کتابخانه روایات شیعه
أوصلناه و قال تقرءونه مني السلام و تسألونه عن بيض الطائر الفلاني من طيور الآجام هل يجوز أكله أم لا؟
فسلمناه ما كان معنا الى خازنه و أتاه رسول السلطان فنهض ليركب و خرجنا من عنده و لم نسأله عن شيء.
فلما صرنا في الشارع لحقنا عليه السّلام فقال لرفيقي بالنبطية: و اقرأ فلانا السلام و قل له:
بيض الطائر الفلاني لا تأكله فانّه من الممسوخ.
و روى جماعة من أصحابنا قال: ولد لأبي الحسن عليه السّلام جعفر فهنأناه فلم نجد به سرورا فقيل له في ذلك.
فقال: هوّن عليك امره فانّه سيضلّ خلقا كثيرا.
و روي انّه دخل دار المتوكل فقام يصلّي فأتاه بعض المخالفين فوقف حياله فقال له:
الى كم هذا الرياء.
فأسرع الصلاة و سلّم ثم التفت إليه فقال: ان كنت كاذبا نسخك اللّه.
فوقع الرجل ميتا فصار حديثا في الدار.
و حدّث الحميري عن النوفلي قال: قال أبو الحسن عليه السّلام: يا علي ان هذا الطاغية يبتدي ببناء مدينة لا يتمّ له بناؤها و يكون حتفه فيها على يدي بعض فراعنة الأتراك.
قال النوفلي: و سمعته يقول: اسم اللّه الأعظم على ثلاثة و سبعين حرفا و انما كان عند آصف بن برخيا منه حرف واحد فتكلّم به فانخرقت له الأرض فيما بينه و بين سبأ فتناول عرش بلقيس حتى صيّره الى حضرة سليمان ثم بسطت الأرض له في أقل من طرفة عين، و عندنا منه اثنان و سبعون حرفا و يتعجّب مما وهبه اللّه لنا بقدرته و اذنه.
و كتب إليه رجل من أهل المدائن يسأله عمّا بقي من ملك المتوكل فكتب:
فقتل في أول السنة الخامسة عشرة.
قال: و كان من أمر بناء المتوكل القصر المسمّى (بالجعفري) و ما أمر به بني هاشم من الأبنية ما يحدث به.
و وجّه الى أبي الحسن عليه السّلام بثلاثين ألف درهم و أمره أن يستعين بها في بناء دار فخطت و رفع أساسها رفعا يسيرا، فركب المتوكل يوما يطوف في الأبنية فنظر الى داره لم ترتفع فأنكر ذلك و قال لعبيد اللّه بن يحيى بن خاقان وزيره: عليّ و عليّ .. يمينا أكدها ..
لئن ركبت و لم ترتفع دار علي بن محمد لأضربن عنقه.
فقال له عبد اللّه بن يحيى: يا أمير المؤمنين لعلّه في ضيقة.
فأمر له بعشرين ألف درهم فوجّه بها عبيد اللّه مع ابنه أحمد و قال حدّثه بما جرى فصار إليه فأخبره بالخبر فقال: ان ركب الى البناء فرجع أحمد بن عبيد اللّه الى أبيه فعرّفه ذلك فقال عبيد اللّه: ليس و اللّه يركب.
و لما كان في يوم الفطر من السنة التي قتل فيها المتوكل أمر بني هاشم بالترجل و المشي بين يديه، و انما أراد بذلك أن يترجّل له أبو الحسن عليه السّلام فترجل بنو هاشم و ترجّل عليه السّلام فاتكأ على رجل من مواليه فأقبل عليه الهاشميون فقالوا له: يا سيدنا ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه فيكفينا اللّه؟
فقال لهم أبو الحسن عليه السّلام: في هذا العالم من قلامة ظفره أكرم على اللّه من ناقة ثمود لما عقرت و ضجّ الفصيل الى اللّه فقال اللّه «تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ»
فقتل المتوكل في اليوم الثالث.
و روي انّه قال- و قد اجهده المشي-: اما انّه قد قطع رحمي قطع اللّه أجله.
