کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج7، ص: 11
فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا
بيّنات من الآيات:
دعاء زكريا:
[1] كهيعص اختلف المفسرون في هذه الحروف و ما ترمز إليه، و ربما كانت اشارة إلى الألفاظ التي تدل على الذكر أو الحديث الذي كان زكريا (ع) يناجي به ربه، و جاء في حديث ان هذه الكلمات رموز الى أسماء اللّه الحسنى،
فقد روى سفيان بن سعيد الثوري عن الامام الصادق عليه السلام- حديثا مفصلا جاء فيه- :
« كهيعص : معناه أنا الكافي الهادي الوليّ العالم الصادق الوعد
» «1» و
جاء في حديث مأثور عن الإمام المهدي عجل اللّه فرجه: «ان هذه الحروف ترمز الى واقعة كربلاء الفجيعة، فالكاف اسم كربلاء، و الهاء هلاك العترة، و الياء يزيد- لعنه اللّه- و هو/ 12 ظالم الحسين، و العين عطشه، و الصاد،
(1) تفسير نور الثقلين ج 3 ص 320.
من هدى القرآن، ج7، ص: 12
صبره
» «1» [2] ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا بين الإنسان و ربه خطّان- صاعد و نازل- فالخط الصاعد هو الدعاء، أما الخط النازل فهو الوحي السماوي، و حسب ما أتصوره فان هذه الآية تشير الى كلا الخطين، فمن جهة ذكر اللّه لعبده عن طريق الوحي أو الكتاب السماوي، و من جهة ثانية ذكر زكريا ربه طالبا رحمته عن طريق الدعاء، و قد قال المفسّرون في معنى هذه الجملة: «اذكر كيف رحم اللّه عبده زكريّا» و بتعبير آخر: هذا ذكر عن رحمة اللّه لعبده زكريا.
[3] إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا في غمرة الأحداث الرسالية، و الصراعات المبدئية، لم ينس أن له شعورا آخر هو الشعور الانساني، و أن له رغبة أخرى هي رغبته في الامتداد عبر الأولاد، يحملون رسالته من بعده، فقد كبت هذا الشعور طويلا، و حينما أظهره كان خفيّا، ربما لسببين:
الأول: حذرا من ألسنة الناس، فقد كان رجلا مسنّا، و كانت امرأته عجوزا عاقرا.
الثاني: إن من شأن العبد الصالح أن لا يرى لنفسه حقا على اللّه، بل يؤمن بأن كل ما يعطيه الرب فهو تفضل منه و إحسان.
[4] قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي / 13 عند ما يشيخ الإنسان فان عظامه تصبح متراخية هشّة و يشعر بالضعف الداخلي.
(1) المصدر.
من هدى القرآن، ج7، ص: 13
وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً أي تحول الى البياض، و التعبير بكلمة «اشتعل» تعبير بلاغي يلفت النظر الى المشاق و الصعوبات التي لاقاها في عمره الطويل، كما توحي أيضا بسرعة الشيب في رأسه.
وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا أي لم أكن شقيا بسبب دعائك، فكلما طلبت منك حاجة أجبتها لي، و هذا الأسلوب يمثل غاية التأدّب في التوجه بالدعاء الى اللّه سبحانه.
شروط الوراثة:
[5] وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي و الموالي هم أولاد العم و الخال و الأقارب البعيدون، و يبدو انهم لم يكونوا موضع رضى زكريا لفسقهم أو ضعف ايمانهم.
وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [6] يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا لم يكن أحد من موالي زكريا (ع) أهلا لوراثته، لذلك طلب من اللّه سبحانه و تعالى أن يرزقه وليا تكون فيه هذه الصفات الثلاث:
/ 14 1/ أن يرث ماله و علمه ظاهرا و واقعا.
2/ أن يرث عائلته، فبعض خصائص الفرد شخصيّة، بينما بعضها الآخر مرتبط بالعائلة التي تمثل خطا معينا في الحياة.
من هدى القرآن، ج7، ص: 14
3/ أن يكون مرضيا عند اللّه و عند الناس.
و هذه هي الصفات التي ينبغي أن تكون في الوارث، و زكريا لم يقل ولدا بل قال وليا، و هذا طلب عام، فليس المهم الولد بل المهم أن يكون الوارث امتدادا للموروث حتى لو كان من غير ولده.
