کتابخانه روایات شیعه
ثلاثة أيام فخرج الرجل مبادرا حتى صار الى شاطئ البحر فوجد مركبا صغيرا فجلس فيه فقال له الملّاحون- و كان في المركب ثلاثة نفر- أين تريد؟.
فلم يخبرهم فلما ألحوا عليه عرّفهم الموضع الذي يريده فجعلوا يتضاحكون به و صاحب السكان من بينهم يهزأ منه و يقول كيف تبلغ مسيرة ثلاثة أشهر في يوم واحد.
فاغتم و أوقع اللّه عليه السبات فانتبه و هو على باب المدينة فخرج من المركب فلما دنا من باب المدينة وجد المسيح عليه السّلام يطلع من السور فكلّمه و سأله من خبره فقال له الرجل أرى انّك كنت صاحب السكان في المركب ثم دخل الى المدينة و صار الى الملك فزجره و وعظه فأتاه ابليس فأغراه به فأخذوه و أدخلوه الى المجلس الذي يسمنون فيه فلما رآه صاحبه وثب إليه فسأله عن خبره فأمره بالخروج فقال له أين أخرج و انما أردت إذا خرجت أن أصير إليك. فقال: تنتظرني على باب المدينة.
فخرج و الحرس جلاس فلم يره منهم أحد.
و أغرى ابليس بالرجل و قال لهم هذا و أمثاله آفة الملوك و الوجه أن يعذّب حتى يرتدع به غيره و أشار أن يرجم بالحجارة و يسحب على الحصباء لوجهه و ساير جسده حتى يترضض فيألم جسده، ففعل به ذلك و غلظ عليه الأمر، فشكا الى اللّه عز و جل و قال يا ربّ ان كان أجلي قد قرب فاقبضني إليك و إلّا ففرّج عني فلم يبق فيّ موضع للصبر فأوحى اللّه إليه أن لك عندي منزلة لم تبلغها إلّا بالصبر على أغلظ المحن و قد فرّجت عنك و أمرت كلّ ما في المدينة بطاعتك فاخرج فخرج الى صنم لهم من حجارة فأمره أن ينبعث من سائره الماء فنبع الماء من عينيه و أنفه و أذنه و فمه و ساير أعضائه فغرق خلق من أهل المدينة، و علم الباقون السبب في غرقهم فصاروا إليه خاضعين طالبين، و آمنوا و نزلوا على حكمه و اتبعوه فأمر الصنم ان يبتلع الماء فابتلعه و بقي من مات بذلك العذاب مطروحا فأحياهم باذن اللّه جميعا فآمن به جميع أهل المدينة.
و كان المسيح صلّى اللّه عليه يبشّر الحواريين بالنبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله فيقولون هو منّا و نحن شيعته فكان في الانجيل لا يلي أمر الامّة رجل و فيهم من هو أعلم منه إلّا كان أمرهم إلى سفال.
و روي أن الدنيا تمثّلت للمسيح في أحسن صورة، و روي في خبر آخر انّها تمثلت في صورة امرأة زرقاء شمطاء عجوز فقال لها: هل تزوجت؟ فقالت: كثيرا. فقال لها: فكلّ طلّقك؟ فقالت: بل كلّ قتلته. فقال لها: فويح لأزواجك الباقين كيف لم يعتبروا بالماضين.
و روي عنه عليه السّلام انّه قال: أوحى اللّه الى الدنيا: من خدمك فاستعبديه، و من خدمني فأخدميه.
و روي انّه عليه السّلام دعا الحواريين في يوم من الأيام ثم قام يخدمهم حتى يفعلوا مثله ثم يعلمونه الناس.
و مكث عليه السّلام في الأرض ثلاث و ثلاثين سنة و كان فيما أمر به الحواريين قوله: ارضوا بذي الدنيا مع سلامة دينكم كما رضي أهل الدنيا بذي الدين مع سلامة دينهم، و تحببوا الى اللّه ببغض أهل المعاصي و البعد منهم.
فقالوا: و من نجالس يا روح اللّه؟.
فقال: من يذكركم اللّه رؤيته، و يزيد في علمكم منطقه، و يرغبكم في الآخرة عمله.
ثم نزلت المائدة عليهم فأمر بتغطيتها و أن لا يأكل رجل منها شيئا حتى يأذن لهم، و مضى في بعض شأنه، فأكل منها رجل منهم فقال بعض الحواريين: يا روح اللّه قد أكل منهم رجل.
