه السّلام فوق تابوتهما (صلّى اللّه عليهم) في موضع واحد.
و كان عمره الف سنة؛ وهب لداود منها سبعين سنة فصار عمره بعد ذلك تسعمائة و ثلاثين سنة، و كانت كنيته- فيما روي عن الصادقين عليهم السّلام- ابا محمد.
و روي: انه لما كان اليوم الذي اخبره اللّه عز و جل أنه متوفيه فيه تهيأ آدم عليه السّلام للموت و أذعن به، فهبط عليه ملك الموت (صلى اللّه عليه).
فقال له: دعني حتى أتشهد و أثني على ربي خيرا بما صنع لدي قبل ان تقبض روحي. فقال له ملك الموت: افعل.
فقال: أشهد ان لا إله الا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أني عبد اللّه و خليفته في أرضه ابتداني باحسانه و خلقني بيده و لم يخلق بيده سواي و نفخ فيّ من روحه ثم أجمل صورتي و لم يخلق على خلقي أحدا مثلي ثم أسجد لي ملائكته و علمني الاسماء كلها ثم اسكنني جنته و لم يكن يجعلها دار قرار و لا منزل شيطان و انما خلقني ليسكنني الأرض الذي أراد من التقدير و التدبير و قدر ذلك كله عليّ قبل أن يخلقني، فمضت قدرته فيّ و قضاؤه، و نافذ أمره ثم نهاني عن أكل الشجرة فعصيته، فأكلت منها، فأقالني عثرتي و صفح لي عن جرمي، فله الحمد على جميع نعمه حمدا يكمل به رضاه عني.
ثم قبض ملك الموت عليه السّلام روحه (صلى اللّه عليه)، فصار التشهد عند الموت سنة في ولده.
فلما أفضى الأمر الى هبة اللّه عليه السّلام- و هو شيث بالعبرانية-
قام في ولد أبيه بطاعة اللّه عز و جل و بما أوصاه به أبوه. و زاده اللّه فيما كان اهبطه الى آدم من الصحف خمسين صحيفة و شرّفه بالحوراء التي أهبطها إليه من الجنة.
و اعتزل قابيل و ولده. و بنى الكعبة بالحجارة، و كانت قبل ذلك مكانها الحية التي انزلت من الجنة و قص خبرها، و كان قابيل و ولده في اعلى الجبل، و هبة اللّه و ولده و شيعته في أسفله، فنزل و جاء الى هبة اللّه عليه السّلام فقال له: قد علمت انك صاحب الأمر و ان اباك قد اوصى إليك و استودعك العلم و إن نطقت أو اظهرت شيئا من ذلك ألحقتك بأخيك هابيل فوضع هبة اللّه يده على فيه و أمسك، فلزمت الأوصياء التقية و الإمساك الى ان يقوم قائم الحق.
و أمر هبة اللّه ولده و الشيعة بالحضور عنده في يوم من السنة، و كانوا اذا حضروا فتح التابوت و نظر فيه و جعل ذلك يوم عيد لهم.
و انما كان نظره في التابوت توقعا لقيام القائم نوح عليه السّلام.
و كان عمر هبة اللّه تسعمائة سنة.
و روي ان ابليس اتى قابيل فقال له انما قبل قربان اخيك هابيل لأنه كان يعبد النار فانصب أنت أيضا نارا تكون لك و لعقبك، فبنى بيت نار فهو أول من نصب النيران و عبدها و سنّ الكفر في ولد آدم، و كان الملك و التدبير و الامر و النهي له، و هبة اللّه صامت مغمور و هو صاحب الحق.
فلما حضرت وفاته اوحى اللّه إليه ان يستودع التابوت و الاسم الأعظم ابنه ريسان بن نزله و هي الحورية التي اهبطت له من الجنة اسمها نزله.
و روي ان اسم ريسان أنوش، فأخبره و سلم إليه التابوت و مواريث الأنبياء و أمره بمثل ما كان آدم عليه السّلام اوصى به إليه، و قال له: إن أدركت نبوة نوح فسلم إليه العلم و ما في يديك.
