کتابخانه روایات شیعه
فأحضر الملك الآخر فسأله فجحد و ألحّ عليه فأقام على الجحود فقال المذيع للملك:
وجّه معي بجماعة حتى أتاك به فان لم أفعل افعلن بي ما تشاء. ففعل الملك ذلك و حبس الرجل المنكر فرجع المذيع و الجماعة فأخبروا أنّهم لم يصادفوا أحدا. فأطلق الملك الرجل المنكر و صلب المذيع.
ثم عمل أهل تلك البلدة بالمعاصي فأمرني اللّه أن أقلب تلك المدينة على أهلها فرفعتها حتى صارت في الهواء ثم قلبتها فلما صارت على وجه الأرض خرج منها رجل و امرأة و ساخت المدينة بأهلها فكان الرجل الذي كتم على الخضر و المرأة التي كتمت عليه فاجتمعا و حدّث كلّ واحد منهما صاحبه بأمره فتزوّجها الرجل و أولدها أولادا و احتاجا إلى خدمة الناس فاتصلت المرأة بابنة الملك فبينما هي ذات يوم تسرّح رأسها سقط المشط من يدها فقالت «تعس من كفر باللّه» فأخبرت ابنة الملك أباها بما قالت فدعا المرأة فأقرّت له بقولها، فأحضر زوجها و أولادها فاستتابهم و دعاهم إلى دينه فأبوا عليه، فغلى لهم الزيت ثم كان يطرح فيه واحدا بعد واحد و هم مقيمون على أمرهم، فلما بلغ إليها قال لها قبل أن يطرحها: هل لك من حاجة؟ قالت: نعم تحفر لجماعتنا حفيرة و تأمر بدفننا فيها ففعل.
فرائحة تلك الحفيرة يفوح منها المسك إلى يوم القيامة.
ثم كان من قصّة الخضر مع موسى عليهما السّلام ما هو مبيّن في موضعه. و كان ملك ذي القرنين خمسمائة عام ثم ملك بعده منوشهر مائة و ست و عشرين سنة و هو الذي كرى الفرات يعني حفره و اتخذ الأساورة و الزي و السلاح و الضياع و البساتين و كان زمانه زمان صلاح و لين.
فلما حضرت ارفخشد النبيّ المغمور الصامت عليه السّلام الوفاة أوحى اللّه جل و عز إليه أن يستودع أمر اللّه و نوره ابنه شالح فدعاه و أوصى إليه بما كان أبوه أوصاه به و سلّم إليه ما في يده.
فقام شالح عليه السّلام بأمر اللّه عز و جل
و معه المؤمنون و سلك سبيل آبائه و جرى مجراهم
و على سنّتهم إلى أن حضرته الوفاة فأمره اللّه أن يستودع الأسماء و الحكمة و النبوّة إلى ابنه هود (صلّى اللّه عليه) و دعاه إليه و أوصى و مضى عليه السّلام.
و قام هود بن شالح بأمر اللّه جل و علا
فأظهر اللّه تبارك و تعالى نبوّته فسلم له العقب من ولد سام و قال الآخرون من ولد حام و يافث و كان هود عليه السّلام أشبه الناس بآدم (صلّى اللّه عليه) و كان تاجرا.
و روي انّ طوله كان أربعين ذراعا و كانت أعمار أهل زمانه أربعمائة سنة و كانت منازلهم في أحقاف الرمل الذي في طريق مكّة و كانت جبالا و عيونا و مراعي فطحنتها الرياح فصارت رمالا و كانوا قد عذّبوا بالقحط ثلاث سنين فلم يرجعوا عمّا هم عليه و بعثوا وفدا منهم إلى مكّة ليستسقوا قال: فرفعت لهم ثلاث سحائب فاختاروا منها التي فيها العذاب و هي الريح الصرصر فعصفت عليهم سبع ليال و ثمانية أيّام حسوما و كان رئيسهم الخلجان فقالوا من أشدّ منّا قوّة نحن ندفع الريح أن تدخل مدينتنا فقاموا متضامين بعضهم إلى بعض فكانت الريح ترمي بهم كأجذاع النخل فصار الخلجان الى هود فقال له: انا نرى الريح اذا أقبلت أقبل معها خلق كمثال الآباء معهم الأعمدة هم الذين يفعلون الأفاعيل بنا.
