کتابخانه روایات شیعه
أيام ثم مات، و جعل الخلافة بعده شورى بين ستة و قال: هؤلاء أحقّ الناس بالخلافة، و لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّا ما اختلجني فيه الشكوك ان أقلّده هذا الأمر بعدي.
و جعل أمير المؤمنين عليه السّلام في الشورى آخر الستة منهم و بدا فسمّى عثمان بن عفان و أشار إليه و عرض بتوليه الأمر بعده ثم طلحة بن عبيد اللّه التيمي و الزبير بن العوام الأسدي و عبد الرحمن بن عوف الزهري و سعد بن أبي وقاص ثم علي بن أبي طالب الهاشمي بعدهم في وصيته، و أمر صهيبا أن يصلّي بالناس الى أن يستقرّ أمر القوم في الشورى فان اختلف الستة قتل الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن و نصب الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف من يتّفقون عليه، و ان انقضت ثلاثة أيام و لم يقع الاختيار و الاتفاق على أحدهم قتل الستة بأجمعهم.
فصلّى صهيب- و روي عبد الرحمن بن عوف- بالناس ثلاثة أيام ثم وقع اختيار عبد الرحمن بن عوف على عثمان فقلّده الأمر، و لم يجد عبد الرحمن عنده ما قدره مع المواخاة و الصهر الذي كان بينهما فأظهر الندامة و الأسى على فعله و اختياره و صار أحد من يؤلب عليه الناس. و اعتزلهم أمير المؤمنين عليه السّلام.
و كان من حديث عثمان ما رواه الناس من ايوائه طريد رسول اللّه الحكم بن العاص و مروان ابنه و انّه استوزر مروان و رد أموره و النظر في أعماله و أحكام المسلمين إليه و نفيه أبا ذر جندب بن جنادة بعد أن وجر حلقه و ضرب ظهره و حمل على قتب يابس الى الربذة حتى مات فيها.
و قد روى الناس ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيه و وصفه له بالصدق و شهادته له بالجنّة.
ثم اجتمع المهاجرون و الأنصار على محاصرة عثمان و الهجوم عليه حتى قتلوه، و ذلك في أربع و عشرين سنة من إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام.
ثم صار الناس الى أمير المؤمنين ليبايعوه، فامتنع عليهم، فألحوا عليه حتى أكرهوه و تداكوا عليه تداك الإبل على الماء، فبايعهم على كتاب اللّه و سنّة نبيّه طائعين راغبين.
فلما بايعوه قام خطيبا في الناس فحمد اللّه و أثنى عليه و ذكّرهم بأيام اللّه ثم قال: يا
أيها الناس أن أوّل قتيل بغى على وجه الأرض عناق بنت آدم خلق اللّه لها عشرين اصبعا لكلّ اصبع فيها ظفران كالمنجلين الطويلين من حديد و كان مجلسها على جريب من الأرض فبغت في الأرض ثمانين سنة فلما أراد اللّه هلاكها خلق لها أسدا مثل الفيل و ذئبا مثل الحمار الكبير و نسرا مثل البعير فسلّطهم عليها فمزقوها فقتلوها و أكلوها ثم قتل اللّه الجبابرة في زمانها، و قد اهلك اللّه فرعون و هامان و خسف بقارون و قد قتل عثمان و كان لي حق حازه من لم آمنه عليه و لم اشركه فيه فهو منه على شفا حفرة من النار لا يستنفذه منها إلّا نبي مرسل يتوب على يديه و لا نبي بعد محمّد صلّى اللّه عليه و آله.
ثم قال: أيها الناس! الدّنيا دار حق و باطل و لكل أهل. ألا و لئن غلب الباطل فقديما كان، و لئن قلّ الحق و ضعف صاحبه فليس بما عاد، و لئن رد عليكم أمركم انّكم لسعداء و لقد خشيت أن تكونوا في فترة من الزمن اما اني لو أشاء أن أقول لقلت سبق الرجلان و قام الثالث كالغراب همّته بطنه، يا ويحه لو قص جناحه و قطع رأسه كان خيرا له، شغل عن الجنّة و النار امامه.
