کتابخانه روایات شیعه
و لك الجنّة خالصا؟
قلت: أعود و الجنة.
فمسح يده على عيني فرجعت كما كنت.
و روي عن أبي حمزة الثمالي عن جابر بن يزيد الجعفي قال: كنت يوما عند أبي جعفر عليه السّلام، فالتفت الي فقال لي: يا جابر ما لك حمار فتركبه؟
قلت: لا يا سيدي.
فقال لي: اني أعرف رجلا بالمدينة له حمار يركبه فيأتي المشرق و المغرب في ليلة.
و روي عنه عليه السّلام انّه قال: نحن جنب اللّه- عز و جل- و نحن خيرة اللّه و نحن مستودع مواريث الأنبياء و نحن أمناء اللّه و نحن حجج اللّه و نحن حبل اللّه و نحن رحمة اللّه على خلقه. بنا يفتح اللّه و بنا يختم اللّه. من تمسّك بنا لحق، و من تخلّف عنّا غرق. و نحن القادة الغرّاء المحجلون.
ثم قال- بعد كلام طويل-: فمن عرفنا و عرف حقّنا و أخذ بأمرنا فهو منّا و إلينا.
و روي عن الفضيل بن يسار قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: ان الامام منّا يسمع الكلام في بطن أمه فاذا وقع الى الأرض رفع له عمود من نور يرى به أعمال العباد.
و روي عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: لا و اللّه لا يكون عالم بشيء جاهل بشيء. ان اللّه أجلّ و أكرم و أعز و أعدل من أن يفرض طاعة عبد و يجعله حجّة ثم يحجب عنه علم أرضه و سمائه.
ثم قال: لا يحجب ذلك عنه.
و روي ان حبابة الوالبية دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فقال لها: يا حبابة ما الذي أبكاك؟
قالت: كثرة همومي و ظهر في رأسي البياض.
قال: يا حبابة ادني.
فدنت منه فوضع يده في مفرق رأسها و دعا لها بكلام لم يفهم. ثم دعا لها بالمرآة فنظرت فاذا شمط رأسها قد أسود و عاد حالكا. فسرّت بذلك و سر أبو جعفر بسرورها.
فقالت: بالذي أخذ ميثاقكم على النبيين أي شيء كنتم في الأظلة؟
فقال: يا حبابة، نورا بين يدي العرش قبل أن يخلق اللّه آدم، فأوحى إلينا فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا و لم يكن تسبيح قبل ذلك الوقت. فلما خلق اللّه آدم سلك ذلك النور فيه.
و كان أبو جعفر عليه السّلام عمره سبع و خمسون سنة، و كانت ولادته في سنة ثمان و خمسين للهجرة، فأقام مع أبي عبد اللّه الحسين سنتين و شهورا و مع علي بن الحسين خمسا و ثلاثين سنة، و منفردا بالإمامة تسع عشرة سنة و شهورا.
و كانت وفاته سنة مائة و خمس عشرة. و في أربع سنين من إمامته توفي الوليد بن عبد الملك، و كان ملكه تسع سنين و شهورا، و بويع لسليمان؛ و أمر الإمامة مكتوم و الشيعة في شدّة شديدة.
و في ست سنين و شهور من إمامة أبي جعفر عليه السّلام توفي سليمان و بويع لعمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، فرفع اللعن عن أمير المؤمنين عليه السّلام.
و روي عنه عليه السّلام انّه قال و هو بالمدينة: قد توفي هذه الليلة رجل تلعنه ملائكة السماء و تبكي عليه أهل الأرض.
و بويع ليزيد بن عبد الملك، و كان شديد العداوة و العناد لأبي جعفر عليه السّلام و لأهل بيته فروي انّه بعث إليه فأحضره ليوقع به. فلما ادخل إليه حرّك بشفتيه بدعاء لم يسمع، فقام إليه فأجلسه معه على سريره ثم قال له: تعرض عليّ حوائجك؟
قال: تردني الى بلدي.
