کتابخانه روایات شیعه
من خيفته الفرائص يوم الجلاد، مناقبه معروفة، و فضائله مشهورة، هزبر دفاع، شديد مناع، مقدام كرّار، مصدّق غير فرّار، أحمش الساقين، غليظ الساعدين، عريض المنكبين، رحب الذراعين، شرّفه اللّه بأمينه، و اختصه لدينه، و استودعه سرّه، و استحفظه علمه، عماد دينه، و مظهر شريعته، يصول على الملحدين، و يغيظ اللّه به المنافقين، ينال شرف الخيرات، و يبلغ معالي الدرجات، يجاهد بغير شكّ، و يؤمن من غير شرك، له بهذا الرسول وصلة منيعة، و منزلة رفيعة، يزوّجه ابنته، و يكون من صلبه ذرّيته، يقوم بسنّته، و يتولّى دفنه في حفرته، قائد جيشه، و الساقي من حوضه، و المهاجر معه عن وطنه الباذل دونه دمه، سيصح لك ما ذكرت من دلالته إذا رزقتيه، و ترين ما قلته فيه عيانا كما صح لي دلائل محمّد المحمود باللّه، ان ما وصفته من امرهما موجود مذكور في الأسفار و الزبور، و صحف إبراهيم و موسى، ثم أنشأ يقول:
لا تعجبي من مقالي سوف تختبري
عمّا قليل ترين القول قد وضحا
أما النبي الذي قد كنت أذكره
فاللّه يعلم ما قولي له مزحا
يأوي الرشاد إليه مثل ما سكنت
أمّ الى ولد إذ صادفت نجحا
ثم المؤازر و الموصى إليه اذا
تتابع الصيد من أطرافه كلحا
فأحمد المصطفى يعطيه رايته
يحبوه بابنته يا خير ما منحا
بذاك أخبرنا في الكتب اولنا
و الجن تسترق الأسماع متّضحا
قالت فاطمة: فجعلت أفكر في قوله، فلما كان بعد ليال رأيت في منامي كأن جبال الشام قد أقبلت تدبّ على عراقبها، و عليها جلابيب حديد و هي تصيح من صدورها بصوت مهول فأسرعت نحوها جبال مكّة و أجابتها بمثل صياحها و أهول و هي تنضح كالشرر المجمر، و جبل أبي قبيس ينتفض كالفرس المسربل بالعدّة و فصاله تسقط عن يمينه و شماله، و الناس يلتقطون تلك النصول، فلقطت معهم أربعة أسياف و بيضة حديد مذهبة، فأوّل ما دخلت مكّة سقط منها سيف في ماء فعبر، و طار الثاني في الجو فانثمر و سقط الثالث الى الأرض فانكسر، و بقي الرابع في يدي مسلولا، فبينما أنا به أصول إذ صار السيف شبلا أتبينه ثم صار ليثا مستأسدا فخرج عن يدي و مر نحو تلك الجبال
يجوب بلاطخها، و يخرق صلادحها، و الناس منه مشفقون، و من خوفه حذرون إذ أتاه محمّد ابني فقبض على رقبته، فانقاد له كالظبية الألوف، فانتبهت و أنا مرتاعة، فغدوت على الحبر و الكاهن اللذين بشّراني و وعداني و على ساير القافة و العافة بأن قصدت (أبا كرز) الكاهن و كان عارفا محذقا فوجدته قد نهض في حاجة له فجلست أرقبه و كان عنده (جميل) كاهن بني تميم فكرهت حضوره و عملت على انتظار قيامه و انصرافه، فنظر جميل إليّ و ضحك ثم قال لي: أقسم بالأنواء و مظهر النعماء، و خالق الأرض و السماء، انّك لتكرهين مثواي و تحبين مسراي لتسألي (أبا كرز) عن الرؤيا، فينبئك بالأنباء، فقلت له: ان كنت صادقا فيما قلت من الهتف حين زجرت فنبئني بما استظهرت فأنشأ يقول:
رأيت أجبالا تلي أجبالا
و كلّها لابسة سربالا
مسرعة قد تبتغي القتالا
حتى رأيت بعضها تعالى
ينثر من جلبابه نصالا
أخذت منها أربعا طوالا