ثم قال بعد كلام طويل في هذه الخطبة:
ان اللّه جل و علا أدّب هذه الامّة بالسيف و السوط فاستتروا ببيوتكم و أصلحوا ذات بينكم فان التوبة من ورائكم، من أبدى صفحته للحق هلك، ألا و ان كلّ قطيعة أقطعها عثمان- أو قال أعطاه- من مال اللّه فهو مردود على بيت مال المسلمين فان الحقّ قديم لا يبطله شيء و لو وجدته تفرّق في البلدان لرددته فان في الحق سعة، و من ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق، أقول قولي هذا و استغفر اللّه لي و لكم.
ثم استأذنه طلحة و الزبير في الخروج الى مكّة و كانا أوّل من بايعه و مدا يده و صفقا عليها و مسحاها فاذن لهما و حذّرهما النكث و الغدر و جدّد عليهما بيعته و ذكّرهما ما سمعاه من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لهما و له بحضرتهما: انّك تقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين.
و قد روي في قتالهم ما جاءت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رواه الخاص و العام و لا يدفع ذلك إلّا معاند، فخرجا الى مكّة فألّبا عليه الناس و أخرجا عائشة الى البصرة و قد
أنذرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّها تقاتله ظالمة له و بكلاب الحوأب إذا نبحت في طريقها و ما رواه الناس في ذلك.
فدخلوا البصرة و نهبوا ما في بيت مال المسلمين و ضربوا جماعة من أصحابه بالسوط حتى ماتوا فنهض إليهم يذكّرهم بأيام اللّه فأبوا إلّا طغيانا و بغيا فوعظهم و جاهدهم بلسانه فلم يرجعوا و لا اتّعظوا بوعظه و أقاموا على محاربته فأظهره اللّه عليهم و أظفره بهم و قتل طلحة مروان بن الحكم و كان معه في صحابته و رجاله و اتبع الزبير به ابن جرموز ممّن خرج بعد ذلك على أمير المؤمنين من الخوارج و قتله أمير المؤمنين عليه السّلام فيمن قتل منهم و لذلك بشّره بالنار لما أتاه بخبر الزبير و انّه قتله بوادي السباع فتولى قتلهما من كان معهما و مع عائشة و كانوا سبعين ألف رجل و كانت عائشة على جمل أورق يقال له عسكر فأمر به أمير المؤمنين عليه السّلام فعرقب فقام على ثلاث فعرقب الثاني من رجليه فقام على يديه فعرقب فقام على يد واحدة فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: شيطان و ربّ الكعبة، فقطع الرابع فسقط و الهودج على ظهره و ظفر بعائشة.
فقال له ناس من أصحابه فيها ما لم يقبله و خطأهم و وكّل بها نساء متلثمات أركبهن الخيل و ردّها معهن الى المدينة.
و انقضت حرب الناكثين و الحمد للّه ربّ العالمين.
و خرج عليه معاوية بن أبي سفيان رأس القاسطين فنهض إليه فذكّره بأيام اللّه فأبى إلا نفورا أو بغيا و عدوانا فحاربه و قتل من أصحابه مقتلة عظيمة.
فلما رأى معاوية انّه قد أخذ بكظمه شاور عمرو بن العاص فأشار عليه بمكيدة ان يرفع له المصاحف فرفعها إليه على رءوس الرماح فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: انها مكيدة و كلمة حق أريد بها باطل.
ثم كان من الأمر ما رواه الناس و حكم أمير المؤمنين عليه السّلام كتاب اللّه دون غيره فخالف أبو موسى الأشعري وصيته و أمره و فعل و عمرو بن العاص ما فعلاه.
و انصرف أمير المؤمنين ليعد و ليستعد و يرجع لقتال معاوية و من معه من القاسطين فخالف عليه أصحابه أهل العراق و خرجت الخارجة المارقة الذين مرقوا من الدين كما
مرق السهم من الرمية فحاربهم بالنهروان فقتل منهم أربعة آلاف لم ينج منهم إلّا أربعة نفر وقعوا على أطراف الأرض و تناسلوا فالخارجة الى يوم القيامة من نسل أولئك الأربعة.
