کتابخانه روایات شیعه
قالت: بل يقظان. ما لك كالخائف الوجل؟ أ مطلوب أنت؟.
قلت: لا و لكني منذ ليلتي في كلّ ذعر و خوف. و ما لي لا أرى النور الذي كنت أراه بين عينيك ساطعا؟.
قالت: قد وضعته.
قلت: و كيف و ليس بك أثر نفاس؟ و ما أنكر من أمرك شيئا.
قالت: بلى قد وضعته أتمّ الوضع و أطيبه و أسهله و هذه الطير التي تراها بإزائي تنازعني أن أدفعه إليها فتحمله إلى أعشاشها، و هذه السحاب تسألني مثل ذلك.
قال عبد المطلب: فهاتيه حتى أنظر إليه.
قالت آمنة: حيل بينك و بينه أن تراه لأنّه أتاني آت كأنّه قضيب فضة أو كالنخلة الباسقة فقال لي: انظري يا آمنة لا تخرجيه الى خلق من ولد آدم حتى يأتي عليه منذ ولدته ثلاثة أيام.
فغضب عبد المطلب من قولها و قال: تخرجينه إليّ أو لأقتلنّ نفسي.
فلما رأت الجدّ منه قالت: شأنك و إيّاه، هو في ذلك البيت مدرج في ثوب صوف أشدّ بياضا من اللبن تحته حريرة خضراء ..
قال عبد المطلب: فقصدت لألج الباب، فبدر الي من داخله رجل فقال لي: مكانك و ارجع فلا سبيل لأحد من ولد آدم إلى رؤيته ثلاثة أيام أو تنقضي زيارة الملائكة له.
قال: فارتعدت جوارحي و خرجت مبادرا لأخبر قريشا بذلك، فأخذ اللّه عز و جل بلساني فلم أنطق بخبره سبعة أيام بلياليها.
و روي ان السيد محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ولد مع طلوع الفجر من يوم الاثنين مطهّرا- و روي يوم الجمعة- لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في عام الفيل و هو عام الفتح- و هو أصحّ- فعظمت قريش في العرب و سمّوا آل اللّه جل جلاله.
و دفعه عبد المطلب الى حليمة بنت أبي ذويب، و كان من حديثها في ارضاعه ما رواه الناس و شرح في كتاب الدلائل لنبوّته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و دلايله في نحو مائتي ورقة بروايات المشايخ الثقات.
و مات أبوه و أمّه و هو صلّى اللّه عليه و آله صغير السن و كفله جدّه عبد المطلب مدّة قليلة ثم عمّه أبو طالب الى أن بعث و أمره اللّه تعالى بإظهار أمره و تبليغ رسالاته.
فروي عن العالم عليه السّلام انّه قال: ان اللّه جلّ و علا أيتم نبيّه صلّى اللّه عليه و آله لئلا تكون عليه رئاسة لأحد من الناس.
ثم نشأ فكان من خبره مع عمّه أبي طالب ما قصّ به من حديثه و خدمة زوجته فاطمة بنت أسد له، و كان من قصّة اليهود و طلبهم إيّاه و من خبر خروج السيّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع عمّه أبي طالب و اجتيازه ببحيرا الراهب في طريق الشام و نزوله من صومعته لما رأى الغمامة قد أظلّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما ظهر من الدلالة في تلك الحال حتى أطعمهم الطعام و ما كان من خبر تزويجه بخديجة عليهما السّلام و هو ابن نيف و عشرين سنة و ما خطب به أبو طالب حيث زوّجه بها، الى غير ذلك ممّا ظهر من كلام الشجر و المدر و الحصى له و دعوتهم إيّاه بالرسالة في حال صغر سنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و صلاته و صيامه و حجّه على خلاف ما كانت قريش تعمله و انكارهم ذلك ما أتت به الأخبار و رواه الرواة من كافّة الناس.
الوحي
فلما أراد اللّه جل تعالى جلاله أن يتمّ نوره و يظهر برهانه و أتت له أربعون سنة- و قبل ذلك كان نبيّا مستخفيا- أمر اللّه عز و جل جبرئيل عليه السّلام أن يهبط إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بإظهار الرسالة فقال له ميكائيل عليهما السّلام: أين تريد؟.
فقال له: لقد بعث اللّه جل و علا نبيّ الرحمة فأمرني أن أهبط إليه بإظهار الرسالة.
فقال له ميكائيل: فأجيء معك؟.
قال له: نعم.
فنزلا فوجدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نائما بالأبطح، بين أمير المؤمنين علي و بين جعفر ابني أبي طالب عليهما السّلام فجلس جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه و لم ينبهاه إعظاما له و هيبة فقال ميكائيل له: إلى أيّهم بعثت؟.
