کتابخانه روایات شیعه
فقالوا: نشهد أن لا إله إلّا اللّه و انّك رسول اللّه و ان عليّا ابن عمّك وصيّك أمير المؤمنين.
و روي في خبر آخر انّه قال: لا أشكّ يا ربّ و لا أسأل.
ثم روي: انّه عرج به الى السماء السابعة حتى كان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى و ان الحجب رفعت له و مشى فنودي: يا محمّد انّك لتمشي في مكان، ما مشي عليه بشر قبلك.
فكلّمه اللّه جل و علا فقال: «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ» فقال النبيّ: نعم يا ربّ «وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ»
فقال اللّه جل و علا: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ»
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» ... الى آخر السورة.
فقال اللّه جل و عز له: قد فعلت.
ثم قال له: من لأمّتك من بعدك؟.
فقال: اللّه أعلم.
فقال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السّلام.
فكانت إمامته من اللّه مشافهة ..
و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: ان اللّه جل و علا لمّا عرج بي إليه مثل لي امتي في الطين من أوّلها إلى آخرها، فأنا أعرف بهم من أحدكم بأخيه و علّمني الأسماء كلّها.
و فرض على امته الصلاة في تلك الليلة، و روي انّه كان بعد مبعثه بخمس سنين ففرضت خمسين ركعة ثم ردت الى سبع عشرة ركعة تخفيفا عن امّته.
و روي احدى عشرة ركعة ففرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ست ركعات و أضافها الى تلك و هي التي تسقط في السفر.
و روي ان اللّه جل و عز فرض على امته بعد الصلاة الصيام ثم فرض زكاة الفطرة ثم زكاة الأموال ثم الحج بعد الفرائض ثم الجهاد ثم ختم جميع ذلك بالولاية.
ثم رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان فقده في تلك الليلة أبو طالب و لم يزل يطلبه و وجّه الى بني هاشم ان البسوا السلاح فقد فقدت محمّدا صلّى اللّه عليه و آله.
فخرج بنو هاشم سوى أبي لهب فانّه كان حليف بني عبد شمس بن أميّة و أشدّ الناس عداوة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صاهر أبا سفيان باخته حمالة الحطب، و أبو طالب يقول:
يا لها من عظيمة ان لم أر ابني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
فبينما هو كذلك إذ تلقاه السيّد صلّى اللّه عليه و آله و قد نزل من السماء على باب أم هاني اخت أمير المؤمنين عليه السّلام.
فقال له أبو طالب: انطلق معي فادخل المسجد بين يدي.
فدخل و معه بنو هاشم فسل سيفه أبو طالب عند الحجر ثم قال: يا بني هاشم اظهروا ما معكم.
فاخرجوا السلاح ثم التفت الى بطون قريش فقال: و اللّه لو لم أره لما بقي فيكم عين تطرف.
فقالت قريش: يا أبا طالب لقد كنت منّا عظيما.
و اتقته قريش بعد ذلك اليوم أن تفكر في اغتياله.
و أصبح السيّد صلّى اللّه عليه و آله فصلّى بالناس و حدّثهم بحديث المعراج فقالوا: صف لنا بيت المقدس، فرفعه جبرئيل عليه السّلام حتى جعله تجاهه و جعل يراه و يحدّثهم بصفته حتى حدّثهم بخبر عير أبي سفيان و الجمل الأحمر الذي يقدمها.
فكذّبوه و قالوا: هذا سحر مبين.
و أقام صلّى اللّه عليه و آله بمكة يدعو الناس سرّا و جهرا فأجابه المؤمنون و جحده من حقت عليه كلمة العذاب.
الهجرة و المبيت
و اجتمعت قريش في دار الندوة يأتمرون في قتله، فاتاهم إبليس في صورة شيخ من مضر فاستقرت آراؤهم بمشورة اللعين أن يخرج كلّ بطن منهم رجلا بأسيافهم فيضربوه ضربة رجل واحد و ذلك في السنة التي توفي فيها أبو طالب و توفيت خديجة عليها السّلام.
فأخبر اللّه رسوله بذلك و أمره بالخروج عن مكّة الى المدينة و ان ينوم أمير المؤمنين عليه السّلام على فراشه، ففعل.
