کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج5، ص: 131
بالنار من فوق و من تحت.
خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ و السؤال الذي وجهه المفسرون الى أنفسهم هو: لماذا استثنى القرآن بمشيئة اللّه؟
و تعددت إجاباتهم حولها، و اعتقد ان الجواب الأقرب هو: ان اللّه يفي بوعده الصادق و لكنه لا يحتم عليه شيء. لا سيما و ان عذابه و ثوابه للأشقياء، أما السعداء، فليسوا بقدر الجريمة بل بالصلاح فحسب، و أيضا بسبب ارتباط ذلك كله بمقام الربوبية، فالصلاة لأنها كانت للّه فهي ذات ثواب عظيم، و كذلك ترك الصلاة أصبح عملا قبيحا ذا عقاب شديد بسبب ارتباطه بمقام اللّه العزيز المتعال. لذلك فهو الذي يحدد مداه و قدره، و متى نهايته، و ربما يشير الى ذلك قوله سبحانه:
/ 109 إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ [108] اما السعداء فهم في الجنة ما دامت الجنة موجودة بأرضها و سمائها.
و لكن مشيئة اللّه فوق كل ذلك، فلربما شاءت إرادته التي لا تحد ان يعطي للجنة استمرارا أكثر ليعطي للمؤمنين فرصة أكبر للبقاء.
وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ و يشير الى هذا المعنى الذي ذكرناه للمشيئة قوله سبحانه.
عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ اي ان عطاء ربك غير مقطوع.
و لعل ذلك اشارة الى الخلود في الجنة و لكنه لا بمعنى تبدل ذاتي يحصل في
من هدى القرآن، ج5، ص: 132
الكون، فتتحول طبيعته من طبيعة فانية إلى طبيعة خالدة. كلا. بل بمعنى أن اللّه شاء ان تبقى الجنة خالدة (و اللّه العالم).
[109] بسبب إصرار الكفار على باطلهم، و عنادهم في ضلالتهم قد يعتري المؤمن شك في سلامة خطهم، أو وجود نسبة من الحق الى جانبهم. بيد ان ربنا ينهانا عن هذا الشك، و يأمرنا بعدم الريب في بطلان عبادتهم.
فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ فعبادتهم باطلة لا ريب في ذلك.
و إنهم يقلدون آباءهم الذين كانوا على ضلالة، و كما ان اللّه اعطى جزاء آبائهم بانزال العذاب عليهم، فانه سوف يعذبهم أيضا.
من هدى القرآن، ج5، ص: 133
[سورة هود (11): الآيات 110 الى 112]
من هدى القرآن، ج5، ص: 134
فاستقم كما أمرت
هدى من الآيات:
انتهى الدرس السابق موضحا ان المقياس هو الشقاء أو الفلاح في يوم البعث، أما هذا الدرس فقد جاء ليكرس الأيمان بالأخرة في واقع الدنيا، فنهى الرسول من الشك في ضلالة هؤلاء فيما يعبدونه من آلهة، و انهم ليسوا أفضل ممن سبق من المشركين، و ان اللّه سيوفيهم جزاءهم العادل دون نقصان.
و مثل هؤلاء انما هو كمثل الذين اختلفوا في كتاب موسى فأعطاهم اللّه فرصة الامتحان بكلمة سبقت منه سبحانه، و لولاها لقضي بينهم بتأييد الصادقين منهم ضد أعدائهم./ 111 و ذلك بسبب شكهم المريب في صدق الكتاب الذي اختلفوا فيه.
ان هذه الفرصة ليست دائمة بل محدودة بيوم انتهاء فرصتهم و مهلتهم، حيث يعد عليهم اللّه أعمالهم و هو خبير بها.
و عليك ايها الرسول ان تستقيم كما أمرت، و عليكم ايها المؤمنون ان تستقيموا
من هدى القرآن، ج5، ص: 135
كما أمرتم، و لا تطغوا فاللّه بما تعملون بصير.
بينات من الآيات:
فاختلفوا فيه:
[110] لقد انزل اللّه الكتاب ليختلفوا اليه، و يجعلوه قاضيا بينهم، فاختلفوا فيه، و حملوه أهواءهم، و السبب انهم لا يؤمنون حقا بالكتاب بل بأهوائهم، و لو لا ان اللّه جعل الدنيا دار ابتلاء و فتنة. إذا لأيد الفريق المؤمن بالكتاب و خذل المفسرين له بأهوائهم.
وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ حيث قضى بتأخير الجزاء يوم البعث، أو ليوم انتهاء مهلة الفاسقين و نصرة المؤمنين عليهم.
لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ اي بأسلوب أخر غير تنزيل الكتاب الذي لم ينفعهم، و لم يوحدهم على الهدى بسبب طغيانهم و اتباع أهوائهم، و الاختلاف في الكتاب دليل الشك فيه.
وَ إِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ / 112 [111] و اللّه لا ينظر الى التبريرات التي يقدمها البشر لأعماله الضالة، و التخريجات الدينية التي يتعب نفسه في تركيبها على اهوائه، و بالتالي لا يعبأ بالتفسير الباطل للكتاب الذي يخدع نفسه و ذوقه به، انما ينظر ربنا سبحانه الى حقيقة اعماله. فيوفيه إياها و هو محيط علما بها و بخلفيتها.
وَ إِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
من هدى القرآن، ج5، ص: 136
ان التاكيدات المتتالية في هذه الآية لدليل على ان البشر يخدع نفسه بالكتاب كما يخدعها بغيره، و ان اللّه سبحانه يذكره بأن خداعه سراب، و ان عمله هو الباقي وحده.
فاستقم كما أمرت:
[112] و لماذا يختلف الإنسان في الحياة أساسا؟
لأنه لا يرضى بحدوده و حقوقه، بل يطغى و يحاول ان يتجاوز حدوده، و يعتدي على حرمات الآخرين، و حين يطغى الفرد يجرف بطغيانه القيم الالهية التي وضعت في طريقه، و يحاول ان يفسرها حسب اهوائه لكي يجعل قيم السماء جزءا من معاملاته الفاسدة.
من هنا كان من الصعب جدا على الناس مقاومة ضغط الأهواء باتجاه تفسير الكتاب حسب اهوائه، و الاستقامة في خط الكتاب، و تكييف أنفسهم حسب مقاييسه، و جاءت كلمة القرآن حاسمة لتؤكد هذه الحقيقة.
[فاستقم كما أمرت] و بعصمة اللّه، و بحسن التوكل عليه استقام الرسول، اما المؤمنون فان معضلات الفتن ضغطت عليهم، و حرفت مسيرتهم، و لكنهم سرعان ما تابوا الى اللّه فاستقاموا.
/ 113 [و من تاب معك] اما سبب الانحراف و تفسير الكتاب حسب الأهواء، و بالتالي الاختلاف فيه فهو الطغيان.
وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
من هدى القرآن، ج5، ص: 137
ان علينا ان نتبع هدى اللّه دون زيادة أو نقصان ... فانه طغيان.
و جاء في الحديث عن ابن عباس: ما نزل على رسول اللّه آية كانت أشد عليه و لا أشق من هذه الآية، و لذلك قال لأصحابه حين قالوا له: أسرع إليك الشيب يا رسول اللّه: