کتابخانه تفاسیر
من هدى القرآن
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
الجزء الثاني
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثالث
سورة الانعام
سورة الأعراف
الجزء الرابع
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
الجزء الخامس
سوره هود
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
الجزء السادس
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
المجلد السابع
سوره مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
الجزء الثامن
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
الجزء التاسع
سورة شعراء
الجزء العاشر
الجزء الحادي عشر
الجزء الثاني عشر
الجزء الثالث عشر
الجزء الرابع عشر
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
من هدى القرآن، ج7، ص: 126
و يفكر في عواقب الأمور، و هذا هو الإنسان الذي يستفيد من الرسالة، لأنه عاقل، و لذا كان الخوف من علامات العقل.
هيمنة اللّه:
[4] تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَ السَّماواتِ الْعُلى السماوات العلى أي العالية.
قد يبدي الإنسان نوعا من الذهول عند ما يقرأ الأرقام العلمية، فقد كان العلماء يقدّرون عدد النجوم بالآلاف، ثمّ قدروها بمئات الألوف، ثمّ بالملايين و المليارات، و بعد ذلك عجز علمهم عن الإحصاء،/ 108 و كانوا في البداية يقدرون المسافات و الابعاد التي تفصل الاجرام السماوية عن بعضها بوحدات القياس الاعتيادية، ثم اكتشفوا ان هذه الوحدات الطويلة أعجز من أن تصمد أمام المسافات الكونية الرهيبة، فلجئوا الى استخدام السنة الضوئية في القياس، و هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة كاملة في حين ان سرعة الضوء تبلغ حوالي (000، 300) كيلومترا في الثانية.
هذه الأرقام يكاد الإنسان لا يصدقها من ضخامتها، و كثير منا لم يصدق بهبوط الإنسان على القمر، و انه للحقيقة، و كان القرآن الحكيم يشير الى أن رسالة السماء نور منزل من خالق السماوات العلى.
[5] الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى و هو رحمن، لأنه خلق هذه السماوات و هذه النجوم و هذا الفضاء اللامتناهي و هذا الإنسان، فرحمته تتجلى في إيجاد الأشياء من بعد العدم و اعطائها كيانا بعد أن لم تكن شيئا مذكورا.
من هدى القرآن، ج7، ص: 127
ثمّ لم يترك السماوات بعد خلقها عبثا، انما استوى عليها، أي يشرف عليها و يأمرها فتأتمر و يزجرها فتزدجر، و بالتالي هو المسيطر المهيمن على السماوات و الأرض، فلا شيء فيها أقرب اليه من شيء، لأنه محيط بها جميعا، علما و قدرة و سلطانا و تدبيرا،
جاء في حديث شريف عن عبد الرحمن بن الحجاج قال، سألت أبا عبد اللّه عن قول اللّه عزّ و جل الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ، فقال: استوى من كلّ شيء، فليس شيء أقرب اليه من شيء، لم يبعد منه بعيد، و لم يقرب منه قريب، استوى من كلّ شيء. «1»
و العرش هنا بمعنى مركز القدرة و السلطة و التدبير، و تعالى اللّه عما يتصوره الجاهلون، من أن العرش مقام ربنا المادي .. كلا:/ 109 إن العرش لا يتحمل الرب، انما الرب هو الذي يحمله،
جاء في حديث مأثور عن الإمام علي عليه السلام قاله لوفد النصارى و رئيسهم جاثليق:
فكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن ربك أ يتحمل؟ فقال علي (ع): إن ربنا جلّ جلاله يحمل و لا يحمل، قال النصراني: و كيف ذلك و نحن نجد في الإنجيل:
«و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية» فقال علي (ع): ان الملائكة تحمل العرش، و ليس العرش كما تظن كهيئة السرير، و لكنه شيء محدود مخلوق مدبر و ربك عزّ و جل مالكه، لا انه عليه ككون الشيء على الشيء، و أمر الملائكة بحمله، فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه، قال النصراني: صدقت يرحمك اللّه.
«2»
و جاء في حديث آخر مأثور عن حنان بن سدير قال : سألت أبا عبد اللّه (ع) عن العرش و الكرسي فقال: ان للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كلّ سبب وضع في
(1) المصدر/ ص 368.
(2) المصدر.
من هدى القرآن، ج7، ص: 128
القرآن صفة على حدة، فقوله: رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ قول: الملك العظيم، و قوله:
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى يقول: على الملك احتوى: و هذا ملك الكيفوفية في الأشياء، ثمّ العرش في الوصل منفرد من الكرسي لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، و هما جميعا غيبان، و هما في الغيب مقرونان، لان الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه يطلع البدع، و منه الأشياء كلها، و العرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف و الكون و القدر و الحد و الأين و المشية، و صفة الارادة، و علم الألفاظ و الحركات، و الترك و علم العود و البداء، فهما في العلم بابان مقرونان، لان ملك العرش سوى ملك الكرسي، و علمه أغيب من علم الكرسي، فمن ذلك قال: رَبُّ الْعَرْشِ/ 110 الْعَظِيمِ أي صفته من صفة الكرسي، و هما في ذلك مقرونان.
