کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج4، ص: 75
/ 68 و إذا حدث هذا في بدر بصورة مجسدة كما جاء في حديث مأثور، فان ذلك انما هو مثل ظاهر لواقع الكفار مع من يخدعهم من شياطين الجن و الانس، و النكوص على العقب هو العودة قهقرى.
و قد يكون الشيطان الغاوي أولئك الضعفاء المنهزمون نفسيا، الذين يتزلفون الى قادة العدو للحصول على المكاسب، و عادة ما يكون هؤلاء أشد تطرفا من غيرهم في طرح الشعارات و التهديدات، و لكنهم أول المنهزمين الذين يبررون هزيمتهم بمعرفتهم بأمور لا يراها الآخرون.
[49] في الجانب الاسلامي توجد أيضا عناصر ضعيفة مثل المنافقين الذين يرون مبادرة المؤمنين بالقتال نوعا من الغرور الذي يدفعهم اليه دينهم الجديد، و ايمانهم بفكرة الرسالة.
إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ و المرض قد يكون النفاق و قد يكون الخوف و الرهبة من العدو.
و نسي هؤلاء ان الكفار يفقدون قدرة التوكل على اللّه و مدى ما في التوكل من بعث الروح الرسالية المندفعة.
وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
من هدى القرآن، ج4، ص: 76
[سورة الأنفال (8): الآيات 50 الى 56]
/ 69
من هدى القرآن، ج4، ص: 77
الكفار يصنعون جزاءهم بأيديهم
هدى من الآيات:
بعد ان أوضحت آيات الدرس السابق عوامل النصر و الهزيمة، تشجعنا آيات هذا الدرس على الحرب ضد الكفار .. دون لين أو هوادة، لأنهم منبوذون عند اللّه بكفرهم، و تعاملهم ملائكة العذاب بقوة، يضربون وجوههم و ادبارهم، و يقولون لهم بشماتة ذوقوا عذاب الحريق .. فهل غضب اللّه عليهم عبثا؟ أم بسبب استحقاقهم/ 70 للعذاب لما قدمت أيديهم و صنعته أفعالهم لان اللّه ليس بظلام للعبيد سبحانه؟ مثلا قوم فرعون و الذين كفروا بآيات اللّه انما أخذهم اللّه بذنوبهم لكفرهم، لأنه لا يمر الكفر بدون عقاب لان اللّه قوي شديد العقاب. و عموما ارادة البشر تصنع حياته و مستقبله و لا يغير اللّه نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم من طيب في القلب و صلاح في العمل، فتفسد نياتهم و تسوء أفعالهم. هذا قوم فرعون انما أخذهم اللّه بذنوبهم و أغرقهم حين كذبوا بآيات اللّه و كانوا ظالمين. ان اللّه لا يحب الكفار، و يعتبرهم شر الأحياء التي تدب و تتحرك فوق الأرض، فالكفار هم الذين ينقضون
من هدى القرآن، ج4، ص: 78
عهدهم، و لا يتقون ربهم لذلك يمقتهم اللّه و يأمر بقتالهم كما يأتي في الدرس القادم.
بينات من الآيات:
القيم فوق كل شيء:
[50] المهم عند اللّه القيم التي يستهدفها المرء بعمله، فهي دون لون البشر و أسلوب التحدث و الطول و العرض. و الغنى و الفقر، فهي المقياس لذلك فان اللّه لا يعبأ بالبشر الذين كفروا بآياته، و انها ظاهرة غريبة! ان اللّه الذي أسبغ نعمه ظاهرة و باطنة على الإنسان و لكنه يعامل الكفار بهذه الطريقة.
وَ لَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ و خلفهم و هم يقولون ازدراء بهم.
[51] فلما ذا يأخذ اللّه الكفار بهذه الشدة؟ يجيب ربنا و يقول:
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ / 71 اليد ابرز عضو في جسد البشر. و حين يقول ربنا قدمت أيديكم يتبين ان ارادة البشر و أقرب أعضائه اليه يده التي صنعت هذا الواقع مقدما و لو لم يكن ذلك لكان ينسب الى ربنا انه ظلام للعبيد، كثير الظلم لهم بينما الصفة المعروفة لنا عن ربنا انه رحيم و دود بسبب مزيد نعمه التي لا تحصى. إذا فعملنا و ليس شيء آخر هو سبب العذاب.
