کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج17، ص: 128
ثم ينعطف السياق إلى الحديث عن القرآن نفسه، داعيا الرسول إلى عدم التعجّل به من قبل أن يقضى إليه وحيه، مؤكّدا تكفّله تعالى بجمعه و قرآنه ثم بيانه للناس .. و هذا ممّا جعل المفسرين يتحيّرون في فهم العلاقة بين سياق السورة و بين هذا المقطع، إلّا أنّ هناك علاقة متينة سنتعرّض لإيضاحها في البيّنات (الآيات 16- 19).
و تهدينا الآيات إلى واحد من عوامل الانحراف و عدم تحمّل المسؤولية عند الإنسان، و الذي لو استطاع التغلب عليه لاهتدى إلى الحق، و سقط الحجاب بينه و بين الآخرة، ألا و هو حبّ/ 138 العاجلة (الدنيا) على حساب الآخرة، و البحث عن النتائج الآنية و إنكار الجزاء الآجل و لو كان الأفضل، بل و لو كان مصيريّا بالنسبة إليه، فهو يعيش لحظته الراهنة دون التفكير في المستقبل، و هي نظرة ضيّقة خطيرة.
و حين يفشل الإنسان في الموازنة بين الحاضر و المستقبل، و بين الدنيا و الآخرة فإنّه يخسرهما معا (الآيات 20- 21).
و الحلّ الناجع لهذه المعضلة عند البشر يتمّ بإعادة التوازن بينهما إلى نفسه، و لأنّ العاجلة شهود يعايشه بوعيه و حواسه فإنّ حاجته الملحّة إلى رفع الغيب إلى مستوى الشهود عنده، و لذلك يضعنا القرآن أمام مشاهد حيّة من غيب الآخرة حيث الناس فريقان: فريق السعداء الذين تجلّل وجوههم النضارة، و يصلون إلى غاية السعادة بالنظر إلى ربّهم عزّ و جلّ، و فريق البؤساء الخاسرين أصحاب الوجوه الباسرة، الذين ينتظرون بأنفسهم العذاب و الذلّة (الآيات 22- 25).
و يمضي بنا السياق شوطا آخر يحدّثنا فيه عن لحظات الموت الرهيبة حيث تبلغ النفس التراقي فيعالج الإنسان سكرات الموت حيث يلفّ ساقا بساق، و يقبض كفّا و يبسط أخرى، بلى. إنّه أوّل مشهد من الآخرة، و النافذة على عالمها الواسع.
من هدى القرآن، ج17، ص: 129
و كما أنّ تكذيب أحد بهذه الحقيقة لا يدفعها عنه و لا يغيّر من شأنها فإنّ التكذيب بالآخرة هو الآخرة لا يغيّر قدر ذرّة من أمرها، لأنّها حقيقة واقعة و قائمة (الآيات 26- 29).
و لأنّ مشكلة الإنسان ليس إنكار الموت، و لا زعم القدرة على دفعه، بل الشك فيما بعده أو الكفر به،/ 139 انعطف القرآن نحو إنقاذه من حيرة الشك في المستقبل و الجهل به، و كأنّه يحلّ لغزا رجع صداه في أكثر النفوس البشرية، ببيان أنّ مسيرته في الحياة لا تنتهي بالموت، و إنّما الموت جسر إلى عالم أبديّ أوسع، هو عالم لقاء اللّه و الحساب و الجزاء بين يديه، و ذلك ممّا يعمّق الشعور بالمسؤولية في النفس (الآية 30).
و غياب هذه الحقيقة من وعي الإنسان هو المسؤول عن عدم تصديقه به و صلاته له، و هو يدفعه إلى التكذيب، و ركوب مطيّة الغرور. و انّ من يكون على هذه الصفات أولى له الموت من الحياة، و العذاب من الرحمة (الآيات 31- 35).
و يرجعنا القرآن إلى الجذر الأصيل لكفر الإنسان بالبعث و الجزاء: إنّه جهله بقدرة ربه سبحانه، فليتفكّر في أصل خلقته حين كان « نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى* ثُمَّ كانَ عَلَقَةً » فخلقه اللّه و سوّاه، متكاملا في ذاته، و متكاملا مع الجنس الآخر بأن خلق « مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى » فهذه آية واضحة للعقل على قدرة اللّه « عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى »، لأنّ أصل الخلق أعجب و أدلّ على قدرته تعالى من الإعادة (الآيات 36- 40).
من هدى القرآن، ج17، ص: 131
/ 140 سورة القيمة
[سورة القيامة (75): الآيات 1 الى 40]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَ لَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (40)
/ 141
[اللغة]
4 [بنانه]: البنان الأصابع، واحدها بنانة.
11 [لا وزر]: لا ملجأ يلجأون إليه، و الوزر ما يتحصّن به من جبل أو غيره.
من هدى القرآن، ج17، ص: 132
24 [باسرة]: كالحة متغيّرة، و قال الراغب في معنى البسور: أنّه إظهار العبوس قبل أوانه و في غير وقته، و يدلّ على ذلك قوله عزّ و جلّ: « تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ ».
25 [فاقرة]: هي الكاسرة لفقار الظهر، و قيل: الفاقرة الداهية و الآبدة.
26 [التراقي]: العظام المكتنفة بالحلق.
27 [راق]: طبيب.
33 [يتمطّى]: جاء في مفردات الراغب: أي يمدّ مطاه أي ظهره، و المطيّة ما يركب مطاه من البعير، و قد امتطيته ركبت مطاه، و المطو الصاحب المعتمد عليه، و تسميته بذلك كتسميته بالظهر.
من هدى القرآن، ج17، ص: 134
/ 142
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
بينات من الآيات:
[1- 2] حتى يتعمّق الإيمان عند الإنسان و يتحمل مسئولياته في الحياة لا بد أن يستثار فيه حافزان: وعي الآخرة مما تعنيه من بعث و جزاء، ثم نفسه اللوّامة التي تثير في داخله النقد الذاتي بما يعني ردعه عن اقتحام الخطيئة، فالمسئولية إذا هي الجذر الأصيل الذي تلتقي فيه فكرة القيامة و حقيقة النفس اللوّامة، من هنا يذكّرنا القرآن بهما جنبا إلى جنب في سياق علاجه لموضوعها.