کتابخانه روایات شیعه
الطاهرين، أي منيعة لم تهدمها دعوته، و أي فضيلة لم تنلها عترته جعلتهم خير أئمّة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر، و يجاهدون في سبيلك.
و يتواصلون بدينك، طهّرتهم بتحريم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهلّ و نسك به لغير اللّه، تشهد لهم و ملائكتك انّهم باعوك أنفسهم، و ابتذلوا من هيبتك ابدانهم، شعثة رءوسهم، تربة وجوههم، تكاد الأرض من طهارتهم أن تقبضهم إليها و من فضلهم أن تميد بمن عليها. رفعت شأنهم بتحريم أنجاس المطاعم و المشارب. فأي شرف يا ربّ جعلته في محمّد و عترته فو اللّه لأقولن قولا لا يطيق أن يقوله أحد من خلقك، أنا علم الهدى، و كهف التقى و محلّ السخاء، و بحر الندى، و طود النهى، و معدن العلم، و النور في ظلم الدجى و خير من أمر و اتّقى و أكمل من تقمّص و ارتدى، و أفضل من شهد النجوى بعد النبيّ المصطفى، و ما أزكي نفسي و لكن أحدث بنعمة ربّي أنا صاحب القبلتين، و حامل الرايتين، فهل يوازي فيّ أحد؟ و أنا أبو السبطين فهل يساوي بي بشر؟ و أنا زوج خير النسوان فهل يفوقني رجل؟ أنا القمر الزاهر بالعلم الذي علّمني ربّي، و الفرات الزاخر، أشبهت من القمر نوره و بهاءه و من الفرات بذله و سخاءه، أيّها الناس بنا أنار اللّه السبل، و أقام الميل، و عبد اللّه في أرضه، و تناهت إليه معرفة خلقه، و قدّس اللّه جل و تعالى بإبلاغنا الألسن، و ابتهلت بدعوتنا الأذهان، فتوفى اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله سعيدا شهيدا، هاديا مهديا، قائما بما استكفاه، حافظا لما استرعاه، تمم به الدين، و أوضح به اليقين، و أقرّت العقول بدلالته و أبانت حجج أنبيائه، و اندمغ الباطل زاهقا و وضح العدل ناطقا، و عطل مظانّ الشيطان، و أوضح الحق و البرهان. اللّهم فاجعل فواضل صلواتك و نوامي بركاتك و رأفتك و رحمتك على محمّد نبي الرحمة و على أهل بيته الطاهرين.
مولد الامام علي عليه السّلام
قام أمير المؤمنين عليه السّلام، مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
روي عن سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: كنت أنا و علي نورا في جبهة آدم عليه السّلام فانتقلنا من الأصلاب الطاهرة الى الأرحام المطهّرة الزاكية حتى صرنا في صلب عبد المطلب فانقسم النور قسمين فصار قسم في عبد اللّه و قسم في أبي طالب فخرجت من عبد اللّه و خرج علي من أبي طالب و هو قول اللّه جل و عز «الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً»
و روي ان فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين عليه السّلام كانت في الليلة التي ولدت فيها آمنة بنت وهب أم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حاضرة عندها و انها رأت مثل الذي رأته آمنة، فلما كان الصبح انصرف أبو طالب من الطواف فاستقبلته فقالت له: لقد رأيت الليل عجبا، قال لها و ما رأيت؟ قالت: ولدت آمنة بنت وهب مولودا أضاءت له الدّنيا بين السماء و الأرض نورا حتى مددت عيني فرأيت سعفات هجر، فقال لها أبو طالب انظري سبتا فستأتين بمثله. فولدت أمير المؤمنين عليه السّلام بعد ثلاثين سنة و روي ان السبت ثلاثون سنة و روي انّه ثمان و عشرون سنة.
و روي ان فاطمة بنت أسد لما حملت بأمير المؤمنين عليه السّلام كانت تطوف بالبيت فجاءها المخاض و هي في الطواف فلما اشتد بها دخلت الكعبة فولدته في جوف البيت على مثال ولادة آمنة النبي صلّى اللّه عليه و آله ما ولد في الكعبة قبله و لا بعده غيره.