و بيضة تشتعل اشتعالا
فواحد في ثج ماء عالا
و آخر في جوّها قد صالا
بذي طواف طار حين زالا
و ثالث قد صادف اختلالا
لما غدا منكسرا أوصالا
و رابع قد خلته هلالا
مقتدح الزندين قد تلالا
ولت به صائلة ايغالا
حتى استحال بعدها انتقالا
أدرك في خلقته الاشبالا
ثم استوى مستأسدا صوّالا
يخطف من سرعته الرجالا
فانسل في قيعانها انسلالا
يخرق منها الصعب و المحالا
و الناس يرهبون منه الحالا
حتى اتى ابن عمّه ارسالا
فتلّه بعنقه اتلالا
كظبية ما منعت غفالا
ثم انتبهت تحسبين خالا
قالت فاطمة: فقلت: صدقت و اللّه يا جميل و بررت في قولك، هكذا رأيت مما رأيت في الكرى فنبئني بتأويله. فأنشأ يقول:
أما النصول فهي صيد أربع
ذكور أولاد حكتها الأسبع
و البيضة الوقداء بنت تتبع
كريمة غرّاء لا تروع
فصاحب الماء غريب مفتقد
في لجّة ترمى بأصناف الزبد
و الطائر الأجنح ذو الغرب الزغب
تقتله في الحرب عبّاد الصلب
و الثالث المكسور ميت قد دفن
ينزل عقبا بعده طول الزمن
و الرابع الصائل كالليث المرح
يرفل في عراصها و يقترح
فذاك للخلق امام منتصح
إذا بغاه كافر جهرا ذبح
و ان لقاه بطل عنه جنح
حتى تراهم من صياصيهم بطح
فاستشعري البشرى فرؤياك تصحّ
قالت فاطمة فما زلت مفكّرة في ذلك و تتابع حملي و ولادتي لأولادي.
فلما كان في الشهر الذي ولدت فيه عليّا رأيت في منامي كأن عمودا حديدا انتزع من أمّ رأسي ثم شع في الهواء حتى بلغ عنان السماء ثم رد إليّ فمكث ساعة فانتزع من قدمي فقلت: ما هذا؟ فقيل: هذا قاتل أهل الكفر، و صاحب ميثاق النصر، بأسه شديد تجزع من خيفته الجنود، و هو معونة اللّه لنبيّه و مؤيده به على أعدائه، بحبّه فاز الفائزون، و سعد السعداء، و هو ممثل في السماء المرفوعة و الأرض الموضوعة و الجبال المنصوبة، و البحار الزاخرة و النجوم الزاهرة، و الشموس الصاحية، و الملائكة المسبّحة، ثم هتف بي هاتف يقول:
جال الصباح لدى البطحاء إذ شملت
( سودا) بذي خدم فرش المراقيل
من دلج هام جراثيم جحاجحة
من كلّ مدرع بالحلم رعبيل
من الجهاضم إذ فاقت قماقمها
دون السحاب على جنح الاثاكيل
يا أهل مكّة لا تشقى جدودكم
و أبشروا ليس صدق القيل كالقيل
فقد أتت سود بالميمون فانتحجوا
واجفوا الشكوك و اضغاث الأباطيل
من خازن النور في أبناء مسكنه
من صلب آدم في نكب الضماحيل
انّا لنعرفه في الكتب متّصلا
بشرح ذي جدل بالحق حصليل
قال فولد علي عليه السّلام و لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ثلاثون سنة فأحبّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حبّا شديدا.
و قال لفاطمة امّه: اجعلي مهد علي بجنب فراشي، و كان صلّى اللّه عليه و آله يلي تربيته و يوجره اللبن في ساعة رضاعه و يحرّك مهده عند نومه و يناغيه في يقظته، و يحمله على صدره تارة و على عاتقه اخرى و يتكتّفه و يقول: هذا أخي و وليي و ناصري و صفيي و وصيي و ذخيرتي و كهفي و صهري و زوج كريمتي و أميني على وصيتي. و كان يحمله و يطوف به جبال مكّة و شعابها و أوديتها و فجاجها.
