کتابخانه روایات شیعه
تورّمت رجله، فقال بعض مواليه لو ركبت لسكن عنك ما تجد.
فقال له: اذا أتينا هذا المنزل فيستقبلك عبد أسود معه دهن فاشتر منه و لا تماكسه.
فساروا حتى انتهوا الى الموضع فاذا بالأسود فقال أبو محمّد عليه السّلام لمولاه: دونك الرجل.
فقصده فأخذ منه بما استلم به و أعطاه الثمن فقال له الأسود: لمن تأخذ هذا الدهن؟
فقال: للحسن بن علي عليه السّلام.
فانطلق معه إليه فقال له: بأبي أنت و أمي لم أعلم ان الدهن يراد لك و لست أحبّ أن أقبل له ثمنا، فاني مولاك، و لكن ادع اللّه أن يرزقني ولدا ذكرا سويّا يحبّكم أهل البيت؛ لأنّي خلّفت أهلي في شهرها.
قال: فانطلق الى منزلك فقد فعل اللّه بك ذلك و وهب لك غلاما سويّا و هو لنا شيعة.
فانطلق الرجل فوجد امرأته قد ولدت غلاما؛ يروى انّه أبو هاشم السيد ابن محمّد الحميري و كان أبوه انتقل من أرض حمير الى أرض تهامة ثم عاد الى بلده.
و يروى عن أبي جعفر الثاني محمّد بن علي الرضا عليه السّلام انّه قال عن آبائه (صلوات اللّه عليهم) .. قال: أقبل أمير المؤمنين و معه أبو محمد عليهم السّلام و سلمان الفارسي فدخل المسجد و جلس فيه فاجتمع الناس حوله إذ أقبل رجل حسن الهيئة و اللباس فسلّم على أمير المؤمنين عليه السّلام و جلس ثم قال: يا أمير المؤمنين اني قصدت أن اسألك عن ثلاث مسائل ان أخبرتني بهن علمت انّك وصي رسول اللّه حقّا، و ان لم تخبرني بهنّ علمت انّك و هم شرع سواء.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: سل عمّا بدا لك.
فقال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه، و عن الرجل كيف يذكر و ينسى، و عن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام و الأخوال.
فالتفت أمير المؤمنين عليه السّلام الى أبي محمّد عليه السّلام فقال: يا أبا محمّد أجبه.
فقال أبو محمد: أما الانسان اذا نام فان روحه معلّقة بالريح، و الريح متعلّقة بالهواء الى وقت يتحرّك صاحبها الى اليقظة، فاذا أذن اللّه بردّ الروح، جذبت تلك الروح الريح،
و جذبت الريح الهواء فرجعت الروح الى مسكنها في البدن. و اذا لم يأذن اللّه بردّ الروح الى صاحبها، جذبت الهواء الريح، و جذبت الريح الروح فلم ترجع الى صاحبها الى أن يبعثه اللّه تبارك و تعالى. و اما الذكر و النسيان فان قلب الرجل في مثل حق و عليه طبق فان سمّى اللّه و ذكره و صلّى- عند نسيانه- على محمّد و آله انكشف ذلك الطبق و هو غشاوة عن ذلك الحق و أضاء القلب و ذكر الرجل ما كان نسي. و ان هو لم يصل على محمّد و آله بعد ذكر اللّه عز و جل انطبقت تلك الغشاوة على ذلك الحق فأظلم القلب فنسي الرجل ما ذكر. و أما المولود الذي يشبه الأعمام و الأخوال فان الرجل إذا أتى أهله فواطأها بقلب ساكن و عروق هادئة و بدن غير مضطرب، استكنت تلك النطفة في جوف الرحم و خرج الرجل يشبه أباه و أمّه. و إن هو أتاها بقلب غير ساكن و عروق غير هادئة و بدن مضطرب اضطربت النطفة فوقعت في اضطرابها على بعض العروق، فان وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، و ان وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الولد أخواله.
فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و لم أزل أشهد بها، و أشهد أن محمّدا صلّى اللّه عليه و آله رسول اللّه و لم أزل أشهد بها، و أشهد أنّك وصيّه و خليفته و القائم بحجته- و أشار الى أمير المؤمنين عليه السّلام- و أشهد انّك وصيّه و القائم بحجّته- و أشار الى الحسن- و أشهد أن أخاك الحسين وصيّ أبيك و وصيّك و القائم بحجّته بعدك، و أشهد أن علي بن الحسين القائم بأمر الحسين و أشهد أن محمّد بن علي القائم بأمر علي بن الحسين، و أشهد أن جعفر بن محمد بن علي القائم بأمر اللّه بعد أبيه و حجّته، و أشهد أن موسى بن جعفر القائم بأمر اللّه بعد أبيه جعفر، و أشهد أن علي بن موسى القائم بأمر اللّه بعد أبيه، و أشهد أن محمد بن علي القائم بأمر اللّه بعد أبيه، و أشهد أن علي بن محمّد القائم بأمر اللّه بعد أبيه محمّد بن علي، و أشهد أن الحسن بن علي القائم بأمر أبيه علي بن محمد، و أشهد أن رجلا من ولد الحسين بن علي لا يسمّى و لكن يكنّى حتى يظهر اللّه أمره يملأها عدلا كما ملئت جورا، و السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته.
و مضى، فقال أمير المؤمنين: اتبعه يا أبا محمد فانظر أين يقصد؟
قال: فخرج الحسن بن علي عليه السّلام في أثره، فلما وضع الرجل رجله خارج المسجد لم يدر كيف أخذ من أرض اللّه.
فرجع إليه فأعلمه فقال: يا أبا محمد أ تعرفه؟
قال: اللّه و رسوله و أمير المؤمنين أعلم به.
قال: ذاك الخضر عليه السّلام.
و روي أن الناس على عهد أمير المؤمنين عليه السّلام تحدّثوا بأن الحسن لم تظهر منه خطابة و لا علم. فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام و قد بلغه ذلك: يا بني أن الناس قد تحدّثوا فيك بما أنت على خلافه، فاعل المنبر و اخطب الناس و بيّن عن نفسك حتى يسمعوك.
فصعد عليه السّلام فحمد اللّه و أثنى عليه و ذكّرهم بأيام اللّه ثم قال: يا معاشر الناس ان أمير المؤمنين باب حطّة، من دخله كان آمنا، و سفينة نوح من لحق به نجا، و من تخلّف عنه غرق و هلك، فلا يبعد اللّه إلّا من ظلم ثم نزل.
فقام أمير المؤمنين عليه السّلام و قبّل بين عينيه ثم قال: ذريّة بعضها من بعض و اللّه سميع عليم.
و كان أشبه الناس لغة و خلقا و خلقا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
ثم كان خبره في السمّ الذي دسّه إليه ابن آكلة الأكباد ما رواه الناس فاعتل عليه السّلام فدخل إليه أخوه أبو عبد اللّه عليه السّلام فقال له: كيف تجد نفسك يا سيدي؟
قال: أجدني في آخر يوم من الدّنيا و أول يوم من الآخرة على كره مني لفراقك و فراق اخوتي و الأحبة.
ثم قال: استغفر اللّه على محبّة مني للقاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين و أمي فاطمة و حمزة و جعفر.
ثم أوصى إليه و سلّم إليه الاسم الأعظم و مواريث الأنبياء و الوصيّة التي كان أمير المؤمنين سلّمها إليه. و قبض (صلّى اللّه عليه) بعد خمسين سنة من الهجرة؛ و سنه سبع و أربعون سنة، فأقام مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله سبع سنين و ستة أشهر، و مع أمير المؤمنين ثلاثين سنة، و منفردا بالوصية و الامانة عشر سنين، و دفن بالبقيع مع سيّدة النساء أمه
فاطمة في قبر واحد.
و كان الحسين عليه السّلام قد عزم على دفنه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فمنعت عائشة من ذلك و ركبت بغلة لها و خرجت تؤلّب الناس عليه و تحرّضهم.
فلما رأى الحسين عليه السّلام ذلك دفنه بالبقيع مع أمّه، و لقتها بعض بني هاشم- و روي ان ابن عباس لقيها- منصرفة الى منزلها فقال لها: اما كفاك أن يقال يوم الجمل حتى يقال يوم البغل؟ يوما على جمل و يوما على بغل بارزة عن حجاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تريدين إطفاء نور اللّه؛ و اللّه متمّ نوره و لو كره المشركون، انّا للّه و انّا إليه راجعون.