فقال لهم هود: أولئك الملائكة. فقال له الخلجان: أ فترى ربّك ان نحن آمنا بك يديل لنا منهم؟
قال هود: ان أهل الطاعة لا يدال منهم لأهل المعاصي و لكنّي أسأل اللّه أن يكشف عنكم العذاب.
فقال الخلجان: فكيف لنا بالرجال الذين هلكوا؟
قال هود: يبد لكم اللّه بهم من هم خير منهم.
فقالوا: لا خيرة لنا في الحياة بعدهم.
فأهلكهم اللّه بالريح.
فلما انقضت أيام هود بعدهم أمره اللّه عز و جل بأن يستودع أمر اللّه و نوره و حكمته
ابنه (فالغ) فدعاه و أوصى إليه.
و مضى هود (صلّى اللّه عليه) و دفن فيما روي على شاطئ البحر تحت جبل على صومعة.
و روي انّه صار الى مكّة هو و شيعته بعد أن أهلك اللّه قومه فأقام بها إلى أن مات صلوات اللّه عليه.
و قام فالغ بن هود عليهما السّلام بأمر اللّه جل جلاله بعد أبيه هود
و سلك مسلكه و جرى في الأمور و السيرة مجراه حتى إذا حضرت وفاته و انقطع أجله أوحى اللّه تعالى إليه أن يستودع النور و الاسم الأعظم ابنه يروغ فدعاه و أوصى إليه و مضى عليه السّلام.
فقام يروغ بن فالغ عليهما السّلام بأمر اللّه جل و عز
و ملك الأرض في أيامه فراشيات اثنتي عشرة سنة و كانت معه ساحرة تعمل السحر و لم يزل يروغ بن فالغ القائم بأمر اللّه مستخفيا الى أن قتله الجبّار في زمانه من ولد عوج بن عناق (لعنه اللّه) و قتل من أولاده خمسة كلّهم أنبياء و أوحى اللّه جل و عزّ في ذلك الزمان إلى ألف و أربعمائة نبي أن يقتلوا أهل ذلك الزمان و من كان أعان على قتل يروغ و أولاده ففعلوا.
فعند ذلك ملك طهمسعان مائتين و ثماني و تسعين سنة فكثر الخصب في زمانه و عمل البساتين و زكت الزروع و الغروس و أعان ولد عوج على الأنبياء حتى قتل منهم ثمانمائة و أربعة عشر نبيّا.
فقام نوشا بن أمين عليه السّلام بالأمر لما اختاره اللّه
و جمع له أنبياء ذلك الزمان فاجتمع إليه المؤمنون و الشيعة و الصديقون و ورثه اللّه العلم و الحكمة و ما كان خلفه يروغ بن فالغ من مواريث النبوّة فلم يزل يجاهد حتى رفعه اللّه إليه من غير موت، و أمره قبل أن يرفعه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته صاروغ بن يروغ بن فالغ فأوصى إليه و سلّم ما في يده إليه.
و قام صاروغ بن يروغ عليه السّلام مقام آبائه (صلوات اللّه عليهم)
فلما حضرته وفاته أوحى اللّه إليه أن يستودع الاسم الأعظم و النور ابنه تاجور بن صاروغ ففعل و أوصى و سلّم إليه و مضى على منهاج آبائه صلوات اللّه عليهم.
و قام تاجور بن صاروغ عليه السّلام و ولده بأمر اللّه جل و علا
فمن آمن بهم كان مؤمنا و من جحدهم كان كافرا و من جهل أمرهم كان ضالّا ثم أوحى اللّه إليه أن يستودع الاسم الأعظم و ميراث النبوّة و ما في يده تارخا ابنه ففعل صلّى اللّه عليه.
و قام تارخ و هو ابو ابراهيم الخليل (صلّى اللّه عليهما) بالأمر
في أربع و ستين سنة من ملك رهو بن طهمسعان، و في رواية اخرى أربع و ثمانين سنة و هو نمرود.
و إبراهيم (صلّى اللّه عليه) اختاره اللّه جل و علا لنبوّته
و انتجب لرسالته و تفصيل حكمته خليله إبراهيم (صلّى اللّه عليه) و كان بين نوح و إبراهيم عليهما السّلام ألف سنة.
