کتابخانه روایات شیعه
فأراد أن ينبهه فمنعه جبرئيل عليه السّلام فانتبه أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له: تنبّه ابن عمّك؟.
فنبهه فأدّى جبرئيل الرسالة إليه عن اللّه جل جلاله.
فلما نهض جبرئيل ليقوم، أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بثوبه و قال: ما اسمك؟.
قال: جبرئيل.
فنهض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليلحق بغنمه، فلم يمر بشجرة و لا مدرة إلّا سلّمت عليه و هنأته بالرسالة.
و كان جبرئيل عليه السّلام يأتيه فلا يدنو منه إلّا بعد أن يستأذن عليه، فأتاه يوما و هو بأعلى مكّة بناحية الوادي فغمز بعقبه فانفجرت عين فتوضأ جبرئيل عليه السّلام و تطهّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للصلاة ثم صلّى و هي أول صلاة صلّاها في الأرض فرضها اللّه جل و عز.
و صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام تلك الصلاة مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من يومه الى خديجة عليها السّلام فأخبرها فتوضّأت و صلّت صلاة العصر من ذلك اليوم، فكان أول من صلّى من الرجال أمير المؤمنين عليه السّلام و من النساء خديجة.
و أعطى اللّه جلّ ذكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جميع ما أعطى الأنبياء المرسلين و الملائكة المقرّبين و علّمه جميع الكتب المنزلة و الصحف على الأنبياء و أنزل عليه الكتاب و الحكمة و آتاه ما لم يؤت أحدا من العالمين.
و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: أعطيت ما أعطي النبيّون و المرسلون جميعا و أعطيت خمسة عشر لم يعطها أحد: نصرت بالرعب، و جعل لي ظهر الأرض مسجدا و طهورا، و أعطيت جوامع الكلم، و فضلّت بالغنيمة، و أعطيت الشفاعة في أمّتي.
و أعطاه اللّه عز و جل كلّما أعطى الأنبياء من المعجزات و الآيات و العلامات و فضل بما لم يؤته أحدا منهم.
حديث الدار
ثم أنزل اللّه جلّ و تعالى: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» فجمع صلّى اللّه عليه و آله بني هاشم و هم في ذلك الوقت أربعون رجلا من المشايخ الرؤساء، فأمر أمير المؤمنين عليه السّلام فاطبخ لهم رجل شاة و خبز لهم صاعا من طعام ثم ادخل إليه منهم عشرة، فأكلوا حتى تصدروا ثم جعل يدخل إليه عشرة بعد عشرة حتى أكلوا و شربوا جميعا و شبعوا، و ان فيهم من يأكل الجذعة و يشرب الزق.
و روي أنّه أمر بشاة فذبحت لهم فأكلوا منها ثم أمر بجمع أهابها و عظامها ثم أحياها ثم أنذرهم و دعاهم الى نبوّته و قال لهم: قد بعثني ربي جل و عز الى الإنس و الجن و الأبيض و الأسود و الأحمر.
و روي انّه قال لهم: ان اللّه جل و تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين و اني لا أملك لكم من اللّه حظّا إلّا أن تقولوا «لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و ان محمدا عبده و رسوله».
فقال أبو لهب له: أ لهذا دعوتنا؟
ثم تفرّقوا عنه فأنزل اللّه: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ» ...
السورة.
و روي انّه دعاهم ثانية فأطعمهم و سقاهم جميعا لبنا من عس واحد حتى تصدروا ثم قال لهم: يا بني عبد المطلب أطيعوني تكونوا ملوك الأرض و حكّامها. ان اللّه عز و جل لم يبعث نبيا قط إلّا جعل له وصيّا و أخا و وزيرا فأيّكم يكون أخي و وصيي و مؤازري و قاضي ديني؟.
فأبوا قبول ذلك و قالوا: و من يطيق ما تطيقه أنت؟.
فقام إليه أمير المؤمنين عليه السّلام و هو أصغرهم سنّا فقال له: أنا يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
فقال له: أنت لعمري تقبل ما قلت و تجيب دعوتي.
و لذلك كان وصيّه و أخاه و وارثه دونهم.
و في رواية اخرى: انّه صلّى اللّه عليه و آله جمع عشيرته من بني هاشم و هم خمسة و أربعون رجلا فيهم عمّه أبو لهب فظنّوا انّه يريد أن ينزع عمّا دعا إليه.
