کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج13، ص: 406
و
جاء في الحديث المروي عن الامام الصادق عليه السلام: «المصلح ليس بكاذب». «1»
(1) المصدر ص 89
من هدى القرآن، ج13، ص: 407
[سورة الحجرات (49): الآيات 11 الى 12]
/ 409
[اللغة]
(11) وَ لا تَلْمِزُوا : من المؤمنين، لأنّ عيب الآخرين من المؤمنين عيب على النفس، لأنّ المؤمنين وحده واحدة.
وَ لا تَنابَزُوا : التنابز باب المفاعلة من النبز بأن يجعل كلّ واحد منهما للآخر لقبا سيّئا، و إنّما جاء بلفظ التنابز للدلالة على أنّ النبز لا بد و أن ينتهي الى المنابزة.
الِاسْمُ : أي العلامة، لأنّه مشتق من الوسم.
من هدى القرآن، ج13، ص: 408
وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
هدى من الآيات:
لكي يبني الإسلام لنا صرحا اجتماعيا متينا يوصينا بأن نكن الاحترام الكافي لاخوتنا، فلا يحتقر قوم قوما آخرين، و لا نساء نساء أخريات، لأن المقياس الحق عند اللّه، و لعل أولئك الذين نسخر منهم هم خير منا عند اللّه و أفضل (و لكنا نجهل نقاط قوتهم، و نتعالى عليهم/ 410 فلا نرى إلا نقاط ضعفهم).
و ينهانا القرآن عن أن نعيب بعضنا لمزا (بالقول و مواجهة) أو أن نتبادل الألقاب السيئة (مما يزيل حجاب الحياء و ينشر الحالة السلبية)، فبئس الاسم اسم الفسوق بعد أن اجتبانا اللّه للايمان، و اختار لنا به أحسن الأسماء. (بلى. إن صبغة المجتمع الاسلامي هي صبغة اللّه التي تشع حسنا، فلما ذا نصبغ مجتمعنا بأسوء الصفات عبر التنابز بالألقاب البذيئة)؟
ثم يوصينا السياق باجتناب الظنون (إلا الظن الذي يدعمه الدليل القاطع)،
من هدى القرآن، ج13، ص: 409
لأن بعض الظن إثم (و هو الذي يحوله صاحبه الى موقف عملي)، و ينهانا عن التجسس (الذي هو التحقق من الظن السيء)، و عن الغيبة التي يعتبرها كأكل لحم الأخ ميتا، أو لسنا نكره ذلك، و يأمرنا في الخاتمة بالتقوى (حتى لا تصبح الغيبة بتكرارها أمرا مألوفا و غير مستقبح) و يؤملنا رحمته و توبته (حتى لا نيأس من تطهير أنفسنا و مجتمعنا من هذه الرذائل).
بينات من الآيات:
[11] بداية فساد العلاقة بين الإنسان و نظيره تضاؤل قيمة الإنسان كإنسان في عينه، و آنئذ لا يحترم الناس بعضهم، و يبحث كل عن منقصة في صاحبه يسخره بها، و يدعي لنفسه مكرمة يفتخر بها، بينما لو أنصفنا أنفسنا لعرفنا ان سرّ احترامنا لأنفسنا هو اننا بشر نملك العقل و الارادة، و نتحسس بالألم و اللذة، و نتحلى/ 411 بالحب و العواطف الخيرة، أ فلا توجد كل هذه في أبناء آدم جميعا، فلما ذا أطالب باحترام الناس لي، و لا أجد لا حد حرمة؟
تعالوا ننظر لحظة ببصائرنا، حين أسخر من إنسان نظير لي في مجمل صفاته، أ فلا يعني ذلك أني أسخر من نفسي أيضا؟
بلى. الذين يكفرون بقيمة الارادة و العقل و الحب و العواطف في أنفسهم هم الذين يكفرون بها في غيرهم ثم يسخرون منهم. إنهم ينسلخون من إنسانيتهم ثم يسمحون لأنفسهم بانتهاك حرمات غيرهم.
من هنا يشرع السياق في اجتثاث جذور الشقاق الاجتماعي بالنهي عن السخرية بالآخرين قائلا:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ
من هدى القرآن، ج13، ص: 410
و يخاطب المؤمنين لأن هذه الصفة لا تتناسب و إيمانهم باللّه، أو ليس الايمان باللّه يعني حذف القيم الأرضية و تطهير النفس من احترام المال و البنين و الشهرة و الأرض و .. و .. مما يسبب عادة في التفاخر. و حين ينهى ربنا عن السخرية فلأنها الخطوة الأولى في طريق النهاية. كيف؟
إن من أعظم مفاخر البشر و مزاياه صفة الحياء، حيث يتحسس الإنسان بفطرته النقية انّ للآخرين حرمة لا بد أن يؤديها إليهم، و من ملك الحياء لا يفكر في تجاوز الآخرين. فكيف يفكر في اغتصاب حقوقهم و الاعتداء عليهم؟
412 و هكذا يسعى الشيطان لازالة صفة الحياء، و حث الإنسان الى الاستهانة بالآخرين، و تصغير قدرهم، و التصوير بأنهم أقل منه فيحق له إذا تجاوز حقوقهم بل و الاعتداء عليهم. و هنا يقف القرآن له بالمرصاد فيأمر بالتمسك بالحياء و الإبقاء على صفة احترام الآخرين حتى يقضي على التفكير في الجريمة.
