کتابخانه روایات شیعه
كالزلاقة و حماه فكانت الحرب لها أوّل النهار الى قبل زوال الشمس ثم صارت له الى آخر النهار فظفر بها و أشار عليه بعض من معه بقتلها، فقال لهم: قد عرفني موسى أمرها و خروجها و أمرني أن أحفظه فيها و أحسن صونها فوكّل بها نساء متلثمات أركبهن الخيل في زي الرجال و وجّه بهن. فلما صارت هناك جمعت النساء و الرجال و قالت: ان (يوشع ابن نون) أسرني و بعث بي مع رجال ليس فيهم محرم الى هذا المكان.
فكشف النساء اللثام حتى نظر بنو اسرائيل إليهن و كذبنها.
فلما حضرت يوشع الوفاة أوحى اللّه إليه ان يستودع ما في يده ابنه (فينحاس) فأحضره و سلّم إليه علوم النبيين و مواريثهم و مضى صلّى اللّه عليه.
فقام فينحاس ابنه (صلّى اللّه عليه) بأمر اللّه جل و علا
و اتبعه المؤمنون من بني اسرائيل على قلّة عددهم الى أن حضرت وفاته فأوحى اللّه إليه ان يستودع ما في يده ابنه بشيرا فأحضره و أوصى إليه و سلّمه ما في يده و مضى صلّى اللّه عليه.
فقام بشير بن فينحاس عليه السّلام بأمر اللّه جل و عز مقام آبائه عليهم السّلام
الى أن حضرته الوفاة فأوحى اللّه إليه ان يوصي الى ابنه (جبرئيل) فأوصى و سلّم ما في يده إليه و مضى.
فقام جبرئيل بن بشير عليه السّلام بأمر اللّه جل و عز
مع من اتبعه من المؤمنين مقام آبائه عليهم السّلام الى أن حضرته وفاته، فأوحى اللّه تعالى إليه أن يجعل الوصيّة في ابنه «ابلث» فأوصى و سلّم جميع ما في يده الى «ابلث» ابنه و مضى صلّى اللّه عليه.
و قام ابلث بن جبرئيل بن بشير عليه السّلام بأمر اللّه عز و جل على سبيل آبائه
الى أن حضرته الوفاة، و أوحى اللّه تعالى إليه الى ابنه «أحمر» فأحضره و سلّم إليه ما في يده و مضى عليه السّلام.
فقام أحمر بن ابلث مقام أبيه
و من تقدّمه من آبائه عليهم السّلام بأمر اللّه جل جلاله، حتى اذا حضرت وفاته أوحى اللّه إليه أن يستودع الاسم الأعظم و النور ابنه «محتان» فأحضره و سلّم إليه الوصيّة و مواريث الأنبياء و مضى عليه السّلام.
و قام محتان بن أحمر عليه السّلام بأمر اللّه جل و تعالى مقام أبيه
الى أن حضرت وفاته فأوحى اللّه إليه أن يستودع ما في يده و يوصي الى ابنه «عوق» ففعل و مضى عليه السّلام.
و قام عوق (صلّى اللّه عليه) بأمر اللّه عز و جل مقام آبائه
و اتبعه المؤمنون، و ملك الأرض حينئذ (بهراسب) مائة و عشرين سنة، و كان في ملكه العدل و الأمن. و في ملكه رجعت اليهود إلى الأرض المقدّسة فأقاموا فيها آمنين و كان يدبّر أمر اللّه عز و جل يومئذ (عوق) من ولد (يوشع) و المؤمنون متّبعون له و لمن تقدّمه من آبائه عليهم السّلام.
و لما حضرت الوفاة (عوق) أوحى اللّه إليه أن يستودع الاسم الأعظم و جميع مواريث الأنبياء (طالوت) فأحضره و سلّم إليه الوصية و جميع ذلك.
و قام طالوت عليه السّلام بأمر اللّه جل و علا
و أظهر أمر اللّه في أيام نبوّته و كان من ولد «بنيامين» بن يعقوب و كان راعيا فآتاه الملك و الحكمة و العلم و خالف عليه بنو إسرائيل و هو قول اللّه جل جلاله «أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
و كان الملك في ذلك الزمان هو الذي يسيّر الجيوش، و النبي يقيم أمر اللّه و ينبئه بالخير من عند اللّه.
