کتابخانه روایات شیعه
نسوة كأطول النخل يحدّثنني فعجبت و جعلت أقول في نفسي: من أين علم هؤلاء بموضعي. ثم اشتد بي الأمر و أنا أسمع الوجبة في كلّ وقت حتى رأيت كالديباج الأبيض قد ملأ ما بين السماء و الأرض و قائل يقول «خذوه من أعين الناس» ثم رأيت رجالا وقوفا في الهواء بأيديهم أباريق ثم كشف اللّه لي عن بصري ساعتي تلك فرأيت مشارق الأرض و مغاربها و رأيت ثلاثة أعلام منصوبة علما في المشرق و علما في المغرب و علما على ظهر الكعبة ثم خرج صلّى اللّه عليه و آله، فخرّ ساجدا للّه جلّ ذكره و رفع أصبعه إلى السماء كالمتضرع المبتهل و رأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتى غشيته و سمعت مناديا ينادي: طوفوا بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شرق الأرض و غربها و البحار ليعرفوه بصورته و اسمه و نعته.
ثم تجلّت عنه الغمامة و إذا أنا به في ثوب أبيض أشدّ بياضا من اللبن و تحته حريرة خضراء و قد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب و قائل يقول: قبض محمّد صلّى اللّه عليه و آله على مفاتيح الجنّة و مفاتيح النصر و مفاتيح النبوّة و مفاتيح الريح.
ثم أقبلت سحابة اخرى أنور من الاولى و سمعت مناديا ينادي: طوفوا بمحمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المشرق و المغرب و اعرضوه على روحاني الانس و الجن و الطير و السباع و اعطوه صفاء آدم و رقّة نوح و حلّة إبراهيم و لسان اسماعيل و جمال يوسف و بشرى يعقوب و صوت داود و صبر أيوب و زهد يحيى و كرم عيسى.
ثم انكشف عنه فإذا انا به و بيده حريرة خضراء قد طويت طيّا شديدا و قد قبض عليها و قايل يقول: قد قبض محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الدّنيا كلّها لم يبق شيء إلّا دخل في قبضته.
ثم أتاني ثلاثة نفر كأن الشمس تطلع من وجوههم في يد أحدهم ابريق فضّة رايحته كالمسك و في يد الثاني طشت من زمرد خضراء لها اربعة جوانب في كلّ جانب لؤلؤة بيضاء يقول: هذه الدّنيا فاقبض عليها يا حبيب اللّه.
فقبض على وسطها فقال قائل: قبض على الكعبة.
و رأيت في يد الثالث حريرة بيضاء مطوية نشرها و أخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين فيه ثم حمل ابني فغسل بذلك الماء من الابريق سبع مرات ثم ختم بين كتفيه
بالخاتم و لفّف في الحريرة و ادخل بين أجنحتهم ساعة.
و روي عن العالم عليه السّلام: ان الفاعل به ما فعل من الغسل (رضوان) عليه السّلام ثم انصرف و جعل يلتفت إليه و يقول: ابشر يا عز الدّنيا و شرف الآخرة.
و ولد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم طاهرا مطهّرا (و روي) ان الوصي الذي كان هو صاحب الزمان في ذلك الوقت هو أبي فلما ولد صلّى اللّه عليه و آله خبر ثقاته بأمره ثم صار بابا له عليه السّلام و كان ذلك الوصي حجّة له في الظاهر و بابا في الباطن لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم تكن له حجّة عليه قط و لا كان إلّا حجّة فكان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منذ وقت ولادته الى ان نطق بالرسالة حجّة على الوصي و على ثقات الوصي و ذلك الوصي حجّة على الخلق في الظاهر و باب السيّد عليه السّلام محجوب به في الباطن.
