کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج4، ص: 399
هذه الآثار، و رجحت كفّة الآثار السلبية انهارت الأمة، بينما تتقدم إذا انعكست الحالة، المهم أن الإنسان قادر على إنقاذ الموقف قبل أن يتردّى الى نهايته، فهناك لا فرصة للخلاص أبدا.
[50] و من هنا فان الذين يستعجلون العذاب و يتساءلون بضجر متى هذا الوعد؟ لا يعرفون أن العذاب ليس مما يستعجله الإنسان، و أنه إذا جاءهم لم يجدوا مهربا منه- فكيف يستعجلونه؟!! قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً حينما اتخذتم النوم لأنفسكم لباسا للراحة و الأمن، فاذا بالعذاب يباغتكم.
أَوْ نَهاراً و أنتم على كامل الاستعداد لمواجهة الأخطار، و لكن من دون أن تكون لديكم القدرة على مواجهة عذاب اللّه.
ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ هل يستعجلون آلامه الشديدة، أم يستعجلون تحطيم أمانيهم و قهر كبريائهم، و مفارقة أحبّتهم، هل هي أشياء يطالب بها الإنسان، أم أنه الغرور و النزق؟
[51] نعم .. إذا وقع العذاب و أصبح حقيقة ملموسة بأيديهم/ 333 ماثلة أمام أعينهم، آنئذ فقط يؤمنون به و لكن عبثا! أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَ قَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ و كان استعجالهم السابق دليلا على عدم ايمانهم به و عدم توقعهم لحدوثه.
من هدى القرآن، ج4، ص: 400
[52] و أخطر شيء في القضية هو أن العذاب لا ينتهي بل يبقى خالدا.
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ فالجزاء هو ذاته الأعمال التي اكتسبتموها، و التي تحولت الى عذاب دائم، أعاذنا اللّه منه.
من هدى القرآن، ج4، ص: 401
[سورة يونس (10): الآيات 53 الى 58]
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)
/ 334
[اللغة]
53 [يستنبئونك]: الاستنباء طلب النبأ الذي هو الخبر.
[لافتدت]: الافتداء إيقاع الشيء بدل غيره لدفع المكروه به يقال فداه يفديه فدية.
من هدى القرآن، ج4، ص: 402
القرآن يحطّم حواجز الأيمان
هدى من الآيات:
في سياق الدروس السابقة التي كانت آيات القرآن تهدينا الى أنّها وحي من عند اللّه، تحطّم هذه الآيات الحواجز النفسية التي تمنع الايمان، ثم تذكر بأن القرآن شفاء و موعظة، و أنه فضل و رحمة و خير مما يجمع الناس، فتبدء الآية الأولى بالسؤال الذي يوجهه الكفار الى الرسول عن أن القرآن حق؟ و يجيب الرسول و يحلف بربه الكريم أنه لحق، أما حاجز الغرور و العزة بالإثم فانه و هم باطل، إذ أن الكفار ليسوا بقادرين على تعجيز أقدار اللّه و تفشيل خطط الرسول، ثم لا ينفع المال و البنون، لأنه حين يأتي العذاب و يراه الظالمون يتمنون لو قبل اللّه منهم أن يفتدوا عن عذاب ذلك اليوم بكل ما في الأرض لو كانوا يملكونها،/ 335 و قد بلغت الندامة أعمق أعماقهم و قضي بينهم بالقسط، و جوزوا على أعمالهم و هم لا يظلمون. و الحاجز الآخر الذي يحول بين الإنسان و الايمان بيوم الجزاء هو تردده في قدرة اللّه أو صدق وعده سبحانه، و لكن أ ليس لله ما في السموات و الأرض، و أن وعده حق كما يدل عليه ما يجري في السموات و الأرض؟ و لكن جهل هؤلاء بالدنيا و سننها هو السبب المباشر لضلالتهم،
من هدى القرآن، ج4، ص: 403
ثم أو ليس اللّه يحيي و يميت؟ أو ليس قادرا على بعث الناس من جديد؟! و هكذا ينادي القرآن الناس بأنه جاء موعظة من ربهم، و انه يشفي صدورهم من عقد الجهل و العصبية و الانغلاق، و انه يهدي الناس، و إذا آمن به الناس و طبقوه فهو رحمة لهم و رفاه، و هذا الرفاه يجمعه الناس من وسائل مادية بحتة لا تعطيهم رفاه و لا رحمة.
