کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج12، ص: 76
إنّ مشكلة الكثير من الذين يرفضون الإيمان بالحق و العمل به هو انّهم ينظرون له من خلال البلاء و المعاناة التي يستتبعها الإيمان به، و ليس من علاج لهذه المشكلة أفضل من التوجيه الى نعيم الآخرة الذي هو ثمرة الإيمان و العمل. و حيث ركّز المؤمن حديثه مع أتباع فرعون الغارقين في المادة أراد علاج هذه المشكلة، فهم يتساءلون: نحن الآن نترك فرعون و نخسر هذا النعيم فما ذا نجد باتباع الحق؟
من هدى القرآن، ج12، ص: 77
/ 74
[سورة غافر (40): الآيات 41 الى 50]
من هدى القرآن، ج12، ص: 79
/ 75
و أفوّض أمري إلى اللّه
هدى من الآيات:
كما البرق الخاطف في جوّ مدلهم في ليل داج، شعّت كلمات المؤمن في بيت فرعون، و هم يتآمرون على حياة صاحب الرسالة موسى بن عمران عليه السلام.
لقد قال لهم: إنّني أدعوكم لنجاة أنفسكم من النار التي تحيط بكم، بينما أنتم تدعونني لألتحق بكم في سواء اللهب. بلى. إنّ الكفر باللّه و الشرك به (و اتباع سلطة غير شرعية) ان ذلك بذاته النار التي هم فيها، أمّا هو فإنّ دعوته الى النجاة منها بالإيمان باللّه العزيز الغفّار.
أنتم تدعونني الى الشركاء الذين لا ينبغي أن يدعو أحد إليهم، لأنّهم تافهون حقراء، بينما أنا أدعوكم الى من إليه مصيرنا جميعا، و أنتم تدعونني الى الإسراف الذي لا ريب ينتهي بصاحبه الى النار، بينما أدعوكم الى التقوى.
و تحدّاهم (حين لم يستجيبوا له) بأنّه ينتظر و إياهم عاقبة الأمر حين يستذكرون
من هدى القرآن، ج12، ص: 80
إنذاره، أمّا هو فقد فوّض أمره الى اللّه الذي وقاه سيئات ما مكروا، بينما أحاط بآل فرعون سوء العذاب، ففي عالم البرزخ يعرضون على النار صباحا و مساء، و إذا قامت الساعة/ 76 يذوقون في جهنم أشدّ العذاب.
هنالك حيث لا ينفع الضعفاء تبريرهم بأنّهم إنّما اتبعوا كبراءهم فلذلك لا بد أن يتحملوا عنهم نصيبا من العذاب، كلا كل من الضعفاء و المستكبرين في النار بحكم اللّه الذي لا ينقض حكمه أحد.
بينات من الآيات:
[41] لا يطيب الموت في فم أحد إلّا أنّ المترفين أشدّ هيبة منه، لأنّهم أحرص على حياة الدنيا، و أعمق اغترارا بزخارفها، و لا بد أن يضرب الدعاء إلى اللّه على هذا الوتر الحسّاس في أفئدة المترفين، و يذكّروهم بالموت و ما بعد من الجزاء الشديد، و كفى به موعظة لمن يريد هدى و خلاصا.
و هكذا فعل مؤمن آل فرعون حين ذكّرهم بعاقبة الدعوتين، دعوة الحق و دعوة الباطل.
وَ يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ إنّهم الآن في النار و قد أحاطت بهم من كلّ صوب، السياسة طغيان، و الإقتصاد ترف، و التربية انحراف، و الاعلام ضلالة، فهم يتقلبون في سرادقات الجحيم، و إنما يدعوهم المؤمن للنجاة، بما تحتاجه من همّة و سعي و اجتهاد، و لكنهم يدعونه الى التوغّل في النار.
و الآية تشملنا أيضا، فباستثناء المتقين يعيش الناس في سواء النار، ما دامت الشهوات تقودهم، و الفساد يحيط بهم، و قد قال ربّنا سبحانه: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا
من هدى القرآن، ج12، ص: 81
وارِدُها كانَ عَلى/ 77 رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا «1» و نتساءل: كيف نحن جميعا في النار إلّا المتقين؟
أ رأيت جرثومة السل في المجهر؟ أو سمعت بفيروس الجذام؟ إنّهما في الواقع يمثلان ذات المرض الذي تظهر أعراضه على المسلول و المجذوم، و لكنّ الخبير وحده يعرف ذلك، أمّا الجاهل فتراه يستنكر أن تكون هذه الجرثومة و ذلك الفيروس هو ذات المرض .. كذلك خبير المتفجّرات يعرف مدى قوة النار الكامنة في كيلو غرام من مادة متفجّرة حارقة، أمّا الجاهل فلعلّه يحسبها ترابا، كذلك الواعون يعرفون أنّ مال اليتيم هو ذاته اللّهب إذا أكله الغاصب، و أنّ الكذب ريحته نتنة تخرج من فم صاحبها و تنتظره على باب جهنم، و أنّ الظلم اليوم ذاته ظلمات في القيامة، و هكذا ..
[42] و النار التي يدعو المؤمن للنجاة منها هي الكفر باللّه الذي يتمثّل بالشرك به. فما هو الشرك؟ إنّه الخضوع لأحد من دون أن يأذن اللّه و ينزل عليه سلطانا مبينا.
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ لعلّ قوم فرعون كانوا جاحدين باللّه رأسا، أو كانوا مشركين و شركهم دعاهم الى الكفر، لذلك قال لهم مؤمنهم:
وَ أُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ
(1) مريم/ 72.
من هدى القرآن، ج12، ص: 82
/ 78 و نستوحي من هذه الآية كما من آيات أخرى أنّ مجرد التسليم لما لا يعلم الإنسان يقينا ان اللّه أمره به شرك.
و قد خلق اللّه الإنسان عبدا له لا لغيره، و لم يأذن له بأن يتنازل عن حريته لأحد أبدا، بل فرض عليه مقاومة من يريد سلب حريته و الاعتداء على حرمة استقلاله، و اعتبر مجرد التسليم للطاغية شركا، و إنّ الشرك لظلم عظيم.
أمّا دعوة الحق فهي الى اللّه:
وَ أَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ فبعزته يهيمن علينا و يفرض سلطانه، و بمغفرته يقبل التوبة عن عباده المسرفين، الذين طالما سكتوا عن جرائم الطاغوت، و غدوا يأكلون رزق اللّه و يعبدون عدوّه، كما قبل توبة السحرة.
[43] لا ريب أنّ البشر- أنّى سخر القوى المادية- يحيط به الضعف من كل جهة، فهو محكوم بسنن اللّه، و إنّما يسعى للطغيان لعلّه يخفّف عن ضعفه، لعلّه يمنع عن نفسه المرض و الشيخوخة و الموت، فهو أضعف من أن يمنح الآخرين قوّة ..
و هكذا فهو ليس جديرا بالدعوة إليه.
لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ انها مجرّد خرافات و أوهام و أماني و/ 79 غرور.