و حدّث الحميري عن يوسف بن السخت قال: حدّثني العباس بن محمد عن علي بن جعفر قال: عرضت مؤامرتي على المتوكل فأقبل على عبيد اللّه بن يحيى فقال: لا تتعبن نفسك فان عمر بن أبي الفرج أخبرني انّه رافضي فانّه وكيل علي بن محمد.
فأرسل عبيد اللّه الي فعرفني انّه قد حلف الا يخرجني من الحبس الّا بعد موتي بثلاثة أيام. قال: فكتبت الى أبي الحسن عليه السّلام ان نفسي قد ضاقت و قد خفت الزيغ فوقع إليّ: اما
اذا بلغ الأمر منك ما قلت فينا فأقصد اللّه تبارك و تعالى فيك.
فما انقضت ايام الجمعة حتى خرجت من الحبس.
و حدّثني بعض الثقات قال: كان بين المتوكل و بين بعض عمّاله من الشيعة معاملة فعملت له مؤامرة ألزم فيها ثمانون ألف درهم فقال المتوكل: ان باعني غلامه الفلاني بهذا المال فليؤخذ منه و يخلى له السبيل؟
قال الرجل: فأحضرني عبيد اللّه بن يحيى و كان يعنى بأمري و يحبّ خلاصي فعرّفني الخبر و وصف سروره بما جرى و أمرني بالاشهاد على نفسي ببيع الغلام، فأنعمت له، و وجه لإحضار العدول و كتب العهدة.
فقلت في نفسي: و اللّه ما بعته غلاما و قد ربيته و قد عرف بهذا الأمر و استبصر فيه فيملكه طاغوت فان هذا حرام عليّ.
فلما حضر الشهود و أحضر الغلام فأقرّ لي بالعبودية، قلت للعدول: اشهدوا انّه حرّ لوجه اللّه.
فكتب عبيد اللّه بن يحيى بالخبر، فخرج التوقيع ان يقيّد بخمسين رطلا و يغلّ بخمسين و يوضع في أضيق الحبوس.
قال: فوجّهت بأولادي و جميع أسبابي الى أصدقائي و اخواني يعرفونهم الخبر و يسألونهم السعي في خلاصي و كتبت بعد ذلك بخبري الى أبي الحسن عليه السّلام فوقع إليّ: لا و اللّه لا يكون الفرج حتى تعلم ان الأمر للّه وحده.
قال: فأرسلت الى جميع من كنت راسلته و سألته السعي في أمري أسأله أن لا يتكلّم و لا يسعى في أمري، و أمرت أسبابي ألا يعرفوا خبري و لا يسيروا الى زاير منهم.
فلما كان بعد تسعة أيام فتحت الأبواب عني ليلا فحملت فأخرجت بقيودي فادخلت الى عبيد اللّه بن يحيى فقال لي و هو مستبشر: ورد علي الساعة توقيع أمير المؤمنين يأمرني بتخلية سبيلك.
فقلت له: اني لا أحب أن يحل قيودي حتى تكتب إليه تسأله عن السبب في إطلاقي.
فاغتاظ عليّ و استشاط غضبا و أمرني فنحيت من يديه.
فلما أصبح ركب إليه ثم عاد فأحضرني و أعلمني انّه رأى في المنام كأنّ آتيا أتاه و بيده سكين، فقال له: لئن لم تخل سبيل فلان بن فلان لأذبحنك. و انّه انتبه فزعا فقرأ و تعوّذ و نام. فأتاه الآتي فقال له: أ ليس أمرتك بتخلية سبيل فلان، لئن لم تخل سبيله الليلة لأذبحنك. فانتبه مذعورا و داخله شأن في تخليتك و نام. فعاد إليه الثالثة فقال له:
و اللّه لئن لم تخل سبيله في هذه الساعة لأذبحنّك بهذا السكين. قال: فانتبهت و وقعت إليك بما وقعت. قال: ثم نمت فلم أر شيئا.
فقلت له: اما الآن فتأمر بحل قيودي.
فحلوها فخرجت الى منزلي و أهلي و لم أرد من المال درهما.
ثم قتل المتوكل في اليوم الرابع من شوال سنة سبع و أربعين و مائتين و سنة سبع و عشرين من إمامة أبي الحسن عليه السّلام و بويع لابنه محمد بن جعفر المنتصر فكان من حديثه مع أبي الحسن عليه السّلام و مع جعفر بن محمود ما رواه الناس. و ملك ستة أشهر توفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمان و أربعين و مائتين.