فقال له من بينهم أبو لهب: يا محمّد هؤلاء عمومتك و بنو عمومتك قد اجتمعوا فتكلّم بما تريد و اعلم انّه لا طاقة لقومك بالعرب.
فقام صلّى اللّه عليه و آله فيهم خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه كثيرا و ذكّرهم بأيام اللّه جلّ ذكره و القرون الخالية من الأنبياء- صلّى اللّه عليهم- و الجبابرة و الفراعنة و وصف لهم الجنّة و النار ثم قال:
«ان الرايد لا يكذب أهله. و اللّه الذي لا إله إلّا هو، اني رسول اللّه إليكم حقّا و إلى الناس كافة. و اللّه لتموتن كما تنامون و لتبعثن كما تستيقظون و لتحاسبن كما تعلمون و لتجزون سرمدا و انّكم أوّل من أنذره».
و روي انّهم اجتمعوا إليه صلّى اللّه عليه و آله فقالوا له: لن نؤمن لك حتى تأتينا باللّه و الملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف- يعنون من ذهب- أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك، و اللّه لو فعلت ذلك ما كنّا ندري أصدقت أم لا.
ثم آمن من بعد أمير المؤمنين عليه السّلام قوم من عشيرته، أولهم: جعفر بن أبي طالب و حمزة بن عبد المطلب.
تآمر قريش، و معجزاته [ص]
و اجتمعت قريش في دار أبي سفيان صخر بن حرب (و سمّيت دار الندوة للتدبير و المشاورة) و كتبوا بينهم صحيفة بخط معاوية و هو حدث أخذوا فيها الايمان الفاجرة الكافرة و حلفوا جميعا باللات و العزى ان لا يكلّموا بني هاشم و لا يبايعوهم أو يسلموا إليهم محمّدا صلّى اللّه عليه و آله فيقتلوه.
ثم أخرجوهم من بيوتهم حتى نزلوا شعب أبي طالب و وضعوا عليهم الحرس فمكثوا كذلك ثلاث سنين.
ثم بعث اللّه الارضة على الصحيفة فكان من حديثهم ما رواه الناس و كان من آيات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما بهر العقول من أمر الحصاة، و شقّ القمر، و دعاء الشجر، و كلام الوحش و البهائم و الطير، و اخبارهم بما يأكلون و ما يدّخرون في بيوتهم، و نبع الماء من بين اصابعه، الى غير ذلك من آياته و معجزاته صلّى اللّه عليه و آله مما قد روي.
المعراج
و أنزل اللّه القرآن في ليلة من ليالي شهر رمضان دفعة واحدة ثم أوحى اللّه إليه: و لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه.
و أتاه جبرئيل عليه السّلام ليلا- و هو بالأبطح- بالبراق، و هو أصغر من البغل و أكبر من الحمار فركبه صلّى اللّه عليه و آله و أمسك جبرئيل عليه السّلام بركابه و مضى يزفّه زفا الى بيت المقدس ثم الى السماء فتلقته الملائكة فسلّمت عليه و تطايرت بين يديه حتى انتهى الى السماء السابعة، فروي ان الأنبياء بعثوا إليه و دفعوا له ذلك الموضع حتى صلّى بهم و أمّهم ثم أوحى اللّه إليه: ان كنت في شكّ ممّا أوحينا إليك فاسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك- يعني الأنبياء.
فالتفت إليهم فقال: بما ذا تشهدون؟.
فقالوا: نشهد أن لا إله إلّا اللّه و انّك رسول اللّه و ان عليّا ابن عمّك وصيّك أمير المؤمنين.
و روي في خبر آخر انّه قال: لا أشكّ يا ربّ و لا أسأل.
ثم روي: انّه عرج به الى السماء السابعة حتى كان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى و ان الحجب رفعت له و مشى فنودي: يا محمّد انّك لتمشي في مكان، ما مشي عليه بشر قبلك.
فكلّمه اللّه جل و علا فقال: «آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ» فقال النبيّ: نعم يا ربّ «وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ»
فقال اللّه جل و علا: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ»
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» ... الى آخر السورة.
فقال اللّه جل و عز له: قد فعلت.
ثم قال له: من لأمّتك من بعدك؟.
فقال: اللّه أعلم.
فقال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السّلام.
فكانت إمامته من اللّه مشافهة ..
و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله انّه قال: ان اللّه جل و علا لمّا عرج بي إليه مثل لي امتي في الطين من أوّلها إلى آخرها، فأنا أعرف بهم من أحدكم بأخيه و علّمني الأسماء كلّها.
