کتابخانه روایات شیعه
و كانت مدّة المحنة عشرين سنة (و روي) سبع عشر سنة فلما أراد اللّه إزالتها و كشفها رفع يعقوب عليه السّلام يديه ثم قال يا من لا يعلم أحد كيف هو و حيث هو و قدرته إلّا هو يا من سد الهواء بالسماء و كبس الأرض على الماء و اختار لنفسه أحسن الأسماء ائتني بروح من عندك و فرج قريب.
فما انفجر عمود الصبح حتى أتي بالقميص و طرح على وجهه فرد اللّه عليه بصره و ولده.
و خرج الى مصر و جمع اللّه مع ذلك أهله و ماله. و خرج يوسف عليه السّلام لتلقيه فلما رآه يعقوب ترجّل له و الأسباط.
و لم ينكر ذلك و يعظّمه إيّاه فأخرج اللّه الإمامة من عقبه و جعلها في ولد أخيه الأكبر لاوي بن يعقوب لأنّه لم يعرف أباه حقّه.
ثم صار بهم إلى منزله فرفع أبويه إلى سرير الملك و هو العرش الذي ذكره اللّه و هما أبوه و خالته لأن امّه راحيل كانت توفيت قبل الرؤيا التي رآها و تكفلت خالته بتربيته.
و دخل فلبس ثياب العزّ و الملك و خرج فلما رأوه سجدوا للّه شكرا فعند ذلك قال يوسف «هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا»
و مكث يعقوب مع يوسف عليهما السّلام بمصر سنتين فلما حضرت وفاته فأوحى اللّه إليه أن يسلم مواريث الأنبياء و النور و الاسم الأعظم إلى يوسف فدعاه و جمع أولاده و أوصى إليه ثم قبض (صلّى اللّه عليه) و سنّه مائة و ست و أربعون سنة.
و قام يوسف عليه السّلام مقامه
و وضعه بين يديه أربعين يوما يبكي عليه و يعدّد حتى ركب إليه الملك في زمانه مع عظماء أهل مملكته فكلّموه و وعظوه.
و حمله من مصر الى بيت المقدس ليدفنه مع آبائه فوجد العيص قد رجع إلى بيت المقدس فمنع من دفنه و نازعهم فيه فوثب ابن شمعون [و] كان ايدا على العيص فوكزه فقتله فدفن يعقوب و العيص في مكان واحد.
و رجع يوسف إلى مصر فلم يزل يدبّر أمر اللّه و معه أهله و المؤمنون فمن أطاعه كان
مؤمنا و من عصاه كان كافرا.
و كان يوسف عليه السّلام اماما ملكا يلبس الديباج و الوشي و الابريسم المنسوج بالذهب و الجوهر و لم يكن نزل تحريم لبس ذلك.
و ملك اثنين و سبعين سنة و عاش مائة و عشرين سنة و كان له ابنان يقال لأحدهما افرائيم و هو جدّ يوشع بن نون و الآخر ميشا.
فلما قربت وفاته أوحى اللّه إليه عز و جل ان استودع نور اللّه و حكمته و جميع المواريث التي في يديك ببرز بن لاوي بن يعقوب فاحضر ببرز بن لاوي و جمع آل يعقوب و هم يومئذ ثمانون رجلا فقال لهم: ان هؤلاء القبط سيظهرون عليكم و يسومونكم سوء العذاب و نعوت الإمامة مكتومة ثم ينجيكم اللّه و يفرّج عنكم برجل من ولد لاوي اسمه موسى بن عمران طوال جعد آدم مفلفل الشعر أحلج على لسانه شامة و على أرنبة أنفه شامة و لن يظهر حتى يخرج قبله سبعون كذّابا، و روي خمسون كلّ يدّعي انّه هو، ثم يظهر و ينصر اللّه بني إسرائيل و يفرّج عنهم.
و سلم التابوت و النور و الحكمة و جميع المواريث الى ببرز بن لاوي عليه السّلام و مضى (صلّى اللّه عليه).
و دفن بمصر في صندوق من مرمر في بطن النيل ثم استخرجه موسى عليه السّلام من ذلك الموضع و مضى به الى الأرض المقدّسة فدفنه فيها.
و كان سبب حمله من مصر أن المطر احتبس على بني إسرائيل فأوحى اللّه جل و علا الى موسى عليه السّلام ان اخرج عظام يوسف.