و بويع لأحمد بن محمد المستعين بن المعتصم باللّه فكانت مدته أربع سنين و شهر مع منازعته المعتزلة و محاربته إياه و كانت الفتنة و الحرب بينهما أكثر أيامه الى أن خلع، و بويع للمعتز ابن المتوكل، و يروى ان اسمه الزبير، في سنة اثنين و خمسين و مائتين، و ذلك في اثنين و ثلاثين سنة من امامة أبي الحسن عليه السّلام.
الحسن العسكري عليه السّلام
و اعتل أبو الحسن علّته التي مضى فيها صلّى اللّه عليه في سنة أربع و خمسين و مائتين فاحضر أبا محمد ابنه عليه السّلام فسلّم إليه النور و الحكمة و مواريث الأنبياء و السلاح و أوصى إليه و مضى صلّى اللّه عليه و سنّه أربعون سنة و كان مولده في رجب سنة أربع عشرة و مائتين من الهجرة فأقام مع أبيه عليهما السّلام نحو سبع سنين و أقام منفردا بالإمامة ثلاث و ثلاثين سنة و شهورا.
و حدّثنا جماعة كلّ واحد منهم يحكي انّه دخل الدار و قد اجتمع فيها جملة بني هاشم من الطالبيين و العباسيين و اجتمع خلق من الشيعة و لم يكن ظهر عندهم أمر أبي محمّد عليه السّلام و لا عرف خبره إلّا الثقات الذين نصّ أبو الحسن عندهم عليه فحكوا انّهم كانوا في مصيبة و حيرة. فهم في ذلك إذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر:
يا رياش خذ هذه الرقعة و امض بها الى دار أمير المؤمنين و اعطها الى فلان و قل له: هذه رقعة الحسن بن علي.
فاستشرف الناس لذلك ثم فتح من صدر الرواق باب و خرج خادم أسود ثم خرج بعده أبو محمد عليه السّلام حاسرا مكشوف الرأس مشقوق الثياب و عليه مبطنة بيضاء و كان وجهه وجه أبيه عليه السّلام لا يخطئ منه شيئا و كان في الدار أولاد المتوكل و بعضهم ولاة العهود فلم يبق أحد إلّا قام على رجله. و وثب إليه أبو محمد الموفق فقصده أبو محمد عليه السّلام فعانقه ثم قال له: مرحبا بابن العم.
و جلس بين بابي الرواق و الناس كلّهم بين يديه و كانت الدار كالسوق بالأحاديث.
فلما خرج و جلس أمسك الناس، فما كنّا نسمع شيئا إلّا العطسة و السعلة و خرجت جارية تندب أبا الحسن عليه السّلام فقال أبو محمد ما هاهنا من يكفي مئونة من هذه الجاهلة.
فبادر الشيعة إليها فدخلت الدار ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد عليه السّلام فنهض (صلّى اللّه عليه) و أخرجت الجنازة و خرج يمشي حتى اخرج بها الى الشارع الذي بازاء دار موسى بن بقا.
و قد كان أبو محمّد (صلّى اللّه عليه) قبل أن يخرج الى الناس و صلّى عليه لمّا اخرج المعتمد ثم دفن في دار من دوره. و اشتد الحر على أبي محمّد عليه السّلام و ضغطه الناس في طريقه و منصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه، فصار في طريقه الى دكان بقال رآه مرشوشا فسلّم و استأذنه في الجلوس فاذن له و جلس، و وقف الناس حوله. فبينا نحن كذلك إذ أتاه شاب حسن الوجه نظيف الكسوة على بغلة شهباء على سرج ببرذون أبيض قد نزل عنه فسأله ان يركبه، فركب حتى أتى الدار و نزل و خرج في تلك العشية الى الناس ما كان يحزم عن أبي الحسن عليه السّلام حتى لم يفقدوا منه إلّا الشخص.
و تكلّمت الشيعة في شق ثيابه و قال بعضهم: هل رأيتم أحدا من الأئمة شق ثوبه في مثل هذه الحال؟
فوقع الى من قال ذلك: يا أحمق ما يدريك ما هذا؟ قد شقّ موسى على هرون عليهما السّلام.