ايمان علي عليه السّلام
و روى عبد اللّه بن محمد بن غياث عن أبي نصر رجاء بن سهل الصاغاني قال حدّثنا وهب بن منبّه القرشي عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام انّه سئل عن بدو ايمان أمير المؤمنين عليه السّلام برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال أبو عبد اللّه جعفر عليه السّلام: اذا ذكرت الفضائل و المناقب ففي شرح ايمان أمير المؤمنين عليه السّلام برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما تنفتح الأذهان، و تكثر الرغائب لأن حبّ عليّ عليه السّلام فرض على المؤمنين، و غيظ على المنافقين، فمن أحبّ عليّا فلرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أحبّ و من أمسك عنه فقد عصى اللّه و نكب عن سبيل النجاة لأنّه أول من آمن برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و صلّى معه، و صدّق بما جاء من اللّه و سارع الى مرضاة اللّه و مرضاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صبر على البأساء و الضرّاء في كلّ شدّة و عسر، و كان أكثر أصحابه نصحا له، و أكثرهم و أشدّهم مواساة بنفسه و ذات يده له، و كان ممّا منّ اللّه به على أمير المؤمنين عليه السّلام في دلائله، و اختصه بفضائله، و منحه من الكرامة، و الحباء و شرّفه بسوابق الزلفى، انّه كان في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل مبعثه، يغذوه بما يغذو به نفسه.
كفالة ابي طالب للنبي عليه السّلام
و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجر أبي طالب يغذّيه و يحوطه، و ذلك أن أبا الحرث عبد المطلب بن هاشم كان يكفل الأرامل و الأيتام و يغيث الملهوف و يجير المظلوم و ينظر المعسر و يحمل الكلّ و يقري الضيف، و يمنع من الضيم، و كان برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حفيّا في السر و الاعلان يتفقّده في مطعمه و أغذيته، و يعدله قريشا، يخضع له الأشراف، و يذلّ له عظماء الملوك و يدين بدينه جميع أهل الملل و الأديان، و ترعد لهيبته فرائص الجبارين و يظهر على من خالفه و ناوأه حتى يقرنهم في الأصفاد و يبيع ذراريهم في الأسواق و يتخذ ابناءهم عبيدا، و شجعانهم جنودا، و تعينه الملائكة على نصرته فطوبى لمن آمن به من عشيرته و طوبى لامّته.
فلما مرض مرضه الذي مات فيه وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجر أبي طالب عليه السّلام
و وصّاه به، و قال له: يا بني هذا فضل من اللّه عليك و منحة و هدية مني إليك الهمنيه في أمرك و هو ابن أخيك لأبيك و أمّك دون ساير اخوانك ثم اطلعه على مكنون سر علمه و دلائله و أخبره بما بشّر به عن الأنبياء و المرسلين صلّى اللّه عليهم، و ما رواه فيه أفاضل الأحبار، و عبّاد الرهبان، و أقيال العرب و كهّان العجم.
و لم يكن لأبي طالب يومئذ ولد، و كان فردا وحيدا، امرأته فاطمة بنت أسد بن هاشم ابن عبد مناف بنت عمه و كانت ممنوعة من الولد تنذر لذلك النذور، و تتقرّب الى الأصنام و تستشفع بالأزلام الى الرحمن و تعتر العتائر، و تضخ وجوه الأصنام، بذكي المسك و خالص العنبر، تطلب الولد. و كانت كلّما لقيت كاهنا أو حبرا عالما من السدنة بشّرها انها تبتني ولدا لم تلده و تربيه و يأمرها إذا رزقته أن تضمّه و تكنفه و تحفظه و لا تبعده فتسألهم أن يسمّوه و يصفوه لها فيقولون ذاك نور منير بشير نذير مبارك في صغره منبئ في كبره، يوضح السبيل، و يختم الرسل، يبعث بالدين الفاضل و يزهق العمل الباطل، يظهر من أفعاله السداد و يتبيّن باتّباعه الرشاد، و ينهج اللّه له الهدى، و يبيّن به التقى.
فكانت فاطمة بنت أسد ترقب ذلك و تنتظره. فلما طال انتظارها، و ذهل اصطبارها، أنشأت تقول:
طال الترقّب للميعاد إذ عدمت
مني الحوائل ولدا من عناصيري
لما أتيت الى الكهّان بشّرني
عند السؤال عليم بالمخابير
فقال يوعدني و الدمع مبتدر
يا فاطم انتظري خير التباشير
نورا منيرا به الأنباء قد شهدت
و الكتب تنطق عن شرح المزامير
انى بذاك فقد طال الطلاع الى
وجه المبارك يزهو في الدياجير
فلما مات عبد المطلب كفل أبو طالب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأحسن كفالة، و حن عليه، و دأب في حياطته و تمسّك به و التحف عليه و عطف على جوانبه.
و كان أبو طالب محترما معظّما كشّافا للكروب غير هذر و لا مكثار و لا عاق بل بر وصول، جواد بما يملك، سمح بما يقدر، لا يثنيه عن مبادرة الخطاب وجل، و لا يدركه لدى الخصام ملل، فشغف برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شغفا شديدا. و ولهت بحبّه فاطمة بنت أسد
و ذهلت بمحبته و دلاله التي وعدت بها فكانت تقول: و إله السماء لقد قبل نذري و شكر سعيي و أجيبت دعوتي، لأنزلن محمّدا من قلبي منزلة صميم الاحشاء و لألهون برؤيته عن كلّ نظرائه، و من أولى بذلك ممّن أعطي مثله، و ليس هذا من أمر الخلق بل هو من عند الإله العظيم.