فسأل موسى عن الموضع فأتي بعجوز عمياء مقعدة فقالت أنا أعرف موضعه و لا أخبرك به حتى تعطيني ثلاث خصال: تطلق لي رجلي و تعيد لي صورتي و شبابي و عيني و تجعلني معك في الجنّة و كانت العجوز من بني إسرائيل فأوحى اللّه إلى موسى ان اعطها ما سألت فانّما تعطى على ما سئلت ففعل فدلّته فأخرجه و نقله إلى الأرض المقدّسة (صلوات اللّه عليه).
قام ببرز بن لاوي بن يعقوب عليهم السّلام بأمر اللّه جلّ و عز
يدبره على سبيل آبائه عليهم السّلام فروي انّه كان إذا ولد في بني إسرائيل كلّ واحد منهم يدّعي انّه هو و يسمّى عمران ثم يأتي عمران ولد فيسمّى الولد موسى يتعرّضون بذلك لقيام القائم موسى عليه السّلام. فما ظهر موسى حتى خرج سبعون كذّابا «و روي» خمسون من بني إسرائيل كلّ واحد منهم يدّعي انّه هو و عند ذلك ملك الأرض بعد فرعون يوسف فيقابوس مائة و خمسون سنة و بنى مدينة سمّاها قيفدون و هو الذي كانت الشياطين معه قبل سليمان بن داود عليهما السّلام.
فلما حضرت ببرز عليه السّلام الوفاة أوحى اللّه إليه ان يستودع نور اللّه و حكمته و ما في يديه ابنه أحرب فدعاه و أوصى إليه بمثل ما كان يوسف (صلّى اللّه عليه) أوصى به ففعل ذلك.
و قام أحرب بن ببرز بن لاوي عليهم السّلام بأمر اللّه عزّ و جل
و اتبعه المؤمنون و جرى على منهاج آبائه حتى إذا حضرته الوفاة أوحي إليه أن يجعل الوصيّة إلى ابنه ميتاح فأحضره و أوصى إليه و سلّم مواريث الأنبياء و ما في يديه إليه و مضى (صلّى اللّه عليه).
و قام ميتاح بن أحرب عليهما السّلام بأمر اللّه جل ذكره
و اتبعه المؤمنون و هم الأقلون عددا في ذلك الزمان المستخفون من الجبّار المتوقعون الفرج.
فلما حضرت ميتاح الوفاة أوحى اللّه إليه أن يوصي إلى ابنه عاق فأحضره و أوصى إليه.
و قام عاق بن ميتاح عليه السّلام بأمر اللّه جل و علا
و اتبعه المؤمنون على سبيل من تقدّمه من آبائه فلما حضرته الوفاة أوحى اللّه تعالى إليه أن يوصي إلى ابنه خيام فأحضره و أوصى إليه و مضى صلّى اللّه عليه.
و قام خيام بن عاق عليه السّلام بأمر اللّه جل و تعالى
و نوره حكمته إلى أن حضرته الوفاة أوحى اللّه إليه أن يستودع نور اللّه و حكمته ابنه مادوم فاتبعه المؤمنون مدّة زمانه على
خوف و استخفاء و أودع نور اللّه و حكمته ابنه مادوم.
و قام مادوم بن خيام عليه السّلام بأمر اللّه جل و علا
و نوره حكمته الى ان حضرته الوفاة فأوحى اللّه إليه أن يوصي إلى شعيب فأحضره و أوصى إليه و مضى عليه السّلام و كان شعيب من ولد نابت بن إبراهيم صلّى اللّه عليه لم يكن من ولد اسماعيل و اسحاق صلوات اللّه عليهم.
فقام شعيب بالأمر بعد مادوم
فعند ذلك ظهر ملك فرعون ذو الأوتاد و هو فرعون موسى عليه السّلام و اسمه الوليد بن ريان بن مصعب و كان ملكه أربعمائة سنة و في سنة من ملكه بعث اللّه أيوب صاحب البلاء صلّى اللّه عليه و كانت امرأته رحمة بنت يوسف عليه السّلام و هو أيوب بن أموص بن العيص بن اسحاق بن يعقوب و كان من قصّة شعيب عليه السّلام ان اللّه بعثه الى قوم نبيا حين كبرت سنّه فدعاهم إلى التوحيد و الإقرار و الطاعة فلم يجيبوه فغاب عنهم ما شاء اللّه ثم عاد إليهم شابّا فدعاهم فقالوا ما صدقناك شيخا فكيف نصدّقك شابا (فروي) ان أمير المؤمنين عليه السّلام كان يعيد ذكر هذا الحديث و يكرّره و يتمثّل به كثيرا و كان سبب نبوّة شعيب ان قومه اتخذوا ميكائيل و موازين مختلفة يأخذون بالأوفر و يعطون بالأنقص. و في الحديث طول.