و روي عن عبد المطلب انّه قال: كنت في ليلة ولادة ابني محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الكعبة أؤم من البيت شيئا فلما انتصف الليل إذا أنا ببيت اللّه الحرام قد استمال بجوانبه الأربعة و خرّ ساجدا في مقام إبراهيم عليه السّلام ثم استوى كما كان. فسمعت منه تكبيرا عظيما اللّه أكبر اللّه أكبر ربّ محمّد المصطفى الآن طهرني اللّه ربّي من أنجاس المشركين و رجسات الجاهلية. ثم انتقضت الأصنام كما تنتقض البيوت فكأني أنظر الى الصنم الأعظم (هبل) و قد انكسف فلما رأيت البيت و فعلها لم أدر ما أقول و جعلت أحسر عن عيني و أقول انّي لنائم ثم أقول كلا اني ليقظان ثم انطلقت الى بطحاء مكة و خرجت فإذا أنا بالصفا تتطاول و المروة ترتج و اذا أنا أنادى من كلّ جانب: يا سيد قريش ما لك كالخائف الوجل؟
أ مطلوب أنت؟.
و لا أخبر جوابا إنمّا همّتي آمنة حتى أنظر الى ابنها محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إذا أنا بطير الأرض حاشرة إليها و إذا أنا بجبال مكّة مشرفة عليها و إذا أنا بسحابة بيضاء بازاء حجرتها فلما رأيت ذلك دنوت من الباب فاطلعت فإذا أنا بآمنة قد غلقت الباب على نفسها ليس بها أثر النفاس و الولادة فدققت الباب فأجابت بصوت خفي. فقلت: عجّلي و افتحي الباب.
فأوّل شيء وقعت عيني عليه وجهها فلم أر موضع نور محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقلت: أنا نائم يا آمنة أم يقظان؟.
قالت: بل يقظان. ما لك كالخائف الوجل؟ أ مطلوب أنت؟.
قلت: لا و لكني منذ ليلتي في كلّ ذعر و خوف. و ما لي لا أرى النور الذي كنت أراه بين عينيك ساطعا؟.
قالت: قد وضعته.
قلت: و كيف و ليس بك أثر نفاس؟ و ما أنكر من أمرك شيئا.
قالت: بلى قد وضعته أتمّ الوضع و أطيبه و أسهله و هذه الطير التي تراها بإزائي تنازعني أن أدفعه إليها فتحمله إلى أعشاشها، و هذه السحاب تسألني مثل ذلك.
قال عبد المطلب: فهاتيه حتى أنظر إليه.
قالت آمنة: حيل بينك و بينه أن تراه لأنّه أتاني آت كأنّه قضيب فضة أو كالنخلة الباسقة فقال لي: انظري يا آمنة لا تخرجيه الى خلق من ولد آدم حتى يأتي عليه منذ ولدته ثلاثة أيام.
فغضب عبد المطلب من قولها و قال: تخرجينه إليّ أو لأقتلنّ نفسي.
فلما رأت الجدّ منه قالت: شأنك و إيّاه، هو في ذلك البيت مدرج في ثوب صوف أشدّ بياضا من اللبن تحته حريرة خضراء ..
قال عبد المطلب: فقصدت لألج الباب، فبدر الي من داخله رجل فقال لي: مكانك و ارجع فلا سبيل لأحد من ولد آدم إلى رؤيته ثلاثة أيام أو تنقضي زيارة الملائكة له.
قال: فارتعدت جوارحي و خرجت مبادرا لأخبر قريشا بذلك، فأخذ اللّه عز و جل بلساني فلم أنطق بخبره سبعة أيام بلياليها.
و روي ان السيد محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ولد مع طلوع الفجر من يوم الاثنين مطهّرا- و روي يوم الجمعة- لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في عام الفيل و هو عام الفتح- و هو أصحّ- فعظمت قريش في العرب و سمّوا آل اللّه جل جلاله.
و دفعه عبد المطلب الى حليمة بنت أبي ذويب، و كان من حديثها في ارضاعه ما رواه الناس و شرح في كتاب الدلائل لنبوّته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و دلايله في نحو مائتي ورقة بروايات المشايخ الثقات.
