کتابخانه روایات شیعه
عبد اللّه المأمون صلة الرحم، و أمشاج الشبيكة، و قد بذلت لها من الصداق خمسمائة درهم، تزوّجني يا أمير المؤمنين؟
فقال المأمون: نعم قد زوجتك.
فقال: قد قبلت و رضيت.
و روي عن الحسن بن علي بن الريان قال: حدّثني الريان بن الصلت قال: لما أردت الخروج الى العراق عزمت على توديع الرضا عليه السّلام فقلت في نفسي: اذا ودّعته سألته قميصا من مجاسده لأكفن فيه و دراهم من ماله أصوغها لبناتي خواتيم.
فلما ودّعته شغلني البكاء و الأسى على فراقه عن مسألته ذلك.
فلما خرجت من بين يديه صاح: يا (ريان) ارجع.
فرجعت، فقال لي: أ ما تحب أن أدفع إليك قميصا من مجاسدي تكفن فيه اذا فني أجلك؟ أو ما تحبّ أن أدفع إليك دراهم تصوغ بها لبناتك خواتيم؟
فقلت: يا سيدي قد كان في نفسي ان أسألك ذلك، فمنعني منه الغمّ لفراقك.
فرفع الوسادة فأخرج قميصا و دفعه إليّ، و رفع جانب المصلّى فأخذ دراهم فدفعها إليّ عددها ثلاثون درهما.
و روى الحسين بن علي الوشاء المعروف بابن بنت الياس قال: شخصت الى خراسان و معي حلل و شيء للتجارة فوردت مدينة مرو ليلا و كنت أقول بالوقف على موسى عليه السّلام فوافاني في موضع نزولي غلام أسود كأنّه من أهل المدينة فقال لي: سيدي يقول لك وجه إليّ بالحبرة التي معك لأكفن بها مولى لنا قد توفي.
فقلت له: و من سيّدك؟
فقال: علي بن موسى عليه السّلام.
فقلت: ما معي حبرة و لا حلّة إلّا و قد بعتها في الطريق.
فمضى ثم عاد إليّ فقال: بلى قد بقيت الحبرة قبلك.
فحلفت له: اني ما أعلمها معي.
فمضى و عاد الثالثة فقال: هي في عرض السفط الفلاني.
فقلت في نفسي: ان صح قوله فهي دلالة؛ و كانت ابنتي دفعت إليّ حبرة و قالت: ابتع لي بثمنها شيئا من الفيروزج و الشبه من خراسان، فأنسيتها.
فقلت لغلامي: هات هذا السفط الذي ذكره.
فاخرجه إليّ و فتحه فوجدت الحبرة في عرض ثياب فيه فدفعتها إليه و قلت: لا آخذ لها ثمنا.
فعاد إليّ فقال: تهدي ما ليس لك؟ هذه دفعتها إليك ابنتك فلانة و سألتك بيعها و ان تبتاع لها بثمنها فيروزجا و شبها، فاشتر لها بهذا ما سألت.
و وجّه مع الغلام الثمن الذي يساوي الحبرة بخراسان. فعجبت مما ورد عليّ و قلت:
و اللّه لأكتبن له مسائل أنا شاكّ فيها ثم لأمتحنه في مسائل سئل أبوه عنها، فأثبتّ تلك المسائل في درج و غدوت الى بابه و المسائل في كمي، و معي صديق لي مخالف لا يعلم شرح هذا الأمر.
فلما وافيت بابه رأيت العرب و القواد و الجند و الموالي يدخلون إليه فجلست ناحية و قلت في نفسي: متى أصل أنا الى هذا فأنا مفكّر و قد طال قعودي و هممت بالانصراف إذ خرج خادم يتصفّح الوجوه و يقول: ابن بنت الياس الصيرفي! فقلت: ها أنا ذا.
فأخرج من كمه درجا و يقول: هذا جواب مسائلك و تفسيرها.
ففتحته فاذا هو تفسير ما معي في كمي. فقلت: اشهد ان لا إله إلّا اللّه و أشهد اللّه و رسوله انّك حجّة اللّه، و استغفر اللّه و أتوب إليه.
