کتابخانه روایات شیعه
و روي ان الاسم الأعظم على ثلاثة و سبعين حرفا، أعطى اللّه آصف بن برخيا منه حرفا واحدا فكان من أمره في عرش بلقيس ما كان، و أعطى عيسى منه حرفين فعمل بهما ما قص اللّه به، و أعطى موسى أربعة أحرف، و أعطى إبراهيم ثمانية أحرف، و أعطى نوح خمسة عشر حرفا، و أعطى محمّدا صلّى اللّه عليه و آله اثنين و سبعين حرفا و استأثر اللّه جل و تعالى بحرف واحد، فعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما علمه الأنبياء و ما لم يعلموه.
الوصية
فلما قرب أمره صلّى اللّه عليه و آله أنزل اللّه جل و علا إليه من السماء كتابا مسجّلا نزل به جبرئيل عليه السّلام مع امناء الملائكة فقال جبرئيل: يا رسول اللّه مر من عندك بالخروج من مجلسك إلّا وصيّك ليقبض منّا كتاب الوصيّة و يشهدنا عليه.
فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من كان عنده في البيت بالخروج ما خلا أمير المؤمنين عليه السّلام و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام فقال جبرئيل: يا رسول اللّه ان اللّه يقرأ عليك السلام و يقول لك: هذا كتاب بما كنت عهدت و شرطت عليك و اشهدت عليك ملائكتي و كفى بي شهيدا.
فارتعدت مفاصل سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله فقال: هو السلام و منه السلام و إليه يعود السلام، صدق اللّه، هات الكتاب.
فدفعه إليه، فدفعه من يده الى علي و أمره بقراءته و قال: هذا عهد ربي إليّ و امانته، و قد بلغت و أديت.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: و أنا اشهد لك بأبي أنت و أمي بالتبليغ و النصيحة و الصدق على ما قلت، و يشهد لك به سمعي و بصري و لحمي و دمي.
فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: أخذت وصيتي و قبلتها مني و ضمنت للّه تبارك و تعالى ولي الوفاء بها؟.
قال: نعم عليّ ضمانها و على اللّه عز و جل عوني.
و كان فيما شرطه فيها على أمير المؤمنين عليه السّلام: الموالاة لأولياء اللّه و المعاداة لأعداء
اللّه و البراءة منهم، و الصبر على الظلم، و كظم الغيظ، و أخذ حقّك منك و ذهاب خمسك و انتهاك حرمتك، و على أن تخضب لحيتك من رأسك بدم عبيط.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: قبلت و رضيت و ان انتهكت الحرمة و عطلت السنن و مزّق الكتاب و هدمت الكعبة و خضبت لحيتي من رأسي صابرا محتسبا.
فأشهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جبرئيل و ميكائيل و الملائكة المقرّبين على أمير المؤمنين عليه السّلام.
ثم دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام فأعلمهم من الأمر مثل ما أعلمه أمير المؤمنين و شرح لهم ما شرحه له.
فقالوا مثل قوله و ختمت الوصيّة بخواتيم من ذهب لم تصبه النار و دفعت الى أمير المؤمنين عليه السّلام.
و في الوصية سنن اللّه جلّ و علا و سنن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و خلاف من يخالف و يغيّر و يبدّل و شيء شيء من جميع الأمور و الحوادث بعده صلّى اللّه عليه و آله و هو قول اللّه عز و جل «إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ»
وفاة الرسول [ص]
ثم اعتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجيّش أكثر أصحابه مع اسامة بن زيد للغزاة فلم يتّبعوه و تثاقلوا و قعدوا عنه و خالفوا أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للخروج مع أميرهم.
فلما كان الوقت الذي قبض فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دعا أمير المؤمنين عليه السّلام فوضع ازاره سترا على وجهه و لم يزل يناجيه بكلّ ما كان و ما هو كائن الى يوم القيامة ثم مضى صلّى اللّه عليه و آله و قد سلّم إليه جميع مواريث الأنبياء و النور و الحكمة.
و روي انّه كان ممّا قال له في تلك الحال: إذا أنا متّ فغسّلني و كفّني و حنطني ثم اجلسني فاسأل عمّا بدا لك و اكتب.
و روي: ان جبرئيل قال له: هذا الوقت يا محمّد، هذا آخر نزولي الى الدنيا.
فسمعوا صوتا منه عليه السّلام يقول: عليكم السلام أهل البيت و الرسالة. ان في اللّه خلفا من
كلّ هالك و عزاء من كلّ مصيبة و دركا من كلّ فائت، ليس المصاب من أعقبه الثواب.
ثم سكنت حركة سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله و ستر بثوب.
