کتابخانه روایات شیعه
فلم يجيبوه فلم يزل يدعوهم تسعمائة و خمسين سنة كلّما مضى منهم قرن تبعهم قرن على ملّة آبائهم و كان اسمه عبد الغفّار و إنمّا سمّي نوحا لأنّه كان ينوح على قومه إذا كذّبوه و كان الذي آمن به العقب من ولد هبة اللّه و الذين كذّبوه العقب من ولد قابيل و عوج ابن عناق بني عمّهم مع كثرتهم و عظم أمرهم و سلطانهم في الأرض و كانوا إذا دعاهم يقولون له: أ نؤمن لك و اتبعك الأرذلون؟ يعنون العقب من ولد شيث، يعيّرونهم بالفقر و الفاقة و أنّه لا مال لهم و لا عزّ و لا سلطان في الأرض.
و كانت شريعة نوح عليه السّلام التوحيد و خلع الانداد و الفطرة و الصيام و الصلاة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و بعث بعد أن صارت ثمانمائة و خمسين سنة يدعوهم فلا يزيدهم دعاؤه إلّا فرارا منه و طغيانا. فلمّا طال عليه تكذيب قومه و طال على شيعته الأمد صاروا إليه فقالوا له: يا نبي اللّه قد كنّا نتوقع الفرج بظهورك فنحن على مثل تلك الحال فادع اللّه لنا أن يفرّج عنّا فناجى نوح ربّه.
فأوحى اللّه إليه: مر شيعتك فليأكلوا التمر و يغرسوا النوى فاذا صار نخلا فرّجت عنكم.
فأمرهم بذلك.
فارتد من أصحابه الثلث و بقي الثلثان صابرين فأكلوا التمر و غرسوا النوى و جلسوا يحرسون نباته و حمله حتى إذا حمل بعد سنين كثيرة أخذوا من ثمره و صاروا به الى نوح مستبشرين.
فناجى اللّه في ذلك.
فأوحى اللّه إليه: مرهم فليأكلوا من هذا التمر و ليغرسوا النوى فإذا أنبتت و أثمر فرّجت عنهم.
فأخبرهم بذلك فارتد الثلثان و بقي الثلث صابرين.
فأكلوا تلك الثمرة و غرسوا النوى و لم يزالوا يحرسونه عدّة من السنين حتى أثمر ثم أتوا نوحا عليه السّلام فقالوا له يا رسول اللّه قد تفانينا و تهافتنا فلم يبق منا إلّا القليل و قد أدركت
هذه الثمرة من الغرس الثالث.
فنادى نوح ربّه جل و علا و سأله و تضرّع إليه و قال: يا ربّ لم يبق من شيعتي الا القليل و ان لم أرجع إليهم بما فيه فرجهم تخوفت عليهم.
فأوحى اللّه إليه «أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا» و أمره أن يجعل جذوع النخل الأول عرض السفينة و الثانية جوانبها و الثالثة سقوفها.
فروي انّ قومه مروا عليه و على شيعته و قد غرسوا النوى فجعلوا يضحكون و يقولون قد قعد (فلما قطع النخل و نحته جعلوا يمرّون و يضحكون و يقولون قد) قعد نجارا فلمّا الف السفينة جعلوا يقولون قد جلس في البر ملّاحا.
و روي انّه عملها في دورين و هما ثمانون سنة و كان طولها ألف و مائتي ذراع و عرضها مائة ذراع و ارتفاعها ثمانون ذراعا و كان بنيتها في المكان الذي هو مسجد الكوفة.
و أوحى اللّه جل و عز إليه «لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ» فعند ذلك دعا عليهم فقال «رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً» فروي ان اللّه تعالى أعقم النساء قبل الغرق أربعين سنة فلم يغرق إلّا الرجال البالغين.
و أوحى اللّه إليه ان احمل في السفينة من كلّ زوجين اثنين. فحمل كلّ شيء إلّا ولد الزنا.
و كان ميعاده في إهلاك القوم أن يفور التنور ففار فجاءت ابنته فقالت ان التنور قد فار. فقام عليه السّلام الى الماء فختمه فوقف حتى أدخل في السفينة ما أراد إدخاله ثم جاء الى الخاتم ففضّه و كشف الطبق ففار الماء و أرسل اللّه إليهم المطر و زعموا ان التنور كان يفور و فار الفرات و فاضت العيون و الأودية «وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ ... يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا» فأجابه بما قص اللّه في كتابه.