و قمت فقال لي رفيقي: الى أين تسرع؟
فقلت: قد قضيت حاجتي في هذا اليوم و أنا أعود للقائه بعد هذا.
و كان من أمر الفضل بن سهل (ذي الرئاستين) و تغيّر المأمون عليه حتى دسّ إليه من قتله في الحمام ما رواه الناس.
روي عن أبي الصلت الهروي عن محمد بن علي بن حمزة عن منصور بن بشير عن أخيه عبد اللّه بن بشير قال: قال لي المأمون يوما: أطل أظفارك و لا تقلّمها.
فطوّلتها حتى استحييت من الناس طولها. فحضرته يوما و قد دعا بمزور مختوم فأمرني بفضّه و ادخال يدي فيه و تقليب الدواء الذي فيه ففعلت و كان فيه شيء مطحون مثل الذريرة البيضاء امتلأت أظفاري منه و صار فيها منه ثم قال لي: قم بنا.
فلم أدر ما يريد فيدخل من باب كان بينه و بين دار الرضا عليه السّلام و كان قد أنزله في دار معه تلاصق داره و كان الرضا عليه السّلام قد حم فجلس عنده و سأله عن خبره ثم قال له:
الصواب ان تمص رمانا أو تشرب ماءه.
فقال: ما بي إليه حاجة.
فأقسم عليه ليفعلن، و كان في بستان الدار شجرة رمان حامل فأمر الخادم فقطف منها رمانة ثم قال لي: تقدّم فقشّرها و فتّها.
فقلت في نفسي: انّا للّه و انّا إليه راجعون، هذه و اللّه المصيبة العظمى.
ففتت الرمانة في جام بلور أحضره الخادم و دعا بملعقة فناوله من يده ثلاث ملاعق.
فلما رفع إليه الرابعة قال له: حسبك قد أتيت على ما احتجت إليه و بلغت مرادك.
فنهض المأمون فلم يمس يومنا حتى ارتفع الصراخ.
و كان من حديث حفر القبر و السمك الصغار ما رواه الناس.
و دفن عليه السّلام بطوس أمام قبر هارون الغوي. و مضى صلّى اللّه عليه في سنة اثنين و مائتين من الهجرة في آخر ذي الحجة.
و روي انّه مضى في صفر، و الخبر الأول أصح. و كان مولده في سنة ثلاث و خمسين و مائة بعد مضي أبي عبد اللّه عليه السّلام بخمس سنين فأقام مع أبيه عليه السّلام ثلاثين سنة و بعده في الامامة تسع عشرة سنة، و مضى و سنّه تسع و أربعون سنة و شهور.
و روي علي بن محمد الخصيبي قال: حدّثني محمد بن إبراهيم الهاشمي قال: حدّثني عبد الرحمن بن يحيى قال: كنت يوما بين يدي مولاي الرضا عليه السّلام في علته التي مضى فيها إذ نظر إليّ فقال لي: يا عبد الرحمن اذا كان في آخر يومي هذا و ارتفعت الصيحة فانّه سيوافيك ابني محمد فيدعوك الى غسلي فاذا غسلتموني و صليتم عليّ فأعلم هذا الطاغية لئلا ينقص عليّ شيئا و لن يستطيع ذلك.
قال: فو اللّه اني بين يدي سيدي يكلّمني إذ وافى المغرب فنظرت فاذا سيدي قد فارق الدّنيا فأخذتني حسرة و غصة شديدة فدنوت إليه فاذا قائل من خلفي يقول: مه يا عبد الرحمن، فالتفت فاذا الحائط قد انفرج فاذا أنا بمولاي أبي جعفر عليه السّلام و عليه دراعة بيضاء معمّم بعمامة سوداء فقال: يا عبد الرحمن قم الى غسل مولاك فضعه على المغتسل، و غسله بثوبه كغسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
فلما فرغ، صلّى و صليت معه عليه، ثم قال: لي يا عبد الرحمن أعلم هذا الطاغي ما رأيت لئلا ينقص عليه شيئا و لن يستطيع ذلك.