و روي عن العالم عليه السّلام انّه قال: ان آزر كان جدّ إبراهيم لامّه منجما لنمرود و هو رهو ابن طهمسعان فنظر في النجوم ليلة فقال لنمرود: قد رأيت الليلة عجبا و هو حال مولود في أرضنا يكون هلاكنا على يديه و لسنا نلبث إلّا قليلا حتى تحمل به امّه. فأمر الملك فحجب الرجال عن النساء فلم يترك امرأة في المدينة و كان تارخ عنده ابنة آزر أمّ ابراهيم عليه السّلام فحملت به فظنّ آزر انّه هو فأرسل الى نساء من القوابل فنظرن فألزم اللّه ما في الرحم الظهر فلم يرين شيئا في بطنها فلما وضعت إبراهيم عليه السّلام أراد آزر أن يذهب به الى نمرود فقالت له ابنته: لا تذهب به إليه فيقتله و لكن دعني حتى أذهب به الى بعض الغارات فأجعله فيه حتى يجيء أجله فأجابها، فذهبت به الى غار في الجبل فوضعته فيه و جعلت على باب الغار صخرة و انصرفت عنه فأنزل اللّه عز و جل رزقه في إبهامه فجعل يمصّها فتشخب لبنا و جعل يشب في اليوم ما يشب غيره في شهر و ألقى اللّه عليه المحبة
من امّه و كذلك سبيل الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام.
و مضى تارخ؛ و ابراهيم مولود صغير، و مكث حينا غائبا، و جاءت امّه لتعرف خبره فإذا هي به و عيناه تزهران فأخذته و ضمّته إلى صدرها و أرضعته و انصرفت عنه فأخبرت أباها انّها مضت فما رأته و كانت تأتيه في ذلك الغار إلى أن تحرّك فانصرفت عنه ذات يوم فأخذ بثوبها فقالت له: ما لك؟ فقال: اذهبي بي معك. فقالت له: حتى استأذن أباك.
قال: فأتت أباه فأخبرته الخبر فقال لها: اقعديه على الطريق فإذا مر به اخوته دخل معهم حتى لا يعرف. ففعلت ذلك به، فلما رآه أبوه ألقى اللّه عليه محبته له.
فبينا قومه يعملون الأصنام إذ أخذ ابراهيم عليه السّلام خشبة و أخذ الفأس و نجر منها صنما لم يروا مثله قط فقال آزر لامّه، اني لأرجو أن أصيب خيرا كثيرا ببركة ابنك هذا.
فأخذ إبراهيم الفأس فكسّر الصنم. فأنكر ذلك أبوه عليه. فقال له إبراهيم: و ما تصنعون به؟ قال: نعبده. قال إبراهيم: أ تعبدون ما تنحتون بأيديكم؟! فقال آزر جدّه هذا الذي يكون ذهاب الملك على يده. قال: فلما شبّ إبراهيم عليه السّلام و كبر صار يجادل قومه في اللّه جل و عز و يخاصمهم و كان رفيقا بالغريب و الضعيف و يقري الضيف حتى سمّي أبو الأضياف.
ثم بعثه اللّه عز و جل بالحنيفية و التوحيد و الإخلاص و خلع الانداد و إقامة الصلاة و الصيام و الحجّ و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و جميع شرايع الاسلام و سننه، و بالختان و التنظيف و التطهير. و أعطاه اللّه جميع ما أعطى الأنبياء و زاده عشر صحائف و كشف اللّه عز و جل له عن الأرض فنظر الى جميعها.
و كان من قصته فيما دعا به على الرجل الزاني و ما أمره اللّه في ذلك و في قوله و قد رأى جيفة بعضها في البر و بعضها في البحر و دواب البر و البحر يأكل منها ثم يأكل بعضها بعضا «أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى» ما قص اللّه جل و تعالى به و جاءت الرواية بشرحه ما هو مشهور.
و شاع خبره عليه السّلام فقبض عليه و أتي به الى نمرود و أخبر خبره فبنى له حيزا و جمع فيه الحطب و أحرق، ثم وضع في المنجنيق ليرمى به الى النار فلما صار بين الكفة و النار
ضجّت الملائكة فقالوا يا ربّ خليلك ما في أرضك من يعبدك غيره. فأوحى اللّه عز و جل إليهم: امضوا إليه و امسكوا أمره.
فسبق جبرئيل عليه السّلام و هو بين المنجنيق و النار فقال له: يا إبراهيم هل لك من حاجة؟
فقال: أما إليك فلا. فلما تنحى عنه جبرئيل دعا بسورة التوحيد فقال: اللّهم انّي أسألك بحق محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين نجّني من النار.
