کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج8، ص: 459
1- أ ليس بالصحفيين المأجورين و أمثالهم، ممن يتسكعون على عتبات القصور من أجل فتات الخبز و فضالة الطعام، ثم يلمعون أوجه الطغاة القبيحة بمقالاتهم السخيفة؟! 2- أو ليس بالجنود المجندة من الشباب الذين يصرّفون طاقاتهم في خدمة الطغاة، بدلا من ان يكون كل واحد منهم قائدا في مجتمعة؟! 3- أو ليس بالموظفين الذين أذلّوا أنفسهم في دوائر السلطة كي يشبعوا بطونهم؟! 4- ثم الأهم من كل ذلك، أ ليس بسكوت الناس عنهم، و خنوعهم عن المواجهة و الثورة ضدهم؟! اذن فالجريمة ليست من الطغاة وحدهم، بل للشعوب المستسلمة نصيب وافر من المسؤولية أيضا.
[56] الرسول ينذر و يبشر و الناس يتحملون مسئوليتهم. و إذا ساد الظلام أمة من الناس ينتمون ظاهرا الى رسالة الهية فلا يعني أبدا أن في رسالات اللّه نقصا ..
بل أنهم هم المسؤولون لأنهم تركوا العمل الجاد بها، و تحمل مسئولية الثورة ضد الطغاة.
وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَ نَذِيراً إذا تسلط الطاغوت، فان البعض يحاول ان يلقي باللوم و المسؤولية على/ 461 كاهل الحركة الاسلامية العاملة، ثم ينتظرها تخلصه من هذه الازمة كلّا و هذا خطأ.
فكما ليس من الصحيح ان ينتظر الناس الرسول أن يجاهد الطاغوت وحده،
من هدى القرآن، ج8، ص: 460
ليس من الصحيح أيضا ان تنتظر الامة الاسلامية اليوم، الطليعة الرسالية أن تقوم بهذا الدور، ذلك أن دور الرسل كما الحركات الرسالية هو قيادة النضال و توجيهه، لا القتال نيابة عن الناس، كما كان بنو إسرائيل ينتظرون من نبيّهم موسى (ع) فلما جاءهم و حمّلهم مسئولية الجهاد « قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَ مِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا » «1» .
فأعضاء الحركة الاسلامية يبذلون أقصى الجهود، من كتابة، و توزيع، و مؤتمرات، لفضح الطواغيت بإبراز أعمالهم الاجرامية، متحملين في سبيل ذلك التبعات، من السجن و التعذيب و الاعدام، حتى هتك الاعراض و الحرمات، و لكن لا يجوز للناس ان يتفرجوا و ينتظروا الانتصار.
لأن مسئولية الطليعة من حملة الرسالة هي مسئولية الرسول نفسها، اي تبليغ الرسالة للناس و قيادة المعركة و على الناس المقاومة و الثورة ضد الفساد و الانحراف.
[57] قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا إن الرسل و من يمثلهم عبر التاريخ لا يطالبون الناس أجرا مقابل ما يقدمون لهم من خدمة البشارة و الإنذار،/ 462 هذا فيما يخص الناس.
[58] أما فيما يخص الرسول و حملة الرسالة فان واجبهم السير في الطريق رغم الصعاب، بالتوكل على الحي القيوم، دون التفات لقلة الأنصار حولهم، أو مدى الطاعة و الرفض من قبل الناس.
وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ
(1) الأعراف/ 129.
من هدى القرآن، ج8، ص: 461
فاذا اعتمد البعض على قوة بشرية فان المؤمن يعتمد على اللّه الذي لا يموت وحده، و لا يعتمد حتى على الأنصار و الاصحاب، فقد تزل قدم هؤلاء أو تعثر فييأس و يترك الجهاد.
وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ ان القيادة أو الطليعة الرسالية هم الاقلية في بدء الانطلاق، و هم الغرباء عن واقعهم، إذ يشعرون بالوحشة و هيبة الطريق، كما يتحسسون الفراغ الاجتماعي، و لكي يقاوموا هذه السلبيات فان عليهم التعويض عن كل ذلك بالارتباط المتين و العميق باللّه سبحانه و تعالى، لان ذلك يثلج صدورهم، و يسكن روع قلوبهم، فيعطيهم الثبات و الطمأنينة.
وَ كَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً يعني ان اللّه قادر على إحصاء ذنوب الذين يتركون المؤمنين الحاملين للرسالة، فلا تشغل الفئة المؤمنة نفسها بإحصاء سلبيات و ذنوب الآخرين من المخالفين، و لا تفكر في رفض الناس لها و لرسالتها، و انما عليها المضي قدما على خطها، تاركة ما يجري حولها الى اللّه، فهو الذي يحصي ذنوب الناس و كفى به خبيرا بها.
من هدى القرآن، ج8، ص: 462
/ 463
[سورة الفرقان (25): الآيات 59 الى 67]
[اللغة]
63 [هونا]: و الهون مصدر الهين في السكينة و الوقار.
65 [غراما]: الغرام هو أشد العذاب.
من هدى القرآن، ج8، ص: 464
/ 464
عباد الرحمن
هدى من الآيات:
في إطار التذكرة بالتوحيد الذي هو قاعدة الإيمان بالرسالة يبيّن الدرس بعض أسماء ربنا، و بالذات أسمي «الرحمن» و «تبارك».
و يتجلى اسم «الرحمن» في خلق السموات و الأرض و تدبير هما بالرغم من نفور الكفار من هذا الاسم الكريم، و رفضهم السجود للرب الذي أحاطت بهم رحمته، و زعموا انهم لا يسجدون لمن يأمرهم الرسول (استهزاء به و تحديا له).
بينما يتجلى اسم «تبارك» في ذلك البناء المتين الذي تعالى فوقنا، و السراج المنير الذي تعلق به كالقنديل، و القمر المنير الذي زينه و فاض نوره الهادىء على الربايا و السهول.
و هكذا في توالي الليل و النهار ليكون فرصة لمن يريد ذكر اللّه، أو أراد له شكورا.
من هدى القرآن، ج8، ص: 465
إن أسماء اللّه تتجلى في أفئدة الذاكرين الشاكرين، فيكونون عباد الرحمن حقا.
فتراهم يمشون على الأرض هونا لا أذلاء و لا متبخترين، و يواجهون الجهل بالسلام، و يبيتون الليل بالتبتل، و يتطلعون لاتقاء نار جهنم اللاهبة البئيسة، و إذا أنفقوا اقتصدوا، فلم يبخلوا و لم يترفوا.
/ 465 و يواصل الدرس التالي الحديث عن سائر صفات هؤلاء الصالحين.
بينات من الآيات:
[59] يحدثنا القرآن الكريم في هذه المجموعة من الآيات عن أمرين متقاربين:
الأول: الايمان باللّه.
الثاني: كيف يتجلى الايمان في سلوك الإنسان الصادق. لتوضيح هذا الأمر لا بدّ أن نتذكر أن هناك فرقا بين الايمان باللّه و بين معرفته- حقا- لأن هناك درجات في مسيرة التوحيد و هناك مفارقات ينبغي أن نعرفها و هي كما يلي:
1- فقد يكون الايمان إجماليا، كما لو عرف الإنسان أن وراء الاكمة أشجارا، أو أن وراء الجبل غابة، و ربما يؤمن بذلك عن طريق العلم بكثافة الأمطار وراء الأكمه، أو وجود الحيوانات المختلفة الآتية من وراء الجبل، أو عن طريق مخبر صادق يثق به.
و قد يكون الايمان عرفانيا، و ذلك حينما يدخل الغابة أو يشرف عليها من قريب، و يزداد هذا العرفان كلما أحاط بما في الغابة من جزئيات.