کتابخانه روایات شیعه
فأطعمني أنواعا كثيرة من الرطب ثم مسح بيده على النخلة و قال: عودي جذعا نخرا باذن اللّه. فعادت كسيرتها الاولى.
و في إحدى عشرة سنة من إمامته، مات الوليد بن يزيد بن عبد الملك، و بويع لابنه يزيد بن الوليد فملك ستة أشهر، و بويع لأخيه إبراهيم فمكث أربعة أشهر ثم بويع لمروان ابن محمد الجعدي المعروف بالحمار في سنة سبع و عشرين و مائة في اثنتي عشر سنة من إمامة أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال أبو عبد اللّه: مروان خاتم بني أميّة و ان خرج محمد بن عبد اللّه قتل.
و روى عنه عليه السّلام من قدمنا ذكره من رجاله.
قالوا: كنّا عنده إذ أقبل رجل فسلّم و قبّل رأسه و جلس فمسّ أبو عبد اللّه عليه السّلام ثيابه ثم قال: ما رأيت اليوم أشدّ بياضا و لا أحسن من هذه.
فقال الرجل: يا سيدي هذه ثياب بلادنا و قد جئتك منها بجرابين.
فقال: يا معتب اقبضها منه.
ثم خرج الرجل فقال عليه السّلام: ان صدق الوصف و قرب الوقت فهذا الرجل صاحب الرايات السود الذي يأتي بها من خراسان.
ثم قال: يا متعب الحقه فاسأله عن اسمه و هل هو عبد الرحمن؟ قال لنا ان كان اسمه فهو هو.
فرجع متعب فقال: اسمه عبد الرحمن ثم عاد الى أبي عبد اللّه عليه السّلام سرّا فعرفه انّه قد دعا إليه خلقا كثيرا فأجابوه فقال له أبو عبد اللّه: ان ما تومي إليه غير كائن لنا حتى يتلاعب به الصبيان من ولد العباس.
فمضى الى محمّد بن عبد اللّه بن الحسن فدعاه فجمع عبد اللّه أهل بيته و هم بالأمر و دعا ابا عبد اللّه عليه السّلام للمشاورة فحضر فجلس بين المنصور و بين السفاح؛ عبد اللّه ابني محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس و وقعت المشاورة. فضرب ابو عبد اللّه يده على منكب أبي العباس عبد اللّه السفاح فقال: لا و اللّه اما ان يملكها هذا أولا.
ثم ضرب بيده الاخرى على منكب أبي جعفر عبد اللّه المنصور و قال: و تتلاعب بها
الصبيان من ولد هذا.
و وثب فخرج من المجلس.
و كان من أمر مروان بن محمد الجعدي ما رواه الناس و قتل بمصر في ذي الحجّة سنة اثنتين و ثلاثين و مائة.
و في سبعة عشر سنة من إمامة أبي عبد اللّه عليه السّلام انتقلت الدولة الى ولد العباس، و بويع أبو العباس عبد اللّه محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب ليلة الجمعة لثلاثة عشر ليلة من ربيع الأول سنة اثنتين و ثلاثين و مائة بالكوفة في بني (أود) في دار (الوليد بن سعيد) مولى بني هاشم، و كانت دولته أربع سنين و تسعة أشهر. و توفي بالأنبار سنة ست و ثلاثين و مائة، و بويع لأخيه أبي جعفر عبد اللّه بن محمد المنصور في ذلك الوقت و كانت دولة المنصور في احدى و عشرين سنة من إمامة أبي عبد اللّه عليه السّلام فأقدمه من المدينة حتى اذا علا (النجف) نزل فتأهب للصلاة ثم صلّى و رفع يديه و قال:
يا ناصر المظلوم المبغي عليه .. يا حافظ الغلامين لأبيهما احفظني اليوم لآبائي محمّد و علي و الحسن و الحسين. اللّهم اضرب بالذلّ بين عينيه.
ثم قال: باللّه استفتح، و باللّه استنجح، و بمحمّد و آله أتوجه. اللّهم انّك تمحو ما تشاء و تثبت و عندك أمّ الكتاب.
ثم أقبل حتى انتهى الى الباب فاستقبله الربيع الحاجب فقال له: ما أشدّ غيظ هذا الجبّار عليك، يعني ما قد همّ به ان يأتي على آخركم.
ثم دخل إليه فاستأذن له فأذن فدخل فسلّم عليه.
فروي انّه عليه السّلام صافحه و قال له: روينا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال ان الرحم اذا تماست عطفت فأجلسه المنصور الى جنبه ثم قال: فانّي قد انعطفت و ليس عليك بأس.
فقال له أبو عبد اللّه: أجل ما عليّ بأس.
ثم قال المنصور: يا جعفر يبلغنا عنك ما يبلغنا.
فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام: و اللّه ما فعلت و لا أردت، و لو كنت فعلت فان سليمان أعطي فشكر، و ان أيوب ابتلي فصبر، و ان يوسف ظلم فغفر و لا يأتي من ذلك النسل إلّا ما
يشبهه.
فقال له أبو جعفر: صدقت يا أبا عبد اللّه.