و استخفت الامامة و جميع المؤمنين خوفا من قابيل و ولده يتوقعون من قيام نوح عليه السّلام.
و مضى هبة اللّه و استخلف ريسان.
قام ريسان (ابن نزلة الحورية) و اسمه أنوش عليه السّلام بأمر اللّه (جل و علا)
و مات اللعين قابيل فأفضى الملك الى ابنه طهمورث فملك مائتين و ستا و ثلاثين سنة و وضع في زمانه لباس الشعر و الصوف و اتخذ الدواب و الآلات و الانعام.
و استخفى أنوش الأمر و من اتبعه من المؤمنين. فمن آمن به كان مؤمنا، و من جحده كان كافرا، و من تخلف عنه كان ضالا.
فلما أراد اللّه ان يقبض انوش اوحى اللّه إليه ان يستودع نور اللّه و حكمته و التابوت و الاسم الأعظم و العلم ابنه امحوق و اسمه أيضا قينان فأحضره و جمع ثقات شيعته و أوصى إليه و سلم جميع ما أمر بتسليمه إليه و أوصاه بما احتاج الى توصيته به و ذلك كله في خفاء و تقية و ستر من طهمورث بن قابيل.
و قبض اللّه- جل و عز- انوش، و قام من بعده بالامر امحوق و هو قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام.
فقام قينان بامر اللّه جل و عز
و ظهر ملك عوج بن عناق من ولد قابيل في ذلك الزمان، و طغى و أفسد في الأرض، و اشتد امر الشيعة و غلظت عليهم المحنة.
فلما حضرت وفاة قينان اوحى اللّه إليه ان يستودع نور اللّه و حكمته و التابوت و العلم ابنه الحيلث، فأحضره و جمع ثقات شيعته و اوصى إليه و سلم جميع مواريث الأنبياء و الاسم الأعظم إليه.
فلما قبض اللّه تبارك و تعالى قينان عليه السّلام قام الحيلث بن قينان عليه السّلام بامر اللّه
مستخفيا من طهمورث و من عوج بن عناق و اولادهم و اصحابهم لكثرتهم و قوة امرهم و قلة المؤمنين على ما عهد إليه ابوه الى ان حضرته الوفاة فاوحى إليه ان استودع الاسم الأعظم و الحكمة و التابوت غنميشا، فأحضره و اوصى إليه بمثل ما كان اوصى به و سلم إليه ما في يده من التابوت و العلم و مضى (صلى اللّه عليه).
فقام غنميشا بامر اللّه عز و جل على منهاج آبائه
فلما حضرته الوفاة اوحى اللّه إليه ان استودع نور الحكمة و ما في يديك من التابوت و الاسم الأعظم اخنوخ و هو إدريس عليه السلام و هو هرمس، فأحضره و اوصى إليه و سلم إليه العلم و التابوت.
فلما قبضه اللّه جل و علا قام بالامر بعده إدريس و هو هرمس و هو اخنوخ عليه السّلام بامر اللّه جل و عز
و جمع اللّه له علم الماضين و زاده ثلاثين صحيفة و هو قوله عز و جل ان هذا لفي الصحف الاولى صحف ابراهيم و موسى، يعني الصحف التي انزلت على هبة اللّه و إدريس.
و كان اخنوخ جسيما وسيما عظيم الخلق. و سمي إدريس لكثرة دراسته في الكتب.
و هو أول من قرأ و كتب و سن سنن الاسلام بعد هبة اللّه و أول من خاط الثياب و كان اللباس قبل ذلك الجلود.
فعند ذلك و في ايامه ملك بيوراسب من ولد قابيل الف سنة و كان ولد قابيل الفراعنة الجبابرة لا يملكون و لا يقعدون على ترتيب الابن و ابن الابن كما يملك هؤلاء من ولد هبة اللّه فصار رسما لمن غلب من الظالمين الطغاة بعدهم يملك الرجل ثم يملك أخوه و ابن اخيه و ابن عمه و الأبعد دون الولد و ولد الولد.