فقال له: ارجع. و كتب الى عمّاله يمنعه الميرة في طريقه فمنع عنها بمدينة مدين و أغلق الباب دونه. فصعد الى الجبل فقرأ بأعلى صوته «وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً - الى قوله تعالى- بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» و كان في المدينة شيخ من بقايا العلماء فخرج الى أهل المدينة فنادى بأعلى صوته: هذا و اللّه شعيب يناديكم. فقالوا له: ليس هذا شعيبا. هذا محمد بن علي بن الحسين أمرنا أن نمنعه الميرة.
فقال لهم: افتحوا له الباب و إلّا فتوقّعوا العذاب.
فأطاعوه و فتحوا الباب و أمرهم بحمل الميرة إليه ففعلوا.
فرجع الى المدينة و أقام بها. فلما قربت وفاته عليه السّلام دعا بأبي عبد اللّه جعفر ابنه عليهما السّلام فقال: ان هذه الليلة التي وعدت فيها ثم سلّم إليه الاسم الأعظم و مواريث الأنبياء و السلاح و قال له: يا أبا عبد اللّه! اللّه اللّه في الشيعة. فقال أبو عبد اللّه: و اللّه لا تركتهم يحتاجون الى أحد.
فقال له: ان زيدا سيدعو بعدي الى نفسه فدعه و لا تنازعه فان عمره قصير.
فروى ان خروج زيد كان في يوم الأربعاء و قتله في يوم الأربعاء- جدّد اللّه على قاتله العذاب.
و قام أبو عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السّلام مقام أبيه- صلوات اللّه عليه-
روي عن العالم عليه السّلام انّه قال: ولد أبو عبد اللّه عليه السّلام في سنة ثلاث و ثمانين من الهجرة في حياة جدّه علي بن الحسين- صلوات اللّه عليهم- و كانت امّه أم فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر و كان أبوها القاسم من ثقات أصحاب علي بن الحسين. و كانت من أتقى نساء زمانها، و روت عن علي بن الحسين أحاديث؛ منها: قوله لها: يا أم فروة اني لأدعو لمذنبي شيعتنا في اليوم و الليلة مائة مرّة- يعني الاستغفار- لأنّا نصبر على ما نعلم و هم يصبرون على ما لا يعلمون.
و كان مولده و منشأه- و ما روي من أمر العمود و غيره- على منهاج آبائه صلّى اللّه عليهم.
و مضى علي بن الحسين و له اثنتا عشرة سنة و قام بأمر اللّه جلّ و علا في سنة خمس عشرة و مائة و سنة اثنتين و ثلاثين سنة. و لم يزل أبو جعفر عليه السّلام يشير إليه في حياته مدّة أيامه ثم نصّ عليه؛ فمنها: ما رواه زرارة و أبو الجارود أن أبا جعفر عليه السّلام أحضر أبا عبد اللّه عليه السّلام و هو صحيح لا علّة به فقال له: اني أريد أن آمرك بأمر.
فقال له: مرني بما شئت.
فقال: ايتني بصحيفة و دواة.
فاتاه بها فكتب له وصيته الظاهرة ثم أمر أن يدعو له جماعة من قريش فدعاهم
و أشهدهم على وصيته إليه.
و روي عن جابر قال: قال يا جابر اني كنت سمّيته أحمد ثم أشفقت عليه فسميته جعفر عليه السّلام.
و روي عن سدير الصيرفي مثله.
و روي عن جابر الجعفي و عنبسة بن مصعب جميعا انّهما سألا أبا جعفر عليه السّلام عن القائم عليه السّلام و ضرب بيده على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: هذا و اللّه قائم آل محمّد بعدي.
و روي عن فضيل بن يسار قال: كنت عند أبي جعفر عليه السّلام فأقبل أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال:
هذا خير البرية بعدي.
جعفر الصادق عليه السّلام
قال عنبسة: فلما قبض أبو جعفر عليه السّلام دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبرته بذلك فقال: لعلّكم ترون ان ليس كلّ امام منا هو القائم بأمر اللّه بعد الامام الذي قبله. هذا اسم لجميعهم.
