کتابخانه روایات شیعه
يكن عنده جواب فذهبت الى باب أبي الحسن عليه السّلام فلم يأذن لي فجئت الى قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجلست أدعو و أبكي و جعلت أقول في نفسي: الى من أمضي؛ الى المرجئة؟
الى القدرية؟ الى الزيدية؟ الى الحرورية. فانا في هذا إذ جاءني (مصاف) الخادم فأخذ بيدي فأدخلني إليه.
فلما نظر إليّ قال يا هشام: لا إلى المرجئة و لا الى القدرية و لا الى الزيدية و لا إلى الحرورية و لكن إلينا.
فقلت به و سلّمت لأمره.
و روي عن علي بن أبي حمزة الثمالي عن أبي بصير قال: سمعت العبد الصالح يعني موسى بن جعفر عليه السّلام يقول: لما وقع أبو عبد اللّه عليه السّلام في مرضه الذي مضى فيه قال لي: يا بني لا يلي غسلي غيرك فاني غسلت أبي، و الأئمة يغسل بعضهم بعضا.
و قال لي: يا بني ان عبد اللّه سيدّعي الامامة فدعه فانّه أول من يلحقني من أهلي.
فلما مضى أبو عبد اللّه عليه السّلام أرخى أبو الحسن ستره و دعا عبد اللّه الى نفسه فقال له أبو بصير: ما بالك ما ذبحت العام و قد نحر عبد اللّه جزورا؟
قال: يا أبا محمّد ان عبد اللّه لا يعيش أكثر من سنة فأين يذهب أصحابه؟
قلت: سنة قد مرّت به.
قال: يموت فيها ليس يعيش أكثر منها. فلم يعيش أكثر من تلك السنة.
و عنه عليه السّلام قال دخلت على أبي الحسن عليه السّلام فقلت: جعلت فداك بم يعرف الامام؟
فقال: بخصال؛ أوّلها النص من أبيه عليه، و نصبه للناس علما حتى يكون عليهم حجّة لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله نصّب أمير المؤمنين عليه السّلام علما و عرّفه الناس، و كذلك الائمة نصّب الأول الثاني. و ان تسأله فيجيب، و تسكت عنه فيبتدئ، و يخبر الناس بما يكون في غد، و يكلّم الناس بكلّ لسان كلّ أهل لغة بلغتهم.
قلت له: جعلت فداك تكلّم الناس بكلّ لسان.
قال: نعم يا أبا محمّد و أعرف منطق الطير و الساعة. أعطيك علامة ذلك قبل أن تقوم من مكانك.
فما برحت حتى دخل علينا رجل من أهل خراسان فكلّمه الرجل بالعربية فأجابه بالفارسية. قال الخراساني: ما معنى أن أكلّمك بكلامي الا ظننتك لا تحسنه؟
فقال له: سبحان اللّه إن كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك.
ثم قال لي: يا أبا محمّد ان الامام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس و لا طائر و لا بهيمة و لا شيء فيه روح. فمن لم يكن فيه هذه الخصال فليس هو بإمام.
و روي عن حماد بن عيسى الجهني قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السّلام فقلت له: جعلت فداك ادع اللّه أن يرزقني دارا و زوجة و ولدا و خادما و أن أحجّ في كلّ سنة.
فرفع يديه ثم قال: اللّهم صلّ على محمّد و ارزقه دارا و زوجة و ولدا و خادما و الحج خمسين سنة.
ثم قال حمّاد: فحججت ثمانية و أربعين حجّة، و هذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي، و هذا ابني و هذه داري و هذا خادمي.
و حجّ بعد هذا الكلام حجتين ثم خرج بعد الخمسين فزامل أبا العباس النوفلي فعرفنا انّه لما صار في موضع الاحرام دخل يغتسل فجاء مد الوادي فحمله فغرق و دفن بالسيالة.
و أقام موسى بالمدينة باقي أيام المهدي، و توفي المهدي سنة تسع و ستين و مائة في إحدى و عشرين سنة من إمامة أبي الحسن عليه السّلام و بويع لابنه موسى و لقّب بالهادي فأقام سنة و شهرين و مات في سنة سبعين و مائة في اثنين و عشرين سنة من إمامة أبي الحسن عليه السّلام.