و كان بيوراسب أول من احدث في ملكه الفراسة فمن هناك سمي كتاب الفراسة و كان قد وقع إليه كلام من كلام اذب فاتخذه سحرا و أحاله عن معناه. و كان بيوراسب يعمل السحر بذلك الكلام و طغى في الأرض و كان اذا أراد شيئا من مملكته نفخ بقصبة كانت له من ذهب فيأتيه بنفخته كلما يريد فمن هناك تنفخ اليهود بالشبور. فركب الجبار (لعنه اللّه) ذات يوم الى نزهة فمر برياض لرجال من شيعة إدريس عليه السّلام حسنة خضرة فسأل عنها فقيل انها لرجل من الرافضة و كان من لا يتبعه على كفره و يرفضه يسمى رافضيا. فدعا به و قال له أ تبيعني هذه الأرض فقال له عيالي أحوج إليها منك؟ فغضب و انصرف عنه. فشاور في أمره امرأة كانت له و أخبرها بقوله فاشارت إليه بقتله فابى قتله الا بحجة عليه.
فقالت له: فانا أحتال لك في قتله، ائت بقوم يشهدون عندك انهم قد سمعوه قد برئ منك و من دينك. ففعل و قتل ذلك المؤمن و أخذ ضيعته.
فغضب اللّه- جل و عز- للمؤمن و أوحى الى إدريس أن ائت هذا الجبار العنيد فقل له:
ما رضيت إن قتلت عبدي المؤمن حتى أخذت ضيعته و أفقرت عياله، أما و عزّتي لأنتقمن له منك و لأسلبنك ملكك و لأخربن مدينتك و لأطعمنّ الكلاب لحم امرأتك.
فقال الجبار لإدريس: اخرج عني و أرح نفسك.
ثم ان الملك اخبر امرأته بنبوة إدريس و ما قال له.
فقالت له: لا يهولك أمره فاني سأبعث إليه بمن يقتله اغتيالا فجمع إدريس عليه السّلام شيعته فأخبرهم بما أرسل به من الرسالة الى الجبار و ما قالته له امرأته، فأشفقوا عليه.
ثم ان امرأة الجبار بعثت بأربعين رجلا ليقتلوا إدريس فقصدوا مجلسه الذي كان يجلس فيه و كان منزله مسجد السهلة بظاهر الكوفة فوجدوه قد تنحى عن القرية مع نفر من اصحابه. فلما كان في السحر ناجى ربه و سأله ان لا يمطر السماء على اهل القرية و لا ما حولها حتى يسأله ذلك.
فاوحى اللّه إليه قد اجبتك.
فأخبر شيعته بذلك و أمرهم بالخروج من تلك النواحي، و كانت عدتهم عشرين رجلا، فتفرقوا في اقصى القرى و السواد. و صار إدريس الى كهف جبل شاهق و وكل اللّه به ملكا باستطعامه في كل ليلة و سلب اللّه ذلك الجبار ملكه و خرب مدينته و اطعم الكلاب لحم امرأته. و مكث إدريس غائبا عشرين سنة و أمسكت السماء من المطر، و الأرض عن النبات فقحط الناس و اشتد البلاء حتى هلك خلق منهم جوعا، و اعلموا ان ذلك بدعوة إدريس عليه السّلام فتضرعوا و سألوا اللّه العفو و التوبة. فاوحى اللّه الرحيم- جل و تعالى- الى إدريس انهم قد سألوني و قد رحمتهم فاسألني حتى أمطر السماء و أنبت الأرض.
و ابى إدريس ذلك. فاوحى اللّه إليه: لم تسألني فأجبتك و أنا أسألك ان لم تسألني. فابى ان يسأله.
فامر اللّه الملك ان يحبس عنه الرزق و اوحى إليه ان اهبط من الجبل.
فهبط و قد اشتد جوعه فرأى دخانا فقصده فوجد عجوزا كبيرة و قد خبزت قرصين على مقلي. فقال لها: ايتها المرأة اطعميني فاني مجهود بالجوع.
فقالت له: هما قرصان احدهما لي و الآخر لولدي فان اطعمتك قرصي تلفت و ان أطعمتك قرص ابني هلك.
فقال لها: ابنك صغير و نصف قرص يكفيه.
