کتابخانه روایات شیعه
مقدمة التحقيق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تقديم:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، حمدا لا يبلغ مداه الحامدون، و لا يدرك حده الحاسبون، حمدا فوق كلّ حمد، و أكبر من كلّ حمد، تبارك و تعالى اللّه ربّ العالمين.
و الصلاة على رسوله الامين، و نبيّه المختار، الحبيب المصطفى، و الرحمة المهداة، محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و على أهل بيته المعصومين، سبل نجاة الأمة، و أنوار الحقّ الذي لا يستضاء الّا بها ...
(و بعد:) فربما يعتقد البعض بتصور يبتني على التوهم الباطل المحض- و كنتيجة منطقية لحالة التراخي الفكري و العقائدي الديني، بل و كانعكاس حتمي لظاهرة الانبهار و التأثر غير العقلائي و المتأمل بالاطار المادي الذي يغلّف العوالم المتحضرة، و ما تشهده من تراكم علمي متصاعد- انّ حالة الانشداد النفسي و الباطني نحو عقيدة الدعاء- المبتنية بشكل أساس على القواعد الروحية المؤمنة بوجود القوة القادرة المطلقة المتمثلة باللّه تعالى- قد تعرّضت الى نوع من التراخي و الفتور، بل و الى عدم ثبات الكثير من الأسس العقلائية المحفّزة على
التمسّك بهذا الشكل من العبادة، و المداومة عليه، و ذلك لان حالة الانشداد النفسي و الروحي نحو الدعاء- حسب هذا التصور الباهت- تنبعث أساسا بل و بشكل مؤكد من حالة الخوف و التوجّس التي كانت تغلّف حياة الانسان في تلك الحقب الغابرة مما يحيطه من المظاهر الغامضة التي كان لا يجد لها في حدود تفكيره البسيط تفسيرا معقولا يطمئن اليه، و تجد له نفسه الخائفة ما يلقي عليها نوعا من الاطمئنان و الاستقرار، ينضاف الى ذلك ما كانت تشكّله حالة العجز المادي عن دفع الكثير من الآفات المختلفة سواء كانت العوارض الطبيعية أو الامراض الوبائية و غيرها، كل ذلك كان يشكّل البعد الاوسع في تعلّق الانسان بالحالة الغيبية، و الايمان المطلق بقدرتها على حل هذه المعضلات، فلذا تراه يتشبّث بالدعاء متوسلا باللّه تعالى صرف هذه الاخطار المتوهّمة، أو الاحداث الغيبيّة، او حتى حالات المرض و العسر التي تصيبه فيعجز أمامها عن فعل شيء.
و الحق يقال انّ مثل هذه الاطروحات- و التي قد تجد لها في أذهان السذج و المغرّرين مواطىء لاقدامها، أو منافذ لسمومها- ترتكز على مبنيين أساسيين يشكّلان الحجرين الاساسيين لابتناء افكارهما، و هما:
1- رد الفعل المادي الحاد قبالة الانحراف الفكري و العقائدي للكنيسة.
2- الانبهار و التأثر الشديد بحالة التطور المادي و التقني الالحادي.
و هذان المبنيان يشكّلان المدخلين الواسعين اللذين أثّرا بلا شك في صنع الاطروحة المذكورة البعيدة كلّ البعد عن أرض الواقع، و العاجزة عن ادراك حقائق الامور المستهدف نقضها، بل و من دون أدنى تأمّل في العقائد المترجمة لمفهوم الدعاء، و المراد منه.