فقالت له: إليك عني أفّ لك.
و روي ان الحسين عليه السّلام عند ما فعلت عائشة وجّه إليها بطلاقها، و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جعل طلاق أزواجه بعده الى أمير المؤمنين عليه السّلام و جعله أمير المؤمنين بعده الى الحسن و جعله الحسن الى الحسين عليهما السّلام.
و قال النبيّ (صلوات اللّه عليه): ان في نسائي من لا تراني يوم القيامة و تلك من يطلّقها الأوصياء بعدي.
الحسين الشهيد عليه السّلام
و قام الحسين مقام الحسن بأمر اللّه بعده.
و روي عن عالم أهل البيت عليهم السّلام انّه قال: ان جبرئيل عليه السّلام هبط على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأخبره ان فاطمة ابنته تلد ابنا، و أمره أن يسمّيه الحسين، و عرفه ان أكثر أمته يجتمع على قتله. فعرّف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمير المؤمنين و فاطمة عليهما السّلام ذلك، فقالت فاطمة: لا حاجة لي فيه و سألت اللّه أن يعفيها من ذلك.
فأوحى اللّه جلّ و علا الى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يعرّفهما انّه يعوّض للحسين عن القتل أن يجعل الإمامة و ميراث النبوّة و الوصيّة و العلم و الحكمة في ولده الى يوم القيامة.
فعرّفهما النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ذلك، فقالا: قد رضينا بما يحكم اللّه لنا.
فروي ان فاطمة عليها السّلام ولدت الحسن عليه السّلام أوّل النهار و حملت بالحسين عليه السّلام في ذلك
اليوم؛ لأنّها كانت طاهرة مطهّرة و لم يصبها ما يصيب النساء.
و كان الحمل به ستة أشهر، و كانت ولادته مثل ولادة رسول اللّه و أمير المؤمنين و الحسن (صلوات اللّه عليهم).
قال: فلما ولد الحسين، هبط جبرئيل عليه السّلام في ألف ملك يهنّون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بولادته، فمر بملك من الملائكة يقال له (فطرس) في جزيرة من جزائر البحر بعثه اللّه عز و جل في أمر من الامور فأبطأ فيه فكسر جناحه و أزيل عن مقامه و أهبط الى تلك الجزيرة، فمكث فيها خمسمائة عام؛ و كان صديقا لجبرئيل عليه السّلام فيما مضى. فقال له: أين تريد؟
قال: انّه قد ولد لمحمّد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مولود في هذه الليلة فبعثني اللّه في ألف ملك لأهنّئه.
فقال له: يا جبرئيل احملني إليه لعلّه يدعو لي.
فحمله، فلما أدّى جبرئيل عليه السّلام الرسالة، و نظر النبي الى فطرس قال: يا جبرئيل من هذا؟
فأخبره بقصّته.
فالتفت إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: هل امسح جناحك على هذا المولود؟
فمسح فطرس جناحه على الحسين عليه السّلام فردّه الله الى حالته الاولى.
فلما نهض قال له النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: فان اللّه قد شفعني فيك، فالزم أرض كربلاء، فأخبرني بكلّ من يأتي الحسين زائرا الى يوم القيامة.
قال: فذلك الملك يسمّى عتيق الحسين عليه السّلام.
فأقام الحسين مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله سبع سنين، و تولّى رسول اللّه تغذيته و تأديبه و تعليمه، و أنزل اللّه تبارك و تعالى «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»
و روي ان أمير المؤمنين و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم كانوا شركاء في الوصية و الإمامة، فتقدّم أمير المؤمنين عليه السّلام بما خصّه اللّه- عز و جل- به و تقدّم الحسن بالكبر.
و أقام الحسين مع أمير المؤمنين عليه السّلام ثلاثين سنة، و مع أبي محمد عشر سنين، فلما حضرت وفاة أبي محمّد عليه السّلام أحضره و سلّم إليه جميع مواريث الأنبياء، فقام بأمر اللّه عز و جل؛ و الملك في ذلك الوقت لمعاوية.