و بويع لهارون الرشيد في شهر ربيع الأول في تلك السنة فوجّه في حمل أبي الحسن عليه السّلام فلما وافاه الرسل دعا أبا الحسن الرضا عليه السّلام و هو أكبر ولده فأوصى إليه بحضرة جماعة من خواصّه و أمره بما احتاج إليه، و نحله كنيته و تكنى بأبي إبراهيم و دفع الى أم أحمد كتبا و قال لها سرّا: من أتاك فطلب منك ما دفعته إليك و أعطاك صفته فادفعيه إليه. و دفع إليها رقعة مختومة و أمرهما بأن تسلّمها مع ما قبلها الى أبي الحسن الرضا عليه السّلام اذا طلبها و أمر أبا الحسن عليه السّلام أن يبيت في كلّ ليلة في دهليز داره أو على بابه
أبدا ما دام حيّا. يعني نفسه.
فروى محمّد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال حدّثني مسافر قال: أمر أبو إبراهيم عليه السّلام أبا الحسن عليه السّلام حين حمل الى العراق أن ينام على بابه في كلّ ليلة فكنّا في كلّ ليلة نفرش له في الدهليز ثم يأتي بعد عشاء الآخرة فينام فاذا أصبح انصرف الى منزله. و كنّا ربما حبانا الشيء مما يؤكل فيجيء حتى يستخرجه و يعلّمنا انّه قد علم به فمكث على هذه الحال أربع سنين و أبو إبراهيم مقيم معتقل في يد السلطان في حال رفاهية و اكرام.
و كان الرشيد يرجع إليه في المسائل فيجيبه عنها حتى كان من البرامكة ما كان من السعي في قتله و الاغراء به، حتى حبسه الغويّ- يعني الرشيد هارون- في يد السندي ابن شاهك، و لم يزالوا يوقعون الحيلة حتى بعث الغوي الى السندي يأمره أن يقتله بالسمّ و ان يحضره قبل ذلك العدول و القضاة حتى يروه.
و كان الناس اذا دخلوا دار السندي رأوا أبا إبراهيم عليه السّلام فيها. فروي ان الناس كثيرا ما يرونه ساجدا فيظنّونه ثوبا ملقى في صفة الدار؛ حتى ثاروا في وقت من الأوقات فسألوا عنه. فقيل لهم: هذا موسى بن جعفر، اذا صلّى الغداة جلس يعقبها حتى تطلع الشمس يقرأ و يسبّح و يدعو ثم يسجد الى أن تزول الشمس.
فأدخل السندي القضاة قبل موته بثلاثة أيام، فأخرجه إليهم و قال لهم: ان الناس يقولون: ان أبا الحسن في يدي في ضنك و ضرر، ها هو ذا صحيح لا علّة به و لا مرض و لا ضرر.
فالتفت عليه السّلام فقال لهم: اشهدوا عليّ اني مقتول بالسمّ بعد ثلاثة أيام. فانصرفوا.
و روي من جهات صحيحة: ان السّندي أطعمه السمّ في رطب و انّه أكل منها عشر رطبات فقال له السندي: تزداد؟ فقال له: حسبك قد بلغت ما تحتاج إليه فيما أمرت به.
و كان السمّ ممّا يتلف بعد ثلاثة أيام. ثم أحضر القضاة و العدول و أراهم إيّاه فقال عليه السّلام:
اشهدوا اني صحيح الظاهر لكنّي مسموم سأحمر في هذا اليوم حمرة شديدة منكرة و أصفر غدا صفرة شديدة منكرة و أبيض بعد غد و أمضي الى رحمة اللّه و رضوانه.
فمضى كما قال عليه السّلام في آخر اليوم الثالث في ثلاث و ثمانين و مائة من الهجرة و كان سنه أربعا و خمسين سنة أقام منها مع أبي عبد اللّه عليه السّلام عشرين سنة و منفردا بالإمامة أربعة و ثلاثين سنة فأخرجه السندي الى مجلس الشرطة من الجسر ببغداد و كشف وجهه و نادى عليه: من أراد أن ينظر الى موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه لا هو مسموم و لا مقتول فليحضر من أراد.