و روي ان فرش الأنبياء عليهم السّلام لا توطأ و ان اللّه جلّ و علا نفى عنه ان يكون ابنه لما لم يتبعه فقال له انّه ليس من أهلك انّه عمل غير صالح، فأغرق اللّه الكفّار و أنجى المؤمنين الذين كانوا في السفينة.
و روي ان السفينة طافت بالبيت سبعة أشواط وسعت بين الصفا و المروة ثم استوت على الجودي في اليوم السابع. و الجودي فرات الكوفة الموضع الذي منه بدأت فصار الطواف حول البيت سنة.
و إنمّا سمّى الطوفان لأن الماء طغى فوق كلّ شيء أربعين ذراعا و تصبب ماء الأرض و بقي ماء السماء فصار بحرا حول الدنيا. فماء البحر من بقية ذلك الماء و هو ماء سخط.
فخرج نوح عليه السّلام و من معه من السفينة و عدّتهم ثمانية نفر، و روي ان عدّتهم أربعة نفر.
فلما رأى العظام قد تفرّقت من ذلك الماء الحار هاله و اشتد حزنه فأوحى اللّه إليه: هذا آثار دعوتك. اما اني آليت على نفسي ألّا أعذب خلقي بالطوفان بعد أبدا.
و أمره أن يأكل العنب الأبيض فأكله فأذهب اللّه عنه الحزن و خرج معه من السفينة ابنة واحدة من بناته و ثلاثة بنين و أربعة من المؤمنين و كان نوح التاسع، فجاء كلّ واحد من الأربعة من المؤمنين يخطب ابنته على حدته سرّا من أصحابه بذلك فضاق ذرعا و شكا الى اللّه جل ذكره و قال يا ربّ لم يبق من أصحابي إلّا هؤلاء الأربعة و كلّ قد خطب ابنتي و ان زوّجت واحدا أغضب الباقون.
فأوحى اللّه إليه أن يأخذ كساء فيجعل ابنته تحت الكساء و يجعل معها هرّة و قردة و خنزيرة و يستر الجميع ثم يرفع الكساء فانّك ترى أربع جوار لا تعرف ابنتك منهن فزوّج كلّ واحد من أصحابك بواحدة منهم.
فروي عن العالم عليه السّلام انّه قال: فمن هناك تناسخ الخلق.
و عقد نوح في وسط المسجد قبة فأدخل إليها أهله و ولده و المؤمنين إلى أن مصر الأمصار و أسكن ولده البلدان فسمّيت الكوفة قبّة الاسلام بسبب تلك القبة.
ثم أوحى اللّه إلى نوح عليه السّلام: قد انقضت أيّامك فاجعل الاسم الأعظم و ميراث الأنبياء عند ابنك سام فإنّي لا أترك الأرض بغير حجّة عالم يكون على خلقي و أمره أن يبشّر المؤمنين بأن اللّه سيفرّج عن الناس بنبي اسمه هود يهلك من يكفر به بالريح. فمن أدركه فليؤمن به. و يأمرهم أن يفتحوا الوصية في كلّ سنة و ينظروا فيها.
فدعا نوح عليه السّلام ابنه سام و سلّم إليه مواريث الأنبياء و أوصاه بكلّ ما وجب.
و قبض عليه السّلام و أنّه كان له فيما روي ألف و أربعمائة و خمسين سنة. و في خبر آخر انّه كان سنه حين بعث ثمانمائة و خمسين سنة. و لبث في قومه تسعمائة و خمسين سنة و عاش بعد خروجه من السفينة خمسمائة سنة فكان عمره ألفي سنة و ثلاثمائة سنة.
و روي أيضا انّه عاش ألفي و ثمانمائة سنة و ان ملك الموت لمّا هبط لقبض روحه أتاه و هو جالس في مشرقة الشمس فسلّم عليه و عرفه ان اللّه عز و جل قد أمره بقبض روحه فقال نوح: اتركني حتى انتقل من هذا الموضع.
فقام إلى فيء شجرة فنام تحتها ثم أذن لملك الموت فدنا منه فقال له: يا أطول ولد آدم عمرا كيف وجدت الدّنيا؟
فقال: ما أذكر منها شيئا إلّا انتقالي من الشمس الى ظلّ هذه الشجرة.
فقبض روحه (صلّى اللّه عليه) و تولّى سام عليه السّلام ابنه غسله و دفنه و الصلاة عليه.
و قبره في ظاهر الكوفة بالغري مع آدم عليه السّلام.
و روي بين آدم و نوح عشرة أيام بينهما من السنين ألفي سنة و مائتي و اثنان و أربعون سنة. و كانت أعمار قوم نوح ثلاثمائة سنة.