و بلغ فرعون قرب أمر موسى بن عمران عليه السّلام و ان زوال ملكه و هلاكه على يديه و في أيامه فوكّل القوابل بالنساء الحوامل فلم يكن يولد غلام إلّا ذبح و إذا ولدت المرأة جارية استحييت و تركت فغلظ الأمر على بني إسرائيل من فرعون و اجتمعوا الى فقيه كان لهم عالم فقالوا: لا نقرب النساء حتى لا يذبح الأطفال من أولادنا فقال عمران عليه السّلام و كان عالما مؤمنا تقيّا من أولاد المؤمنين: و اللّه لا تركت ما أمر اللّه به فان أمره عز و جل واقع و لو كره المشركون اللّهم من حرّم ذلك فانّي لا أحرّمه و من تركه فإنّي لا أتركه.
و روي ان أصحاب فرعون شكوا قلّة النسل من بني إسرائيل لأنّهم كانوا يستعبدونهم
و يستخدمونهم فأمر فرعون بأن تستحيى الذكور سنة و يقتلون سنة فولد هارون بن عمران في سنة الاستحياء و ولد موسى في سنة القتل حتى يري اللّه عز و جل قدرته.
و روي ان أمّ موسى لما حملت فطن بها و وضع عليها قابلة تلزمها فأوقع اللّه على القابلة محبّة قبل ولادته و كذلك حجج اللّه على من خلقه.
فكانت أمّ موسى عليه السّلام تضمر و تذوب، فقالت لها القابلة: يا بنية أراك تذوبين و تحزنين.
قالت لها: كيف لا أذوب و أحزن و إذا ولدت أخذ ولدي و ذبح؟
قالت لها: لا تحزني فانّي سوف أكتم عليك ولادة موسى بن عمران عليه السّلام.
فلما ولد موسى عليه السّلام قالت القابلة لامّه: ادخليه المخدع.
و خرجت القابلة الى الحرس و كان مع كلّ قابلة حرسا يقتل من يولد من الذكور فقالت له و لمن معه: انصرفوا فقد كفينا إنمّا خرج دم متقطّع.
فانصرفوا و رضعته أمه و خافت على الصوت فأوحى اللّه إليها ان اعملي تابوتا فإذا خفت عليه فاجعليه فيه و ألقيه في أليم بالليل في نيل مصر، ففعلت و طرحته و جعل يرجع إليها و جعلت تدفعه في غمر الماء ثم ان الريح ضربته بالأمواج فانطلقت بالتابوت فلما رأته قد ذهب به الماء جزعت و أيست و همّت أن تصيح فربط اللّه على قلبها.
و كانت المرأة الصالحة آسية امرأة فرعون على دين بني إسرائيل تكتم ايمانها. قالت لفرعون: هذه أيام الربيع فاخرجني و تقدّم أن يضرب لي قبّة على شاطئ النيل حتى اتفرّج في هذه الأيام بالنظر الى الخضرة و الرياض. ففعل و كان يقعد معها، فأقبل التابوت نحوهما حتى صار بين أيديهما فقالت: هل ترون ما أرى؟ قالوا: بلى انّا لنرى شيئا.
فلما دنا التابوت بادرت الى الماء فجذبته إليها و كاد الماء أن يغمرها فأخرجته و وضعته في حجرها و وقعت عليها له محبّة و قالت: هذا ابني و لم يكن لها و لا للملك ولد.
و قال فرعون: نقتله فانّا نتخوّف أن يكون من بني إسرائيل.
فلم تزل ترفق به حتى أمسك عن قتله و رضي و وهبه لها.
و طلبت آسية من ترضعه فلم يبق أحد إلّا وجّه بامرأته لترضعه فامتنع من رضاع كلّ واحدة منهنّ و أبى تناول ثديهن.
و روي ان في قول اللّه عز و جل «وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً» قال: فارغا من كلّ شيء إلّا من ذكر ولدها موسى و الفكرة فيه. فقالت لاخته: انظري هل ترين أو تسمعين له خبرا أو اثرا.
