کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج5، ص: 39
مبينا للتمييز بين صاحب الرسالة الحق الذي لا يتنازل قيد أنملة عن رسالته برغم ضيق صدره، و ازدياد الضغوط عليه، و بين الذي يضل الناس عن الحق طمعا في ولائهم أو رغبة في هدايا السلاطين.
من هدى القرآن، ج5، ص: 40
[سورة هود (11): الآيات 23 الى 28]
/ 35
[اللغة]
27 [أراذلنا]: الرذل الخسيس و الحقير من كل شيء و الجمع أرذل و يجمع على أراذل.
من هدى القرآن، ج5، ص: 41
أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ
هدى من الآيات:
يبدو ان السياق القرآني يشرع منذ هذا الدرس في سرد قصص الرسل في إنذارهم الشديد لقومهم، الذين كانوا يرفضون قبول الرسالة فيأخذهم اللّه بعذاب شديد، و ذلك لعدة اهداف منها تذكرة الناس بأن هذا القرآن واحد من النذر، و أن من يعرض عنه يصاب بما أصاب أولئك، (و تشير الى ذلك الآية الاولى من هذا الدرس).
و منها تثبيت قلب الرسول و المؤمنين برسالته لكي يستقيموا كما أمروا، و لا يركنوا الى الظالمين. جاء في الآية العشرين بعد المأة من هذه السورة: « وَ كُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ ».
ان عاقبة المؤمنين الصالحين الذين اطمأنوا الى ربهم هي الجنة خالدين فيها، لأنهم أصحاب سمع و ابصار، بينما الكفار/ 36 كالأعمى و الأصم لا يهتدون سبيلا.
من هدى القرآن، ج5، ص: 42
و قصة نوح مع قومه تكشف هذا الفرق بين الفريقين .. المؤمنين و الكفار. حين أرسله اللّه إلى قومه لينذرهم لا يعبدوا الا اللّه، و حذرهم انه في غير هذه سوف ينزل عليهم عذاب يوم أليم، فقال الملأ الذين كفروا من قومه: أنك واحد مثلنا، و ان الذين اتبعوك هم من الطبقات السفلى من مجتمعنا، و انه لا فضل لكم بالرسالة بل نظنكم كاذبين، فحذرهم نوح (ع) مرة اخرى قائلا: ماذا لو كنت صادقا، و ان عندي بينة من ربي و أنا مهتد بها الى الصراط السوي، و آتاني رحمة من عنده، بينما أنتم لا ترون الطريق السوي، أو يمكن ان ألزمكم به و أنتم له كارهون؟! و في الدروس القادمة يتلو علينا القرآن سائر فصول القصة.
بينات من الآيات:
هل يستوي الفريقان؟
[23] حين يكون الايمان مستقرا في القلب، مستويا على عرش النفس، فأن المؤمن يشعر بالاطمئنان و السكينة و الرضا، فلا يعمل الا من أجل اللّه، و بهدف تحقيق مرضاته سبحانه، و جزاؤه عند ربه الخلود في جنات اللّه الواسعة.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ الإخبات: الطمأنينة، و أصله الاستواء من الخبت، و هو الأرض المستوية الواسعة فكأن الإخبات خشوع مستمر على استواء فيه.
أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [24] الفريقان المؤمن المخبت و الكافر، نموذجان مختلفان/ 37 يعرف واقعهما بالمقارنة بينهما فهذا كما البصير السميع الذي يسير وفق عقله و هدى الوحي، بينما يتخبط الثاني كما الأعمى و الأصم.
من هدى القرآن، ج5، ص: 43
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَ الْأَصَمِّ وَ الْبَصِيرِ وَ السَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَ فَلا تَذَكَّرُونَ و المسألة ليست بحاجة الى المزيد من البحث، بل هي حقيقة واضحة معروفة لمن يلتفت إليها.
شيخ الأنبياء و قومه:
[25] و يضرب القرآن أمثالا عديدة يقارن فيها بين الفريقين، و عاقبة كل واحد منهما، كما يبين من خلال هذه الأمثال- حقائق أخرى تمّت التذكرة بها في بداية السورة-.
وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ الملاحظ بالتدبر في هذه الآية ان نوحا أرسل الى قوم كان منهم، و كان ذلك أبلغ في بيان الرسالة لهم، و ابعد عن العصبية، كما أن أهم بنود دعوته كان الإنذار، و هو أبلغ أثرا في النفوس باعتبارها قد فطرت على الدفاع عن الذات، و ابعاد كل مكروه محتمل، و الإنسان مفطور على الدفاع عن ذاته أكثر مما هو مفطور على جلب المنفعة لها.
[26] و خلاصة دعوة نوح و هدف رسالته كانت عبادة اللّه وحده، و نبذ الشركاء، و حين ينبذ الشركاء تسقط السلطة السياسية، و المنهاج الاقتصادي و الثقافي، و السلطة الاجتماعية و كل ما يقوم على أساس عبادة الأوثان و الشركاء.
/ 38 أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ان مجرد الخوف من ذلك اليوم الذي ينشر فيه العذاب حتى يصبح اليوم ذاته أليما. حيث ان كل لحظاته تصبح ميعادا للعذاب، أقول: ان مجرد الخوف من ذلك
من هدى القرآن، ج5، ص: 44
اليوم يكفي البشر دافعا نحو الايمان بحثا عن الخلاص.
[27] اما جواب قومه فقد كان متوغلا في التحجر و المادية و الطبقية.
فأولا: زعموا بأن صاحب الرسالة يجب ان يكون من غير البشر، و كأن البشر هو المخلوق العاجز عن حمل الرسالة، و هذا نوع سخيف من التحجر الجاهلي.
و ثانيا: قاسوا الرسالة بمن يحملها أو من يبادر بالايمان بها، و لم ينظروا إليها ذاتها باعتبارها قيم فاضلة، و دعوة الى العدالة و الهدى، و هذا نوع من المادية و تشييء القيم.
ثالثا: نظروا الى تابعي الرسالة من المستضعفين نظرة ازدراء بسبب تكبرهم و طبقيتهم.
فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ الملأ هم الاشراف و علية القوم، و لأنهم كفروا بالرسالة شأنهم شأن أغلب الذين هم من طبقتهم كذلك يعتبرون فاسدين، و كان من الصعب عليهم الخضوع لمن هو مثلهم، دليلا على انحطاط نفوسهم، و انعدام الثقة فيها، فنعتوا المؤمنين بأنهم من الطبقة الدنيا، و أنه من ينظر إليهم يعرف منهم هذ النعت (بادي الرأي).
/ 39 وَ ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ غافلين عن ان الرسالة ذاتها فضل كبير.
من هدى القرآن، ج5، ص: 45
و كان هذا الفريق يتبعون الخيال و الظنون، و يرمون الأفكار الجديدة التي تخالف مصالحهم بأنها كذب. انطلاقا من عنجهيتهم و تكبرهم.
[28] و أجاب نوح (ع) على شبهاتهم:
أولا: بأنه على بينة من ربه، فهو بالرغم من بشريته فأنه يملك ما لا يملكون و هو الهدى، و الحجة من ربه عليه.
ثانيا: ان المال الذي يفقده يعوض بما يؤتيه اللّه من رحمته الواسعة، التي هي أهم من المال. إذ ان الثروة لا تحل كل المشاكل بعكس رحمة اللّه التي تقضي على أكثر الصعاب.
و ثالثا: ان ظنهم الفاسد بكذبه (ع)، آت من عماهم، و عدم تفكرهم الجدي، و في هذه الحالة لا يجبرهم نوح على الرسالة، و هذا الكلام قد يكون ردا على قولهم:
وَ ما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ حيث كانوا يزعمون: ان الرسول كالملك، يجب ان يملك قوة مادية قاهرة تفرض على الناس خطّا معيّنا، بينما الرسول جاء من أجل الهداية التي لا تتأتي من دون الإختيار و الحرية.
قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ آتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ اي خفيت هذه البينة، و ربما البينة هي الصراط السوي أو الحجة الواضحة.