أ رأيت كيف يسمح المستكبرون لأنفسهم بارتكاب المذابح الجماعية بحق المستضعفين و منعهم من حقوقهم من أدنى درجات الحياة؟ هل فكرت يوما كيف انسلخ أولئك البشر عن إنسانيتهم و اندفعوا في مثل هذه الجرائم؟ إنهم في البدء سخروا منهم و قالوا نحن أبناء اللّه، نحن الشعب المختار، نحن ذوي البشرة البيضاء اختارنا اللّه لحكم هؤلاء الذين لم يؤتوا من الذكاء و العقل نصيبا مذكورا. و هكذا كونت الثقافة العنصرية أرضية الجريمة بحق الشعوب.
و لعل التعبير القرآني هنا يعكس طبيعة الاستهزاء عند الرجال، حيث انهم يفتخرون عادة بتجمعهم و يسخرون من سائر الناس، فترى أهل هذا الحي يقولون من مثلنا؟ أو أهل هذا النادي أو ذلك الحزب أو هذا المصر أو ذلك الإقليم إنهم يفتخرون بما لديهم و يفرحون بما أوتوا من نصيب الدنيا فيسخرون ممن لا يملك ذلك
من هدى القرآن، ج13، ص: 411
حتى و لو ملك ما هو أفضل منه.
أما النساء فتجري مفاخرتهن في أمور شخصية كالجمال و الزينة أو النسب أو السبب، و أساس الاستهزاء بالآخرين عجب كل قوم بما يملكون من ميزات، و فرحهم بها، ثم تعاليم على من سواهم بذلك،/ 413 و لعل ميزات الآخرين أعظم و أنفع للناس و أبقى عند اللّه، لذلك ذكرنا الرب سبحانه بالالتفات الى هذه الحقيقة، و قال:
عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ و
في حديث مأثور عن رسول اللّه (ص) نقرأ أن من علامات عقل المرء تركه التعالي على الناس، هكذا روي عن أبي جعفر (عليهما السلام): قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لم يعبد اللّه عزّ و جلّ بشيء أفضل من العقل، و لا يكون المؤمن عاقلا حتى تجتمع فيه عشر خصال .. و العاشرة لا يرى أحدا إلّا قال:
هو خير منّي و أتقى، إنما الناس رجلان: فرجل خير منه و أتقى، و آخر هو شرّ منه و أدنى، فاذا رأى من هو خير منه و أتقى تواضع له ليلحق به، و إذا لقي الذي هو شر منه و أدنى قال: عسى خير هذا باطن، و شرّه ظاهر، و عسى أن يختم له بخير.
فاذا فعل ذلك فقد علا مجده، و ساد أهل زمانه». «1»
و
في رواية أخرى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «إن اللّه عز و جل كتم ثلاثة في ثلاثة، كتم رضاه في طاعته، و كتم سخطه في معصيته، و كتم وليه في خلقه، فلا يستخفن أحدكم شيئا من الطاعات فانه لا يدري في أيها رضا اللّه، و لا يستقلن أحدكم شيئا من المعاصي/ 414 فانه لا يدري في أيها سخط اللّه، و لا يزر أن
(1) بحار الأنوار/ ج 1/ ص 108
من هدى القرآن، ج13، ص: 412
أحدكم بأحد من خلق اللّه فانه لا يدري أيهم ولي اللّه» «1»
و جاء في سبب نزول الآية الكريمة ان ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه و قر، و كان إذا دخل المسجد تفسحوا له حتى يقعد عند النبي (ص) فيسمع ما يقول، فدخل المسجد يوما و الناس قد فرغوا من الصلاة، و أخذوا مكانهم، فجعل يتخطى رقاب الناس، و يقول: تفسحوا، تفسحوا، حتى انتهى الى رجل فقال له:
أصبت مجلسا فاجلس، فجلس خلفه مغضبا، فلما انجلت الظلمة، قال: من هذا؟
قال الرجل: أنا فلان، فقال ثابت: ابن فلانة!- ذكر أمّا له كان يعير بها في الجاهلية- فنكس الرجل رأسه حياء فنزلت الآية «2» .
و عن ابن عباس في قوله: «و لا نساء من نساء» نزل في نساء النبي (صلّى اللّه عليه و آله) سخرن من أم سلمة. و عن أنس:
و ذلك أنها ربطت حقويها بسبيبة- و هي ثوب أبيض- و سدلت طرفها خلفها، فكانت تجرّه، فقالت عائشة لحفصة:
أنظري ماذا تجرّ خلفها كأنه كلب، و قيل أنها- عائشة- عيرتها بالقصر، و أشارت أنها قصيرة، و هذا ما روي عن الحسن بن علي عليهما السلام «3» .
و
في تفسير علي بن إبراهيم أن الآية نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب- و كانت زوجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم- و ذلك أن عائشة و حفصة كانتا تؤذيانها، و تشتمانها، و تقولان لها: يا بنت اليهودية،/ 415 فشكت ذلك الى رسول اللّه (ص)؟ قال: قولي: أبي هارون نبي اللّه، و عمي موسى كليم اللّه، و زوجي محمد رسول اللّه (ص) فما تنكران مني؟! فقالت لهما، فقالتا: هذا علمك رسول اللّه (ص) فأنزل اللّه الآية «4» .
(1) المصدر/ ج 75/ ص 147
(2) مجمع البيان/ ج 9/ ص 135
(3) المصدر