فانصرف الى الكوفة ليعاود الى قتال معاوية فكان من أمره مما رواه الناس.
معجزات علي
و روي عن العالم عليه السّلام انّه قال: الاسم الأعظم على ثلاثة و سبعين حرفا اعطي جميع الأنبياء منه خمسة عشر حرفا و اعطي محمّد صلّى اللّه عليه و آله اثنين و سبعين حرفا و أعطي أمير المؤمنين عليه السّلام ما اعطي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
و روي ان أمير المؤمنين عليه السّلام قال بعد ان حمد اللّه و أثنى عليه: و علمنا منطق الطير و أوتينا من كلّ شيء ان هذا لهو الفضل العظيم.
و روي ان بعض أصحابه أتاه فقال يا أمير المؤمنين عليه السّلام: قد نشق الفرات من الزيادة فقام حتى توسط الجسر ثم ضربه بعصاه ضربة فنقص ذراعين ثم ضربه ضربة اخرى فنقص ذراعين.
و روي ان جماعة من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أتوه فقالوا له: يا رسول اللّه ان اللّه اتّخذ إبراهيم خليلا و كلّم موسى تكليما و كان عيسى عليه السّلام يحيي الموتى فما صنع بك ربّك؟.
فقال: ان كان اللّه اتخذ إبراهيم خليلا فقد اتخذني حبيبا، و ان كان كلّم موسى من وراء حجاب فقد رأيت جلال ربّي و كلّمني مشافهة، و ان كان عيسى يحيي الموتى باذن اللّه فان شئتم أحييت لكم موتاكم باذن اللّه.
فقالوا: قد شئنا.
فأرسل معهم أمير المؤمنين عليه السّلام بعد أن رداه بردائه الّذي كان يقال له المستجاب ثم أخذ طرفيه فجعلهما على كتفيه و رأسه و أمره أن يقدمهم الى قبور موتاهم و أمرهم باتباعه.
فاتبعوه فلما توسط الجبانة سلّم على أهل القبور و دعا و تكلّم بكلام لم يسمعه القوم
فاضطربت الأرض و ارتجّت فدخلهم من ذلك ذعر شديد فقالوا: اقلنا يا أبا الحسن أقالك اللّه.
و رجعوا الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالوا له: اقلنا.
فقال لهم: انما رددتم على اللّه لا أقالكم اللّه عثرتكم يوم القيامة.
و روي عن أبي اسحاق السبيعي قال: دخلت مسجد الكوفة فاذا أنا بشيخ لا أعرفه و دموعه تسيل على خدّيه فقلت له: ما يبكيك يا شيخ؟.
قال: انّه قد أتت عليّ مائة سنة و نيف على المائة لم أر فيها عدلا و لا حقّا إلّا ساعة من ليلة أو الا ساعة من يوم.
فقلت: و كيف ذلك؟.
فقال: اني كنت رجلا من اليهود و كانت لي ضيعة بناحية (سورا) فدخلت الكوفة بطعام على حمير أريد بيعه بها فبينا أنا أسوق الحمير إذ افتقدتها فكأن الأرض ابتلعتها فأتيت منزل الحرث الهمداني و كان لي صديقا فشكوت إليه ما أصابني فأخذ بيدي و مضى بي الى أمير المؤمنين عليه السّلام فأخبرته الخبر فقال للحرث: انصرف يا حارث الى منزلك فاني الضامن للحمير و الطعام، و أخذ أمير المؤمنين عليه السّلام بي فمضى حتى انتهى الى الموضع الذي فقدت فيه الحمير فوجه وجهه القبلة و رفع يده الى السماء ثم سجد و سمعته يقول في سجوده: و اللّه ما على هذا عاهدتموني و بايعتموني يا معشر الجن و أيم اللّه لئن لم تردوا على اليهودي حميره و طعامه لأنقضن عهدكم و لأجاهدنكم في اللّه حق جهاده.
قال اليهودي: فو اللّه ما فرغ من كلامه حتى رأيت الحمير عليها الطعام تجول حولي فتقدّم إليّ يسوقها فسقتها معه حتى انتهينا الى الرحبة فقال: يا يهودي عليك بقية من الليل فضع عن حميرك حتى تصبح.