فلما تزوّج صلّى اللّه عليه و آله خديجة بنت خويلد علمت بوجده بعلي عليه السّلام فكانت تستزيره و تزيّنه بفاخر الثياب و الجوهر و ترسل معه و لا يدها، فيقلن: هذا أخو محمّد و أحبّ الخلق إليه و قرّة عين خديجة و من ينزل السكينة عليه.
علي ربيب الرسول
و كانت ألطاف خديجة و هداياها الى منزل أبي طالب متصلة حتى أصابت قريشا أزمة شديدة، و سنة معصوصبة، و كان أبو طالب رجلا جوادا معطاء سمحا فقل ماله و كثر عياله و أجحفت السنة بحاله.
فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمّه العباس و كان أيسر بني هاشم في وقته و زمانه فقال له: يا عم ان أخاك كثير العيال متضعضع الحال و قد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، و ذوو الأرحام أحقّ بالرفد و أولى من حمل عنهم الكلّ، فانطلق بنا إليه لنحمل من كلّه و نخفف من عيلته فيأخذ بعض ببنيه و نأخذ البعض.
فقال له العباس: نعم ما رأيت يا بن أخ و على الصواب أتيت هذا و اللّه التيقظ على الكرم و العطف على الرحم.
فمضيا الى أبي طالب فأجملا مخاطبته و قالا له: ان لك سوابق محمودة و مناقب غير مجحودة و أنت صنو الأباة الانجاد و قد جمع لك العرف في قرن فهو إليك منقاد، و لسنا نبلغ صفاتك، و قد أضلت هذه السنة الغبراء، و عيالك كثير و لا بد أن نخفّف عنك بعضهم
حتى ينكشف ما فيه الناس من هذا القمطرير.
فقال أبو طالب: اذا تركتما لي عقيلا و طالبا فشأنكما الاصاغر.
فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا و أخذ العباس جعفرا عليه السّلام.
فتولّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله منذ ذلك الوقت تربية أمير المؤمنين عليه السّلام و تغذيته و تعليمه بنفسه.
و كان يصلّي معه قبل أن تظهر نبوّته بسنتين ثم كان من قصّته وقت إظهار النبوّة الى وقت مضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و من أمر غدير خم و غيره ما هو مشهور و قد روي و قص به و ذكرنا بعضه.
و قام بأمر اللّه جل و علا و سنه خمس و ثلاثون سنة و اتبعه المؤمنون و قعد عنه المنافقون، و نصبوا للملك و أمر الدّنيا رجلا اختاروه لأنفسهم دون من اختاره اللّه- جلّ و عز- و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
في الحوادث التي اعقبت وفاة النبي [ص]
فروي ان العبّاس رضي اللّه عنه صار الى أمير المؤمنين عليه السّلام و قد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال له:
امدد يدك ابايعك.
فقال: و من يطلب هذا الأمر و من يصلح له غيرنا.
و صار إليه ناس من المسلمين فيهم الزبير و أبو سفيان صخر بن حرب، فأبى.
و اختلف المهاجرون و الأنصار فقالت الأنصار: منّا أمير و منكم أمير.
فقال قوم من المهاجرين: سمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: الخلافة في قريش.
فسلّمت الأنصار لقريش بعد أن ديس سعد بن عبادة و وطئوا بطنه.
و بايع عمر بن الخطاب أبا بكر و صفق على يديه ثم بايعه قوم ممّن قدم المدينة ذلك الوقت من الأعراب و المؤلفة قلوبهم، و تابعهم على ذلك غيرهم.
و اتصل الخبر بأمير المؤمنين عليه السّلام بعد فراغه من غسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تحنيطه و تكفينه و تجهيزه و دفنه بعد الصلاة عليه مع من حضر من بني هاشم و قوم من صحابته
مثل سلمان و أبي ذر و المقداد و عمّار و حذيفة و أبيّ بن كعب و جماعة نحو أربعين رجلا فقام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه ثم قال:
«ان كانت الإمامة في قريش فأنا أحقّ قريش بها و ان لا تكن في قريش فالأنصار على دعواهم».