فقال له عيسى: أكلت منها؟.
فقال الرجل: لا.
فقال الحواريون: بلى يا روح اللّه لقد أكل منها.
فقال عليه السّلام للحواريين: صدق أخاك و كذب بصرك.
و روي في المائدة أخبار كثيرة يطول شرحها.
قال: و اشتد طلب اليهود له حتى هرب منهم ثم جمع أصحابه و أوصى الى شمعون و أمرهم بطاعته و سلّم إليه الاسم الأعظم و التابوت ثم قال للحواريين في تلك الليلة و قد جمعهم في بيت، أيّكم يكون رفيقي غدا في الجنّة على أن يتشبّه للقوم غدا في صورتي فيقتلوه؟.
فقال له شاب منهم: أنا يا روح اللّه.
فأمره بالجلوس في مجلسه الذي كان يجلس فيه فامتثل أمره و طرح عليه شبهه فدخل إليه اليهود فقتلوه و صلبوه فروي أن بعض الحواريين مر بشمعون عليه السّلام و هو تحت الخشبة يجمع ما يسقط من جلده و أعضائه فقال له: يا نبي اللّه إذا رآك الناس تفعل هذا افتتنوا.
فقال له: اني رأيت اللّه عز و جل قد أضلّ قوما و أحببت أن أزيدهم.
و كان فيما قاله المسيح عليه السّلام: اما انّكم ستفترقون بعدي ثلاث فرق، فرقتين تفتري على اللّه الكذب و هي في النار و فرقة مع شمعون صادقة على اللّه و هي في الجنّة.
و رفع اللّه جل و عز المسيح إليه من ساعته ثم صارت مريم عليها السّلام الى ملك اليهود فسألته أن يهب لها المصلوب ففعل فدفنته فخرجت هي و اختها لزيارة قبره فاذا المسيح جالس عند القبر فقالت لاختها: ما ترين الرجل الذي عند القبر؟ قالت: لا. فأمرتها أن ترجع و مضت الى المسيح عليه السّلام فأخبرها ان اللّه عز و جل قد رفعه إليه و أوصى بما أراد.
فرجعت قريرة العين.
ثم افترقت امته ثلاث فرق، فرقة قالوا ان اللّه عز و جل فينا فارتفع، و فرقة قالوا كان ابن اللّه فينا فرفعه اللّه. و فرقة مؤمنة مع شمعون.
و روي أن اللّه عز و جل أظهر دعوة المسيح عليه السّلام و هو ابن ثمان و عشرين سنة و عمره ثلاث و ثلاثون سنة.
و قام شمعون عليه السّلام بأمر اللّه جل و عز
و كان يفعل فعل المسيح يبرئ الاكمه و الأبرص و يحيي الموتى باذن اللّه و معه الشيعة الصديقون فمن آمن به كان مؤمنا و من جحده كان كافرا و من شك فيه كان ضالّا.
و وجّه (شمعون) عليه السّلام بالحواريين الى البلدان يدعون الناس و كان المسيح عليه السّلام و شمعون لا يبعثان الى الروم بأحد إلّا قتل. فقال شمعون لرجلين من أصحابه: اذهبا في وقت كذا و كذا الى بلد الروم فعجلا فذهبا قبل الوقت فأخذهما الملك و حبسهما فلما
حضر الوقت مضى شمعون في صورة متطبب فكان لا يعالج أحدا إلّا أبرأه و غلب على الملك.
ثم ان الملك رأى رؤيا فقصّها على شمعون فقال شمعون: لعلّ في حبسك قوما مظلومين، فأمره بالنظر في أمور جميع الناس. فجلس الملك و جلس معه شمعون و أخذ ينظر في أمورهم حتى انتهى الى الرجلين فسألهما عن قصّتهما فعرّفاه انّهما رسل المسيح و انّهما يبرئان الاكمه و الأبرص فقال: احضر رجلا أعمى فأحضر من لم يبصر قط فوضع شمعون يده على عينيه ثم قال لهما أنا أبرئه قبلكما و نحى شمعون يده فأبصر الرجل ثم لم يزل يري الملك و أصحابه آية بعد آية و معجزة بعد معجزة الى أن أحيى ابنا كان للملك قد مات منذ سبع سنين فآمن الملك و جميع أهل مملكته و به عظموا أمر المسيح و قالوا فيه ما قالوا.