فلما أفضى أمر اللّه جلّ و عزّ إليه، جمع الشيعة و قام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه و ذكّرهم بأيّام اللّه ثم قال: ان اللّه أوضح أئمة الهدى من أهل بيت نبيّه صلّى اللّه عليه و آله عن دينه و أبلج بهم عن سبيل منهاجه، و فتح بهم عن باطن شاسع علمه، فمن عرف واجب حقّ إمامه وجد طعم حلاوة ايمانه، و علم فضل طلاوة اسلامه، لأنّ اللّه نصب الامام علما لخلقه، و جعله حجّة على أهل عالمه، و ألبسه تاج الوقار، يمدّ بسبب من السماء لا ينقطع عند موته و لا ينال ما عند اللّه إلّا بمعرفته، فهو عالم بما يرد عليه من ملبسات الدعاء، و مغيبات السماء، و مشبهات الفتن، ثم لم يزل اللّه يختارهم لخلقه من ولد الحسين بن علي من عقب كلّ إمام اماما، يصطنعهم لذلك و يجتبيهم و يرضاهم لخلقه، و يختارهم علما بيّنا، و هاديا منيرا، و حجة عالما ... أئمة من اللّه عز و جل، يهدون بالحق و به يعدلون ..
حجج اللّه، و دعاته على خلقه، و مفاتيح الكلام، و دعائم الاسلام .. يدين بهديهم العباد.
و يستهل بنورهم البلاد. جعلهم اللّه حياة للأنام، و مصابيح الظلام. جرت بذلك فيهم مقادير
اللّه على محتومها. و الامام هو المنتجب المرتضى، و القائم المرتجى، اصطفاه اللّه بذلك و اصطنعه على عينه في الذر حين ذرأه، و في البرية حين برأه، قبل خلق نسمة عن يمين عرشه و هو في علم الغيب عنده مرعيا بعين اللّه جلّ و عز يحفظه و يكلأه بستره، مذودا عنه حبايل ابليس و جنوده، مصروفا عنه قوارف السوء، مبرأ من العاهات، محجوبا من الآفات، معصوما من الفواحش كلّها، مخصوصا بالحلم و البر، منسوبا الى العفاف و العلم، صامتا عن النطق إلّا فيما يرضاه اللّه، أيّده اللّه بروحه، و استودعه سرّه، و ندبه لعظيم أمره، فقام للّه بالعدل، عند تحيّر أهل الجهل، بالنور الساطع و الحق الأبلج الذي مضى عليه الصادقون من آبائهم. فانظروا معاشر المسلمين نظر طالب الرشاد، و تدبروا هذه الامور تدبّر تارك للعناد، و لا تلحوا في الضلالة بعد المعرفة و لا تتبعوا الظن و لا هوى الأنفس فلقد جاءكم من ربّكم الهدى.
و روي انّه عليه السّلام كان يجلس للعامة و الخاصة و يأتيه الناس من الأقطار يسألونه عن الحلال و الحرام و عن تأويل القرآن و فصل الخطاب فلا يخرج أحد منهم إلّا راضيا بالجواب.
و روي عبد الأعلى بن أعين قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما الحجة على المدعي بهذا الأمر؟
قال: أن يكون أولى الناس بمن قبله و يكون عنده سلاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يكون صاحب الوصيّة الظاهرة، الذي اذا قدمت المدينة سألت العامة و الخاصّة و الصبيان الى من أوصى فلان فيقولون الى فلان.
و روي عن عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: بلغني ان محمّد بن عبد اللّه بن الحسن يدّعي الوصية في السرّ.
فقال: من ادّعى الوصية في السر فليأت ببرهان في العلانية.
قلت: و ما البرهان؟
قال: يحلّل حلال اللّه و يحرّم حرامه.
و روي عنه انّه قال: اذا لم تدروا أين المسلك و المذهب فعليكم بالذي يجلس مجلس
صاحبكم الأول.
و في خبر آخر انّه قال: اذا ادّعى مدع فاسألوه.
و روي عنه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل «وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ» يعني لو يغب عنكم طرفة عين و فيكم الحجّة منه قائمة.