و تولّى أمير المؤمنين عليه السّلام غسله و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه في البقعة التي قبض فيها صلّى اللّه عليه و آله.
و روي ان سنه كانت ثلاثا و ستين سنة، و كانت ولادة آمنة بنت وهب بن عبد مناف أمّ السيّد صلّى اللّه عليه و آله في شهر ربيع الأول من عام الفيل، و كان ملك ذلك الزمان كسرى انوشيروان صاحب المدائن، و هو الذي يروى ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال فيه: ولدت في زمن الملك الصالح، لو لحقني لآمن بي. و ظهرت نبوّته بعد أربعين سنة.
و روي انّه أقام بمكّة قبل الهجرة ثلاث عشر سنة و هاجر صلّى اللّه عليه و آله فمكث بالمدينة مهاجرا عشر سنين و شهورا.
و روي انّه قبض في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة فكانت ثلاثا و ستين سنة صلّى اللّه عليه و على آله الطاهرين.
خطبة أمير المؤمنين عليه السّلام
و خطب أمير المؤمنين عليه السّلام خطبة في انتقال سيّدنا رسول اللّه من آدم الى ان ولد صلّى اللّه عليه و آله:
الحمد للّه الذي توحّد بصنع الأشياء و فطر أجناس البرايا على غير مثال سبقه في انشائها، و لا أعانه معين على ابتداعها بل ابتدعها بلطف قدرته، فامتثلت لمشيته خاضعة مستحدثة لأمره الواحد الأحد الدائم بغير حد و لا أمد و لا زوال و لا نفاد و كذلك لم يزل و لا يزال لا تغيّره الأزمنة، و لا تحيط به الأمكنة، و لا تبلغ مقامه الألسنة و لا تأخذه سنة و لا نوم، لم تره العيون فتخبر عنه برؤيته، و لم تهجم عليه العقول فيتوهم كنه صفته، و لم تدر كيف هو إلّا بما أخبر عن نفسه، ليس لقضائه مرد و لا لقوله مكذّب ابتدع الأشياء بغير تفكير و خلقها بلا ظهير و لا وزير فطرها بقدرته، و صيّرها بمشيته، و صاغ أشباحها، و برأ أرواحها، و استنبط أجناسها، خلقا مبروءا مذروءا، في أقطار السموات و الأرضين، لم يأت بشيء على غير ما أراد أن يأتي عليه ليري عباده آيات جلاله و آلائه، فسبحانه لا إله إلّا هو الواحد القهّار، و صلّى اللّه على محمّد و آله و سلّم تسليما.
اللّهم فمن جهل فضل محمّد صلّى اللّه عليه و آله فاني مقر بأنّك ما سطحت أرضا و لا برأت خلقا حتى أحكمت خلقه و أتقنته من نور سبقت به السلالة، و أنشأت آدم له جرما فأودعته منه قرارا مكينا و مستودعا مأمونا و أعذته من الشيطان و حجبته عن الزيادة و النقصان و جعلت له الشرف الذي به يسامى عبادك، فأي بشر كان مثل آدم فيما سبقت الأخبار.
و عرفتنا كتبك في عطاياك، أسجدت له ملائكتك و عرّفته ما حجبت عنهم من علمك إذ
تناهت به قدرتك و تمّت فيه مشيتك دعاك بما أكننت فيه فأجبته إجابة القبول، فلما أذنت اللّهم في انتقال محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من صلب آدم ألفت بينه و بين زوج خلقتها له سكنا و وصلت لهما به سببا.