«1» [6] لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى و لم يملّك القرآن أحدا شيئا، لان الأشياء كلها للّه سبحانه، و هو الذي يحكم فيها، و إذا أعطى الإنسان شيئا، فانما يخوله الاستفادة منه، و يكون في الواقع مستخلفا فيه لا مالكا حقيقيا له.
[7] وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى إذا جهرت بكلامك و أعلنته، فان اللّه سبحانه لا يعلم ما جهرت به فقط، و انما أيضا يعلم خلفيات جهرك، ان كلّ كلمة ينطقها الإنسان جهارا قد يكون من ورائها ألف مقصد و مقصد و كلّ ذلك قد أحاط به اللّه علما.
(1) المصدر/ ص 369.
من هدى القرآن، ج7، ص: 129
اللّه يتجلى:
[8] اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى كلّ ذلك الجمال و الجلال و تلك العظمة التي نشاهدها في الموجودات المخلوقة من حولنا انما هي آية لأسماء اللّه سبحانه و تعالى، و انعكاس منها على الطبيعة، أنت تبحث عن الجمال و عند ما ترى شيئا جميلا فانك تبحث عما هو أجمل منه، و تبحث عن القوة، فإذا رأيت قويا تبحث عمن هو أقوى منه، و تبحث عن العظمة فاذا رأيت عظيما تبحث عمّن هو أعظم منه، لان قلبك انعكست عليه أسماء اللّه الحسنى، أسماء الجلال و الجمال و العظمة التي هي للّه، فلا يقتنع القلب بالمخلوق، بل لا يبحث عنه حقا.
/ 111 و أسماء اللّه تشير الى صفاته و هي كثيرة، منها ما أوتي البشر علمه، و منها ما أوتي الأصفياء من البشر فقط علمه، و منها ما هو غيب لا يعلمه إلّا رب العزة، و
قد جاء في حديث نبوي شريف :
«إن اللّه سبحانه و تعالى تسعة و تسعين اسما من أحصاها دخل الجنة
» «1»
(1) تفسير نور الثقلين/ ج 3/ ص 373.
من هدى القرآن، ج7، ص: 130
[سورة طه (20): الآيات 9 الى 16]
[اللغة]
10 [بقبس]: القبس هو الشعلة للتدفئة.
من هدى القرآن، ج7، ص: 131
/ 112
النداء المقدس
هدى من الآيات:
في اطار موضوع سورة طه التي تتحدث عن علاقات البشر بالدنيا و زينتها من جهة، و رسالات اللّه و قيمتها من جهة ثانية، يتساءل السياق هنا: هل سمعت قصة موسى حينما حار بأهله في الصحراء فرأى نارا فذهب إليها ليأتي منها بقبس، أو يجد هدى، ليعرف كيف يخرج من أزمته؟
و حين وصل إليها ناداه الرب: إني أنا ربك، و أمره بأن يخلع نعليه لأنه في مكان مقدس، و أخبره بأنه اختاره لرسالاته، و عليه أن يستمع إليها، و هي عبادته، و إقامة الصلاة لذكره، و الايمان بالساعة التي لا ريب فيها، و حينها تجزى كلّ نفس بما تسعى، و التحصن ضد من يصدون عن الساعة لأنهم لا يؤمنون بها و يتبعون أهواءهم، و هم يريدون هلاكه.
كما ان الإنسان يفيق في الصحراء من الغفلة و الضلالة فتحيط به الظلمات، و تلاحقه عوامل الخوف، فيبحث عن مشعل يستضيء به، و عن دفء يأوي إليه ...
من هدى القرآن، ج7، ص: 132
كذلك موسى كان في تلك الليلة المظلمة الشاتية يسير في صحراء سيناء يبحث عن دفء و عن نور، يبحث عن دفء يعالج به البرد القارص و عن هدى و نور يضيء به طريقه، فحينما رأى نارا من بعيد، كانت تلك النار بالنسبة اليه «أنسا» فاقترب إليها فاذا بها خير من النار و من النور، انها (الرسالة) التي تعالج مشكلة الإنسان، معالجة جذرية، فتسيّر سفينة عقله/ 113 و تذكره بربه و تخط له خطا مستقيما الى اللّه.
إن تصوّر موسى في تلك الليلة، في تلك الصحراء، الى جانب وادي طوى، و هو يكلم اللّه، و اللّه يكلمه و يناجيه، تصور هذا المنظر يبعث إلينا مشاعر مختلطة من السرور و الرهبة.
فمن جهة نشعر باننا حينما نضيع في صحراء الحياة فلا بدّ أن نجد ربا يأخذ بأيدينا، ربا رحيما و دودا الى درجة أنّه يحدثنا. ترى أن اللّه يناجي موسى بعبارات قصيرة، و لكنّ موسى يتحدث حديثا طويلا، حديث موسى مع ربه يكون بنفس طويل، لأنه وجد في حديث ربه أنسا، كان يريد أن يبقى طويلا مع ربه، برغم انه كان قد ترك أهله ينتظرونه ليرجع إليهم بالدفء و الهدى، و هذا هو دائما منظر الإنسان و حالته و علاقته مع ربه في الحياة، و هي علاقة الأخذ من دون تكلف، و الاهتداء به من دون خشية أو رهبة.
و يبعث فينا هذا التصور الرهبة، حيث نخشى بأن يتركنا الرب إذا تركنا هداه.