و مات أبوه و أمّه و هو صلّى اللّه عليه و آله صغير السن و كفله جدّه عبد المطلب مدّة قليلة ثم عمّه أبو طالب الى أن بعث و أمره اللّه تعالى بإظهار أمره و تبليغ رسالاته.
فروي عن العالم عليه السّلام انّه قال: ان اللّه جلّ و علا أيتم نبيّه صلّى اللّه عليه و آله لئلا تكون عليه رئاسة لأحد من الناس.
ثم نشأ فكان من خبره مع عمّه أبي طالب ما قصّ به من حديثه و خدمة زوجته فاطمة بنت أسد له، و كان من قصّة اليهود و طلبهم إيّاه و من خبر خروج السيّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع عمّه أبي طالب و اجتيازه ببحيرا الراهب في طريق الشام و نزوله من صومعته لما رأى الغمامة قد أظلّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ما ظهر من الدلالة في تلك الحال حتى أطعمهم الطعام و ما كان من خبر تزويجه بخديجة عليهما السّلام و هو ابن نيف و عشرين سنة و ما خطب به أبو طالب حيث زوّجه بها، الى غير ذلك ممّا ظهر من كلام الشجر و المدر و الحصى له و دعوتهم إيّاه بالرسالة في حال صغر سنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و صلاته و صيامه و حجّه على خلاف ما كانت قريش تعمله و انكارهم ذلك ما أتت به الأخبار و رواه الرواة من كافّة الناس.
الوحي
فلما أراد اللّه جل تعالى جلاله أن يتمّ نوره و يظهر برهانه و أتت له أربعون سنة- و قبل ذلك كان نبيّا مستخفيا- أمر اللّه عز و جل جبرئيل عليه السّلام أن يهبط إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بإظهار الرسالة فقال له ميكائيل عليهما السّلام: أين تريد؟.
فقال له: لقد بعث اللّه جل و علا نبيّ الرحمة فأمرني أن أهبط إليه بإظهار الرسالة.
فقال له ميكائيل: فأجيء معك؟.
قال له: نعم.
فنزلا فوجدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نائما بالأبطح، بين أمير المؤمنين علي و بين جعفر ابني أبي طالب عليهما السّلام فجلس جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه و لم ينبهاه إعظاما له و هيبة فقال ميكائيل له: إلى أيّهم بعثت؟.
فقال: إلى الأوسط.
فأراد أن ينبهه فمنعه جبرئيل عليه السّلام فانتبه أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له: تنبّه ابن عمّك؟.
فنبهه فأدّى جبرئيل الرسالة إليه عن اللّه جل جلاله.
فلما نهض جبرئيل ليقوم، أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بثوبه و قال: ما اسمك؟.
قال: جبرئيل.
فنهض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليلحق بغنمه، فلم يمر بشجرة و لا مدرة إلّا سلّمت عليه و هنأته بالرسالة.
و كان جبرئيل عليه السّلام يأتيه فلا يدنو منه إلّا بعد أن يستأذن عليه، فأتاه يوما و هو بأعلى مكّة بناحية الوادي فغمز بعقبه فانفجرت عين فتوضأ جبرئيل عليه السّلام و تطهّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للصلاة ثم صلّى و هي أول صلاة صلّاها في الأرض فرضها اللّه جل و عز.
و صلّى أمير المؤمنين عليه السّلام تلك الصلاة مع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فرجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من يومه الى خديجة عليها السّلام فأخبرها فتوضّأت و صلّت صلاة العصر من ذلك اليوم، فكان أول من صلّى من الرجال أمير المؤمنين عليه السّلام و من النساء خديجة.
و أعطى اللّه جلّ ذكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جميع ما أعطى الأنبياء المرسلين و الملائكة المقرّبين و علّمه جميع الكتب المنزلة و الصحف على الأنبياء و أنزل عليه الكتاب و الحكمة و آتاه ما لم يؤت أحدا من العالمين.