فانطلقت فوجدت من يطلب الدايات فرجعت إلى امّها فعرفتها الخبر.
فانطلقت حتى أتت باب الملك فقالت: ان هنا امرأة صالحة تكفله لك.
فأدخلت فقالت لها آسية امرأة فرعون: ممّن أنت؟ قالت: من بني إسرائيل. فقالت لها:
اذهبي يا بنية فلا حاجة بنا إليك.
فقلن لها النساء: فانظري يأخذ منها ثديها أم لا يأخذ.
فرفع موسى إليها فوضعته في حجرها ثم ألقمته الثدي فأخذه و مصّه حتى روي فقامت آسية إلى فرعون فأخبرته.
فقال لها: الغلام من بني إسرائيل و الظئر من بني إسرائيل؛ هذا ما لا يكون أبدا و لا يجوز أن نجمعهما.
فلم تزل ترفق به حتى رضي و أمسك.
فروي انّه لما وضعته امّه في حجرها اشتدّ فرحها به فقالت: فديتك يا موسى. فسمع فرعون فاستشاط فأرسل اللّه جل و عز فنطق على لسانها فقالت: بلغني انّكم مشتموه من الماء فقلت يا موشى بالعبرانية. فقال لها فرعون: صدقت، من الماء مشتناه و انّا نسمّيه موشى فعربت، فهو ميشا عليه السّلام في دار فرعون.
و كتمت أمه و اخته و القابلة خبره. و ماتت القابلة فلم يعلم بخبره أحد من بني إسرائيل.
و اشتد أمر الغيبة في توقعه و انتظاره على بني إسرائيل و كانوا يتجسّسون من خبره بالليل و النهار و غلظ عليهم سيرة فرعون و جنوده فخرجوا في ليلة مقمرة الى فقيه لهم و كان الاجتماع عنده يتعذّر عليهم و يخافون فقالوا له: قد كنّا نستريح الى الأحاديث فحتى متى؟ فقال لهم: لا تزالون في هذا أبدا حتى يأتي اللّه بموسى بن عمران و يظهر في الأرض.
و أخذ يصف لهم وجهه و طوله و لحيته و علاماته إذ أقبل موسى عليه السّلام و قد كان خرج
الى الصيد على بغلة له شهباء و عليه طيلسان خز فوقف عليهم فرفع العالم رأسه فنظر إليه فعرفه فوثب إليه ثم قال له: ما اسمك يرحمك اللّه؟
فقال له: موسى بن عمران فانكبّ على يده و رجله فقبّلهما. و ثار القوم فقبّلوا يده و رجله و قالوا له: الحمد للّه الذي لم يمتنا حتى أراناك.
فلم يزد على أن قال: أرجو أن يعجل لكم الفرج فاتخذهم شيعة من ذلك اليوم.
ثم غاب بعد ذلك بضعة عشر سنة ثم خرج من الدار الى السفينة فوجد فيها رجلا من شيعته اولئك؛ يقاتله رجل من آل فرعون؛ و كان القبطة يحملون على بني إسرائيل الماء و الحطب و الصخور و الحجارة «فروي» انّه كان طبّاخا لفرعون قد حمل على ذلك المؤمن حطبا فلم يطق حمله فجعل يضربه.
فلما رأى موسى المؤمن استغاث به على الطبّاخ القبطي فوكزه موسى فقضى عليه و دخل الدار. و انتشر الخبر في المدينة و بلغ الملك و قد كان أعلم ان موسى إذا خرج يقتل طباخا له فبذل الرغائب لمن يأتي به.
و خرج موسى بعد ذلك إلى المدينة «فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ» على رجل آخر من القبط.
فقال له موسى «إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ» بالأمس رجل و اليوم رجل. ثم دنا من القبطي فتخلّص الرجل منه، فظن القبطي انّه قاتله و ظن المؤمن انّه دنا منه ليعاقبه لقوله «إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ» فقال له: يا موسى أ تريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس.
و بصر به أهل المدينة، فخرج منها خائفا يترقب، بغير ظهر يركبه و لا خادم يخدمه حتى انتهى الى أرض (مدين) و هي مسيرة بضعة عشر يوما فروي انّه صار إليها في ليلة واحدة و بعض يوم فانتهى الى أصل شجرة تحتها بئر يستقي منها الماء فوجد عندها أمة من الناس يسقون فكان قصّته مع شعيب و ابنته ما قصّ اللّه به.