فنقلته من بينهما الى (شيث) اختيارا له بعلمك، فأي بشر كان اختصاصه برسالتك، ثم نقلته الى (انوش) فكان خلف أبيه في قبول كرامتك، و احتمال رسالتك، ثم قدّرت نقل النور الى (قينان) و ألحقته في الحظوة بالسابقين، و في المنحة بالباقين، ثم جعلت (مهلائيل) رابع اجرامه قدرة تودعها من خلقك في من تضرب لهم بسهم النبوّة، و شرف الابوّة حتى تناهى تدبيرك الى (اخنوخ) فكان أوّل من جعلت من الأجرام ناقلا الرسالة و حاملا لأعباء النبوّة، فتعاليت يا ربّ، لقد لطف علمك و جلّت قدرتك عن التفسير إلّا بما دعوت إليه من الإقرار بربوبيتك، و اشهد ان الأعين لا تدركك، و الأوهام لا تلحقك، و العقول لا تصفك، و المكان لا يسعك و كيف يسع المكان من خلقه و كان قبله أم كيف تدركه الأوهام و لا نهاية له و لا غاية و كيف يكون له نهاية و غاية، و هو الذي ابتدأ الغايات و النهايات أم كيف تدركه العقول و لم يجعل لها سبيلا الى إدراكه، و كيف يكون لها سبيل الى إدراكه و قد لطف بربوبيته عن المحاسة و المجاسة، و كيف لا يلطف عنهما من لا ينتقل عن حال الى حال، و قد جعل الانتقال نقصا و زوالا، فسبحانك ملأت كلّ شيء و باينت كلّ شيء فأنت الذي لا يفقدك شيء و أنت الفعّال لما تشاء، تبارك يا من كلّ مدرك من خلقه، و كلّ محدود من صنعه أنت الذي لا يستغني عنك المكان و الزمان و لا نعرفك إلّا بانفرادك بالوحدانية و القدرة، و سبحانك ما أبين اصطفاءك (لإدريس) على سائر خلقك من العالمين لقد جعلت له دليلا من كتابك إذ سمّيته صدّيقا نبيّا، و رفعته مكانا عليّا، و أنعمت عليه نعمة حرمتها على خلقك، إلّا من نقلت إليه نور الهاشميين و جعلته أوّل منذر من أنبيائك ثم أذنت في انتقال نور محمّد صلّى اللّه عليه و آله من القابلين له (متوشلخ) و (لمك) المفيضين به الى نوح فأي آلائك يا ربّ لم توله، و أي خواص كرامتك لم تعطه، ثم أذنت في ايداعه (سام) دون (حام) و (يافث) فضربت لهما بسهم في الذلّة، و جعلت ما أخرجت بينهما لنسل سام خولا، ثم تتابع عليه القابلون من حامل الى حامل و مودّع الى مستودع
من عترته في فترات الدهور حتى قبله (تارخ) أطهر الأجسام و أشرف الأجرام و نقلته منه الى «إبراهيم» فأسعدت بذلك جدّه، و أعظمت به مجده و قدّسته في الأصفياء و سمّيته دون رسلك خليلا، ثم خصصت به اسماعيل دون ولد إبراهيم فأنطقت لسانه بالعربية التي فضّلتها على ساير اللغات فلم تزل تنقله من أب الى أب حتى قبله (كنانة) عن «مدركه» فأخذت له مجامع الكرامة، و مواطن السلامة، و أحللت له البلدة التي قضيت فيها مخرجه فسبحانك لا إله إلّا أنت أي صلب أسكنته فيه و لم ترفع ذكره، و أي نبيّ بشّر به فلم يتقدّم في الأسماء اسمه، و أي ساحة من الأرض سلكت به لم يظهر بها قدسه، حتى الكعبة التي جعلت منها مخرجه، غرست أساسها بياقوتة من جنّات عدن، و أمرت الملكين المطهرين جبرئيل و ميكائيل فتوسطا بها أرضك و سمّيتها بيتك، و اتخذتها معبدا لنبيّك و حرّمت وحشها و شجرها، و قدّست حجرها، و مدرها و جعلتها مسلكا لوحيك و منسكا لخلقك و مأمنا للمأكولات و حجابا للآكلات العاديات، تحرم على أنفسها أذعار من أجرت ثم أذنت للنضر في قبوله و ايداعه (مالكا) ثم من بعد مالك «فهرا» ثم اختصصت من ولد فهر «غالبا» و جعلت كلّ من تنقله إليه أمينا لحرمك، حتى اذا قبله لؤي بن غالب آن له حركة تقديس فلم تودعه من بعده صلبا إلّا جللته نورا تأنس به الأبصار و تطمئن إليه القلوب، فانا يا الهي و سيدي و مولاي المقرّ لك بأنّك الفرد الذي لا ينازع و لا يغالب و لا يجادل، سبحانك سبحانك لا إله إلّا أنت ما لعقل مولود، و فهم معقود، مدحو من ظهر، مزيج بمحيض لحم و علق درء الى فضالة الحيض، و علالات الطعم، شاركته الأسقام و التحفت عليه الآلام، لا يمتنع من قيل و لا يقدر على فعل، ضعيف التركيب و البنية، ما له و الاقتحام على قدرتك. و الهجوم على إرادتك، و تفتش ما لا يعلمه غيرك سبحانك أيّ عين تصب نورك، و ترقى الى ضياء قدرتك، و أي فهم يفهم ما دون ذلك الا بصائر كشفت عنها الأغطية، و هتكت عنها الحجب العمية و فرّقت أرواحها الى أطراف أجنحة الأرواح فتأملوا أنوار بهائك و نظروا من مرتقى التربة الى مستوى كبريائك فسمّاهم أهل الملكوت زوارا دعاهم أهل الجبروت أغمارا فسبحانك يا من ليس في البحار قطرات، و لا في متون الأرض جنّات و لا في رتاج الرياح حركات و لا في قلوب العباد خطرات، و لا في