ثم اعتزلهم و دخل بيته فأقام فيه و من اتبعه من المسلمين و قال:
ان لي في خمسة من النبيين اسوة: نوح إذ قال اني مغلوب فانتصر، و إبراهيم إذ قال:
و اعتزلكم و ما تدعون من دون اللّه، و لوطا إذ قال: لو ان لي بكم قوّة أو آوي الى ركن شديد، و موسى إذ قال: ففررت منكم لما خفتكم، و هارون إذ قال: ان القوم استضعفوني و كادوا يقتلوني.
ثم الف عليه السّلام القرآن و خرج الى الناس و قد حمله في ازار معه و هو يئط من تحته فقال لهم: هذا كتاب اللّه فد الفته كما أمرني و أوصاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما انزل.
فقال له بعضهم: اتركه و امض.
فقال لهم: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لكم: اني مخلّف فيكم الثقلين، كتاب اللّه و عترتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فان قبلتموه فاقبلوني معه، أحكم بينكم بما فيه من أحكام اللّه.
فقالوا: لا حاجة لنا فيه و لا فيك، فانصرف به معك لا تفارقه و لا يفارقك.
فانصرف عنهم فأقام أمير المؤمنين عليه السّلام و من معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فوجهوا الى منزله فهجموا عليه، و أحرقوا بابه، و استخرجوه منه كرها، و ضغطوا سيّدة النساء بالباب حتى اسقطت (محسنا) و أخذوه بالبيعة فامتنع و قال: لا أفعل.
فقالوا: نقتلك.
فقال: ان تقتلوني فاني عبد اللّه و أخو رسوله.
و بسطوا يده فقبضها، و عسر عليهم فتحها، فمسحوا عليها و هي مضمومة.
ثم لقي أمير المؤمنين عليه السّلام بعد هذا الفعل بأيام أحد القوم فناشده اللّه و ذكره بأيام اللّه
و قال له: هل لك ان أجمع بينك و بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى يأمرك و ينهاك؟.
فقال له: نعم!.
فخرجا الى مسجد (قبا) فأراه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قاعدا فيه فقال له: يا (فلان) على هذا عاهدتموني به في (تسليم الأمر الى علي و هو أمير المؤمنين).
فرجع و قد همّ بتسليم الأمر إليه، فمنعه صاحبه من ذلك، فقال: هذا سحر مبين معروف من سحر بني هاشم، أو ما تذكر يوم كنّا مع ابن أبي كبشة فأمر شجرتين فالتقتا فقضى حاجته خلفهما، ثم أمرهما فتفرّقتا، و عادتا الى حالهما؟.
فقال له: اما ان ذكرتني هذا فقد كنت معه في الكهف فمسح يده على وجهي ثم أهوى رجله فأراني البحر ثم أراني جعفرا و أصحابه في سفينته تقوم في البحر.
فرجع عما كان عازم عليه، و همّوا بقتل أمير المؤمنين عليه السّلام و تواصوا و تواعدوا بذلك و ان يتولى قتله خالد بن الوليد فبعثت (اسماء بنت عميس) الى أمير المؤمنين عليه السّلام بجارية لها فأخذت بعضادتي الباب و نادت: ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين.
فخرج عليه السّلام مشتملا سيفه و كان الوعد في قتله: ينتهي امامهم من صلاته بالتسليم فيقوم خالد إليه بسيفه.
فأحسوا بأسه فقال الإمام قبل أن يسلم: لا يفعلن خالد ما أمرته به.
ثم كان من أقاصيصهم ما رواه الناس.
و في سنتين و ثلاثة أشهر و عشرة أيام من إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام مات (ابن أبي قحافة) و هو عتيق بن عثمان و أوصى بالأمر بعده الى عمر بن الخطاب لعهد كان بينهما، و اعتزله أمير المؤمنين عليه السّلام كاعتزاله لصاحبه قبله، لا يأمر إلّا بما لم يجد من الأمر به بدا، و لا ينهى إلّا عمّا لم يجد من النهي عنه بدا، و هم في خلال ذلك يسألونه و يستفتونه في حلالهم و حرامهم و في تأويل الكتاب و فصل الخطاب.