فلما قالوا ذلك لنبيّهم، قال لهم: أ ليس عندكم ذمّة و لا وفاء و لا رغبة في الجهاد؟
قالوا: بلى قد أخرجنا من ديارنا و ابنائنا و لا بد لنا من قتال عدوّنا و طاعة ربنا.
قال لهم: فان اللّه قد بعث لكم (طالوت) ملكا.
قالت عظماء بني اسرائيل: (طالوت) من سبط (بنيامين بن يعقوب)، و الملك و النبوّة
في أولاد (يهودا) و (لاوي) ابني يعقوب، فكيف يكون له الملك علينا و نحن أحقّ بالملك منه.
قال لهم: ان اللّه قد اصطفاه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم، و الملك للّه عز و جل يضعه حيث يشاء و ليس لكم ان تتجبروا على اللّه جل و عز في أمره و ملكه و سلطانه، و ان آية ملكه أن يأتيكم التابوت من قبل اللّه تحمله الملائكة، و هو الذي كنتم تهزمون به من لقيتم من أعدائكم. قالوا: ان جاءنا بالتابوت رضينا فسلمنا، فروي ان التابوت كان على صورة البقرة و ان السكينة على صورة الإنسان، فجاء بالتابوت تحمله الملائكة فسلّموا حينئذ فقام بأمر اللّه، و جيش الجيوش لقتال الجبار (جالوت) و كان أبو داود عليه السّلام شيخا كبيرا و له أربعة أولاد فوجّه الشيخ مع (طالوت) بأولاده كلّهم سوى داود فانّه خلفه في الغنم و فصل طالوت لقتال الجبار (جالوت) فقال الشيخ أبو داود لداود اذهب بسلاح قد صنعته الى اخوتك ليقووا به على عدوّهم، و كان داود عليه السّلام قصيرا أزرق قليل الشعر فمضى الى اخوته فنزل في خيمتهم (و روي) انّه في طريقه مر بحجر فناداه الحجر يا داود خذني فاقتل بي جالوت فاني انما خلقت لقتله فأخذه فوضعه في مخلاته فلما دخل العسكر سمع الناس يعظّمون أمر جالوت و جنوده فقال لاخوته و للناس: ما تعظيمكم أمره؟ لئن عاينته لأقتلنه! فتحدّث الناس بهذا الحديث و ارتفع الخبر به الى طالوت فأمر بإحضاره ثم قال له ما بلغ من قوّتك؟ فقال له داود قد كان الأسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه فأفكّ لحييه عنها و آخذها من فيه، و كان الوحي قد نزل على طالوت عليه السّلام انّه لا يقتل جالوت إلا من لبس درعك فملأها، و كان طالوت يلبس الدرع رجلا رجلا من أصحابه فيضطرب عليه. فدعا اخوة داود فسألهم عنه ثم قال لهم كيف صدقه، قالوا ما جربنا عليه كذبا قط، قال لهم فكيف عقله، قالوا أحسن عقل و أوفره، قال فكيف منزلته عند أبيه، قالوا هو آثرنا عنده، فدعا طالوت بالدرع فألبسها داود فانتقض فيها فتفضلت عليه فقال له: يا داود أنت الذي يقتل بإذن اللّه جالوت. فلما التقى الجمعان قال داود عليه السّلام أروني جالوت فأروه إيّاه فأخذ الحجر فجعله في مقلاع معه فرماه به فصك به بين عينيه فخر على وجهه صريعا. و كان طويلا جسيما فسقط ميّتا و بادر إليه فحز
رأسه و وضعه في مخلاته، فروي ان طالوت استخلفه في مجلس القضاء و الفقه فكان يحكم بين الناس فلما حضرت طالوت الوفاة أوحى اللّه إليه أن يسلّم ما في يده من المواريث و العلوم الى (الياس) و داود عليهما السّلام و روي انّه أمر بتسليم ذلك إلى داود عليه السّلام فسلّم طالوت نور اللّه و حكمته و جميع ما في يديه الى داود عليه السّلام.