ثم توفي معاوية في سنة ستين من الهجرة و عهد الى اللعين ابنه يزيد (لعنه اللّه) فملك بعد أبيه و طالب أبا عبد اللّه عليه السّلام بمبايعته، فامتنع عليه من ذلك.
و روي انّه لمّا أصيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بإبراهيم ابنه من مارية القبطية جزع عليه جزعا شديدا حتى قال صلّى اللّه عليه و آله: القلب يجزع و العين تدمع و انّا عليك لمحزونون و ما نقول ما يسخط الربّ.
فهبط عليه جبرئيل عليه السّلام فقال له: الرّب جل جلاله يقرأ عليك سلامه و يقول: اما ان يختار حياة إبراهيم فيردّه اللّه حيّا و يورثه النبوّة بعدك فيقتله أمتك فيدخلها اللّه النّار، أو يبقى الحسين سبطك و يجعله اللّه إماما بعدك فيقتله نصف أمتك بين قاتل له و معين عليه و خاذل له و راض بذلك و مبغض فيدخلهم اللّه بذلك النار.
فقال: يا ربّ لا أحبّ أن تدخل أمتي كلّها النار. و بقاء الحسين أحبّ، و لا تفجع فاطمة به.
قال: و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا قبّل ثنايا الحسين و لثاته قال له: فديت من فديته بإبراهيم.
و لمّا عزم الحسين عليه السّلام على الخروج الى العراق بعد ان كاتبه أهل الكوفة و وجّه مسلم ابن عقيل إليهم على مقدّمته فكان من أمره ما كان و أراد الخروج بعثت إليه أم سلمة: انّي اذكّرك اللّه يا سيدي أن لا تخرج.
قال: و لم؟
قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: يقتل الحسين ابني بالعراق. و أعطاني من التربة قارورة أمرني بحفظها و مراعاة ما فيها.
فبعث إليها: و اللّه يا امّاه اني لمقتول لا محالة فأين المفر من قدر اللّه المقدور؟ ما من الموت بدّ و اني لأعرف اليوم و الساعة و المكان الذي اقتل فيه، و أعرف مكان مصرعي
و البقعة التي أدفن فيها، و أعرفها كما أعرفك، فان أحببت أن أريك مضجعي و مضجع من يستشهد معي فعلت.
قالت: قد شئت و حضرته.
فتكلّم باسم اللّه عز و جل الأعظم فتخفّضت الأرض حتى أراها مضجعه و مضجعهم، و أعطاها من التربة حتى خلطتها معها بما كان.
ثم قال لها: اني أقتل في يوم عاشوراء و هو اليوم العاشر من المحرّم بعد صلاة الزوال، فعليك السلام .. رضي اللّه عنك يا أمّاه برضانا عنك.
و كانت أم سلمة تسأل عن خبره و تراعي قرب عاشوراء.
و خرج محمد ابن الحنفية يشيّعه فقال له عند الوداع: يا أبا عبد اللّه! اللّه اللّه في حرم رسول اللّه.
فقال له: أبى اللّه إلّا أن يكنّ سبايا.
و كان من مصيره الى النهرين ما رواه الناس.
و توجّه عبيد اللّه بن زياد (لعنه اللّه) بالجيوش من قبل يزيد في ثمانية و عشرين ألفا.
فلما صافه للحرب عليه السّلام صلّى الحسين بأصحابه الغداة. و روي انّه كان ذلك من يوم العاشر من المحرم سنة إحدى و ستين .. قام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه و قال لأصحابه:
«ان اللّه عز و جل قد اذن في قتلكم اليوم و قتلي و عليكم بالصبر و الجهاد».
و روي ان عدتهم في ذلك اليوم كانت واحدا و ستين رجلا و ان اللّه- عز و جل- انتصر و ينتصر لدينه منذ أوّل الدهر الى آخره بألف رجل.
فسئل عن تفصيلهم؛ فقال: ثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحاب طالوت، و ثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحاب يوم بدر مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و ثلاثمائة و ثلاثة عشر أصحاب القائم عليه السّلام. بقي واحد و ستون رجلا هم الذين قتلوا مع الحسين عليه السّلام في يوم الطف.