فوضعت عنها.
ثم قال لي: ليس عليك بأس.
و دخل المسجد فلما فرغ من صلاته و بزغت الشمس خرج إليّ فعاونني على الطعام
حتى بعته و استوفيت ثمنه و قضيت حوائجي.
فلما فرغت لقيته و قلت: أشهد ان لا إله إلّا اللّه و أشهد ان محمدا رسول اللّه و أشهد انّك عالم هذه الامة و خليفة اللّه على الجنّ و الإنس فجزاك اللّه عن الاسلام و أهله و الذّمة و أهلها خيرا.
ثم انطلقت حتى أتيت ضيعتي فأقمت بها مدّة ثم اشتقت الى لقائه فقدمت الآن فوجدته قد قتل، فجلست حيث تراني أبكي عليه.
و روي أن أمير المؤمنين عليه السّلام كان على منبر الكوفة يخطب الناس إذ أقبلت حيّة من باب الفيل فقال: افرجوا لها فان هذا رسول قوم من الجنّ يقال لهم بنو عامر.
فافرجوا و جاءت الحية حتى صعدت الى أمير المؤمنين عليه السّلام فوضعت فاها في اذنه و هي تنق فكلّمها مثل نقيقها و ولّت خارجة من حيث دخلت.
فنزل عليه السّلام بعد فراغه من خطبته فأخبر الناس: ان قتالا وقع بين قوم من الجن فأتت هذه الحية تسأله عمّا يصلح بينهم فعلّمها.
و روي أن تلك الحية كانت وصي أمير المؤمنين عليه السّلام على الجن.
رد الشمس للامام على عليه السّلام
و روي أن أمير المؤمنين عليه السّلام مر بأرض بابل و قد غابت الشمس و اشتبكت النجوم فنزل و جثا على ركبتيه و دعا ما شاء اللّه أن يدعو، فرجعت الشمس بيضاء نقية حتى صلّى العصر ثم انقضت كما ينقض الكوكب حتى غابت و عاد الظلام.
و قد روي انما ردّت عليه في حياة السيد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بمكّة و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله موعوكا فوضع رأسه في حجره و حضر وقت العصر فلم يزل من موضعه حتى انتبه فقال صلّى اللّه عليه و آله: اللّهم ان كان عليّا في طاعتك فرد عليه الشمس.
فردّها اللّه عز و جل بيضاء نقية حتى صلّى ثم غربت.
كراماته الاخرى عليه السّلام
و روي انّه خرج على أصحابه بعد عشاء الآخرة في ليلة مظلمة و هو يهمهم همهمة لا تدرى و عليه قميص آدم و بيده عصا موسى و خاتم سليمان عليهم السّلام.
و روي انّه اجتاز في طريقه الى الشام «ببادوريا» فخرج أهل قرية منها يقال لها «قطفتا» فشكوا إليه ثقل الوضايع في الخراج و انها مخالفة لسائر و ضائع السواد بالعراق فقال لهم بالنبطية «و غرار و طاهوا غررنا» يعني رب جحش صغير خير من حمار كبير.
فكانوا كلّموه بالنبطية فأجابهم بكلامهم، ثم قال لهم: أنتم تبيعون ثماركم بضعف ما يبيعها غيركم من أهل السواد.
و روي انّه كان اذا جلس للناس فوقف الرجل بين يديه قال له: اقعد و استعد و أعد لنفسك فأنت تموت في يوم كذا و سنة كذا و سبب مرضك كذا.
و روي عن الحرث الهمداني قال: خرجنا مع أمير المؤمنين عليه السّلام حتى انتهينا الى «العاقول» فاذا هو بأصل شجرة قد وقع لحاؤها و بقي عودها فضربها بيده ثم قال:
ارجعي باذن اللّه خضراء مثمرة فاذا هي تهتزّ بأغصانها حملها الكمثرى فأكلنا و حملنا معنا.
و روي انّه قال في خطبة له بعد حمد اللّه و الثناء عليه: انّه يموت منّا من مات و ليس بميّت و يبقى من بقي منا حجّة عليكم.