[7] يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا سوف نرزقك ولدا، يحمل مواصفاتك، و رسالتك، و سوف يقوم بعمل جديد لم يسبقه اليه أحد، و هذا منتهى رغبة الإنسان في الولد: أن يكون وارثا له و مكملا لخطّه، فإذا قام بعمل اسلامي و لم ينتصر فيه، فان ابنه يواصل هذا العمل، بنفس الاندفاع و الحماس الذي كان عنده حتى يكتب له النصر، و كان زكريا وارث أموال كثيرة عبر زوجته التي كانت من نسل النبي سليمان (الذي وهب له اللّه ملكا عظيما، و لم يكن له مثيل)، و كان يخشى على هذه الأموال أن تصرف في أي طريق غير طريق اللّه، و كان في ذات الوقت الحبر الأعظم، و خشي ان يرثه في هذا المقام الديني واحد من أولاد عمه غير اللائقين بمقام قيادة الأمة.
و قد استجاب اللّه له دعاءه، و آتاه من لدنه فضلا حيث رزقه يحيى. ذلك الوليّ الذي ليس فقط ورث أمجاد الماضي التليدة، بل و يفتح عهدا جديدا/ 15 حافلا بالمكرمات، إذ لم يجعل اللّه له سميا، و لعلّ في الآية اشارة الى أمرين:
أولا: ان يحيى (ع) سوف يحقق المزيد من الانجازات، لا توجد في التاريخ الرسالي السابق له، بلى .. ان يحيى قاوم السلطات الجائرة التي استولت على قيادة النصارى، و ضحى بنفسه في هذا السبيل، و كان مثله بين أتباع عيسى (عليه السلام) مثل الامام الحسين (ع) في أمة جده محمد (ص).
من هدى القرآن، ج7، ص: 15
ثانيا: ان على الإنسان أن يتطلع الى ولد يرث الماضي، و يصنع المستقبل كما يحيى (ع).
[8] قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا كيف يكون لي ولد، بينما الشروط الطبيعية اللازمة غير متوفرة، فامرأتي عاقر لا تلد أساسا، و أنا عجوز قد تجاوزت مرحلة الفتوّة و الشباب كثيرا؟! [9] قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ فاللّه عزّ و جلّ الذي خلق الكون كما خلق القوانين الطبيعية الحاكمة فيه، و هو قادر على تغييرها حين يشاء بلا صعوبة.
وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً حينما يفكر الإنسان في نفسه: كيف خلقه اللّه و أوجده من العدم؟! فانه يدرك أن اللّه على كل شيء قدير، و بالتالي يتلاشى تعجبه من بعض الظواهر الغريبة غير المألوفة. فلما/ 16 سكن روع زكريّا، و اطمأنت نفسه قال: آمنت بك، و لكن كيف أواجه الناس إذا قالوا: من أين أتت هذه الأسرة العجوز بهذا الولد؟!
حكمة الاعتزال:
[10] قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا عادة ما تكون الآية وجودية كناقة صالح، و عصا موسى، أما أن يعتزل الناس و لا يتكلم معهم فهذه آية غريبة ..
من هدى القرآن، ج7، ص: 16
لقد فكرت بهذا الموضوع و وصلت الى هذه النتيجة و هي: أن السكوت و الصمت في بعض الأحوال يكون أبلغ أثرا من أيّ كتاب أو كلام لسببين:
1/ لأن هذا السكوت يجعل صاحب القضيّة غير عابئ بما يقول السفهاء عنه، و صامدا أمام محاولات التشكيك من قبل الأعداء.
2/ و لأنه يجعل الناس يعودون الى أفكارهم، و يتحملون مسئوليتها، فليس بالضرورة أن يتكلم الداعية و يهدي الناس بلسانه دائما، بل يلزم عليه أحيانا أن يدعهم بدورهم يفكرون، و إذا فكروا فإنهم كثيرا ما يصلون الى الحقيقة، لذلك بعد الثلاثة أيام استغل زكريا (ع) الموقف، و أخذ يتحدث مع الناس في مواضيع أخرى غير قضية ولادة يحيى (ع) و ما يحيط بها من ملابسات كانت تستغرق منه وقتا طويلا لتبيينها للناس.
و هكذا فان العمل في سبيل اللّه يتطلب تجاوز الجدال في القضايا الشخصية الى معالجة القضايا العامة، و نشر القيم الرسالية، و يشير القرآن الكريم الى هذه الفكرة فيقول: