کتابخانه روایات شیعه
فكتب معه بما قصّ اللّه جل و عز به و استعجله فقال له: كيف تستعجلني يا نبي اللّه و أنا أخاف سباع الطير يعني الجوارح تأكلني.
فأرسل معه الصقر- و روي العقاب- و أمره بحفظه و لذلك صار العقاب رئيس الجوارح.
فمضى الهدهد حتى ألقى الكتاب الى ملكة سبأ و هي على سرير الملك فجمعت أهل مملكتها و قالت «أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ» و روي انّه مختوم و ان أوّله «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» ثم قالت لهم: ما ذا تأمرون؟.
قالوا: نحن أولو قوّة و أولو بأس شديد و الأمر إليك فانظري ما ذا تأمرين؟.
و قالت لهم ما قص اللّه به جل و تعالى ثم اهدت إليه من الوصائف و العبيد و الخيل و ساير الأصناف ما له مقدار جليل عظيم.
فقال سليمان عليه السّلام للرسل: «أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ»
فرجع الرسل إليها فقالوا لها: ما هذا ملكا و مالنا به طاقة.
فبعثت إليه: اني قادمة عليك بملوك قومي حتى أمتثل أمرك.
ثم أمرت بسرير ملكها و كان من ذهب مرصّعا بالياقوت و الزبرجد و اللؤلؤ و جعلته في سبعة أبيات بعضها في جوف بعض و غلقت الأبواب كلّها و كانت تخدمها ستمائة جارية فقالت لمن خلفت على سلطانها احتفظوا بسريري لا يصل إليه أحد حتى أرجع.
ثم خرجت نحو سليمان عليه السّلام و كان ملكها باليمن فشخصت في اثني عشر فيلا من أفيال اليمن و الفيل الملك و جعل الجنّ يأتون سليمان بخبرها حتى اذا قربت «قالَ ... أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ»
و كان من قصة العفريت ما قص اللّه به فقال آصف بن برخيا عليه السّلام «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ»
و كان آصف كاتب سليمان عليه السّلام في تلك الحال و ابن عمّه و وصيّه و زوج ابنته فروي ان الأرض طويت حتى تناول السرير في أسرع وقت من طرف العين و أمر سليمان أن
ينكر لها عرشها فنكر فلما قدمت و كان من أمرها ما قصّ اللّه به «قِيلَ لها أَ هكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ»
ثم أمر سليمان عليه السّلام بالصرح و قد عملته الشياطين من زجاج كأنّه الماء بياضا ثم أرسل الماء تحته و وضع سريره فيه و جلس «و قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ» و أراد بذلك أن يريها ملكا أعظم من ملكها.
فلما رأته حسبته لجّة و كشفت عن ساقيها و جعلت تسأله حتى سألته عن الربّ جلّ جلاله و أخبرها ثم دعاها الى عبادة اللّه و نهاها عن عبادة الشيطان من دون اللّه و ذكرها بأيام اللّه عز و جل فقالت عند ذلك «إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» و حسن اسلامها.
فلما فرغ من أمرها قال لها: اختاري لنفسك رجلا من قومك أزوّجك به.
فزوجها (ذا تبع) ملك همدان باختيارها و ردّها الى اليمن، فلم يزل ذو تبع ملكا باليمن الى أن قبض سليمان عليه السّلام.
قال و جلس سليمان يعرض الخيل لبعض الغزوات و كانت تعجبه فتشاغل بعرضها عن التسبيح حتى غابت الشمس و كان عددها أربعة عشر رأسا فلما أمسى ندم على ما صنع و قال: شغلتني الخيل عن ذكر ربي فأمر بها فعوقبت و ضربت أعناقها.
فروي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السّلام انّه قال قتل الخيل عند اللّه أعظم عن ترك التسبيح.
قال: فسقط خاتمه من اصبعه و كان حلقة من ياقوت أحمر من الجنّة عليها صورة كرسي فأعاده إلى اصبعه فسقط ثلاث مرّات فقال له آصف: انّه لن يتماسك الخاتم في يدك أربعة عشر يوما بعدد الخيل التي قتلتها فادفع إلي الخاتم حتى أقوم مقامك و أهرب الى اللّه عز و جل و آخذ بالاستغفار و التوبة. و كانت هذه اشارة من آصف عن نفسه.
و قال له: اني أسير في رعيتك و أهل بيوتك بسيرتك الى ان ترجع.
فدفع سليمان الخاتم الى (آصف) فلما جعله في اصبعه ثبت. فأقام في ملك سليمان يعمل عمله، و ألقى اللّه عليه شبه سليمان عليه السّلام فلم يفقد سليمان أحد من الناس إلّا حرمه.
ثم رفع سليمان إلى مجلسه، فلما بصر به قام على رجليه و تنحى له من مجلسه حتى جلس فيه فأخذ الخاتم و وضعه في يده فثبت.
و حدثه آصف بما عمل في تلك الأيام التي غاب فيها فدعا سليمان ربّه و ناجاه و قال يا ربّ أتخوّف ان يعلم بنو اسرائيل بما كان مني فتنقص منزلتي عندهم «ف هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ» ، فاعطي زيادة في ملكه و سخّر اللّه له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ثم أوحى إليه في تلك الحال «هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ» ثم أثنى اللّه عليه عند أهل مملكته و عالمه ان له عندنا لزلفى و حسن مآب، و كان إذا أراد الركوب أمر بجمع العسكر و ضربت له الخشب ثم جعل عليه الناس و الدواب و آلة الحرب كلّها حتى اذا حمل على ذلك الخشب كلّ ما يريد أمر الريح فدخلت تحت الخشب و حملته حتى ينتهي به الى حيث يريد.
و روي انّه خرج في وقت من الأوقات من بيت المقدس على هذه السبيل عن يمينه ثلاثمائة كرسي عليها الانس و عن يساره ثلاثمائة ألف كرسي عليها الجن و أمر الطير فأظلتهم و الريح تحملهم حتى ورد (المدائن) من يومه ثم رجع فبات ب (اصطخر) ثم غدا فانتهى الى (جزيرة كاوان) ثم أمر الريح أن تحفظهم حتى كادت أقدامهم تلحق الماء فقال بعضهم لبعض هل رأيتم ملكا أعظم من هذا؟.
فروي انّه مر برجل حراث من بني اسرائيل فلما رأى الرجل ذلك الملك قال: الحمد للّه لقد أوتي آل داود ملكا عظيما.
فألقت الريح الكلام في اذن سليمان فمال إليه فلما رآه فزع فقال له: سليمان أي شيء قلت؟
فجحد ما قاله. فلم يزل به الى أن قال: قلت: الحمد للّه أكثر ممّا أوتي داود آل داود.
و كان لسليمان ثلاثمائة زوجة مهيرة و سبعمائة سرية و ملك مشارق الأرض و مغاربها و ملك سبعمائة سنة و ست عشرة سنة و ستة أشهر و لم يزل يدبر أمر اللّه جل و عز فلما حضرت وفاته أوحى اللّه إليه ان يجعل وصيّه و المواريث و النور و الحكمة الى (آصف بن برخيا) فأوصى و سلّم إليه ذلك و مضى عليه السّلام و كان في قبّة زجاج فكان من قصته ما نبأنا
اللّه من أمر منسأته الى قوله لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ
و قام آصف بن برخيا بأمر اللّه
و أعطاه اللّه عز و جل من الاسم الأعظم حرفا و كان يرى المعجزات.
و في أيامه ملك «كشتاسب» مائة و ستا و عشرين سنة، و في أربعة و ثلاثين سنة من ملكه ظهر أمر «الهرابذة» و بنى مدينة بفارس سمّاها «نشا» و تسلّط اليهود على نسل داود فقتلوا منهم مائة و عشرين نبيّا و قتلوا من شيعة الأنبياء خلقا كثيرا فعند ذلك لعنهم اللّه باللعنة التي لعن بها ابليس و مسخهم قردة و خنازير و أنواعا شتى من المسوخ في البر و البحر و منهم الجري و المارماهي و الزمار على حسب ذنوبهم و كفرهم مسخ كلّ صنف و كان أمر اللّه مفعولا.
و لما حضرت «آصف» الوفاة أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته و جميع ما في يديه ابنه «صفورا» فدعاه و سلّم إليه التابوت و الوصيّة و مضى.