و لم أزل بين يدي سيدي الى أن انفجر عمود الصبح فاذا أنا بالمأمون قد أقبل في خلق كثير فمنعني هيبته ان أبدأ بالكلام فقال: يا عبد الرحمن بن يحيى ما أكذبكم أ لستم تزعمون انّه ما من امام يمضي إلّا و ولده القائم مكانه يلي أمره. هذا علي بن موسى بخراسان و محمّد ابنه بالمدينة.
قال: فقلت: يا أمير المؤمنين أما اذا ابتدأتني فاسمع انّه لما كان أمس قال لي سيدي كذا و كذا فو اللّه ما حضرت صلاة المغرب حتى قضى، فدنوت منه فاذا قائل من خلفي يقول: مه يا عبد الرحمن.
و حدّثته الحديث، فقال: صفه لي، فوصفته له بحليته و لباسه و أريته الحائط الذي خرج منه. فرمى بنفسه الى الأرض و أقبل يخور كما يخور الثور و هو يقول: ويلك يا مأمون؟ ما حالك و على ما أقدمت؟ لعن اللّه فلانا و فلانا فانّهما أشارا عليّ بما فعلت.
محمد الجواد عليه السّلام
و قام أبو جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السّلام مقام أبيه.
فروي انّه كان اسم أم أبي جعفر سبيكة فانّها كانت أفضل نساء زمانها.
و روي انّه ولد عليه السّلام ليلة الجمعة لإحدى عشر ليلة بقيت من شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مائة فلما ولد قال أبو الحسن عليه السّلام لأصحابه في تلك الليلة: قد ولد لي شبيه موسى بن عمران عليه السّلام فالق البحار قدست أم ولدته فلقد خلقت طاهرة مطهّرة ثم قال:
بأبي و أمي شهيد يبكي عليه أهل السماء يقتل غيظا و يغضب اللّه- جل و عز- على قاتله فلا يلبث إلّا يسيرا حتى يعجل اللّه به الى عذابه الأليم و عقابه الشديد.
و روى عبد الرحمن بن محمد عن كلثم بن عمران قال: قلت للرضا عليه السّلام: أنت تحبّ الصبيان فادع اللّه أن يرزقك ولدا.
فقال: إنمّا ارزق ولد واحد و هو يرثني.
فلما ولد أبو جعفر عليه السّلام كان طول ليلته يناغيه في مهده فلما طال ذلك على عدّة ليال قلت له: جعلت فداك قد ولد للناس أولاد قبل هذا فكلّ هذا تعوذه؟
فقال: ويحك ليس هذا عوذة إنمّا اغره بالعلم غرّا.
و كان مولده و منشؤه على صفة مواليد آبائه عليهم السّلام.
و روى الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري عن الحسن بن بشار الواسطي قال: سألني الحسن بن قياما الصيرفي ان استأذن له على الرضا عليه السّلام ففعلت، فلما صار بين يديه قال له ابن قياما: أنت امام؟
قال: نعم.
قال: فاني أشهد انّك لست بإمام.
قال له: و ما علمك؟
قال: لأني رويت عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه قال: الامام لا يكون عقيما، و قد بلغت هذا السن و ليس لك ولد.
فرفع رأسه الى السماء ثم قال: اللّهم انّي أشهدك انّه لا تمضي الأيام و الليالي حتى ترزقني ولدا يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا.
فعددنا الوقت فكان بينه و بين ولادة أبي جعفر عليه السّلام شهور الحمل.
و روى الحميري عن عبد اللّه بن أحمد عن صفوان بن يحيى عن حكيمة ابنة ابي إبراهيم موسى عليه السّلام قالت: لما علقت أم أبي جعفر كتبت إليه ان جاريتك سبيكة قد علقت.
فكتب إلي: انها علقت ساعة كذا من يوم كذا من شهر كذا فاذا هي ولدت فالزميها سبعة أيام.
قال: فلما ولدته و سقط الى الأرض قال: أشهد ان لا إله إلّا اللّه و ان محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
فلما كان اليوم الثالث عطس فقال: الحمد للّه و صلّى اللّه على محمّد و على الأئمة الراشدين.
و حج الرضا عليه السّلام بعد ذلك بسنة و معه أبو جعفر فكان من أمر البيت و الحجر و جلوسه فيه عليه السّلام ما قد ذكرناه في باب الرضا عليه السّلام.