بينات من الآيات:
في رحاب الحقائق:
[53] و يتساءل الكفار هل يؤمن الرسول بما يقول و يقولون له: أحق هو؟
فيجيب الرسول بحسم و بالضرورة: إنه لحق.
وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ و بين السؤال و الجواب نستنبط عدة حقائق:
اولا: بالرغم من أن الحقائق الفلسفية العامة ليست قابلة للتقليد و الطاعة العمياء الّا أن السؤال عنها مفيد، إذ قد تحمل الاجابة إشارات هادية لك لو فكّرت فيها لعرفت الحقيقة مباشرة، فيكون السؤال مثل أن يسأل أحد عن مكان الماء، فحين يشير الآخر اليه/ 336 و يلتفت السائل يرى الماء مباشرة.
ثانيا: ان احدى المشاكل الرئيسية التي تعترض طريق الناس عن الايمان هو تهيّب الايمان، و الاعتقاد بأن المؤمنين ليسوا في الواقع مؤمنين بصدق، و لذلك إذا عرفوا صدق ايمان المؤمنين بالرسالة، زال حاجز الهيبة و تشجعوا على الايمان، و من هنا كان تأكيد المؤمنين ايمانهم قوليا و عمليا أو بسبب تضحياتهم الرسالية كان ذلك ذا أثر فعّال في روحية المترددين و الشاكين.
من هدى القرآن، ج4، ص: 404
ثالثا: أن الرسول أجابهم بصورة مؤكدة، و حلف بربه حلفا يؤثر في وجدان السامعين، لأنه يتصل بمن ربّاه و أنعم عليه، و عموما القسم بالرب قسم وجداني عميق الأثر.
و بعد الحوار أكّد الرسول على أن حاجز الغرور هو الذي يفصلهم عن الايمان، فيزعمون أنهم قادرون على مقاومة نفوذ الرسالة، أو الإتيان بأفضل منها حتى يسبقوها!! كلا.
التذكير بالآخرة نقطة الانطلاق:
[54] الإنسان بفطرته مؤمن، و لكن دواعي الشهوة و الطيش و الغرور، و الجهل تمنعه عادة عن الارتفاع الى مستوى الايمان، و يهدم القرآن جدار الغرور بتذكير البشر بيوم فاقته، حين يحين ميعاد جزائه على ظلمه لنفسه، عند ما يتمنى لو كان يملك ما في الأرض جميعا ليفتدي بها عن نفسه، فيخلّصها من العذاب، و لكن هيهات!! و هنا لا بد أن يتذكر الإنسان بأن المهم ليس ما يملك لأنه يزول عنه، و لكن نفسه و عمله هما الباقيان.
وَ لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ظلما ذاتيا بارتكاب المعاصي، أو ظلما اجتماعيا باغتصاب حقوق الآخرين، لو أنها كانت تملك ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَ أَسَرُّوا/ 337 النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ
من هدى القرآن، ج4، ص: 405
و ربما كان معنى أسرار الندامة الشعور بها عميقا في سرهم، و ليس بمعنى اخفائها، لأنه لا أحد يقدر على كتمان حالته يوم القيامة، و لكن من المسؤول عن ندامتهم أو ليست أنفسهم!! وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ أي بالدقة التامة دون أي زيادة أو نقيصة.
الوعد الحق:
[55] و لو زعم الكفار أن اعادة بعث الناس مستحيل، أو زعموا أن جزاءهم في الدنيا غير وارد، فليعلموا أن اللّه هو مالك ما في السموات و الأرض و أن وعده حق.
أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ و لو كان لهؤلاء العلم بالكون بقوانينه و سنن اللّه الحاكمة فيه لعرفوا أن كل عمل يتحول الى جزاء عاجلا أو آجلا. خيرا أو شرا، تلك هي أبسط قاعدة حياتية، فكيف لا تنتهي حياة الناس بالجزاء الشامل يوم القيامة؟
[56] و اللّه يحي و يميت، فهو قادر على احياء الناس بعد موتهم، و لذلك فنحن نرجع اليه للحساب.