کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج12، ص: 453
و أنّهم يحوطون دينهم ما درّت معايشهم، و لكنّ الخطأ هو الحتميّة الاقتصادية التي/ 449 زعمت أنّ الإنسان محكوم كليّا بطرق الإنتاج كما قالت الماركسية.
و هكذا للاجتماع جاذبية هائلة، و لكنّها لا تحتّم على الإنسان شيئا، و كذلك التاريخ يسوق البشر في اتجاهه دون أن يكرهه على ذلك إكراها.
و لو لا قدرة الإنسان على تحدّي العوامل الضاغطة لما بنى حضارة، و لا تقدّم شبرا، و لما استطاع الروّاد أن يخرقوا جدر التخلّف بسهام التجديد، و ما قدر الثوّار أن يغيّروا الواقع السياسي الفاسد، و لا انتصر الرسل على الجاهليين الذين كانوا يملكون وسائل الإنتاج، و أجهزة الاعلام، و جاذبية المجتمع.
[21] و من الحتميّات الموهومة الحتميّة التاريخية، و لا يعترف الدين بالتاريخ و التراث و تقاليد الآباء إلّا بقدر ما فيه من هدى اللّه الموحى به عبر رسالاته، و لذلك نجد الذكر الحكيم يذكّرنا بأنهم ما داموا لا يملكون كتابا يستمسكون به فلا قيمة لماضيهم.
أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ من قبل القرآن الذي يجادلون فيه.
فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ [22] كلّا .. إنّ اعتمادهم ليس على العلم (لأنه ما لهم به من علم) و لا على كتاب، إنّما على تقاليد بالية.
بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ
من هدى القرآن، ج12، ص: 454
على طريقة يأتمّ بعضهم بالبعض فيها.
وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ / 450 نحن سائرون على آثارهم فنحن إذا مهتدون.
كلّا .. إنّ الآباء لم يكونوا أنصاف آلهة، و لا شرعية لعملهم، و لا هدى في آثارهم من دون علم أو كتاب.
[23] و هذه عادة باطلة درج عليها المترفون حينما بعث اللّه إليهم الأنبياء.
وَ كَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ فلربما كانت عقيدة الآباء منحرفة، و لربما كانت صحيحة و لكن في وقتها، إذ أنّ « تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَ لَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ » أو قد يكونوا صالحين و لكن مع تقادم الزمن حرّفت عقائدهم.
و هذه الآية تبيّن لنا أنّ الناس انقسموا تجاه أنبيائهم الى قسمين: قسم اتبع الأنبياء، و هم المستضعفون، و قسم خالف هدى الأنبياء، و هم المترفون و من اتبعهم من عامّة الناس.
[24] بلى. من السفاهة اتباع الآباء بلا تعقّل، كما لا ينبغي رميهم بالانحراف رأسا، إنّما يجب اتباع أهدى السبل سواء عرفه الآباء أم لا.
قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ / 451 و هذا طعن غير مباشر، و غير حاد لعقيدة الآباء، فالرسول لم يطعن في سيرة
من هدى القرآن، ج12، ص: 455
الآباء، بل دعاهم الى اتباع الأهدى، مشيرا الى أنّ الآباء لم يكونوا مهتدين، أو أنّ منهاجهم كان صالحا لذلك الوقت، و قد نسخه تقادم الزمن، و تطوّر الظروف، فما ذا كان ردّ أقوام الرسل لهذه الدعوة؟
قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ كفروا بما أرسل الرسل، و تبيّن زيف ادعائهم بحتمية اتباعهم لآبائهم، كلّا .. ليس آباؤهم مسئولين عن كفرهم، بل هم المسؤولون.
[25] و حين تمّت عليهم الحجة، و ثبتت لهم مسئوليتهم عن أعمالهم، جاءهم الانتقام.
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ و سواء اعترف الإنسان بجريمته أو لم يعترف فإنّ قضاء اللّه واقع به إذا تنكّب الطريق، و هكذا لا يغنيه إنكار المسؤولية شيئا.
من هدى القرآن، ج12، ص: 456
[سورة الزخرف (43): الآيات 26 الى 35]
/ 452
[اللغة]
32 [سخريّا]: أي ينتفع أحدهم بعمل الآخر له فينتظم بذلك قوام أمر العالم.
من هدى القرآن، ج12، ص: 457
34 [معارج]: جمع معراج و هو السّلم.
36 [زخرفا]: هو الذهب.
من هدى القرآن، ج12، ص: 458
إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا
هدى من الآيات:
يضرب القرآن مثلا على الصراع بين الحق الذي يحمله النذير الى قومه و الواقع/ 453 الفاسد الذي يدافع عنه المترفون باعتباره تراث الآباء، بقصة إبراهيم- عليه السلام- الذي تحدّى أباه و قومه، و أعلن براءته مما يعبدون، و جعل الإمامة في ذريته الطيبة لتكون منار هدى للأجيال المتعاقبة، كما و متّع طائفة من أبنائه (و هم أهل مكة و آباؤهم) دهرا طويلا حتى جاءهم الحق و رسول مبين فكذّبوه و قالوا هذا سحر.
(و قد قاوموا الرسالة الإلهية بقيمهم المادية) و قالوا: لو لا نزّل هذا القرآن على واحد من العظيمين في مكة و الطائف (الوليد بن المغيرة من قريش مكة أو حبيب بن عمرو من ثقيف الطائف، حسب ابن عباس).
و يبيّن القرآن ضلالة هذا المقياس، أولا: بأنّ اللّه هو الذي يقسم رحماته كيف
من هدى القرآن، ج12، ص: 459
يشاء لا المخلوقون و ثانيا: بأنّ اللّه قد قسم بينهم معايشهم حسب حكمته، و إنما رفع بعضهم على بعض لكي يتخذ بعضهم بعضا سخريّا (و ليس للغني في غناه كرامة، و لا على الفقير في فقره هوان) و ثالثا: بأنّ رحمة اللّه (المتمثّلة في رسالاته و جزائه) خير مما يجمعون من مال و زخرف.
(و يمضي السياق قدما في تهوين شأن الدنيا و ليقتلع من النفوس مقياس الغنى في تقييم الحقائق، و يقول:) لولا أن يكون الناس على الضلالة جميعا بإغراء زخرف الدنيا لجمع الدنيا كلّها للكفار، فجعل لبيوتهم سقفا من فضة و سلالم يعرجون عليها (الى الطوابق العليا) و جعل أبواب بيوتهم و سررها من فضة، و أحسن تأثيث منازلهم بالزخرف. ثم ماذا بعد كلّ ذلك؟ إنّما ذلك متاع زائل للحياة الدنيا- بينما تصفي الآخرة لمن/ 454 اتقى ربّه-.
بينات من الآيات:
[26] ضمن سياق هذه السورة التي تتحدّث عن تصحيح العلاقة بين الإنسان و ما حوله من بشر و طبيعة، يبين لنا السياق القرآني العلاقة المثلى بين الإنسان و بين آبائه، فعلاقته يجب أن تكون مع القيم قبل العلاقة بالماضي بما فيه من خير و شر ..
لماذا؟ لأنّ الإنسان لا يكتسب القدسية بمجرد مرور الزمان عليه، و لأنّنا و هم أمام اللّه شرع سواء، و إنما قيمتنا جميعا باتباع ما أمرنا اللّه به.
و لولا هذه العلاقة المجرّدة عن التقديس لما قدرنا الانتفاع بتجاربهم، و كيف نتقي الأخطار التي أحدقت بهم و أهلكتهم، و ما هي بدايات انحرافهم، و ما هي عاقبته؟