و روي عن محمد بن الحسين عن علي بن اسباط قال: خرج عليّ أبو جعفر عليه السّلام فجعلت أنظر إليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر فقال لي: يا علي بن اسباط ان اللّه عز و جل احتج في الامامة بمثل ما احتج به في النبوّة فقال: «وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» ، و قال: «وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً» فقد يجوز أن يؤتى الحكم صبيا و يؤتاه ابن أربعين.
و روي انّه كان يتكلّم في المهد. و روي عن زكريا بن آدم قال: اني لعند الرضا عليه السّلام إذ جيء بأبي جعفر عليه السّلام و سنّه نحو أربع سنين فضرب الى الأرض و رفع رأسه الى السماء فأطال الفكر فقال له الرضا عليه السّلام: بنفسي أنت فيم تفكّر طويلا منذ قعدت. قال: فيما صنع بأمي فاطمة عليها السّلام اما و اللّه لأخرجنّهما ثم لأحرقنّهما ثم لأذرينّهما ثم لأنفسنّهما في أليم نسفا.
فاستدناه و قبّل بين عينيه ثم قال: بأبي أنت و أمي أنت لها- يعني الامامة.
و روي عن موسى بن القاسم عن محمد بن علي بن جعفر قال: كنت مع الرضا فدعا بأبي جعفر ابنه و هو صبي صغير فأجلسه ثم قال لي: جرّده.
فنزعت قميصه فأراني في أحد كتفيه كالخاتم داخلا في اللحم ثم قال: ترى هذا؟
كان مثله في هذا الموضع من أبي إبراهيم.
و روي عن علي بن اسباط عن نجم الصنعاني قال: اني لعند الرضا عليه السّلام إذ جيء بأبي جعفر عليه السّلام فقلت له: جعلت فداك هذا المولود المبارك؟
فقال لي: نعم هذا الذي لم يولد أعظم بركة منه على شيعتنا.
و روى الحميري عن محمد بن عيسى الأشعري عن الأسدي عن أبي خداش عن جنان بن سدير قال: قلت للرضا عليه السّلام: يكون امام ليس له عقب؟ فقال لي: أما انّه لا يولد لي إلّا واحد و لكن اللّه ينشئ منه ذريّة كثيرة.
و لم يزل أبو جعفر عليه السّلام مع حداثته و صباه يدبر أمر الرضا عليه السّلام بالمدينة و يأمر الموالي و ينهاهم لا يخالف عليه أحد منهم.
و روى صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا عليه السّلام: قد كنّا نسألك قبل أن يهب اللّه لك أبا جعفر فكنت تقول: يهب اللّه لي غلاما. فقد وهب اللّه و أقرّ عيوننا فلا أرانا اللّه يومك، فان كان كون فإلى من؟
فأشار بيده الى أبي جعفر عليه السّلام و هو نائم بين يديه فقلت: جعلت فداك هو ابن ثلاث سنين.
قال: و ما يضرّه ذلك؟ قد قام عيسى بالحجّة و هو ابن ثلاث سنين.
و روي عن الحسن بن الجهم قال: دخلت على الرضا؛ و أبو جعفر صغير بين يديه فقال لي بعد كلام طويل جرى: لو قلت لك يا حسن ان هذا امام، ما كنت تقول؟
قال: قلت ما تقوله لي جعلت فداك.
قال: أصبت، ثم كشف عن كتف أبي جعفر فأراني مثل رمز اصبعين.
فقال لي: مثل هذا كان في مثل هذا الموضع من أبي موسى عليه السّلام.
الحميري عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى قال: قال لي أبو الحسن الرضا عليه السّلام:
كان أبو جعفر محدّثا.
و روي عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: دخلت و صفوان بن يحيى على الرضا عليه السّلام؛ و أبو جعفر عنده نائم له ثلاث سنين فقلنا له: جعلنا اللّه فداك انّا- و نعوذ باللّه من حدث يحدث- لا ندري من القائم بعدك؟
قال: ابني هذا.
فقلت: و هو في هذا السن؟