فقام داود صلّى اللّه عليه بأمر اللّه بعد طالوت
و اجتمعت بنو اسرائيل على داود، و أنزل اللّه جل ذكره عليه الزبور، و علّمه صنعة الحديد، و ليّن الحديد في يديه، و أمر الجبال و الطير أن يسبّحن معه و أعطي صوتا لم يعطه أحد من الأنبياء قبله، و أعطي النور و الحكمة و التوراة و زاده اللّه الزبور و أقام في بني اسرائيل مستخفيا و أعطي القوة في العبادة ثم انّه سأل ربّه أن يجعله رابع أربعة من ولد اسرائيل يدعى بآلهه كما كان يدعى ابراهيم و اسحاق و يعقوب حتى يقال و إلهه داود فأوحى اللّه إليه ان أولئك ابتليتهم فصبروا.
فقال: يا رب ابتلني. فأوحى اللّه عز و جل إليه اني مبتليك في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا في ساعة كذا. فلما كان في ذلك اليوم تخلى داود في محرابه و كان يدعو على الخاطئين و كان أمره ما قصّ اللّه به من حديث الطائر و المرأة و الملكين فأتاه جبرئيل فقال له: ان أردت أن يتوب اللّه عليك فاسأله بحق محمد و آل محمّد فبذلك سأل آدم ربّه و بذلك سأل ابراهيم حين ألقي في النار و بذلك سأل الأنبياء ربّهم. فقال: اللّهم بحق محمّد و آل محمّد. فأجابه و تاب عليه فكان بعد ذلك يبتدئ بالدعاء للخاطئين (و روي) انّه كان في محرابه إذ مرّت به دودة تدبّ حتى انتهت الى موضع سجوده فنظر إليها فوجد في نفسه، ثم قال: يا ربّ لم خلقت هذه؟ فأوحى اللّه إليها أن تكلّمه، فقالت له: أنا على صغري و تهاونك بي أكثر لذكر اللّه منك يا داود. هل سمعت حسي أو تبينت أثري؟ فقال لها: لا. قالت: فان اللّه ليسمع دبيبي و نفسي و حسّي و يرى شخصي فاخفض من صوتك.
و كان داود يكثر من الدعاء بأن يلهمه اللّه القضاء بين الناس بما هو عنده الحق فأوحى اللّه إليه ان الناس لا يحملون ذلك. فعاود في الدعاء فأوحى اللّه إليه اني سأفعل. فارتفع إليه رجلان استعدى أحدهما على الآخر فأمر المستعدى عليه أن يقوم الى المستعدى فيضرب
عنقه، ففعل، فعظم ذلك على بني اسرائيل، و قالوا: رجل جاء يتظلّم من رجل ظلمه.
فأمر الظالم أن يضرب عنق المظلوم. فقال: يا رب انقذني من هذه الورطة فاني بأمرك أمرت.
فأوحى اللّه إليه سألتني أن ألهمك القضاء بين عبادي بالحق، فاعلم ان هذا المستعدي الذي هو عند الناس مظلوم قتل أبا من استعدي عليه سرّا و هو عندهم ظالم له. فألهمتك القود منه فهو المدفون في حائط كذا و كذا تحت شجرة. ناده باسمه فانّه يخبرك بقصته.
ففرّج عن داود و قال ذلك لبني اسرائيل و مضى الى الموضع فنادى القتيل: يا فلان.
فقال له: لبيك يا نبيّ اللّه.
قال: من قتلك؟.
فقال: فلان الفلاني قتلني.
و كانت بنو اسرائيل بعد ذلك يقولون لداود يا نبيّ اللّه و انما كانوا يقولون له يا خليفة اللّه.
ثم أوحى اللّه الى داود أن الناس لا يحتملون إلّا الظاهر دون الباطن فاسأل المدّعي البينة و أضف المدّعى عليه الى اسمي يعني اليمين باللّه جل و عز.
قال: و صار إليه صاحب الحرث و الزرع فتحاكما إليه فحكم داود بما حكمت به الأنبياء قبله و هو ان لصاحب الحرث رقاب الغنم بما أفسدت عليه من زرعه، و كان كرما قد أينع، فألهم اللّه (سليمان) في تلك الحال لما شاء أن يظهر من أمره و يدلّ الناس عليه أن قال أي غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلّا ما يخرج من بطون الغنم في تلك السنة فجرت السنّة بعد سليمان بذلك فحكم كلّ واحد منهما بحكم اللّه. و كانت هذه إشارة في سليمان عليه السّلام.