فلما حضرت شمعون الوفاة أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و الحكمة و جميع مواريث الأنبياء يحيى بن زكريا ففعل و أوصى و سلّم إليه و مضى.
و قام يحيى بن زكريا عليه السّلام بأمر اللّه جل و تعالى
و كان من حديثه أن زكريا عليه السّلام دعا ربه فقال «إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي» و أعني بني العمومة «وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا» «فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً»
و حملت به امّه فلما ولد عليه السّلام غذي بانهار الجنة حتى فطم ثم انزل به الى أبويه فكان يضيء البيت لنوره ثم نشأ و بعثه اللّه عز و جل بالحكمة و اتاه زيادة على ما سلم إليه شمعون خمس كلمات و أمره يضربهن مثلا لقومه فقال يحيى بن زكريا لقومه الكلمات و انما هي:
1- مثل الشرك باللّه مثل رجل كان له عبد و لم يكن له مال غيره يملكه فاضطرب العبد في الأرض فأصاب مالا كثيرا فانطلق فجعل سعيه و خيره لغيره فذلك مثل الشرك باللّه.
2- و مثل الصلاة مثل رجل صار الى باب سلطان مهيب فظن ان لا يمكنه الكلام فأمكنه حتى تكلّم بحاجته فان شاء أعطاه و إن شاء حرمه.
3- و مثل الصدقة مثل رجل كان له أعداء فأرادوا قتله فقال ما ينفعكم قتلي كاتبوني و نجموا عليّ نجوما فكلما أديت نجما حللتم عني عقدة.
4- و مثل الصوم مثل رجل أخذ من السلاح ما أطاق حتى رأى انّه لا يصل إليه شيء من السلاح فكذلك الصوم جنّة.
5- و مثل القرآن مثل قوم في حصن و لهم قوم يطلبون غرّتهم فكلما جاءوهم وجدوهم حذرين في حصنهم فكذلك صاحب القرآن.
فعند ذلك ملك (أردشير بن بابكان) أربع عشرة سنة و عدّة شهور، و في ثماني سنين من ملكه قتل يحيى بن زكريا عليه السّلام، و كان سبب قتله ان امرأة بغية كانت تختلف الى الملك و كانت إذا مرت بيحيى عليه السّلام تقول فلا يكفي فلانا من عنده، فامتنعت من المصير الى الملك إلّا أن يقتل يحيى فبعث الملك الى يحيى فقتله و أتى برأسه، و كان عند الملك في ذلك اليوم رقّاص ملهي، فقال له: ادفعه إليّ فانّه كان يؤذيني. فدفعه إليه فذهب به الى منزله فانبعث الدم منه و أخذ يفور فكان ممّا رآه ان أفلت من الدم فلم يغرق فيه و طرحه في ناحية و جعل الناس يلقون عليه التراب و الكناسة، و الدم يفور و يغلي حتى صار الموضع مثل الجبل العظيم. فلم يزل يفور حتى قتل يحيى سبعون ألفا ثم سكن.
و كان الذي تولّى قتله ولد الزنا، و كذلك روي فيمن تولى قتل الحسين بن علي عليه السّلام من ابن مرجانة و غيره كانوا أولاد زنا.
و روي أن يحيى عليه السّلام كان عمره ثلاث و ثلاثين سنة فلما أراد اللّه عز و جل أن يقبضه إليه أوحى إليه أن يجعل الامامة في ولد شمعون فأحضر ولد شمعون و الحواريين من أصحاب عيسى عليه السّلام و أمرهم باتباع (منذر بن شمعون) و التصديق لما يأتي به.
و قام منذر بن شمعون بأمر اللّه جل
و عز فعند اللّه ذلك ملك (سابور بن أردشير) ثلاثين سنة. و في ثلاث عشر سنة من ملكه جاهد صاحب الزنادقة و قتله. و خرج (بخت
النصر بن ملتنصر بن بخت نصر الأكبر) و ملك سبعا و ثمانين سنة. و في ثلاثة عشر سنة من ملكه سلّطه اللّه على من في بيت المقدس من اليهود فقتل سبعين ألفا على دم يحيى ابن زكريا عليه السّلام و أخرب بيت المقدس و تفرّق اليهود في البلدان. و في سبع و أربعين سنة من ملكه بعث اللّه العزير و خرج قوم من المؤمنين هاربين من القتال فنزلوا بالقرب من جوار (العزير) فلما رآهم و سمع منهم كلام الايمان اجتباهم ثم غاب عنهم يوما أو بعض يوم و رجع إليهم فوجدهم كلّهم موتى صرعى لم ينجهم فرارهم من الموت فقال انى يحيي هذه اللّه بعد موتها فعند ذلك ألحقه اللّه بهم ميتا فلبث فيهم مائة عام ثم أحياه اللّه قبلهم و أحياهم بحضرته فكان ينظر الى العظام و المفاصل كيف تضاف و تجتمع كلّ مفصل الى صاحبه ثم كسيت لحما فقال (العزير) عند ذلك اعلم ان اللّه على كلّ شيء قدير.