فأجابته. فأخذت القرص فكسرته نصفين و دفعت إليه.
فلما رأى الصبي انّه شورك في قرصه تضوّر و اضطرب و مات.
فقالت امّه: يا عبد اللّه قتلت ولدي.
فقال لها إدريس: أنا أحييه بإذن اللّه.
فأخذ بعضدي الصبي ثم قال: أيتها الروح الخارجة ارجعي الى بدن هذا الغلام بإذن اللّه.
فلما سمعت المرأة كلامه و نظرت الى ابنها قد تحرّك و عاش قالت: اشهد إنّك إدريس و خرجت تنادي بأعلى صوتها في القرية: ابشروا بالفرج.
و جلس إدريس على تل من مدينة الملك الجبّار فاجتمع إليه نفر من شيعته فقالوا له:
ما رحمتنا هذه العشرين سنة قد مسّنا الضرّ و الجوع و الجهد ادع اللّه لنا فقال: لا أدعو حتى يأتيني الجبّار و جميع أهل مملكته مشاة حفاة.
و اتصل الخبر بالملك، فبعث بجماعة و أمرهم باحضاره فلما قربوا منه دعا عليهم فماتوا ثم بعث إليه بخمسمائة رجل فدعا عليهم فماتوا فصار أهل المدينة إلى الجبّار فقالوا: أيّها الملك إن إدريس نبيّ مستجاب الدعوة و لو دعا على الخلق لماتوا. و سألوه المصير إليه.
فصار إليه هو و أهل مملكته مشاة حفاة فوقفوا بين يديه خاضعين طالبين، فقال إدريس: اما الآن فنعم.
فسأل اللّه أن يمطرهم، فأظللهم سحابة من ساعتهم حتى ظنّوا انّه الغرق. فلم يزل إدريس يدبّر أمر اللّه و علمه و حكمته حتى ما ظهر من ذلك و ما بطن حتى أراد اللّه
عزّ و جلّ ان يرفعه إليه فأوحى إليه أن يستودع نور اللّه و الحكمة و التابوت ابنه برد فأحضره و أوصى إليه و سلّم إليه مواريث الأنبياء و رفعه اللّه جلّ و عزّ إليه و كانت سنه في الوقت الذي رفع فيه ثلاثمائة و ستا و خمسين سنه لما أفضى الأمر الى برد بن اخنوخ.
و قام برد بن أخنوخ عليه السّلام بأمر اللّه عز و جل
فلم يزل قائما يحفظ ما استودع و المؤمنون معه على حال تقيّة و استخفاء إلى أن حضرت وفاته فأوحى اللّه إلى برد أن أوص إلى ابنك اخنوخ فأوصى إليه و أمره بمثل ما كان أوصى به و مضى.
فقام أخنوخ بن برد بن أخنوخ عليهم السّلام
بأمر اللّه عز و جل إلى أن حضرته الوفاة على سبيل من تقدّمه من آبائه عليهم السّلام.
فلما قضى و توفي قام بالأمر ابنه متوشلخ بن أخنوخ عليهما السّلام بأمر اللّه عز و جل
و لم يزل يدين و يحفظ ما استودع سرا و خفاء على حال غيبة من الجبابرة من أولاد قابيل و أصحابه على منهاج آبائه عليهم السّلام يهدي إلى الحقّ و إلى طريق مستقيم فلما أراد اللّه قبضه أوحى إليه ان أوص إلى ابنك لمك و هو ارفخشد ففعل و مضى.
و قام لمك و هو ارفخشد بن متوشلخ عليه السّلام
بأمر اللّه جلّ و علا مقام آبائه (صلّى اللّه عليهم) فلما أراد اللّه أن يقبضه اختار جل و عز لإظهار نبوّته و رسالته القائم المنتظر ابنه نوحا عليه السّلام فأمر لمك بتسليم الأمر إليه و الاسم الأعظم و الوصية و التابوت و جميع علوم الأنبياء فأحضره و أوصى إليه و سلّم إليه جميع مواريث الأنبياء عليهم السّلام.
فلما مضى لمك عليه السّلام قام نوح بن ارفخشد بأمر اللّه تبارك و تعالى