و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: أعطيت ما أعطي النبيّون و المرسلون جميعا و أعطيت خمسة عشر لم يعطها أحد: نصرت بالرعب، و جعل لي ظهر الأرض مسجدا و طهورا، و أعطيت جوامع الكلم، و فضلّت بالغنيمة، و أعطيت الشفاعة في أمّتي.
و أعطاه اللّه عز و جل كلّما أعطى الأنبياء من المعجزات و الآيات و العلامات و فضل بما لم يؤته أحدا منهم.
حديث الدار
ثم أنزل اللّه جلّ و تعالى: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» فجمع صلّى اللّه عليه و آله بني هاشم و هم في ذلك الوقت أربعون رجلا من المشايخ الرؤساء، فأمر أمير المؤمنين عليه السّلام فاطبخ لهم رجل شاة و خبز لهم صاعا من طعام ثم ادخل إليه منهم عشرة، فأكلوا حتى تصدروا ثم جعل يدخل إليه عشرة بعد عشرة حتى أكلوا و شربوا جميعا و شبعوا، و ان فيهم من يأكل الجذعة و يشرب الزق.
و روي أنّه أمر بشاة فذبحت لهم فأكلوا منها ثم أمر بجمع أهابها و عظامها ثم أحياها ثم أنذرهم و دعاهم الى نبوّته و قال لهم: قد بعثني ربي جل و عز الى الإنس و الجن و الأبيض و الأسود و الأحمر.
و روي انّه قال لهم: ان اللّه جل و تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين و اني لا أملك لكم من اللّه حظّا إلّا أن تقولوا «لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له و ان محمدا عبده و رسوله».
فقال أبو لهب له: أ لهذا دعوتنا؟
ثم تفرّقوا عنه فأنزل اللّه: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ» ...
السورة.
و روي انّه دعاهم ثانية فأطعمهم و سقاهم جميعا لبنا من عس واحد حتى تصدروا ثم قال لهم: يا بني عبد المطلب أطيعوني تكونوا ملوك الأرض و حكّامها. ان اللّه عز و جل لم يبعث نبيا قط إلّا جعل له وصيّا و أخا و وزيرا فأيّكم يكون أخي و وصيي و مؤازري و قاضي ديني؟.
فأبوا قبول ذلك و قالوا: و من يطيق ما تطيقه أنت؟.
فقام إليه أمير المؤمنين عليه السّلام و هو أصغرهم سنّا فقال له: أنا يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
فقال له: أنت لعمري تقبل ما قلت و تجيب دعوتي.
و لذلك كان وصيّه و أخاه و وارثه دونهم.
و في رواية اخرى: انّه صلّى اللّه عليه و آله جمع عشيرته من بني هاشم و هم خمسة و أربعون رجلا فيهم عمّه أبو لهب فظنّوا انّه يريد أن ينزع عمّا دعا إليه.
فقال له من بينهم أبو لهب: يا محمّد هؤلاء عمومتك و بنو عمومتك قد اجتمعوا فتكلّم بما تريد و اعلم انّه لا طاقة لقومك بالعرب.
فقام صلّى اللّه عليه و آله فيهم خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه كثيرا و ذكّرهم بأيام اللّه جلّ ذكره و القرون الخالية من الأنبياء- صلّى اللّه عليهم- و الجبابرة و الفراعنة و وصف لهم الجنّة و النار ثم قال:
«ان الرايد لا يكذب أهله. و اللّه الذي لا إله إلّا هو، اني رسول اللّه إليكم حقّا و إلى الناس كافة. و اللّه لتموتن كما تنامون و لتبعثن كما تستيقظون و لتحاسبن كما تعلمون و لتجزون سرمدا و انّكم أوّل من أنذره».
و روي انّهم اجتمعوا إليه صلّى اللّه عليه و آله فقالوا له: لن نؤمن لك حتى تأتينا باللّه و الملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف- يعنون من ذهب- أو ترقى في السماء و لن نؤمن لرقيك، و اللّه لو فعلت ذلك ما كنّا ندري أصدقت أم لا.