و قام صفورا بن آصف عليهما السّلام بأمر اللّه جل و عز
فاتبعه المؤمنون من بني اسرائيل فلما حضرته الوفاة أوحى اللّه إليه ان استودع الاسم الأعظم و التابوت و الحكمة و النبوّة الى ابنك «مبنه» و أحضره و أوصاه و سلّم إليه و مضى.
و قام مبنه بن صفورا عليهما السّلام بأمر اللّه جل و علا
فعند ذلك و في أيامه ملك أردشير بن اسفنديار مائة و اثنتي عشرة سنة.
و في خمس سنين من ملكه بنى مدينة بفارس و سماها «اصطخر» و سيكون فيها ملحمة عظيمة في آخر الزمان على ما روي عن عالم أهل البيت عليهم السّلام.
و لما حضرت مبنه الوفاة أوحى اللّه إليه ان يستودع و يوصي «هندوا» فأحضره و أوصى إليه و سلّمه ما في يديه و مضى.
و قام هندو بن مبنه عليه السّلام بأمر اللّه جل و عز
فلما حضرت وفاته أوحى اللّه إليه ان استودع مواريث الأنبياء ابنك «اسفر بن هندوا» فأحضره و سلّم إليه و مضى عليه السّلام.
فقام أسفرا بن هندوا بأمر اللّه جل و تعالى
و تبعه المؤمنون فعند ذلك ملكت حماه بنت شهرزان ثلاثين سنة و كان في ملكها تخفيف الخراج و صلاح أمر الناس و لم يخرج عليها أحد إلّا ظهرت عليه، و كانت امرأة بغية، و كانت لها امرأة تخدمها تطلب لها كلّ ليلة رجلا شابّا جميلا تدخله إليها فيبيت عندها ليلتها فاذا أصبح أمرت به فقتل لئلا يشنع عليها و يذيع خبرها.
فعند ذلك- قال عالم أهل البيت عليهم السّلام- لو كانت الدنيا تعدل عند اللّه جناح بعوضة لما أعطى ملكها امرأة بغية.
فلما حضرت «اسفر» الوفاة أوحى اللّه إليه ان استودع النور و الحكمة و المواريث ابنك «رامن» فأحضره و أوصى إليه و سلّمه ما في يده و مضى عليه السّلام.
فقام رامين بن اسفر عليه السّلام بأمر اللّه عز و جل
و تبعه المؤمنون و قد كانوا قلوا و فنوا و بقي منهم عدد يسير الى ان حضرت وفاته فأوحى اللّه إليه ان يستودع ما في يده «اسحاق» فأحضره و أوصى إليه و سلّمه جميع المواريث و النور و الحكمة و الاسم الأعظم و مضى.
و قام اسحاق بن رامين بأمر اللّه جل جلاله مقام آبائه عليهم السّلام
فلما حضرته الوفاة أوحى اللّه إليه ان استودع الاسم الأعظم ابنك «أيم» فأحضره و أوصى إليه و سلّم ما في يديه و مضى صلّى اللّه عليه.
و قام ايم بن اسحاق بأمر اللّه جل و عز مقام آبائه عليهم السّلام
فلما حضرته الوفاة أوحى اللّه إليه ان يستودع الاسم الأعظم و يوصي الى ابنه «زكريا» روي ان اسمه «زمرتا» فأحضره و أوصى إليه و مضى صلوات اللّه عليه.
فقام زكريا عليه السّلام بأمر اللّه
و هو «زكريا بن ايم» و يروى ابن (اردن) و اتبعه المؤمنون من ولد داود من سبط يهودا.
و كان زكريا متزوجا (ايساع) اخت (حنة) (أم مريم أمّ عيسى).
و روي ان زكريا عليه السّلام لم يزل خائفا من اليهود مستخفيا، ثم هرب منهم فالتجأ الى شجرة فنشرت لحاها ثم نادته «يا زكريا ادخلني» فدخلها فانضم عليه اللحاء فلم يوجد فاتاهم ابليس فدلهم عليه فاتوا الشجرة فنشروها و نشروه عليه السّلام معها فروي ان اللّه عز و جل قبض روحه قبل وصول المنشار إليه، و رفع عنه الألم.
و كان اللّه أوحى إليه قبل ذلك أن يسلّم مواريث الأنبياء و ما في يديه الى عيسى عليه السّلام و روي في خبر آخر ان اللّه أوحى الى زكريا أن يستودع النبوّة و مواريث الأنبياء و ما في يديه الى نبي من بني اسرائيل يقال له (اليسابغ).
فقام اليسابغ عليه السّلام بما أوصاه به زكريا عليه السّلام من أمر اللّه جل و علا
و أعطاه ثلاث آيات متظاهرات بيّنات ليريها بني اسرائيل فأبى أكثرهم إلّا طغيانا و كفرا.
فعند ذلك ملك (دارا بن شهزادان) اثنتي عشرة سنة و هو أوّل من صنع السكك و أعد لنفسه الأموال و الخزاين فلما أراد اللّه أن يقبض (اليسابغ) أوحى إليه أن يستودع النور و الحكمة و الاسم الأعظم ابنه «روبيل».
و قام روبيل بن اليسابغ بأمر اللّه جل و عز و تدبير ما استودعه
و ملك في أيامه (دارا بن شهزادان) أربع عشرة سنة و بعد سنة من ملكه بنى مدينة و سمّاها «داراجرد» ثم ملك بعده (الاسكندر) أربع عشرة سنة و ذلك كلّه في وقت إمامة (روبيل).
و قتل «الاسكندر» (دارا بن دارا) و هدم بيوت النيران و قتل (الهرابذة) و كان في زمانه العدل و الإنصاف فلما مات (الاسكندر) و كان أصحابه يعبدون الحجارة فحملوه في
تابوت من ذهب الى بلاد الروم و كان بنى بعد سنتين من ملكه مدينة باصبهان سمّاها «جي» فأسرف كفرة بني اسرائيل في قتل المؤمنين و تعذيبهم فدعوا اللّه أن يخرجهم من بينهم و يبعد بين أقطارهم فبعث اللّه إليهم ملائكة فسيرهم على الماء و معهم الكتاب المنزل على موسى عليه السّلام.
و ملك عند ذلك (أشبح بن اشبحان) مائتي سنة و ستين سنة، و في احدى و خمسين سنة من ملكه
بعث اللّه عز و جل المسيح عيسى بن مريم عليه السّلام
فقال العالم عليه السّلام: ان امرأة عمران لما نذرت ما في بطنها محررا، و المحرّر للمسجد و خدمة العلماء و قال في خبر آخر ان اللّه أوحى الى عمران اني أهب لك ابنا يبرئ الاكمه و الأبرص و يحيي الموتى باذني.
فلما ولدت امرأته بنتا و هي مريم قالت انّي وضعتها انثى و ليس الذكر كالانثى- تريد أن الانثى لا تكون نبيا مرسلا.
و انما كان الوعد لعمران بعيسى عليه السّلام من ابنته مريم فنشأت مريم أحسن نشوء و لزمت العبادة و الصلاة في الكنائس و البيع مع العلماء و أحصنت .. لم ترغب في أحد من الرجال و كان زكريا قد كفلها في حياته فكان إذا دخل إليها و هي في المحراب وجد عندها رزقا.
قال: يا مريم انّى لك هذا قالت هو من عند اللّه.
قال: كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء و فاكهة الشتاء في الصيف و روي انّه كان الرزق علما من العلوم و روي انّه حمل مريم كان ثلاث ساعات و روي سبع ساعات من النهار و روي تسعة أيام و ان جبرئيل عليه السّلام أتاها بسبع تمرات من العجوة و هي الصرفان فأكلتها فحملت بعيسى و روي ان جبرئيل عليه السّلام نفخ في جيبها و قد دخلت الى المغتسل للتطهير فخرجت و قد انتفخ بطنها فخافت من حالتها و من زكريا فخرجت هاربة على وجهها و ان نساء بني اسرائيل و من كان يتعبّد معها رأوا بطنها فشتمنها و نتفن شعرها و خمشن وجهها فأنطق اللّه المسيح عليه السّلام في بطنها فقال و حق النبي المبعوث بعدي في آخر الزمان لئن أخرجني اللّه من بطن أمي مريم لأقيمن عليكن الحد.