و روي عن يونس بن ظبيان و المفضل بن عمر و أبو سلمة السراج و الحسين بن نويرة قالوا: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لنا: أعطينا خزائن الأرض و مفاتيحها، و لو أشاء أن أقول باحدى رجليّ هذه اخرجي ما فيك من الذهب؛ و فحص بإحدى رجليه خطا من الأرض ثم قال بيده. فاستخرج سبيكة من ذهب قدر شبر فناولناها ثم قال: انظروا فيها حسنا حتى لا تشكّوا.
ثم قال: انظروا في الأرض.
فنظرنا فاذا سبايك كثيرة بعضها على بعض تتلألأ.
فقال له بعض القوم: يا ابن رسول اللّه! أعطيتم هذا و شيعتكم محتاجون؟
فقال: ان اللّه سيجمع لشيعتنا الدّنيا و الآخرة و يدخلهم جنّات النعيم و يدخل عدوّنا نار جهنّم.
و روي عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل «وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ» قال هم الأئمة عليهم السّلام. و روي المأمونون يعني الحجج.
و روي عن داود بن كثير الرقي قال: خرجت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام الى الحجّ، فلما كان أوّل وقت الظهر قال لي في أرض قفر: يا داود قد حانت الظهر فاعدل بنا عن الطريق.
فعدلنا فنزلنا في أرض قفر لا ماء فيها، فوكزها برجله فنبعت لنا عين من ماء كأنّها قطع الثلج، فتوضأ و توضأت و صلينا.
فلما هممنا بالسير التفتّ فاذا أنا بجذع نخلة فقال: يا داود أ تحبّ أن أطعمك رطبا؟
فقلت: نعم.
فضرب بيده الى الجذع و هزه فاهتزّ اهتزازا شديدا فاذا قد تدلّى منه كبايس بأعذاقها،
فأطعمني أنواعا كثيرة من الرطب ثم مسح بيده على النخلة و قال: عودي جذعا نخرا باذن اللّه. فعادت كسيرتها الاولى.
و في إحدى عشرة سنة من إمامته، مات الوليد بن يزيد بن عبد الملك، و بويع لابنه يزيد بن الوليد فملك ستة أشهر، و بويع لأخيه إبراهيم فمكث أربعة أشهر ثم بويع لمروان ابن محمد الجعدي المعروف بالحمار في سنة سبع و عشرين و مائة في اثنتي عشر سنة من إمامة أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال أبو عبد اللّه: مروان خاتم بني أميّة و ان خرج محمد بن عبد اللّه قتل.
و روى عنه عليه السّلام من قدمنا ذكره من رجاله.
قالوا: كنّا عنده إذ أقبل رجل فسلّم و قبّل رأسه و جلس فمسّ أبو عبد اللّه عليه السّلام ثيابه ثم قال: ما رأيت اليوم أشدّ بياضا و لا أحسن من هذه.
فقال الرجل: يا سيدي هذه ثياب بلادنا و قد جئتك منها بجرابين.
فقال: يا معتب اقبضها منه.
ثم خرج الرجل فقال عليه السّلام: ان صدق الوصف و قرب الوقت فهذا الرجل صاحب الرايات السود الذي يأتي بها من خراسان.
ثم قال: يا متعب الحقه فاسأله عن اسمه و هل هو عبد الرحمن؟ قال لنا ان كان اسمه فهو هو.
فرجع متعب فقال: اسمه عبد الرحمن ثم عاد الى أبي عبد اللّه عليه السّلام سرّا فعرفه انّه قد دعا إليه خلقا كثيرا فأجابوه فقال له أبو عبد اللّه: ان ما تومي إليه غير كائن لنا حتى يتلاعب به الصبيان من ولد العباس.
فمضى الى محمّد بن عبد اللّه بن الحسن فدعاه فجمع عبد اللّه أهل بيته و هم بالأمر و دعا ابا عبد اللّه عليه السّلام للمشاورة فحضر فجلس بين المنصور و بين السفاح؛ عبد اللّه ابني محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس و وقعت المشاورة. فضرب ابو عبد اللّه يده على منكب أبي العباس عبد اللّه السفاح فقال: لا و اللّه اما ان يملكها هذا أولا.