و نظروا إليه ثم حمل و اتّبعه الناس حتى دفن في موضع كان ابتاعه لنفسه في مقابر قريش بمدينة السلام.
قال مسافر مولاه: و لما كان في ليلة من الليالي و قد فرشنا لأبي الحسن الرضا عليه السّلام على عادته، ابطأ عنّا فلم يأت كما كان يأتي، فاستوحش العيال و ذعروا و تداخلهم من ابطائه وحشة، حتى أصبحنا، فاذا هو قد جاء و حضر الدار و دخلها من غير اذن، و دعا أم أحمد فقال لها: هات الذي أودعك ابي عليه السّلام و سمّاه لها.
فصرخت و لطمت و شقّت ثيابها و قالت: مات و اللّه سيدي.
فكفها و قال لها: اكتمي الأمر و لا تظهريه حتى يرد الخبر به على والي المدينة و يعرفه الناس من غيرنا في وقته.
فأخرجت إليه سفطا فيه تلك الوديعة و مالا مبلغه ستة آلاف دينار و سلّمته إليه.
و كتموا الأمر حتى ورد الخبر على والي المدينة فنظرنا فوجدناه قد توفي في تلك الليلة التي لم يحضر فيها أبو الحسن الرضا عليه السّلام بعينها. صلّى اللّه عليه و على آبائه و أبنائه و ذرّيتهم الطاهرين و سلّم كثيرا.
علي الرضا عليه السّلام
و قام أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام بأمر اللّه عز و جل مع أبيه. و روي عن هشام بن حمران قال: قال لي أبو إبراهيم عليه السّلام: قد قدم رجل نخاس من مصر فامض بنا إليه فمضينا. فاستعرض عدّة جوار من رقيق عنده يعجبه منهم شيء. فقال لي: سله عمّا بقي عنده. فسألته فقال: لم يبق إلّا جارية عليلة و تركناه و انصرفنا.
فقال لي: عد إليه فابتع تلك الجارية منه بما يقول فانّه يقول لك ثمانين دينارا فلا تماكسه. فأتيت النخاس فكان كما قال. و باعني الجارية ثم قال لي النخاس: باللّه اشتريتها لنفسك؟ قلت: لا. قال: فلمن؟ قلت: لرجل هاشمي.
قال لي: فاني أخبرك اني اشتريت هذه الجارية من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت لي: من هذه الجارية معك؟ قلت جارية اشتريتها لنفسي؟ فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه إلّا عند خير أهل الأرض.
و لم تلبث عنده إلّا قليلا حتى حملت بأبي الحسن عليه السّلام و كان اسمها تكتم.
فروي عن أبي إبراهيم انّه لما ابتاعها جمع قوما من أصحابه ثم قال: و اللّه ما اشتريت هذه الأمة إلّا بأمر اللّه و وحيه.
فسئل عن ذلك؟
قال: بينا أنا نائم إذ أتاني جدّي و أبي عليهما السّلام و معهما شقة حرير فنشراها فاذا قميص و فيه صورة هذه الجارية. فقالا: يا موسى ليكونن لك من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك. ثم أمراني اذا ولدته ان اسمّيه عليّا و قالا لي: ان اللّه جل و تعالى يظهر به العدل و الرأفة. طوبى لمن صدّقه، و ويل لمن عاداه و جحده و عانده.
فولد (صلّى اللّه عليه) في سنة ثلاث و خمسين و مائة من الهجرة بعد مضي أبي عبد اللّه عليه السّلم بخمس سنين، و كانت ولادته على صفة ولادة آبائه صلّى اللّه عليهم. و نشأ منشأهم.
و حدّثني العباس بن محمد بن الحسن قال: حدّثني محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن نعيم القابوسي عن عمّه عن علي عن نصر بن قابوس قال: كنت عند أبي إبراهيم و علي ابنه صبي يدرج في الدار، فقلت أرى عليا ذاهبا و جائيا دون ساير الناس؟
فقال: هو أكبر ولدي و أحبهم إليّ و هو ينظر معي في كتاب الجفر و لا ينظر فيه إلّا نبي أو وصي نبي.
و روي عن محمد بن الحسين بن نعيم الصحاف و هشام بن الحكم قالا: كنّا عند أبي إبراهيم عليه السّلام فجاء الى ابنه فأخذه فأجلسه ثم قال لنا: هذا علي ابني سيّد ولدي و قد
نحلته كنيتي.