فقال: إلى الأوسط.
فأراد أن ينبهه فمنعه جبرئيل عليه السّلام فانتبه أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له: تنبّه ابن عمّك؟.
فنبهه فأدّى جبرئيل الرسالة إليه عن اللّه جل جلاله.
فلما نهض جبرئيل ليقوم، أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بثوبه و قال: ما اسمك؟.
قال: جبرئيل.
فنهض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليلحق بغنمه، فلم يمر بشجرة و لا مدرة إلّا سلّمت عليه و هنأته بالرسالة.
و كان جبرئيل عليه السّلام يأتيه فلا يدنو منه إلّا بعد أن يستأذن عليه، فأتاه يوما و هو بأعلى مكّة بناحية الوادي فغمز بعقبه فانفجرت عين فتوضأ جبرئيل عليه السّلام و تطهّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للصلاة ثم صلّى و هي أول صلاة صلّاها في الأرض فرضها اللّه جل و عز.
و صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام تلك الصلاة مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من يومه الى خديجة عليها السّلام فأخبرها فتوضّأت و صلّت صلاة العصر من ذلك اليوم، فكان أول من صلّى من الرجال أمير المؤمنين عليه السّلام و من النساء خديجة.
و أعطى اللّه جلّ ذكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جميع ما أعطى الأنبياء المرسلين و الملائكة المقرّبين و علّمه جميع الكتب المنزلة و الصحف على الأنبياء و أنزل عليه الكتاب و الحكمة و آتاه ما لم يؤت أحدا من العالمين.
و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: أعطيت ما أعطي النبيّون و المرسلون جميعا و أعطيت خمسة عشر لم يعطها أحد: نصرت بالرعب، و جعل لي ظهر الأرض مسجدا و طهورا، و أعطيت جوامع الكلم، و فضلّت بالغنيمة، و أعطيت الشفاعة في أمّتي.
و أعطاه اللّه عز و جل كلّما أعطى الأنبياء من المعجزات و الآيات و العلامات و فضل بما لم يؤته أحدا منهم.
حديث الدار
ثم أنزل اللّه جلّ و تعالى: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» فجمع صلّى اللّه عليه و آله بني هاشم و هم في ذلك الوقت أربعون رجلا من المشايخ الرؤساء، فأمر أمير المؤمنين عليه السّلام فاطبخ لهم رجل شاة و خبز لهم صاعا من طعام ثم ادخل إليه منهم عشرة، فأكلوا حتى تصدروا ثم جعل يدخل إليه عشرة بعد عشرة حتى أكلوا و شربوا جميعا و شبعوا، و ان فيهم من يأكل الجذعة و يشرب الزق.
و روي أنّه أمر بشاة فذبحت لهم فأكلوا منها ثم أمر بجمع أهابها و عظامها ثم أحياها ثم أنذرهم و دعاهم الى نبوّته و قال لهم: قد بعثني ربي جل و عز الى الإنس و الجن و الأبيض و الأسود و الأحمر.
و روي انّه قال لهم: ان اللّه جل و تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين و اني لا أملك لكم من اللّه حظّا إلّا أن تقولوا «لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و ان محمدا عبده و رسوله».
فقال أبو لهب له: أ لهذا دعوتنا؟
ثم تفرّقوا عنه فأنزل اللّه: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ» ...
السورة.
و روي انّه دعاهم ثانية فأطعمهم و سقاهم جميعا لبنا من عس واحد حتى تصدروا ثم قال لهم: يا بني عبد المطلب أطيعوني تكونوا ملوك الأرض و حكّامها. ان اللّه عز و جل لم يبعث نبيا قط إلّا جعل له وصيّا و أخا و وزيرا فأيّكم يكون أخي و وصيي و مؤازري و قاضي ديني؟.
فأبوا قبول ذلك و قالوا: و من يطيق ما تطيقه أنت؟.
فقام إليه أمير المؤمنين عليه السّلام و هو أصغرهم سنّا فقال له: أنا يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
فقال له: أنت لعمري تقبل ما قلت و تجيب دعوتي.
و لذلك كان وصيّه و أخاه و وارثه دونهم.
و في رواية اخرى: انّه صلّى اللّه عليه و آله جمع عشيرته من بني هاشم و هم خمسة و أربعون رجلا فيهم عمّه أبو لهب فظنّوا انّه يريد أن ينزع عمّا دعا إليه.