فكانت قد جعلته صلّى اللّه عليه و آله نصب عينها ان غاب لحظة لم يغب عنها مثاله و لم يفقد شخصه و تذهل حتى تحضره فتشتغل بتغذيته و غسله و تنظيفه و تلبيسه و تدهينه و تعطيره و اصلاح شأنه و تعاهد ارضاعه بالنهار فإذا كان بالليل اشتغلت بفرشه و نومه و توسيده و تمهيده و تعوّذه و تنيمه
قال: و كانت في دار أبي طالب نخلة منعوتة بكثرة الحمل موصوفة بالرّقة و عذوبة الطعم شهية المضغ يعقب طعمها رايحة طيبة عطرية كرائحة الزعفران المذاب بالعسل، كثيرة اللحا قليلة السحا، دقيقة النوى فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأتي إليها كلّ غداة مع أتراب له منهم أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ابن عمه و أبو سلمة بن عبد الأسد و مشروح بن نويبة فيلتقطون ما يتساقط تحتها من ثمرها بهبوب الرياح و وقوع الطير و نقره.
و كانت فاطمة بنت أسد لا ترى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسابق اترابه على البسر و البلح و الرطب في أوانه، و كان الغلمة يبادرون لذلك و هو- عليه السّلام- يمشي بينهم و عليه السكينة و الوقار بتواضع و ابتسام و يتعجب من حرصهم و عجلتهم، فكان ان وجد شيئا ساقطا بعدهم أخذه و إلّا انصرف بوجه منبسط طلق و بشر حسن.
فكانت فاطمة تعجب من شدّة حيائه و طيب شأنه و رقّة قلبه و سرعة دمعته و كثرة رخمته، فربما جمعت له من تمر النخلة قبل مجيئهم فاذا أقبل صلّى اللّه عليه و آله قدّمته إليه، فيحبّ أن يأكله معهم.
قالت فاطمة: و دخل على أترابه يوما و أنا مضطجعة و لم أره معهم فقلت: اين محمد؟.
قالوا: مع عمّه أبي طالب وراءنا.
فسكنت نفسي قليلا، و لقط الغلمان ما كان تحت النخلة. و جاء بعدهم محمّد فلم ير تحتها شيئا، فصار إليها و وقف تحتها، و كانت باسقة، فأومأ بيده إليها، فانثنت بعراجينها حتى كادت تلحق بثمارها الأرض، فلقط منها ما أراد ثم رفع يده و أومأ إليها، فرجعت، و حسبني راقدة.
قالت: و كنت مضطجعة، فلما رأيت ذلك استطير في روعي، و لم أملك نفسي فأتيت أبا طالب فخلوت به، فقلت له: كان من أمر محمّد صلّى اللّه عليه و آله كيت و كيت.
فقال: مهلا يا فاطمة لا تذكري من هذا شيئا فانّه حلم و أضغاث.
فقلت: كلا و اللّه، بل هو حقّ يقين في يقظة لا في نوم، و رأي العين لا رؤيا، و اني لأرجو اللّه أن يحقّق ظنّي فيه و ان يكون الذي بشّرت بتربيته و وعدت الفوز عند كفالته.
فكانت فاطمة لا تفارق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ليل و لا نهار، و لا تغفل عنه و عن خدمته و تفقّد مطعمه فكان صلّى اللّه عليه و آله يسمّيها أمي، و هجرت الأصنام، و قطّعت القربان إليها من الذبائح في الأعياد تسأل الولد. و تسلّت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و التبني له و خدمته عن كلّ شيء. فلما قطعت عادتها، وجد عليها السدنة من ذلك و منعوها من الدخول على الصنم الأعظم، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحضر قريشا في مشاهدهم كلّها غير السجود للأصنام، و الذبائح للأنصاب، و في حال شرب الخمر و وصف الشعر، و قول الزور، فانّه كان يجتنبهم مذ كان طفلا حتى استكمل فدخل يوما على سادن من سدنة الأصنام، فقال له: لم تعتب على أمي فاطمة و تمنعها من زيارة هذه الأحجار المؤثرة فينا الاعتبار؟.
فقال له السادن: لأنها أتت بأمور متشابهة، و قطعت بر الآلهة، و هي لمن عبدها نافعة، و لمن جاء إليها شافعة، و ستعلم ابنة أسد انها لا ترزقها ولدا.
فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أ أصنام ترزقكم الولدان، و تأتيكم بالغيث عند المحل في السنوات الشداد؟.