و روي ان اللّه تبارك و تعالى أوحى إلى داود ان أردت أن أعطف عليك بقلوب عبادي فاحتجز الايمان بيني و بينك و تخلق للناس بأخلاقهم (و روي) ان اللّه عز و جل أوحى الى داود ان لي و للجن و الانس يوم القيامة نبأ عظيما، أخلقهم و يعبدون غيري، و أرزقهم و يعبدون سواي.
و روي انّه أوحى اللّه إليه يا داود كما لا تضيق الشمس على من جلس فيها كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها و كما لا يضر الطير من يتطير منها كذلك لا ينجو من الفتنة المتطيرون و كما ان أقرب الناس من اللّه يوم القيامة المتواضعون كذلك أبعد الناس من اللّه المتكبرون.
و روي انّه أوحى اللّه إليه يا داود مالي أراك منتبذا؟.
قال: أعيتني الخليقة فيك.
قال: فما ذا تحبّ؟.
قال: محبتك.
قال: من محبتي التجاوز عن عبادي فإذا رأيت لي مريدا فكن له خادما.
و ولد (سليمان) فلما ترعرع أوحى اللّه إلى داود انّه القيم بالأمر بعدك.
فصعد داود المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال: ان اللّه جل جلاله أمرني أن استخلف سليمان عليكم بعدي.
فضجّت رؤساء أسباط بني اسرائيل و قالوا: غلام حدث يستخلف علينا و فينا من هو أعلم منه و نحن كبراء بني اسرائيل.
فبلغ ذلك داود فجمعهم و قال لهم: احضروا لي عصيّكم فأية عصا أورقت و أثمرت فصاحبها ولي الأمر بعدي.
فسروا بذلك و قالوا: قد رضينا.
و أحضروا العصي و كتب عليها أسماء أصحابها و أدخلها بيتا، و غلق الباب، و أجلس رؤساء الأسباط على الباب يحرسون عصيّهم فلما أصبح صلّى بهم الغداة، ثم فتح الباب فأخرج عصيّهم و قد أورقت عصا سليمان و أثمرت.
و روي انّه حمل سليمان فطاف به في بني اسرائيل ينادي هذا خليفتي من بعدي.
و مات داود عليه السّلام و عقدوا الأمر لبعض أولاده غير سليمان، و اعتزلهم سليمان فاتصل الخبر بنبي من أنبياء بني اسرائيل يقال له (أرميا) و كان متخليا في بعض الجبال فنزل و صار الى سليمان فقال له: يا نبي اللّه ان بني إسرائيل قد عقدوا الأمر لغيرك.
فأمسك عنه سليمان عليه السّلام فلم يزل (أرميا) يسأله الى ان اقامه و أخرجه و أركبه بغلة داود و ألبسه عمامته و وضع على رأسه شبيها بالقرن كان إذا وضع على رأس الامام يسمع له صوت كصوت خرير الماء ثم شدّ (أرميا) وسطه بشريط و أخذ بزمام بغلة سليمان عليه السّلام و طاف به مناديا في بني اسرائيل: هذا حجّة اللّه عليكم.
فانفضّ الناس عن الرجل الذي كانوا نصبوه و عادوا الى سليمان و كان الرجل المنصوب أحد أولاد داود و كان بنوا اسرائيل يميلون إليه لأن أمه كانت منهم و لم تكن أم سليمان منهم.
و روي ان داود عليه السّلام أوّل من صنع بناء بيت المقدس فبنى بعضه و تممه سليمان و نصب فيه المحاريب.
فقام سليمان (صلوات اللّه عليه) بأمر اللّه جل ذكره
و نوره و حكمته و جميع مواريث الأنبياء.
ثم انّه لما استوى له الأمر قام خطيبا فذكر اللّه و أثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس «عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ» و سخّر اللّه له الجنّ و الانس و الطير و الهوام و السباع و كان لا يسمع بملك في ناحية من أقطار الأرض إلّا أتاه يذلّه و يدخله في الاسلام.
و روي ان القحط اشتد في زمانه فشكا الناس إليه ذلك و سألوه أن يستسقي لهم فخرج معهم فلما صار في بعض الطريق إذا هو بنملة رافعة يديها الى السماء واضعة رجليها في الأرض و هي تقول اللّهم انّا خلق من خلقك و لا غنى بنا عن رزقك فلا تهلكنا بذنوب بني آدم.
فقال سليمان لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم بغيركم.
فسقوا في ذلك العام ما لم يسقوا مثله.