کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج3، ص: 215
الذكر و الأنثى لكل واحد منها.
قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ / 189 كلا .. لم يحرم الله أيّا منهما، إذ لا أحد يشهد بصدق هذه التحريمات.
أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا و بالطبع لا يستطيع أحد أن يدعي هذه الشهادة.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ لان هؤلاء يحفرون خطا منحرفا للناس، و يجعلونهم يظلمون أنفسهم، و يظلمون الناس آلاف المرات، و كل سيئات الظلم تكون على عاتق ذلك الذي افترى على الله. مثلا: الذين يفلسفون الطبقية، و يجعلونها مشروعا. كم يفترون من الإثم؟! إذ أنهم يتسببون في ألوف بل ملايين الجرائم، أ ليس كذلك؟! إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الذين يفترون على الله كذبا، و لذلك فهم يضلون السبيل القويم، و هنا لا بد من التذكر بفكرة هي: أن السبب الذي يدعو فريقا من الناس الى اختراع الشرائع الباطلة هو اتباع الشهوة في ظلم الآخرين، كما ان السبب الذي يدعو الناس الى الالتفاف حول هذا الفريق هو الظلم أيضا، و الظلم الصغير يولد الظلم الكبير الى أن يضلّ الطريق رأسا.
من هدى القرآن، ج3، ص: 216
[سورة الأنعام (6): الآيات 145 الى 147]
/ 190
[اللغة]
146 [الحوايا]: المباعر، و مفردها حاوية و هي ما يحوي في البطن ما اجتمع و استدار.
من هدى القرآن، ج3، ص: 217
الأفق الايجابي في تشريعات التوحيد
هدى من الآيات:
في مواجهة الانغلاق الذي أصيب به البعض، فحرموا على أنفسهم الطيبات الا قليلا ذكر القرآن الحكيم هنا أنه ليس تلك المحرمات الجاهلية موجودة في الكتاب، إنما هي أشياء معدودة ذكرت في الآية و هي الميتة و الدم و الخنزير و الفسق.
/ 191 بيد أنه حرم الله على بني إسرائيل أنواعا من الطيبات، و ذلك مثل كل ذي ناب أو مخلب، و شحوم البقر و الغنم، و ذلك لأنهم بغوا على بعضهم البعض، و كلما زاد بغي البشر ضاقت عليه النعم.
و الله سبحانه رحيم، و رحمته واسعة، و لكنّه في ذات الوقت شديد العقاب، لا يستطيع المجرمون الفرار من عقابه.
و تأتي هذه الآيات لتؤكد الفكرة السابقة و هي ضرورة الاستقامة على الخط السليم دون زيادة أو نقصان. لأن الأحكام الشرعية مرتبطة بالمصالح الواقعية التي
من هدى القرآن، ج3، ص: 218
لا تتغير.
بينات من الآيات:
دود الحرام:
[145] يزعم البعض أن الدّين معتقل حصين لطاقات البشر، لا يدعها تنمو و تتكامل، و أن كل شيء في الدين حرام الا ما استثناه الله، و الله سبحانه ينفي هذه الفكرة الباطلة مرة بعد اخرى.
و في هذه الآية يشرح الله سبحانه أصل الحلية التامة الا في أشياء معيّنة، و بذلك يشجع البشر على التمتع بنعم الله، الا إذا سبّب ضررا بالغاء عليه.
قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً اي خارجا من الجسم باندفاع، اما الدم المتبقي في ثنايا اللحم فانه معفو عنه.
أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ بالرغم من ان ظاهره طيب، و لكن واقعه رجس،/ 192 يولد أنواعا من المرض كما يطبع طاعمه ببعض الأخلاق الذميمة.
أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ان الذبيحة التي تهدي للصنم حرام لأنها جزء من واقع الشرك فلذلك هي فسق و حرام، و لكن مع كل ذلك فان هذه المحرمات تصبح حلالا في حالة الاضطرار إليها، و الاضطرار يعني: أن يصيب الفرد في حالة تركه لها ضررا كبيرا لا يتحمله، فليس بضرر ذلك الذي يلحق الظالم حين يترك ظلمه أو يلحق المسرف و المتجاوز
من هدى القرآن، ج3، ص: 219
حده حين يعود الى حده و نصابه، لان الضرر انما يقاس بمعيار الحق القائم على العقل و الفطرة، و تمييز العرف العام، و لذلك فان معايير الظالمين و البغاة أو المتجاوزين بالسرف و الترف لا تعتبر معايير كافية، و لذلك
جاء في تفاسير الصادقين عليهم السلام :
(إن البغاة هم الخارجون على امام الأمة، و العادون هم: العصاة)
و لا ريب أن هذا واحد من المصاديق لهاتين الكلمتين في حين تشمل الآية كل باغ و عاد، و بكلمة ان البغي و العدوان في هذه الآية- حسب ما يبدو لي- مرتبط بالمعيار، فاذا كان معيار الاضطرار سليما يجوز الاستفادة من هذا القانون و الا فلا.
فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ مغفرته تتجلى في عدم أخذ من يأكل الميتة اضطرارا بالرغم من حرمته في الواقع، و رحمته تتجلى في خلقه سائر الطيبات.
/ 193
ملحقات المحرمات:
[146] مبدئيا لا يحرم الله الطيبات على البشر، بل الخبائث، و هي استثناء و ليست أصلا، و بالتالي فهي معدودة كما عرفنا، بيد ان ربنا قد حرم وفقا لحكمة معينة طائفة من الطيبات لاسباب خارجية مثل تأديب المجتمعات المائعة و الظالمة، مثلا: حرم الله على اليهود كل ذي ظفر، و هو الحيوان الذي يستخدم اظافره سلاحا لصيده. مثل السباع، و الطيور ذات المخالب (كالعقاب) و قيل: ان هذه الكلمة تشمل الإبل و الأنعام لأنهما و أمثالهما ليست بمنفرج الأصابع.
وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ
من هدى القرآن، ج3، ص: 220
و شمل تحريم ربنا الاستثنائي على بني إسرائيل شحوم البقر و الغنم، الا تلك الشحوم المتراكمة على ظهورها، أو الموجودة على مقاعدها، أو تلك الشحوم المختلطة بعظم.
وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ و السؤال: لماذا حرم الله كل تلك الطيبات عليهم؟
يجيب ربنا: ان بني إسرائيل ظلموا و بغى بعضهم على بعض، فحرم الله عليهم بعضا من الطيبات، و يبقى سؤال: لماذا يتسبب البغي في الحرمة؟
و الجواب: ان السنن التي نسميها بالانظمة الطبيعية لا تختلف عن الأحكام التشريعة الا في شيء واحد هو أن تلك/ 194 يجريها ربنا على الكون و على البشر قهرا و دون أي تغيير و تبديل، بينما الأحكام الشرعية. يأمر بها الناس، و يحذرهم من عاقبة تركها، لذلك فان هاتين السنّتين الطبيعية و التشريعية تلتقيان في الخطوط العامة، لأنهما تصدران من منبع واحد، و بما أن النهاية الطبيعية للبغي في المجتمع هو انحسار النعم عنه و تضييق الخناق عن أبنائه، فان ذات النهاية يحكم بها الله سبحانه على مجتمع البغي، و ذلك بتحريم طائفة من الطيبات عليه.
ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَ إِنَّا لَصادِقُونَ
ذو الرحمة و البأس:
[147] ان كل واحد من البشر يتصور الله على شاكلته و حسب مشتهياته، كما يتخذون ذات الصورة لسائر الحقائق، و المذنبون من الناس يضخمون في أنفسهم صفة الرحمة و العفو لله دون أن يتذكروا صفات الغضب و البأس و العقاب له سبحانه،
من هدى القرآن، ج3، ص: 221
و لذلك فهم يكذبون من يحذرهم الآخرة، و يوعدهم العذاب.
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ و تكذيب رحمة الله مخالف للفطرة، و لما نشاهده في عالم الواقع، و لذلك أكد الأنبياء هذه الصفة الحسنى لله، و لكنهم أكدوا على الصفة الاخرى أيضا.