کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج10، ص: 59
دينهم مشركين؟
الجواب أحد احتمالين:
1- اما انهم متبعون أهواءهم، حيث قال ربنا: « بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ».
2- أو لأنهم اتبعوا اشخاصا بعينهم شذوا بهم عن سبيل اللّه.
و المشكلة الأهم ليس تفرقهم فحسب، بل هم مغرورون بمكتسباتهم، و كل حزب فرح بما حقق من مكتسبات و انتصارات.
و هذه الآية تكشف طبيعة التحزب الّذي هو الغرور بما يملكه الشخص أو التجمع من حطام الدنيا، دون التوكل على اللّه، و الفرح بما يؤتيه عباده الصالحين من فضله.
و حين يعتمد البشر على غير اللّه يكله اللّه الى نفسه فيخسر الدارين أ رأيت كيف أخذ يقلب كفيه على ما أنفق على حقوله الزراعية، ذلك المغرور الّذي نصحه صاحبه ان يقول ما شاء اللّه، فرفض، أو رأيت قارون حين أبى نصيحة قومه إذ قالوا له: لا تفرح، كيف خسف اللّه به و بداره الأرض؟! كذلك الذين يفرحون بما لديهم من اموال و أنصار فيفرّقهم هذا الغرور عن بعضهم، و يبعدهم عن دينهم، و يلحقهم بالمشركين و هم يحسبون ان مكتسباتهم الدنيوية دليل صدقهم، بينما هم الأخسرون أعمالا.
[33] متى يعرف البشر انه على حق، أم على باطل؟
ان ربنا يعطينا مقياسا وجدانيا ذاتيا، ففي حالات الضر و الاضطرار هنالك
من هدى القرآن، ج10، ص: 60
/ 51 ينسى كل الآلهة المزيفة التي كان يعبدها، ينسى هواه و يتجه بقلبه الى ربه.
وَ إِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ و لكن ..
ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ و هذه مشكلة الإنسان انه ينسى ساعات الحرج التي مربها، و لا عذر للإنسان ان يقول: لم اعرف اللّه. بلى. قد عرفت حين الحاجة، فقد توجهت آنذاك الى اللّه.
و نجد في الآية التعبير ب «مسّ» و «أذاقهم» و هما يدلان على أدنى الاحساس، و يعكسان بالتالي طبيعة البشر الجزوع، و كيف انه بمجرد ان يمسه ضر يجأر الى ربه، ثم بمجرد ان يذيقه طعم رحمته ينكفئ و يشرك به.
و المفهوم من الآية ان الناس جميعا يتوجهون الى ربهم عند ما يحسون خطرا، بينما بعضهم فقط يشركون بربهم عند النعمة.
و في الآية هذه علاج حالة التحزب، حيث ان الذين فرقوا دينهم إنما فرحوا بما لديهم، و اغتروا بما يملكون من ثروة أو سلطان ناسين نعم اللّه عليهم، و كيف انه سبحانه ملجأهم الأخير حين تتقطع بهم السبل، و تضيق عليهم مذاهب الدنيا، هنالك ينسون محاورهم الحزبية، و انتماءاتهم المختلفة، و يتجهون الى ربهم العزيز المقتدر.
/ 52 (34) و هؤلاء الذين يشركون فور إحساسهم بالنعمة، و يفرحون بما لديهم من نعم ظاهرة فيتبعون الأنداد، و يتحزبون لبعضهم غرورا بما يملكون، انهم يكفرون
من هدى القرآن، ج10، ص: 61
بنعم اللّه، و ينذرهم اللّه بأن كفرهم هذا يدعهم خاسرين لتلك النعم في الدنيا، و لحظّهم في الآخرة.
لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ و نستوحي من هذه الآية الحقائق التالية:
أولا: ان حالة التحزب القائمة على أساس الفخر ببعض ما لدى صاحبها من نعم تسبب الكفر بسائر النعم، فمن بالغ في الفخر بابنائه لا يمكنه ان يتنعم بسائر الشباب في المجتمع، و من تطرف في الاهتمام بثقافته و فكر حزبه لم ينتفع بعلوم الناس و معارفهم، و من فرح بما يملكه من مال توقف سعيه و لم يستفد من فرص الاكتساب التي امامه ... و هكذا.
و عادة يصاب المتحزبون بانغلاق فيحرمون أنفسهم من نعم اللّه في الحياة.
ثانيا: ان الشكر على النعم ليس فقط يحافظ عليها و يزيدها، و انما أيضا يجعلها هنيئة لصاحبها، لان وعي النعم غذاء القلب، و لذة الروح، بينما الذين يكفرون بنعم اللّه انما يتمتعون ببعضها، كما تتمتع الأنعام و لا يهنؤون بها كما يهنئ البشر، إذ ان توجههم سيكون فقط الى الجانب المادي من النعم، و ينسون الأبعاد المعنوية منها.
ثالثا: ان الكفر بالنعم يكون سببا لزوالها، بل لتحولها الى نكال، إذ ان من يتمتع بالنعم فقط سوف لا يراعي حدودها فيفسدها على نفسه، كمن ينهم بالجنس مثلا لمجرد لذته تراه يسرف فيه حتى يفسد نفسه، كذلك الّذي يطعم لشهوة الأكل فقط يتجاوز الحد في التهام الطعام مما يفسد معدته ... و هكذا.