فقام هشام بن الحكم فضرب على جبهته و قال: انا للّه و انّا إليه راجعون نعى- و اللّه- إلينا نفسه.
و روي عن أحمد بن محمد بن أبي نضر عن سعيد بن أبي الجهم عن نصر بن قابوس قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: من الامام بعدك؟
فقال لي: موسى ابني.
فسألت موسى و قلت: من الامام بعدك، فقد سألت أباك فأخبرني انّك أنت هو، فذهب الناس بك يمينا و شمالا، و قلت بك. فأخبرني من الامام بعدك؟
قال: علي ابني.
و روي أيضا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الملك بن أبي الضحاك عن داود بن رزين قال: حملت الى ابي إبراهيم مالا فأخذ مني بعضه ورد عليّ الباقي فقلت له: جعلت فداك لم رددت علي هذا؟
فقال: امسكه حتى يطلبه منك صاحبه بعدي.
فلما مضى موسى عليه السّلام بعث الى الرضا عليه السّلام ان هات المال الذي قبلك.
فوجهت به إليه.
و روي عنه عن سعيد بن يزيد الزيات عن زياد القندي قال: كنت عند موسى عليه السّلام بمكّة و بين يديه علي ابنه، فقال لي: هذا علي ابني، قوله قولي و كتابه كتابي، و خاتمه خاتمي، فما قال لكم من شيء فهو كما قال لكم.
و روي عن محمد بن الحسن الميثمي عن محمد بن اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: اشتكى موسى عليه السّلام شكاة شديدة حتى خفنا عليه فقلت له: ان كان ما اسأل اللّه أن لا يرينا ايّاه و يعيذنا منه؟
قال من قال لي علي ابني فانّه وصيي و خليفتي من بعدي.
و روي عن محمد بن عمر بن يزيد عن أخيه الحسن بن عمر قال: بعث الى موسى عليه السّلام فاستقرض مني ستمائة دينار فلما مضى عليه السّلام بعث الي الرضا عليه السّلام: ان المال
الذي كان لك على أبي عليه السّلام فهو لك علي.
و روي عن العباس بن محمد عن أبيه عن علي بن الحكيم عن حيدرة بن أيوب عن محمد بن يزيد قال: دعانا أبو الحسن موسى عليه السّلام و أشهدنا و نحن ثلاثون رجلا من بني هاشم و غيرهم: ان عليّا ابنه وصيّه و خليفته من بعده.
و روي عن محمد بن سنان عن موسى بن بكر الواسطي قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام: الرجل يقول لابنه أو بنته بأبي أنت و أمي؟
فقال: ان كانا باقيين، فان ذلك عقوق. و ان كانا قد ماتا فلا بأس.
ثم قال لي: كان جعفر يقول لي: من سعادة المرء أن لا يموت حتى يرى خلفه من بعده يأمر و ينهى.
ثم نظر الى علي ابنه فقال لي: و قد و اللّه أراني اللّه خلفي من بعدي.
و روى العباس بن محمد عن أبيه عن صفوان بن يحيى و علي بن جعفر قالا: كنّا مع عبد الرحمن بن الحجاج بالمدينة فدخلناها بعد ما حمل موسى فجاءنا إسحاق و علي ابنا أبي عبد اللّه عليه السّلام فشهد عند عبد الرحمن: ان علي بن موسى عليه السّلام وصّي أبيه و خليفته من بعده.
و روى عبد اللّه بن غنّام بن القاسم قال: قال لي منصور بن يونس «بزرج»: قال لي أبو إبراهيم عليه السّلام و قد دخلت إليه يوما: يا منصور ما علمت ما أحدثت في يومي هذا؟
قلت: لا.
قال: قد صيّرت ابني عليّا وصيي و الخلف من بعدي، فادخل إليه و هنئه بذلك.
و عنه، عن عبد اللّه بن محمد عن الحسن بن موسى الخشاب عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن الفضل الهاشمي قال: لقد رأيت من علامات الرضا عليه السّلام ما لو أدركت أمير المؤمنين ما كنت ابالي أن لا أرى أكثر مما رأيت.