و فرض على امته الصلاة في تلك الليلة، و روي انّه كان بعد مبعثه بخمس سنين ففرضت خمسين ركعة ثم ردت الى سبع عشرة ركعة تخفيفا عن امّته.
و روي احدى عشرة ركعة ففرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ست ركعات و أضافها الى تلك و هي التي تسقط في السفر.
و روي ان اللّه جل و عز فرض على امته بعد الصلاة الصيام ثم فرض زكاة الفطرة ثم زكاة الأموال ثم الحج بعد الفرائض ثم الجهاد ثم ختم جميع ذلك بالولاية.
ثم رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان فقده في تلك الليلة أبو طالب و لم يزل يطلبه و وجّه الى بني هاشم ان البسوا السلاح فقد فقدت محمّدا صلّى اللّه عليه و آله.
فخرج بنو هاشم سوى أبي لهب فانّه كان حليف بني عبد شمس بن أميّة و أشدّ الناس عداوة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صاهر أبا سفيان باخته حمالة الحطب، و أبو طالب يقول:
يا لها من عظيمة ان لم أر ابني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
فبينما هو كذلك إذ تلقاه السيّد صلّى اللّه عليه و آله و قد نزل من السماء على باب أم هاني اخت أمير المؤمنين عليه السّلام.
فقال له أبو طالب: انطلق معي فادخل المسجد بين يدي.
فدخل و معه بنو هاشم فسل سيفه أبو طالب عند الحجر ثم قال: يا بني هاشم اظهروا ما معكم.
فاخرجوا السلاح ثم التفت الى بطون قريش فقال: و اللّه لو لم أره لما بقي فيكم عين تطرف.
فقالت قريش: يا أبا طالب لقد كنت منّا عظيما.
و اتقته قريش بعد ذلك اليوم أن تفكر في اغتياله.
و أصبح السيّد صلّى اللّه عليه و آله فصلّى بالناس و حدّثهم بحديث المعراج فقالوا: صف لنا بيت المقدس، فرفعه جبرئيل عليه السّلام حتى جعله تجاهه و جعل يراه و يحدّثهم بصفته حتى حدّثهم بخبر عير أبي سفيان و الجمل الأحمر الذي يقدمها.
فكذّبوه و قالوا: هذا سحر مبين.
و أقام صلّى اللّه عليه و آله بمكة يدعو الناس سرّا و جهرا فأجابه المؤمنون و جحده من حقت عليه كلمة العذاب.
الهجرة و المبيت
و اجتمعت قريش في دار الندوة يأتمرون في قتله، فاتاهم إبليس في صورة شيخ من مضر فاستقرت آراؤهم بمشورة اللعين أن يخرج كلّ بطن منهم رجلا بأسيافهم فيضربوه ضربة رجل واحد و ذلك في السنة التي توفي فيها أبو طالب و توفيت خديجة عليها السّلام.
فأخبر اللّه رسوله بذلك و أمره بالخروج عن مكّة الى المدينة و ان ينوم أمير المؤمنين عليه السّلام على فراشه، ففعل.
و كان من قصته في خروجه و حديث الغار و هجرته الى المدينة ما رواه الناس، فروي ان اللّه جل و تعالى و اخى بين ملائكته المقربين، فواخى بين جبرئيل و ميكائيل ثم أوحى إليهما: ان كتبت على أحدكما نائبة أو محنة عظيمة هل فيكما من يقي أخاه بنفسه؟.
فقالا: نعم يا ربّ.
فأوحى اللّه إليهما: ان كتبت على أحدكما الموت قبل أخيه، هل فيكما من يبذل مهجته و يفدي أخاه بنفسه؟.
قالا: لا يا رب.
فأوحى اللّه إليهم: اهبطا الى الأرض فانظرا.
فهبطا فوجدا أمير المؤمنين عليه السّلام نائما على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد وقاه بنفسه من المشركين. فقالا: بخ! بخ! هذه المواساة بالنفس.
و كان من حديث هجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الى المدينة ما كان. و دخل مسجد قبا و اجتمع إليه جمع من المسلمين ثم ركب راحلته عليه السّلام متوجها الى المدينة فاستقبله الأنصار و قالوا:
هلم إلينا يا رسول اللّه الى العدّة و العدد و النصر و المواساة.
و جعلوا يتعلقون بزمام ناقته فقال عليه السّلام: خلّوا عنها فانّها مأمورة.
حتى انتهت الى اسطوانة الخلوق فأمر باحضار الحجارة ثم نصبها في قبلة المسجد.