و قام أبو محمد الحسن بن علي مقام أبيه عليهما السّلام و روي عن العالم عليه السّلام انّه قال: لما ادخلت سليل أم أبي محمّد عليه السّلام على أبي الحسن عليه السّلام قال: سليل مسلولة من الآفات و العاهات و الأرجاس و الأنجاس.
ثم قال لها: سيهب اللّه حجّته على خلقه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
و حملت أمه به بالمدينة و ولدته بها فكانت ولادته و منشؤه مثل ولادة آبائه صلّى اللّه عليهم و منشئهم. و ولد في سنة إحدى و ثلاثين و مأتين من الهجرة؛ و سنّ أبي الحسن عليه السّلام في ذلك الوقت ستة عشرة سنة و شهورا و شخص بشخوصه الى العراق في سنة ست و ثلاثين و مأتين و له أربع سنين و شهور.
و روى سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف عن داود بن القاسم الجعفري قال: كنت عند أبي الحسن لما مضى ابنه محمد ففكّرت في نفسي فقلت: كانت قصّة أبي محمد مثل قصّة اسماعيل و أبي الحسن موسى عليه السّلام.
فالتفت إليّ فقال: نعم يا أبا هاشم هو كما حدّثتك نفسك و ان كره المبطلون. أبو محمد ابني الخلف من بعدي عنده علم ما يحتاج إليه و معه آلة الامامة و الحمد للّه ربّ العالمين.
و حدّثنا الحميري عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى باسناده عن أبي الحسن عليه السّلام قال أبو محمد: ابني الخلف من بعدي.
و حدثني الحميري بهذا الاسناد عن علي بن مهزيار قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: اني كنت سألت أباك عن الامامة بعده فنصّ عليك، ففيمن الامامة بعدك؟
فقال: الى أكبر ولدي.
و نص على أبي محمد عليه السّلام ثم قال: ان الامامة لا تكون في الأخوين بعد الحسن و الحسين عليهما السّلام.
و عنه عن أحمد بن الحسن عن أحمد بن محمد الحصيبي قال: كنت بحضرة أبي
الحسن عليه السّلام؛ و أبو محمد عليه السّلام بين يديه فالتفتّ إليه فقال: يا بني أحدث للّه شكرا فقد أحدث اللّه فيك أمرا.
و روى سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن الحسين من ولد الأفطس قال: حضرنا دار أبي الحسن عليه السّلام نعزيه عن ابنه محمد و كنّا نحو مائة و خمسين رجلا و ما زاد من أهله و مواليه و ساير الناس إذ نظر الى أبي محمّد عليه السّلام قد جاء حتى قام عن يمينه فقال له: يا بني أحدث للّه شكرا فقد جدّد اللّه فيك أمرا.
فقال أبو محمد: الحمد للّه ربّ العالمين و إيّاه اسأل تمام نعمه لنا فيك و انّا للّه و إنّا إليه راجعون.
فسأل من لم يعرف، فقال: من هذا الصبي؟
فقال: هذا الحسن ابنه.
و عنه عن أبي جعفر محمد بن أحمد العلوي عن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: الخلف بعدي ابني الحسن فكيف بالخلف بعد الخلف؟
فقلت: و لم جعلني اللّه فداك؟
قال: انّكم لا ترون شخصه و لا يحلّ لكم ذكره باسمه.
قلت: فكيف نذكره؟
فقال: قولوا: الحجّة من آل محمّد صلّى اللّه عليه.
و روى إسحاق بن محمد عن محمد بن يحيى بن رئاب قال: حدّثني أبو بكر الفهفكي قال: كتبت الى أبي الحسن عليه السّلام أسأله عن مسائل فلما نفذ الكتاب قلت في نفسي: اني كتبت فيما كتبت أسأله عن الخلف من بعده و ذلك بعد مضي محمد ابنه. فأجابني عن مسائلي و كنت أردت أن تسألني عن الخلف. و أبو محمد ابني أصح آل محمّد صلّى اللّه عليه غريزة و أوثقهم عقيدة بعدي و هو الأكبر من ولدي، إليه تنتهي عرى الامامة و أحكامها. فما كنت سائلا عنه فسله، فعنده علم ما يحتاج إليه و الحمد للّه.