فقال له من بينهم أبو لهب: يا محمّد هؤلاء عمومتك و بنو عمومتك قد اجتمعوا فتكلّم بما تريد و اعلم انّه لا طاقة لقومك بالعرب.
فقام صلّى اللّه عليه و آله فيهم خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه كثيرا و ذكّرهم بأيام اللّه جلّ ذكره و القرون الخالية من الأنبياء- صلّى اللّه عليهم- و الجبابرة و الفراعنة و وصف لهم الجنّة و النار ثم قال:
«ان الرايد لا يكذب أهله. و اللّه الذي لا إله إلّا هو، اني رسول اللّه إليكم حقّا و إلى الناس كافة. و اللّه لتموتن كما تنامون و لتبعثن كما تستيقظون و لتحاسبن كما تعلمون و لتجزون سرمدا و انّكم أوّل من أنذره».
و روي انّهم اجتمعوا إليه صلّى اللّه عليه و آله فقالوا له: لن نؤمن لك حتى تأتينا باللّه و الملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف- يعنون من ذهب- أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك، و اللّه لو فعلت ذلك ما كنّا ندري أصدقت أم لا.
ثم آمن من بعد أمير المؤمنين عليه السّلام قوم من عشيرته، أولهم: جعفر بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطلب.
تآمر قريش، و معجزاته [ص]
و اجتمعت قريش في دار أبي سفيان صخر بن حرب (و سمّيت دار الندوة للتدبير و المشاورة) و كتبوا بينهم صحيفة بخط معاوية و هو حدث أخذوا فيها الايمان الفاجرة الكافرة و حلفوا جميعا باللات و العزى ان لا يكلّموا بني هاشم و لا يبايعوهم أو يسلموا إليهم محمّدا صلّى اللّه عليه و آله فيقتلوه.
ثم أخرجوهم من بيوتهم حتى نزلوا شعب أبي طالب و وضعوا عليهم الحرس فمكثوا كذلك ثلاث سنين.
ثم بعث اللّه الارضة على الصحيفة فكان من حديثهم ما رواه الناس و كان من آيات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما بهر العقول من أمر الحصاة، و شقّ القمر، و دعاء الشجر، و كلام الوحش و البهائم و الطير، و اخبارهم بما يأكلون و ما يدّخرون في بيوتهم، و نبع الماء من بين اصابعه، الى غير ذلك من آياته و معجزاته صلّى اللّه عليه و آله مما قد روي.
المعراج
و أنزل اللّه القرآن في ليلة من ليالي شهر رمضان دفعة واحدة ثم أوحى اللّه إليه: و لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه.
و أتاه جبرئيل عليه السّلام ليلا- و هو بالأبطح- بالبراق، و هو أصغر من البغل و أكبر من الحمار فركبه صلّى اللّه عليه و آله و أمسك جبرئيل عليه السّلام بركابه و مضى يزفّه زفا الى بيت المقدس ثم الى السماء فتلقته الملائكة فسلّمت عليه و تطايرت بين يديه حتى انتهى الى السماء السابعة، فروي ان الأنبياء بعثوا إليه و دفعوا له ذلك الموضع حتى صلّى بهم و أمّهم ثم أوحى اللّه إليه: ان كنت في شكّ ممّا أوحينا إليك فاسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك- يعني الأنبياء.
فالتفت إليهم فقال: بما ذا تشهدون؟.
فقالوا: نشهد أن لا إله إلّا اللّه و انّك رسول اللّه و ان عليّا ابن عمّك وصيّك أمير المؤمنين.
و روي في خبر آخر انّه قال: لا أشكّ يا ربّ و لا أسأل.
ثم روي: انّه عرج به الى السماء السابعة حتى كان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى و ان الحجب رفعت له و مشى فنودي: يا محمّد انّك لتمشي في مكان، ما مشي عليه بشر قبلك.
فكلّمه اللّه جل و علا فقال: «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ» فقال النبيّ: نعم يا ربّ «وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ»
فقال اللّه جل و علا: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ»
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» ... الى آخر السورة.
فقال اللّه جل و عز له: قد فعلت.
ثم قال له: من لأمّتك من بعدك؟.
فقال: اللّه أعلم.
فقال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السّلام.
فكانت إمامته من اللّه مشافهة ..
و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: ان اللّه جل و علا لمّا عرج بي إليه مثل لي امتي في الطين من أوّلها إلى آخرها، فأنا أعرف بهم من أحدكم بأخيه و علّمني الأسماء كلّها.
و فرض على امته الصلاة في تلك الليلة، و روي انّه كان بعد مبعثه بخمس سنين ففرضت خمسين ركعة ثم ردت الى سبع عشرة ركعة تخفيفا عن امّته.