و قام سام بن نوح عليهما السّلام بأمر اللّه عز و جل
فآمن به شيعة نوح و أقام ولد قابيل و عوج ابن عناق على كفرهم و طغيانهم و خالف حام و يافث على أخيهم سام و لم يؤمنا به. و ولد لحام كنعان بن النمرود. و كان ملوك النبط من ولد حام و يافث و استخلف سام بالأمر و هو أبو النبيين و المرسلين و الأوصياء و أبو العرب و العجم (صلّى اللّه عليه)، و حام أبو الحبشة و السند و الهند، و يافث أبو البربر و الروم و الصقالبة و الترك.
فلما انقضت أيّامه عليه السّلام أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته و الاسم الأعظم و ميراث النبوّة ابنه ارفخشد عليه السّلام فدعاه و أوصاه و سلّم إليه.
و قام ارفخشد عليه السّلام بأمر اللّه تعالى
و حيث قام ارفخشد عليه السّلام بأمر اللّه تعالى آمن به شيعة أبيه و اتبعوه فعند ذلك ملك أفريدون و هو ذو القرنين و كان من قصته ان اللّه تبارك
و تعالى بعثه إلى قومه فدعاهم الى اللّه فكذّبوه و جحدوا نبوته ثم أخذوه فضربوه على قرنه الأيمن فأماته اللّه مائة عام ثم أحياه فبعثه فجحدوا نبوّته و ضربوه على قرنه الأيسر فأماته اللّه مائة عام ثم أحياه و جعل دلائله في قرنيه فكان موضع الضربتين نورا يتلألأ و كان إذا غضب و صرخ خرج من قرنيه الرعود و البروق و الصواعق.
و ملّكه اللّه مشارق الأرض و مغاربها و قتل به الجبّارين و هو الذي أوقع بيبوراسب و كان من قصته ما نبأنا اللّه به من أمر ياجوج و ماجوج و السند و غير ذلك من المشرق و المغرب لا يدع جبّارا إلّا قصمه. و كان زمانه زمان عدل و خصب و بركة.
و روي أن الخضر بن ارفخشد بن سام بن نوح كان على مقدّمته و كان من قصّة الخضر ما جاءت به الرواية الثانية أنّه لما عرج بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى السماء مر و معه جبرئيل عليه السّلام في بقعة من الأرض فاشتم منها روايح المسك فسأل جبرئيل عليه السّلام عنها فقال له: كان ملك من الملوك ذا عدل و حسن سيرة و كان له ابن واحد لا ولد له غيره فلما شبّ الولد اعتزل أباه و الملك و لزم العبادة و رفض الدنيا فاجتمع أهل المملكة الى الأب فوصفوا حسن سيرته فيهم و عرفوه و انّهم مشفقون من حادثة تحدث عليه فيخرج الملك في عقبه و سألوه أن يزوّج ابنه من بعض بنات الملوك لعلّ اللّه عز و جل أن يرزقه ولدا ذكرا من ابنه هذا يكون الملك له بعد الملك إذ كانوا آيسين من تقلّد ابنه الزاهد شيئا من أمره.
فاختار الملك بعض بنات الملوك فزوّج ابنه بها ثم احضرها فعرّفها صورة أمر ابنه الزاهد و سألها أن تتألفه و ترفق به و تحسن خدمته مقدار أن يرزقه اللّه تعالى منها الولد.
و زيّنها بأحسن الزينة و أمر بإدخالها إليه فدخلت و هو يصلّي فلما فرغ من صلاته التفت إليها فسألها عن شأنها فأخبرته ان أباه زوّجه بها و انّها من بنات الملوك و قالت له: انّك لا تستغني عمّن يخدمك و يؤنسك و يعينك على أمرك، فرقّ لها ثم قال لها: خير القول أصدقه، انّي لست من الدنيا و أسبابها في شيء، فإن أردت المقام معي على هذا أبثك سرّي على أن تكتميه و إلّا فلا.
فأجابته الى المقام معه و وجّه الملك إليها يسألها عن حالها فأخبرته انّها بخير. فأخبر
بذلك أهل المملكة فاستبشروا ثم أتوا إليه بعد مدّة فسألوه البعثة إليها و مسألتها هل بها حمل فوجّه إليها الملك بذلك فقالت لرسوله انّها بخير و على ما تحبّ. فلم تسأل أنها حملت.
فلما مضى من الأيام أكثر من مدّة أيام الحمل و هي على حالها استحضرها و سألها عن حالها فلم تخبره و قالت أنا بخير و ما أزيد على هذا شيئا. فأحضر القوابل فنظرن إليها فوجدنها بكرا.