فأوحى اللّه الى النار: «كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ»
فروي ان النار لم تحرق شيئا ثلاثة أيام و لم يسخن الماء مخافة من عذاب اللّه ثم بعث اللّه إليه بقميص من ثياب الجنّة و لبسه و كان عليه حتى كساه اسحاق ثم ورثه يعقوب ثم يوسف و هو القميص الذي وجد يعقوب ريحه.
قال: و أشرف نمرود على النار و بعد ثلاثة أيام فوجد إبراهيم سليما قاعدا فقال لأصحابه: إذا عبد الناس فليعبدوا مثل إله ابراهيم.
و كان نمرود أوّل من لبس التاج و أظهر التجبّر و الكبر فأمر بإبراهيم فاخرج إليه و أمره بالخروج عن دار مملكته و بلده و منعه ماله و ماشيته فحاكمهم ابراهيم عند ذلك الى قاضي المدينة فقال: ان أخذتم ماشيتي و مالي فردوا عليّ ما ذهب من عمري في بلادكم.
فقضي لإبراهيم على نمرود بردّ ما ذهب من عمره عليه أو ردّ ماله و ماشيته فأمر نمرود بردّ ماله و ماشيته عليه و تخلية سبيله.
فخرج من أرض كوپي فاتى نحو بيت المقدس و عمل تابوتا حمل زوجته سارة لأنّه كان غيورا و كان من قصّة الجبّار القبطي ما كان من خروجه و تشييعه لإبراهيم و ما أوحى اللّه إلى إبراهيم أن لا تمش قدام الجبار و اجعله امامك و ما قاله القبطي في جواب ذلك لإبراهيم ان إلهك حليم كريم رفيق؛ ما قد قص.
و سار ابراهيم حتى نزل بأعلى الشامات و نزل لوط و كان ابن اخته نازلها و كان بينهما فيما روي ثمانية فراسخ.
و ابتاع ابراهيم عليه السّلام هاجر من سارة فوقع عليها فحملت و ولدت اسماعيل عليه السّلام و هو الذبيح و هو أكبر أولاده و من اسحاق بخمس سنين و كان من قصّة اسماعيل في الذبح ما
قص اللّه به.
و ولد اسحاق من سارة فلما بلغ ثلاث سنين أقبل إسماعيل إلى اسحاق و هو في حجر أبيه إبراهيم فنحاه و جلس مجلسه و نظرت به سارة و قالت يا إبراهيم تنحي ابني اسحاق من حجرك و تجلس مكانه ابن هاجر لا و اللّه لا تجاروني هاجر و ابنها في بلد أبدا.
فشقّ ذلك على إبراهيم. فلما كان في الليل أتاه آت برؤيا الذبح فلما حضر الموسم انطلق باسماعيل و أمّه هاجر الى مكّة و دخلها فبدأ ببناء قواعد البيت و كان الطوفان ثلم شيئا منه فرفع القواعد و إسماعيل معه يعينه على البناء ثم خرج الى منى ثم خرج الى مكّة بعد الحجّ فلما ان صار في السعي قال لإسماعيل «يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ» في الموسم في عامي هذا فما ذا ترى.
«قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ»
فانطلق إبراهيم إلى منى في يوم النحر فلما انتهى الى الجمرة الوسطى كان من الأمر ما قصّ اللّه به فداه اللّه بالكبش و رجع إبراهيم عليه السّلام و معه إسماعيل إلى مكّة فأقام بها ما شاء اللّه ثم ودّع اسماعيل و أمّه هاجر لينصرف عنهما فبكيا فقال لهما إبراهيم ما يبكيكما؟
و قد جعلتكما في أحبّ البقاع إلى اللّه جل و عز. فقالت له هاجر: ما كنت أرى نبيّا مثلك يخلف امرأة ضعيفة و غلاما ضعيفا لا حيلة لهما في مكان قفر لا أنيس له و لا زرع و لا ضرع.
فرقّ إبراهيم و دمعت عيناه و أقبل حتى انتهى إلى باب الكعبة و أخذ بعضادتي الباب ثم قال اللّهم «إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ» إلى قوله ...
يشكرون.
فأوحى اللّه إليه ان اصعد أبا قبيس و ناد: يا معشر الخلائق ان اللّه يأمركم بحجّ هذا البيت من استطاع إليه سبيلا فريضة من اللّه.