من هدى القرآن، ج4، ص: 79
وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فهم عبيده فلما ذا يظلمهم؟ هل يتلذذ بظلمهم (حاشاه) و هو الغني الحميد، أم يخشى منهم سبحانه و هو القوي العزيز.
[52] و كمثل ظاهر من واقع التاريخ هذا، قوم فرعون هل ظلمهم اللّه أم أخذهم الواقع الفاسد الذي صنعته أيديهم؟
ان ذنوبهم التي أحاطت بهم فاخذهم اللّه بها اي جعلها تلتف حول أعناقهم.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ اي كالعادة التي جرت في آل فرعون.
وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ فلا يتهاون في معاقبة من يستحق العقاب ضعفا ماديا أو معنويا سبحانه.
[53] ذلك فيما يتصل بسنة اللّه في الآخرة، اما سنته الأظهر لنا فيما نراها من تطور المجتمعات فما دام الناس مستقيمين على القيم السماوية و العمل الصالح، فان نعم اللّه تشملهم و بركاته تترى عليهم، و إذا غيروا قيمهم و سلوكهم غير اللّه عادة الإحسان/ 72 الى النكبة و الدمار.
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حتى يغيروا ذلك العوامل الذي أنعم اللّه الحكيم بسببها تلك النعمة عليهم، لقد أنعم اللّه على مجتمع ما نعمة الحرية بسبب توحيدهم و رفضهم للاستسلام اما ضغوط
من هدى القرآن، ج4، ص: 80
الجبت و الطاغوت، و أنعم عليهم الصحة بسبب استقامتهم على الفطرة الاولية التي خلقهم بها، و أنعم عليهم بنعمة الراحة النفسية بسبب مكارم الأخلاق و سلامة السلوك و التربية.
حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ اي يبدلوا صفات الخير المتعلقة بأنفسهم الى صفات السوء.
وَ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يسمع ما في ظاهر المجتمعات، و يعلم ما في صدورهم.
[54] مثلا: سنة اللّه في آل فرعون كيف ان ربنا أنعم عليهم بالأمن و الرفاه و جنات تجري من تحتها الأنهار، حتى طغوا و بدلوا صفة و علاقة التعاون بينهم الى علاقة الاستغلال، و صفة النشاط في عمل الصالح الى صفة التواني أو المبادرة في عمل الفساد و هكذا فبدل اللّه نعمه و أرسل عليهم الطوفان فدمر مدنيتهم، و أرسل عليهم القمل و الدم و الضفادع، بدل الثمرات و الأرزاق و أرسل عليهم رياح الثورة فاقتلعت جذورهم و رماهم ربهم في البحر.
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ اي بحجج اللّه و بيناته و رسالاته البليغة التي وضحت لهم برنامج الحياة السعيدة.
/ 73 فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ كُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ و من دون الظلم الذاتي و قيامهم بما يستوجب العقاب إذا لم يكن ربنا الودود يأخذهم بهذه العقوبة الشديدة، يبدو من كلمة (كل) ان جميع المغرقين كانوا ظالمين
من هدى القرآن، ج4، ص: 81
لأنفسهم.
[55] و يستخلص السياق القرآني الفكرة الاصيلة لهذا الدرس و هي: ان مقياس الصلاح و الفساد عند اللّه في البشر هو الايمان و الكفر، و ليس أيّ شيء آخر، و انه أسوأ الناس بل شر الأحياء الكافر.
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فالكافر الذي تاب. الى ربّه و آمن ليس شر ما يدب و يتحرك على الأرض، بل الذي بقي مستمرا على كفره و ضلاله برغم وجود نور في قلبه يهديه الى الحق.
[56] و لكن يبقى سؤال: لماذا يهبط الكافر الى هذا الحضيض الأسفل عند اللّه؟
الجواب:
اولا: لان الكافر لا عهد له، فهو لا يحترم نفسه و لا الآخرين، و يلغي بذلك دوره في الحياة و يصبح كأنه لا وجود له و لا حضور في المجتمع، فتراه يعاهدك ثم ينقض عهده معك، ثم يعود يعاهدك فيخالف عهده مرة اخرى.
ثانيا: انه لا يلتزم ببرنامج الرسالة، بل لا يتعهد بمسؤولية.