و كان من قصته في خروجه و حديث الغار و هجرته الى المدينة ما رواه الناس، فروي ان اللّه جل و تعالى و اخى بين ملائكته المقربين، فواخى بين جبرئيل و ميكائيل ثم أوحى إليهما: ان كتبت على أحدكما نائبة أو محنة عظيمة هل فيكما من يقي أخاه بنفسه؟.
فقالا: نعم يا ربّ.
فأوحى اللّه إليهما: ان كتبت على أحدكما الموت قبل أخيه، هل فيكما من يبذل مهجته و يفدي أخاه بنفسه؟.
قالا: لا يا رب.
فأوحى اللّه إليهم: اهبطا الى الأرض فانظرا.
فهبطا فوجدا أمير المؤمنين عليه السّلام نائما على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد وقاه بنفسه من المشركين. فقالا: بخ! بخ! هذه المواساة بالنفس.
و كان من حديث هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الى المدينة ما كان. و دخل مسجد قبا و اجتمع إليه جمع من المسلمين ثم ركب راحلته عليه السّلام متوجها الى المدينة فاستقبله الأنصار و قالوا:
هلم إلينا يا رسول اللّه الى العدّة و العدد و النصر و المواساة.
و جعلوا يتعلقون بزمام ناقته فقال عليه السّلام: خلّوا عنها فانّها مأمورة.
حتى انتهت الى اسطوانة الخلوق فأمر باحضار الحجارة ثم نصبها في قبلة المسجد.
و روي ان هجرته كانت في شهر ربيع الأول.
الدعوة
و أمره اللّه جل و عز باشهار سيفه و اظهار الدعوة و الجهاد لأعداء اللّه و أعداء دينه، فكتب الى ملوك الطوائف و جميع النواحي يدعوهم الى توحيد اللّه عز و جل جلاله و الى نبوّته.
ثم عبأ جيشه لغزاة بدر- و كان عدد المسلمين ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا- فغزاهم فأظهره اللّه على المشركين، فقتل منهم و سبى و أسر.
ثم لم يزل يفتح البلدان عنوة و صلحا، و كان عدد الغزوات تسعا و عشرين غزوة و عدد سراياه نحو ثمانين سرية الى أن فتح مكّة، و كان من حديثه ما رواه الناس.
حجة الوداع
ثم حجّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سنة عشر من الهجرة فاذن في الناس بالحجّ و كان خروجه لخمس ليال بقين من ذي القعدة. و أحرم (من ذي الحليفة). و قضى مناسكه صلّى اللّه عليه و آله في ذي الحجة و انصرف ..
فلما صار بوادي خم نزل عليه الوحي في أمير المؤمنين عليه السّلام آية العصمة من الناس و قد كان الأمر قبل ذلك يأتيه فيتوقف انتظارا لقول اللّه عز و جل «وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ» فلما نزلت قام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه كثيرا ثم نصب أمير المؤمنين عليه السّلام علما و قيّما مقامه بعده. و كان من حديث غدير خم ما رواه الناس ثم انصرف في آخر ذي الحجة.
و روي ان اللّه عز و جل علم نبيّه كل ما كان و ما هو كائن الى يوم القيامة ثم فوّض إليه أمر الدين و الشرائع فقال: «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» و قال: «وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى» و قال: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ»
ثم وصفه اللّه عز ذكره بما لم يصف به أحدا من أنبيائه و جميع خلقه فقال: «وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»
و روي ان الاسم الأعظم على ثلاثة و سبعين حرفا، أعطى اللّه آصف بن برخيا منه حرفا واحدا فكان من أمره في عرش بلقيس ما كان، و أعطى عيسى منه حرفين فعمل بهما ما قص اللّه به، و أعطى موسى أربعة أحرف، و أعطى إبراهيم ثمانية أحرف، و أعطى نوح خمسة عشر حرفا، و أعطى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله اثنين و سبعين حرفا و استأثر اللّه جل و تعالى بحرف واحد، فعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما علمه الأنبياء و ما لم يعلموه.
الوصية
فلما قرب أمره صلّى اللّه عليه و آله أنزل اللّه جل و علا إليه من السماء كتابا مسجّلا نزل به جبرئيل عليه السّلام مع امناء الملائكة فقال جبرئيل: يا رسول اللّه مر من عندك بالخروج من مجلسك إلّا وصيّك ليقبض منّا كتاب الوصيّة و يشهدنا عليه.
فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من كان عنده في البيت بالخروج ما خلا أمير المؤمنين عليه السّلام و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام فقال جبرئيل: يا رسول اللّه ان اللّه يقرأ عليك السلام و يقول لك: هذا كتاب بما كنت عهدت و شرطت عليك و اشهدت عليك ملائكتي و كفى بي شهيدا.
فارتعدت مفاصل سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله فقال: هو السلام و منه السلام و إليه يعود السلام، صدق اللّه، هات الكتاب.
فدفعه إليه، فدفعه من يده الى علي و أمره بقراءته و قال: هذا عهد ربي إليّ و امانته، و قد بلغت و أديت.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: و أنا اشهد لك بأبي أنت و أمي بالتبليغ و النصيحة و الصدق على ما قلت، و يشهد لك به سمعي و بصري و لحمي و دمي.
فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أخذت وصيتي و قبلتها مني و ضمنت للّه تبارك و تعالى ولي الوفاء بها؟.
قال: نعم عليّ ضمانها و على اللّه عز و جل عوني.
و كان فيما شرطه فيها على أمير المؤمنين عليه السّلام: الموالاة لأولياء اللّه و المعاداة لأعداء
اللّه و البراءة منهم، و الصبر على الظلم، و كظم الغيظ، و أخذ حقّك منك و ذهاب خمسك و انتهاك حرمتك، و على أن تخضب لحيتك من رأسك بدم عبيط.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: قبلت و رضيت و ان انتهكت الحرمة و عطلت السنن و مزّق الكتاب و هدمت الكعبة و خضبت لحيتي من رأسي صابرا محتسبا.
فأشهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جبرئيل و ميكائيل و الملائكة المقرّبين على أمير المؤمنين عليه السّلام.
ثم دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام فأعلمهم من الأمر مثل ما أعلمه أمير المؤمنين و شرح لهم ما شرحه له.
فقالوا مثل قوله و ختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تصبه النار و دفعت الى أمير المؤمنين عليه السّلام.
و في الوصية سنن اللّه جلّ و علا و سنن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خلاف من يخالف و يغيّر و يبدّل و شيء شيء من جميع الأمور و الحوادث بعده صلّى اللّه عليه و آله و هو قول اللّه عز و جل «إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ»
وفاة الرسول [ص]
ثم اعتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجيّش أكثر أصحابه مع اسامة بن زيد للغزاة فلم يتّبعوه و تثاقلوا و قعدوا عنه و خالفوا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للخروج مع أميرهم.
فلما كان الوقت الذي قبض فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دعا أمير المؤمنين عليه السّلام فوضع ازاره سترا على وجهه و لم يزل يناجيه بكلّ ما كان و ما هو كائن الى يوم القيامة ثم مضى صلّى اللّه عليه و آله و قد سلّم إليه جميع مواريث الأنبياء و النور و الحكمة.
و روي انّه كان ممّا قال له في تلك الحال: إذا أنا متّ فغسّلني و كفّني و حنطني ثم اجلسني فاسأل عمّا بدا لك و اكتب.
و روي: ان جبرئيل قال له: هذا الوقت يا محمّد، هذا آخر نزولي الى الدنيا.
فسمعوا صوتا منه عليه السّلام يقول: عليكم السلام أهل البيت و الرسالة. ان في اللّه خلفا من
كلّ هالك و عزاء من كلّ مصيبة و دركا من كلّ فائت، ليس المصاب من أعقبه الثواب.
ثم سكنت حركة سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و ستر بثوب.
و تولّى أمير المؤمنين عليه السّلام غسله و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه في البقعة التي قبض فيها صلّى اللّه عليه و آله.
و روي ان سنه كانت ثلاثا و ستين سنة، و كانت ولادة آمنة بنت وهب بن عبد مناف أمّ السيّد صلّى اللّه عليه و آله في شهر ربيع الأول من عام الفيل، و كان ملك ذلك الزمان كسرى انوشيروان صاحب المدائن، و هو الذي يروى ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال فيه: ولدت في زمن الملك الصالح، لو لحقني لآمن بي. و ظهرت نبوّته بعد أربعين سنة.
و روي انّه أقام بمكّة قبل الهجرة ثلاث عشر سنة و هاجر صلّى اللّه عليه و آله فمكث بالمدينة مهاجرا عشر سنين و شهورا.