کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج3، ص: 406
ان موسى (عليه السلام) واثق من النصر لأنه على حق، و لأنه يعتمد على ركن شديد هو اللّه سبحانه، لذلك أمرهم بأن يخرجوا ما لديهم من مكر و سحر، كما أمر نوح (عليه السلام) قومه بأن يجمعوا أمرهم و ان يأتوا اليه من دون نظرة و مهل.
و هكذا كل الدعاة الى اللّه سبحانه يتحدون الأنظمة الطاغوتية دون خوف، و ينازلونهم في ميدان المواجهة الشاملة، و هذا بذاته دليل صدقهم/ 351 و اعتمادهم فقط على اللّه، و على الحق الذي يحملون رسالته.
من هدى القرآن، ج3، ص: 407
[سورة الأعراف (7): الآيات 117 الى 126]
من هدى القرآن، ج3، ص: 408
الرسالة تتحدى التضليل و الإرهاب
هدى من الآيات:
و جاءت مرحلة الحسم، و أوحى اللّه سبحانه الى موسى بإلقاء عصاه، فاذا بها تتحول الى ثعبان عظيم يبتلع سحر قوم فرعون، و إذا بالحق الذي كان يبشر به موسى أصبح واقعا، و الباطل الذي كان يحذّر منه/ 352 تبين بطلانه للجميع.
و انهزم فرعون و قومه و ذلوا، و كان أول من عرف عظمة المعجزة سحرة فرعون أنفسهم حيث وقعوا ساجدين للّه، و هتفوا بأنهم آمنوا برب العالمين رب موسى و هارون، و ارتاع فرعون، و عرف أنه لا يجديه السحر و المكر شيئا، و أن عليه أن يستخدم آخر الأسلحة و هو سلاح الإرهاب، فقهر سحرته و قال لهم: أ تؤمنون بموسى قبل أن يصدر الاذن مني و اقرر نهاية المعركة لصالح موسى باعتباري ملكا، ثم اتهمهم بما يتهم كل طاغوت من يخرج عليه، اتهمهم بأنهم يهدفون إشاعة الفوضى و المؤامرة على أمن البلد، و يريدون إخراج الناس، و هددهم بأنه سوف يصلّبهم أجمعين.
من هدى القرآن، ج3، ص: 409
أما المؤمنين فإنهم تقبلوا التهديد بكل رحابة صدر و قالوا: إن الموت هو جسر العبور للعودة الى اللّه تعالى، و قالوا له: ان تهمك باطلة، و انما تريد أن تعذبنا لأننا آمنا بآيات ربنا، و علامات الحقيقة حيث جاءتنا، و طلبوا من اللّه سبحانه ان يمدهم بالصبر، و أن يختم عاقبتهم بالخير.
و هكذا اسدل الستار على مشهد آخر من مشاهد صراع الحق و الباطل.
بينات من الآيات:
التوكل على اللّه سرّ العظمة:
[117] موسى الذي تحدى كلّ ذلك الطغيان الجاهلي العظيم بسحره و جبروته و ارهابه لم يفعل ذلك بقدرته الذاتية، بل بالقدرة المعنوية- بالتوكل على اللّه- و هذا هو سر العظمة، إذ لو كان موسى يملك سحرا أقوى ثم يتحدى سحر السحرة، أو كان يملك جيشا أكبر ثم يتحدى الطاغوت فرعون، أو يملك جماهير أكثر إذن ما كان له هذا الفخر و هذه العظمة، انما كان يتحدى الجاهلية بعصاته التي/ 353 يخشى منها حين يلقيها، لأنه لا يعرف كيف تتحول الى ثعبان، و حين وقف موسى أمام السحرة و رأي سحرهم العظيم، و أنهم استرهبوا الجماهير، و كادوا يضللونهم أوجس في نفسه خيفة، لأنه يخاف من غلبه الجهال و دول الضلال كما جاء في الحديث، و لكن يشاء ربه امتحان الناس بهذا السحر، و امتحان استقامته، و حين ينتصر موسى بعصاه حينذاك تكون عظمة موسى، لأنه يعتمد على الايمان، و يضحي بنفسه في هذا المجال، لذلك يؤكد ربنا على الوحي في مواجهة الجاهلية و يقول:
وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ أيّ تبتلع إفكهم و انحرافهم و كذبهم.
من هدى القرآن، ج3، ص: 410
[118] و حين يصبح الحق واقعا عينيا يؤمن به الجميع، و لكن قبل ذلك لا يؤمن به سوى أصحاب البصائر النافذة و الرؤى الصادقة.
فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ إنهم عملوا الباطل و أرادوا تكريسه، و لكن الحق و هو سنة اللّه و فطرته و قانونه في الحياة هو الذي انتصر أخيرا، فالظلام في الليل يزيله بصيص نور شمعة، و كما ان هذه الشمعة قطعت الظلام كذلك النور في النهار، و كذلك العدالة الاجتماعية و كذلك في المقابل سقوط الظلم و انهيار الفساد.
[119] أما قوم فرعون فلحقهم الخزي و الهزيمة.
فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَ انْقَلَبُوا صاغِرِينَ [120] و المفاجئة كانت حين ألقي السحرة ساجدين، تلك كانت الاصابة في مقتل النظام الماكر.
وَ أُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ / 354 [121] قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ [122] رَبِّ مُوسى وَ هارُونَ
فلسفة الاستبداد:
[123] للاستبداد و الدكتاتورية فلسفة يعتمد عليها و يشيعها الطاغوت بين الناس، هذه الفلسفة هي قاعدة كل تشريعاتها، و منطلق كل تصرفاتها، و هي:
المحافظة على الأمن ضد العدو الخارجي أو الداخلي، حتى ان الطواغيت يصطنعون
من هدى القرآن، ج3، ص: 411
عادة أعداء و همين، أو يستزيدون عداء الشعوب فيختلقون الحروب لكي يعتمدوا عليها في ترسيخ كيانهم الباطل، و فرعون كذلك عاد الى تلك الفلسفة الباطلة لكي يخرج من ورطته المخزية، حيث أنهار عمود من أعمدة حكمه و هو السحر، و وقع السحرة ساجدين للّه لذلك.
قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إن فرعون انطلق من فكرة خاطئة هي: أن ملكه و نظامه هو أساس امن البلد، لذلك فانكم حين آمنتم بموسى قبل ان تستصدروا الاذن مني فانكم خالفتم هذا الأساس، لذلك قال فرعون:
إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ أو بالتعبير الشائع اليوم انها مؤامرة قمتم بها في البلد.
لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ / 355 [124] و عاد الى السلاح الأخير و هو الإرهاب، ذلك السلاح الذي تعتمد عليه الديكتاتورية قبل كل شيء، بالرغم من أنها لا تصرح به، و من أهم نتائج الصراعات الرسالية مع الديكتاتورية هو: فضح اعتمادها على الإرهاب ليعرف الجميع أن الادعاءات الاخرى إن هي إلّا غطاء لهذا السلاح.
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ أيّ تقطيع الرجل من طرف و اليد من طرف آخر.
ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ و ذلك للجمع بين النوعين من أنواع الاعدام، الاعدام بنزف الدم من اليد
من هدى القرآن، ج3، ص: 412
و الرجل المقطوعتين من اليمين و اليسار، و الاعدام بالصلب في جذوع النخل، و ذلك بشد الفرد على الجذوع حتى يقضى عليه تنكيلا به، و ليشهد موته كل الناس فيكون رادعا لهم عن الايمان بالرسالة.