فأحضر الملك أهل مملكته و عرّفهم ذلك فأشاروا أن يفرّق بينهما و ان يزوّجه امرأة ثيبا قد عرفت الرجال، لتعامله بما يبعثه على القرب منها. ففعل الملك و أحضر المرأة و قال لها ما أرادوا و وصّاها و وجّه بها إليه.
فلما نظر إليها ابنه خاطبها بمثل ما كان خاطب به الاولى فأجابته بذلك الجواب فأنس بها و عرفها صورة أمره فأقامت معه ما شاء اللّه.
ثم ان الملك بعث إليها يسألها عن حالها فوجهت إليه انّها مع رجل كالمرأة لا حاجة لها فيه.
فأحضره الملك فأغلظ عليه في القول ثم حبسه في بيت و سدّ الباب في وجهه و تركه ثلاثة أيام فلما كان في اليوم الثالث فتح الباب فلم يجده في البيت فهو الخضر عليه السّلام.
ثم خرج من مدينة ذلك الملك رجلان في تجارة فركبا البحر فكسر بهما فخرجا في جزيرة من جزائر البحر فوجدا فيها رجلا يصلّي فلما فرغ من صلاته سألهما عن حالهما فعرفاه و شأنهما و ذكرا بلدهما فعرفهما و اجتازت به سحابة فدعا بها و سألها إلى أين أمرت أن تمضي فعرفته فقال لها: امض الى حيث أمرت. ثم دعا بسحابة اخرى فسألها فأخبرته انّها أرسلت لتمطر في موضع كذا و كذا. فأمرها بأخذ الرجلين على ظهرها الى منازلهما فبعثت السحابة و ألقت كلّ واحد منهما على سطح دار قد عرفاه جميعا.
فنزل أحدهما من السطح واضعا في نفسه الكتمان و نزل الآخر واضعا في نفسه الإذاعة فلم يستقر في منزله حتى صاح بصيحة الى الملك فحمل إليه فأخبره ان ابنه في الجزيرة و وصفها له فسأله كيف نعلم صدقك؟ فقال له: كنت و فلان، و حدّثه بحديثهما
فأحضر الملك الآخر فسأله فجحد و ألحّ عليه فأقام على الجحود فقال المذيع للملك:
وجّه معي بجماعة حتى أتاك به فان لم أفعل افعلن بي ما تشاء. ففعل الملك ذلك و حبس الرجل المنكر فرجع المذيع و الجماعة فأخبروا أنّهم لم يصادفوا أحدا. فأطلق الملك الرجل المنكر و صلب المذيع.
ثم عمل أهل تلك البلدة بالمعاصي فأمرني اللّه أن أقلب تلك المدينة على أهلها فرفعتها حتى صارت في الهواء ثم قلبتها فلما صارت على وجه الأرض خرج منها رجل و امرأة و ساخت المدينة بأهلها فكان الرجل الذي كتم على الخضر و المرأة التي كتمت عليه فاجتمعا و حدّث كلّ واحد منهما صاحبه بأمره فتزوّجها الرجل و أولدها أولادا و احتاجا إلى خدمة الناس فاتصلت المرأة بابنة الملك فبينما هي ذات يوم تسرّح رأسها سقط المشط من يدها فقالت «تعس من كفر باللّه» فأخبرت ابنة الملك أباها بما قالت فدعا المرأة فأقرّت له بقولها، فأحضر زوجها و أولادها فاستتابهم و دعاهم إلى دينه فأبوا عليه، فغلى لهم الزيت ثم كان يطرح فيه واحدا بعد واحد و هم مقيمون على أمرهم، فلما بلغ إليها قال لها قبل أن يطرحها: هل لك من حاجة؟ قالت: نعم تحفر لجماعتنا حفيرة و تأمر بدفننا فيها ففعل.
فرائحة تلك الحفيرة يفوح منها المسك إلى يوم القيامة.
ثم كان من قصّة الخضر مع موسى عليهما السّلام ما هو مبيّن في موضعه. و كان ملك ذي القرنين خمسمائة عام ثم ملك بعده منوشهر مائة و ست و عشرين سنة و هو الذي كرى الفرات يعني حفره و اتخذ الأساورة و الزي و السلاح و الضياع و البساتين و كان زمانه زمان صلاح و لين.
فلما حضرت ارفخشد النبيّ المغمور الصامت عليه السّلام الوفاة أوحى اللّه جل و عز إليه أن يستودع أمر اللّه و نوره ابنه شالح فدعاه و أوصى إليه بما كان أبوه أوصاه به و سلّم إليه ما في يده.
فقام شالح عليه السّلام بأمر اللّه عز و جل