ثم انّ اللّه جل جلاله أمر الوصي (منذر بن شمعون) أن يستودع النور و ميراث الأنبياء (دانيال) عليه السّلام.
و قام دانيال عليه السّلام بالأمر بعده
و مضى بخت نصر، و ملك ابنه (فهر)- و كان كافرا خبيثا- ست عشر سنة و أياما فأمر أن يتّخذ له اخدود ثم جاء بدانيال و أصحابه الصديقين فطرحهم في النار فلم تقربهم و لم تحرق منهم شيئا.
فلما رأى ذلك لا يضرّهم استودعهم الجبّ و فيه سباع ضارية فلما رأتهم السباع لاذت بهم و بصبصت حولهم.
فلما رأى ذلك عذّبهم بأنواع العذاب فخلصهم اللّه منه و أدخلهم جنّة و ضرب لهم مثلا في كتابه «أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ» «وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»
و كان أوحى اللّه إلى دانيال أن يوصي الى مكيخا و يستودعه الحكمة و كان ابنه ففعل، و قد روي في خبر آخر ان (العزير و دانيال كانا قبل المسيح و يحيى بن زكريا عليه السّلام) و روي أن يحيى مضى في آخر أيام المسيح و بعده. و دفن دانيال بتستر و قد روي بالسوس.
و قام مكيخا ابن دانيال بأمر اللّه
و اتبعه المؤمنون من بني إسرائيل و ملك «بهرام بن هرمز» ثلاث سنين و ثلاثة أشهر و أربعة أيام و كان زمانه زمان أمن و عدل و الإمامة مكتومة. ثم ملك (بهرام بن بهرام) اثنين و عشرين سنة، ثم ملك بعده «نرسي بن بهرام بن بهرام» و لما حضرت «مكيخا» الوفاة أوحى اللّه إليه أن يستودع الحكمة ابنه (انشوا) فأحضره و أوصى إليه.
فقام انشوا بن مكيخا بأمر اللّه تعالى
و اتبعه المؤمنون سرّا و ملك «هرمز بن نرسي» سبع سنين ثم ملك بعده ابنه «سابور» و هو أول من عقد التاج على رأسه و بنى «السوس» و «جنديسابور» ثم حكم بعده «أردشير» أخوه سنتين.
و في ذلك الزمان بعث اللّه الفتية المؤمنين (أصحاب الكهف و الرقيم) الذين آمنوا بربّهم و زادهم اللّه هدى، و كان من قصتهم أنّهم أصابوا كتابا من كتب المسيح عليه السّلام فأقاموا عليه بأرض الروم مستخفين و هو الرقيم الذي ذكر اللّه جل و عز به و كان من شأنهم في بعثهم بالورق الى المدينة ليأتيهم بطعام يأكلونه ما قصّ اللّه جل و عز به و كان المرسل بالورق يسمّى (مكيخا) فروي انّهم كانوا يخفون الايمان و يظهرون الكفر و يصلّون في البيع مع النصارى و يشربون الخمر و يشدون في أوساطهم بالزنانير فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين على إظهارهم الكفر و إسرارهم الايمان.
و حضرت «نشوا» الوفاة فأوحى اللّه إليه أن يوصي الى ابنه «رشيخا» فأحضره و أوصى إليه و سلّمه ما في يديه فتسلمه و مضى صلّى اللّه عليه.
و قام رشيخا بن انشوا بأمر اللّه جل و علا
و اتبعه المؤمنون في ذلك الزمان و ملك (بهرام جورسابور) فملك سنتين و ملك بعده (يزدجرد بن سابو) احدى و عشرين سنة و كان منزله و دار ملكه «كرمان».