و أمر له بستة آلاف درهم و قال له: تعرض حوائجك؟
فقال: حاجتي الاذن لي في الرجوع الى أهلي.
قال: هو في يديك.
فودّعه و خرج فقال له الربيع: فأمر بقبض المال لا حاجة لي فيه اصرفها حيث شئت.
فقال: اذن تغضبه.
فأمر بقبض الدراهم ثم وجّه بها الى منزل الربيع فخرج.
و روي انّه لما خرج من عنده نزل الحيرة فبينما هو فيها إذ أتاه الربيع فقال له: أجب امير المؤمنين.
فركب إليه و قد كان وجد في الصحراء صورة عجيبة الخلق لم يعرفها أحد ذكر من وجدها انّه رآها و قد سقطت مع المطر. فلما دخل إليه قال له: يا أبا عبد اللّه أخبرني عن الهواء أي شيء فيه؟
فقال له: بحر مكفوف.
فقال له: فله سكّان؟
قال: نعم.
قال: و ما سكّانه؟
قال: خلق اللّه أبدانهم أبدان الحيتان و رءوسهم رءوس الطير و لهم أجنحة كأجنحة الطير من ألوان شتى أشدّ بياضا من الفضة.
فدعا المنصور بالطشت فاذا ذلك الخلق فيه لا يزيد و لا ينقص.
فاذن له فانصرف ثم قال للربيع: هذا الشجا المعترض في حلقي من أعلم الناس في زمانه.
و روي عن عبد الأعلى بن علي بن أعين و عبيدة بن بشير قالا: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام ابتداء منه: و اللّه اني لأعلم ما في السماء و ما في الأرض و ما في الجنّة و ما في النار و ما
كان و ما يكون الى أن تقوم الساعة.
ثم سكت ثم قال: اعلمه من كتاب اللّه عز و جل؛ يقول: تبيانا لكلّ شيء.
و روي عن المفضل بن بشار قال: هذا طاير في دار أبي عبد اللّه عليه السّلام و قال لي: تدري ما يقول هذا الطائر؟
فقلت: لا.
فقال: يقول لطيرته: يا عرسي، ما خلق اللّه خلقا أحبّ إليّ منك إلّا مولاي أبو عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السّلام.
و روي انّه لمّا قرب أمره دعا أبا إبراهيم موسى ابنه و سلّم إليه الوصيّة و مواريث الأوصياء و نصّ عليه بحضرة خواص مواليه (و نحن نبيّن ذلك في باب أبي إبراهيم إن شاء اللّه).
و كان عمر أبي عبد اللّه عليه السّلام ستا و ستين سنة. و قبض في سنة ثمان و أربعين و مائة من الهجرة و كان مولده في سنة ثلاث و ثمانين من الهجرة فأقام مع جدّه علي بن الحسين ثلاث عشرة سنة و مع أبيه عشرين سنة و منفردا بالإمامة ثلاثا و ثلاثين سنة و دفن بالبقيع في قبر أبي محمد الحسن بن علي و علي بن الحسين و محمّد بن علي؛ أبيه (صلوات اللّه عليهم).
موسى الكاظم عليه السّلام
و قام أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليه السّلام مقام أبيه. و روي عن جابر انّه قال: قال لي أبو جعفر عليه السّلام: قد قدم رجل من المغرب مع رقيق و وصف لي جارية و أمرني بابتياعها بصرّة دفعها. فمضيت الى الرجل. فعرض علي ما كان عنده من الرقيق. فقلت له: بقي عندك غير ما عرضت عليّ.
قال لي: بقيت جارية عليلة.
فقلت: اعرضها عليّ.
فعرض عليّ حميدة.
فقلت: بكم تبيعها؟
فقال لي: بسبعين دينارا.
فأخرجت الصرّة إليه.
فقال لي النحاس: لا إله إلّا اللّه. رأيت- و اللّه- البارحة في النوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد ابتاع مني هذه الجارية بهذه الصرّة.
فبعتها منه، ثم تناول [الصرة] و تسلّمت الجارية. و كان في الصرّة سبعون دينارا.
و صرت بها إليه. فسألها عن اسمها. فقالت: (حميدة).
فقال: حميدة في الدّنيا، محمودة في الآخرة.
ثم سألها عن خبرها فعرّفته انّها بكر ما مسّها رجل.
فقال لها: أنّى يكون ذلك و أنت جارية كبيرة؟
فقالت: كان لي مولى اذا أراد أن يقربني أتاه رجل في صورة حسنة أراه دونه و لا يراه فيمنعه من أن يصل إليّ و يدفعه و يصدّه عني.
فقال أبو جعفر: الحمد للّه.
و دفعها الى أبي عبد اللّه عليه السّلام و قال له: يا عبد اللّه، حميدة سيّدة الاماء مهذّبة مصفاة من الأرجاس كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها لك حتى أديت إليك كرامة من اللّه جل جلاله و علا.
و روي عن أبي بصير قال: حججنا مع أبي عبد اللّه عليه السّلام في السنة التي ولد فيها أبو إبراهيم عليه السّلام فلما نزلنا في المنزل المعروف ب (الابواء) وضع لنا الطعام، فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة و قال: تقول لك مولاتي: قد أنكرت نفسي و قد أمرتني ان لا أسبقك بحادثة في هذا المولود.