من هدى القرآن، ج10، ص: 62
/ 53
[سورة الروم (30): الآيات 35 الى 39]
[اللغة]
39 [ليربوا]: ليزيد ذلك الربا.
من هدى القرآن، ج10، ص: 63
الشرك بين التبرير الثقافي و الآثار الاقتصادية
هدى من الآيات:
بعد ان يبين القرآن أثر الشرك في الدرس الماضي، حيث ان الشرك يبث الخلاف، و يكرس الصراع، و يفرق الديانات، ينسق في هذا الدرس أساسين يعتمد عليهما المشركون.
/ 54 الاول: التبرير الشرعي للشرك، و ذلك بالاعتقاد بان ربنا سبحانه قد خول هذه الفئة أو تلك بشؤون الدنيا أو الدين، من دون اقامة دليل صادق على هذا الادعاء.
الثاني: التبرير الاقتصادي بزعم ان الأنداد يملكون للناس رزقا، و يعالج السياق خلفية هذا الزعم النابع من الجهل باللّه، و القنوط من روحه عند الضراء، و الكفر بفضله- غرورا- في السراء.
و هكذا يعيش الإنسان بين خطرين:
الرجاء المفرط حال النعمة، و اليأس القاتل عند البلاء، بينما الرجاء و اليأس
من هدى القرآن، ج10، ص: 64
يجب ان يتعادلا عند الإنسان.
و لإكمال بيان جوانب الموضوع يشير السياق الى البعد الاقتصادي للصورة، مقارنا بين المجتمع التوحيدي و المجتمع الشركي.
يستوحي ربنا من هذه الآية فكرة أخرى نجدها في الآيتين التّاليتين، و هي: ان الإنسان الّذي ينفق في سبيل اللّه سيضاعف له الأجر، فيما ذلك الإنسان الّذي يأخذ الربا أضعافا مضاعفة لن يربو عند اللّه، ذلك لان الّذي ينفق ماله في سبيل اللّه يعلم بأن اللّه سيعوّضه خيرا منه، بينما المرابي لا يثق باللّه، و لا يتحرك كما أمره اللّه بأن يشد عضده بأخيه المسلم.
بعد ذلك يذكرنا سبحانه بأنه هو الرازق لمن خلق، و انه يحيي و يميت، فهل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء؟! سبحانه و تعالى عما يشركون.
بينات من الآيات:
[35] انى كانت دوافع الضلالة و الاجرام عند البشر فانه يبحث لنفسه عن تبرير ثقافي ليسكت صيحة الوجدان التي لا تزال تدوي في ضميره،/ 55 و اخطر تبرير ثقافيّ يكون عند ما يزعم الإنسان ان اللّه امره بما يهواه، ذلك ان فطرة الدين الراسخة في كل قلب، أعظم ضمانة لإصلاح البشر، فاذا انتكست هذه الفطرة ترى اي ضمانة تبقى عنده؟! و السؤال: كيف نقف في وجه التبرير الشرعي للجرائم، و كيف نواجه ادعياء الدين، الذين لا زالوا يفترون على اللّه كذبا، و كيف نتحدى هؤلاء الحكام الذين يبررون سلطانهم أبدا بان اللّه معهم، و انهم ظل اللّه في أرضه؟
الجواب: انما يتم ذلك بالتأكيد على ان من يدّعي انه من عند اللّه لا بد ان يأتي
من هدى القرآن، ج10، ص: 65
بسلطان مبين، بما لا يدع للشك مجالا، و آنئذ فقط يجوز للعباد الاستماع اليه و التسليم لأوامره.
و هكذا يتساءل الذكر قائلا:
أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً و برهانا يتسلط على القلب كله، بما لا يدع فرصة للشك، كما السلطان الّذي أنزل اللّه على موسى (ع) بالعصي، و على عيسى (ع) بإحياء الموتى، و على محمد (ص) بالقرآن، و لا بد ان يكون هذا السلطان واضحا صريحا و كأنه ينطق بالذي يدعونه.
فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ اننا ربما نتساءل: لماذا يرد اللّه على مثل هؤلاء المشركين؟ فنقول:
ان مشكلة هؤلاء مشكلة ثقافية، و ربما بنيت حياتهم و سياستهم و أعمالهم على أمثال هذه الأفكار، فينسف اللّه أمثال هذه الأفكار من أساسها، و لكي لا يحتجوا على اللّه يوم القيامة بأنه لم يوضح لهم الحقيقة، لقد أوضح لهم إياها، و لا حجة لهم.
و كثير من المشركين يتصورون انهم مكلفون من اللّه باتباع شركائهم، أو يزعمون ان الأصنام شفعاء عند اللّه، و انها تقربهم اليه زلفى! كما يزعم الطغاة اليوم حيث يعتبرون أنفسهم ممثلين عن اللّه سبحانه، و كذا كان سلاطين المسلمين الذين قاموا باسم الدين، كان يصورهم الشعراء بأنهم آلهة من دون اللّه كما قال بعضهم في وصف أحد الخلفاء العباسيين:
/ 56
ما شئت لا ما شاءت الأقدار