انّ الاسلام كدين سماوي متكامل أرسله اللّه تعالى الى عموم البشرية، كان يستهدف بشكل أساس صنع الانسان المؤمن القوي الذي يتكاتف مع
عيره من المؤمنين الاشداء في بناء الحضارة الانسانيّة الراقية القائمة على العدل و المحبة و الاخوة، و انتشاله من وهدة الانحراف و الفساد الاخلاقي، في عالم راق سام متكامل الابعاد و الزوايا، و لا يتأتى ذلك الا من خلال اعتماد جملة متسلسلة من البرامج العلمية التي تستهدف أول ما تستهدف بناء الانسان كانسان مؤمن متحضّر نزيه، يكون بامكانه الاقدام على وضع اسس بناء تلك الحضارة التي هي بلا شك هدف كل الاطروحات العقائدية السماويّة، بيد أنّ دأب طوابير الظلمة و على طول التأريخ على الوقوف بوجه المصلحين و الدعاة و المخلصين، و دفعهم قهرا للانشغال بغيرها، حال دون تلك الأمنية و تلك الرغبة العظيمة، و لعله لا يخفى على من له أدنى اطلاع باشكال العقائد الاسلامية- ناهيك بمن سبر غورها و أدرك مضامينها- صدق ما ذكرناه، و ما أشرنا اليه اجمالا.
و الدعاء بما هو مفهومه التقليدي من ترجمة الصلة الموضوعيّة بين الخالق و المخلوق، بين الغني و الفقير، بين الضعيف و القوي، و توسل الاول بالثاني، و ادراكه- أي الاول- بقدرة الثاني على كلّ شيء، و قوته المطلقة التي لا تحدها حدود، فيلجأ اليه متوسلا بلطفه صرف كلّ ما يخشاه، و تحقيق ما يتمناه، دون الغاء الجد و الاجتهاد في الوصول الى ما يبتغيه، و تلك مسلّمة لا نقاش حولها، فالعمل هو مقياس ثابت لترجمة الإيمان دون غيره، هذا مع اقترانه بالنية الصادقة و المؤمنة، نعم فانّ الإنسان المؤمن يدرك هذه الحقيقة دون لبس و دون شك، و لم يرسل اللّه تعالى الى البشريّة دينا يدعو الى التواكل و الى الانزواء، و ما يقول بهذه الّا الجهلة و السطحيين.
و أمّا ما يريد البعض إلصاقه قهرا بالعقائد السماويّة، و منها الشريعة الاسلامية الكاملة، بدعوة أتباعها الى الانكفاء السلبي أمام ظواهر الحياة المختلفة، و التواكل المقيت على القوة السماوية و التعلّق بقدرتها على حل هذه المعضلات، و غير ذلك من التأويلات الغريبة عن العقائد العظيمة التي جاءت
بها هذه الشرائع الالهية، و التي توّجت بالدين الاسلامي الكبير، فانه يعد بحق تجنّيا و تخرّصا بعيدا جدا عن أرض الواقع، و ربطا غير عقلائي بالمظاهر المنحرفة التي أوجدتها حالات الانحراف الواضح عن أصل الشريعة و مبادئها و إن كانت تحاول الالتصاق بها.
إنّ أفضل ما يمكن لمحاولة بناء الفهم الصحيح لمنهج الدعاء و موضوعيته تكمن بشكل أساس في استقراء القواعد العقائدية التي ينطلق من خلالها الدعاء، و يبتني على أرضيتها، و أما الحكم من خلال المظاهر السلبية المنسوبة اليه قسرا، أو من خلال القياس غير المشروع بجملة الاطروحات الغريبة التي جاءت بها الكنيسة و أتباعها ممن خرجوا بالديانة المسيحية و أفكارها عن مرتكزاتها السليمة و الصحيحة جريا وراء نزواتهم و غرائزهم الحيوانية النهمة، فذلك من الاجحاف و الظلم بمكان، و لا أعتقد أن يقول به أي عاقل منصف، و لعل هذا الاشتباه الكبير ما وقع فيه من حاول قسرا الربط بين هذين المظهرين المختلفين- جهلا و عمدا- فطبّل له الالحاديون و زمّروا.
إنّ الشريعة الاسلامية المقدسة جاءت و تحمل في طياتها دعوة البشرية الى العمل الصالح و البناء، بل و أولت العاملين المخلصين و العلماء المتفوقين اهتماما خاصا، و عناية متميّزة، و القرآن الكريم بين ظهراني الأمة لا يعسر على أحد التأمّل في آياته لادراك صدق ما ذكرناه، و كذا هي السنّة النبويّة المطهّرة و أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام، سهلة المنال و يسرة الاطلاع لمن أراد ذلك، فليتأمل بها من أراد إدراك الحقيقة لا غير.