فقام أبو عبد اللّه عليه السّلام فاحتسب هنيئة و عاد إلينا.
فقمنا إليه و قلنا: سرّك اللّه و جعلنا فداك، ما صنعت حميدة؟
فقال لنا: سلّمها اللّه و وهب لي منها غلاما هو خير من برأه اللّه في زمانه، و لقد أخبرتني حميدة بشيء ظنّت انّي لا أعرفه و كنت أعلم به منها.
قلنا له: و ما أخبرتك به؟
قال: ذكرت انّه لما سقط رأته واضعا يديه على الأرض و رأسه الى السماء. فأخبرتها ان تلك امارة رسول اللّه و أمير المؤمنين عليهما السّلام و امارة الوصي اذا خرج الى الأرض أن يضع يديه الى الأرض و رأسه الى السماء و يقول من حيث لا يسمعه آدمي: أشهد اللّه انّه لا إله إلّا هو و الملائكة و أولو العلم قائما بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم. فاذا قال ذلك أعطاه اللّه عز و جل العلم الأول و العلم الآخر و استحق زيارة الروح في ليلة القدر و هو خلق أعظم من جبرئيل عليه السّلام.
و كانت ولادته عليه السّلام سنة ثمان و عشرين و مائة، و روي في سنة تسع و عشرين و مائة من الهجرة. و كان مولده و منشؤه مثل مواليد آبائه عليهم السّلام.
و روي عن يعقوب السرّاج قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو واقف على رأس أبي الحسن موسى عليه السّلام و هو في المهد فجعل يسارّه طويلا فلما فرغ قال لي: ادن فسلّم على مولاك.
فدنوت فسلّمت عليه. فرد عليّ السلام ثم قال لي: امض فغيّر اسم ابنتك التي ولدت أمس فانّه اسم يبغضه اللّه.
و قد كنت سمّيتها (الحميراء) فقال أبو عبد اللّه: انته الى أمره ترشد.
فمضيت فغيّرت اسمها.
و روى رفاعة بن موسى قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو جالس فأقبل أبو الحسن موسى عليه السّلام و هو صغير السن فأخذه و وضعه في حجره و قبّل رأسه ثم قال لي يا رفاعة اما انّه سيصير في يدي بني (مرداس) و يتخلّص منهم ثم يأخذونه ثانية فيعطب في أيديهم فطوبى له و الويل لهم.
و روي ان أبا حنيفة صار الى باب أبي عبد اللّه عليه السّلام ليسأله عن مسألة فلم يأذن له فجلس لينتظر الاذن فخرج أبو الحسن موسى عليه السّلام و له خمس سنين فقال له: يا فتى اين يضع المسافر خلاه في بلدكم هذا؟
فاستند الى الحائط و قال له: يا شيخ تتوقى شطوط الأنهار و مساقط الثمار
و منازل النزّال و محجّة الطرق و أقبلة المساجد و أفنيتها و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها و يتوارى حيث لا يرى و يضعه حيث يشاء.
فانصرف أبو حنيفة و لم يلق أبا عبد اللّه عليه السّلام.
و روي عن نصر بن قابوس قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فسألته عن الامام من بعده فقال: أبو الحسن موسى بن جعفر ابني الامام بعدي.
و روي ان أبا عبد اللّه عليه السّلام كان محبّا لإسماعيل ابنه و كان يثني عليه خيرا فتشاجر قوم من مواليه و موالي أبي الحسن موسى عليه السّلام في ذلك و ادّعوا لإسماعيل الأمر في حياة أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لهم أصحاب أبي الحسن: باهلونا فيه. فخرجوا معهم الى الصحراء ليباهلوهم فأظلّت الجمع غمامة فأمطرت على أصحاب أبي الحسن عليه السّلام دون أولئك.
فاستبشروا و رجعوا الى أبي عبد اللّه فأخبروه بذلك فسمّاهم الممطورة.
و روي عن أبي عبد الرحمن بن أبي نجران عن عيسى بن عبد الملك قال: قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلني اللّه فداك ان كان كون و لا أراني اللّه ذلك فيمن آتم؟
فقال: بموسى ابني الامام بعدي.
قلت: فان مضى موسى فمن آتم؟
فقال لي: بولده و ان كان صغيرا، ثم هكذا أبدا.
قلت: فإن لم أعرفه و لا أعرف موضعه فما أصنع؟
قال: تقول: اللّهم اني أتولّى من حجّتك من ولد الامام الماضي.
و روي عنه عليه السّلام انّه قال: لا يكون الامامة في أخوين بعد الحسن و الحسين و لا تخرج من الأعقاب.
و روي عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه عن فضالة بن أيوب عن أبي جعفر الضرير عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و عنده ابنه اسماعيل فسألته عن قبالة الأرض.
فأجابني فيها. فقال له اسماعيل: يا أبه انّك لم تفهم ما قال لك.
فشقّ ذلك عليّ لأنّا كنّا يومئذ نتوهم انّه بعد أبيه.